< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/10/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ مقدمة الواجب

 

الواجب المعلق

إمكانية الواجب المعلق

كان الكلام في ان قيود الوجوب فيها قيود شرعية وقيود عقلية والقيود الشرعية للوجوب تأخذ انتشارا وتوزيعا بلحاظ كل مراحل الوجوب الا انه دخل هذه القيود الشرعية في كل مرحلة من مراحل الحكم يختلف عن كيفية دخالتها عن مرحلة أخرى. هذا امر لابد ان يصير واضحا.

كما ان القيود العقلية كيفية دخالتها يختلف لكن جامع القيود العقلية انها غير دخيلة في الملاك. قد تكون دخيلة في الفعلية التامة للتكليف وقد يتصور على بعض الاقوال والمباني او قد يتصور في الفاعلية التامة او الناقصة او التنجيز لكنه غير دخيلة في اصل الملاك والمشروعية. هذا بيان جامع للقيود العقلية انها أيضا تتوزع على المراحل المختلفة والقيود الشرعية أيضا كذلك.

المشهور ليسوا كالميرزا النائيني ما أن يروا قيدا شرعيا يجعلونه قيدا في اصل الفعلية واصل الملاك واصل المشروعية. هذا مبنى الميرزا النائني لكن المشهور ليسوا هكذا بل يلاحظون ان الشارع اخذه في أي مرحلة.

نقطة أخرى: مرت بنا مرارا لكنه تنسى وهي ان الحكم الشرعي في كل مرحلة له اسم. مثلا لما يقال امتناع التكليف او استحالة التكليف واستحالة الخطاب ان التكليف ليس اسما للحكم الشرعي في كل المراحل بل التكليف بالدقة اسم للحكم الشرعي في مرحلة التنجيز او ربما ما يسبقها من الفاعلية التامة، باعتبار انه فيه كلفة وعهدة. فاذا التكليف ليس اسما للحكم الشرعي في كل المراحل وهذا خلط بين اوصاف الحكم وأسماء الحكم مع اصل ذات الحكم وسبب ارباكا كثيرا في المعاني والاقوال والمباني.

مثلا كلمة الخطاب انها ليست اسما للحكم في كل المراحل قد يطلق الخطاب على المرحلة الفاعلية للحكم سواء الناقصية او التامة. الخطاب نسبة بين المخاطِب والمخاطَب يعني التحريك. قد يطلق الخطاب على هذه المرحلة فإذا امتنع الخطاب بسبب القيود العقلية او الشرعية لا يعني ان الحكم ممتنع ماهية بل انما هذه المرحلة ممتنع مرحلة الفاعلية وهي مرحلة التحريك.

مثلا الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار يعني الحكم الاختياري والتكليف الاختياري فلا ينافي الاختيار تكليفا وعقوبة. هذا مبحث كلامي اثاره الميرزا النائيني في اجتماع الامر والنهي والشرط المتأخر والسيد الخوئي تبع استاذه النائيني وصاحب الكفاية. هذا المطلب «الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار خطابا وتكليفا او عقوبة» مثل من رمى نفسه من شاهق والان في وسط الطريق هو مكلف ومخاطب مع انه لا يمكنه الامتثال. لان هذا الامتناع عن القدرة على اهلاك نفسه وسط الطريق بسبب اختياره والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار. لكن لا ينافي الاختيار في العقوبة او التكليف؟ العقوبة بعد الاستحقاق وبعد التنجيز او التنجيز وما بعده فالامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار من جهة العقوبة. فماذا من جهة التكليف؟ بعضهم قال ان التكليف أيضا لا ينافي الاختيار لان التكليف كان من جهة امتثاله وهو اعجز نفسه والبعض قال ان التكليف ينافيه والبعض اكثر من ذلك ينافيه تكليفا وينافيه خطابا لانه لا يمكن خطابه وسط الهواء أن لا تقتل نفسك. الامتناع بالاختيار ينافي الاختيار خطابا وان لم ينافيه عقابا. حتى هذه المباحث خطابا وتكليفا وعقوبة هذه كلها مراحل للحكم وليست هي عين ذات الحكم فيجب ان نفرق بين ذات ماهية الحكم لا سيما في الفعلي او الفعلي الناقص وبين المراحل الأخرى للحكم لها أسماء واوصاف وكثيرا ما الاعلام يتخذون اسم الحكم في هذه المرحلة لاصل ماهية الحكم لكن هذا ليس صحيحا. من ثم هم ارتكازا مثل السيد الخوئي يقولون الحكم ما موجود لكنه ملاكا موجود. فالمدلول ما هو؟ فلاحظ ارتكازا انهم يشعرون ان الحكم وملاك الحكم موجود فلا أقل الحكم بدرجة الحكم الاقتضائي موجود او الفعلي الناقص او ما شابه ذلك. اسموها بمرحلة الملاك والحال انها مرحلة الحكم الاقتضائي. على كل هذه النكات جدا مهم ان لا نخلط بين اصل ماهية الحكم وبين اوصاف الحكم وأسماءه بلحاظ المراحل.

اذا نرجع الى الواجب المعلق. ان الواجب المعلق القيد فيه قيد لنفس الواجب وليس للوجوب. هذا بالنسبة الى خصوص القيد الذي علق الواجب عليه هذا القيد «لا القيود الأخرى كما مر بنا ان البحث في الوجوب والواجب نسبي ان الواجب بالنسبة الى هذا القيد مشروط بشرط مقارن فكل قيد له شأنه الخاص، إذا ليست القيود في الوجوب على وتيرة واحدة فوجوب الواجب بحاظ قيد معين مطلق وبلحاظ قيد اخر مشروط. القيد في الواجب المعلق قيد الواجب» جملة من الاعلام منهم السيد الخوئي ان القيد في الواجب المعلق لما يكون غير مقدورا فلا محالة دخيل في الوجوب ان كل قيد للواجب غير مقدور يعني لا يكلف الشارع اليه وله دخل ما في الملاك فبنى الميرزا النائيني انه قيد الوجوب ومر ان مبنى المشهور سيما المتقدمين انه غير صحيح. كونه غير مقدور وليكن غاية الامر انه قيد عقلي. أيا ما كان باي دليل نجرجر هذا القيد الى الوجوب غاية الامر هو قيد الواجب اما ارجاعه الى الوجوب يحتاج الى الدليل.

معادلتان كليتان: كل قيد للواجب هو قيد الوجوب وكل قيد للوجوب قيد للواجب هاتان المعادلتان لهما معنى آخر. كل قيد الوجوب قيد الواجب لا انه قيد الواجب حقيقة وبما لقيد الواجب بما له من الاثار والخصوصيات، كما ان كل قيد الواجب يكون قيد الوجوب ليس بالمعنى الاصطلاحي. المراد ان الضيق والتقييد والتضييق الذي يحصل على الطرفين يسري الى الطرف الاخر فضيق وتقييد لانهما مترابطان اذا اتضيق الوجوب اتضيق الواجب واذا اتضيق الواجب اتضيق الوجوب وصحيح وله آثار. ان التضييق من احدهما يسري الى الاخر له اثار. يعني بعبارة ان قيد الوجوب والواجب مشترك في هذه النكتة التضييق فقط. اما بقية المعاني لقيد الوجب حقيقة يسري لقيد الوجوب ليس هكذا المراد. اذا المراد معنى واحد من ان كلا منهما هو الاخر في الضيق وله اثر.

الصحيح ان الواجب المعلق هو من الواجب المطلق لكن ليس من الممتنع ان الشارع يجعل قيدا للواجب ويجعله قيدا للوجوب. اذا لم يجعله يكون واجبا معلقا وواجبا مطلقا بلحاظ هذا القيد. فالصحيح اذا ان الواجب المعلق من الواجب المطلق الا ان يجعل الشارع القيد قيد للوجوب.

اما السيد الخوئي بنى على ان الواجب المعلق ممكن وهو دوما من الواجب المشروط والشيخ الانصاري بنى على ان الواجب المعلق ليس من الواجب المعلق بل هو واجب مشروط يرجع الى وجوب مشروط. لكن كما مر ان الواجب المعلق الصحيح انه يشمل كل هذه الفروض.

بالنسبة الى اصل شرح وتعريف الواجب المعلق: ماذا عن ادلة إمكانه ووقوعه ومن قال بامتناعه؟ نقل صاحب الكفاية وقبله الشيخ الانصاري ان هناك من يذهب الى ان الواجب المعلق مستحيل. لان الواجب المعلق كما مر بنا هو تفكيك بين زمان الوجوب عن الواجب. طبعا لما يقال تفكيك يعني ان بدء الوجوب قبل الواجب ويبقى الوجوب بلا واجب الى زمن الواجب. فزمن الوجوب أوسع من زمن الواجب. هذا المقدار من التفكيك استشكل فيه جماعة. قالوا كيف الوجوب بدون انوجاب لان الوجوب مثل الإرادة كيف يمكن الإرادة بدون المراد؟ الوجوب منذ شهر المحرم والواجب في الشوال. اذا الواجب المعلق في نفسه ممتنع. هذا الاشكال مبنائي مبني على ان الوجوب إرادة تشريعية. اما اذا لم نبن على ان الوجوب إرادة بل بنينا على ان الوجوب معنى اعتباري ينوجد بالانشاء فاي ربط له بالارادة وآثار واحكام الإرادة. فلو سلمنا ان الإرادة ممتنع ان ينفك عن المراد فلا نسلم ان الوجوب هو الإرادة بل هو معنى اعتباري خفيف ينشأ.

ثم لو فرض ان الوجوب إرادة فما هي الإرادة؟ هذا مبحث كلامي معقد سبق ان الأصوليين بحثوه في مبحث الجبر والاختيار في مبحث الأوامر ان الإرادة ما هي؟ هل الإرادة هي الشوق المؤكد؟ مبحث اختلفت فيها الأنظار شديدا. كما ان بين المتكلمين والفلاسفة فيه الاختلاف. الفلاسفة بنوا على ان الإرادة في الله تعالى عين ذات الله والمتكلمون بنوا على الإرادة فعل الله ومخلوق لله. حتى المشيئة الإلهية مخلوقة فكيف عن الإرادة. على أي تقدير من بنى على ان الحكم هو الإرادة مثل المحقق النهاوندي او آغا ضياء الدين العراقي في بعض الأبواب ويعدل عنه في بعض الأبواب. اما لا يثبت او يتخذ للحكم مباني واقوال ويقول لا مانع في تفسير الحكم بمباني مختلفة ويجعل الحكم خاصية متعددة. أيا ما كان فاذا بني على ان الحكم هو الإرادة بحث آخر.

حتى لو بني على ان الحكم هو الإرادة فالارادة ما هي؟ الانسان قاصد ان يذهب الى مسافة والمقصد النهائي له هو كربلاء المشرفة فمن الان يبدأ بالمقدمات ويركب السيارة فالارادة موجودة بالاطلاق العرفي او أي اطلاق لكن المراد ما موجودة. فما معنى للإرادة؟ هل هناك إرادة كلية تتولد منها الارادات المتوسطة؟ او هي إرادة جزئية التي لا تنفك عن المراد؟ والا دوما المطلوب له المقدمات والغايات المتوسطة والغايات النهائية فما المراد ان الإرادة لا تنفك عن المراد؟ فليس كل الارادات بالنسبة الى كل المرادات كن فيكون بل فيه تخلل. مع اننا ذكرنا في مبحث المعارف ان عالم الامر الذي هو عالم كن فيكون عند المتكلمين والفلاسفة حتى الفرق الأخرى حتى الشيخ احمد الاحصائي بنوا على انه عالم المجردات لكن فيه شواهد عقلية واضحة انها ليست عالم مجردات. كن فيكون. هو عالم زماني لكن زمانه الطف من الجنة ولا يدرك. حتى الروح من امر ربي ومن عالم الامر من عالم جسماني لكن عالم لطيف الطف. من صغر الزمان ولطافة الزمان لا يشعر به كانه عالم مجرد. كلمح البصر زماني أيضا او هو اقرب أيضا زمان. على كل لسنا في صدد هذا المطلب. دعوى عدم انفكاك الإرادة عن المراد ليست سليمة وليست مقبولة. بحث الإرادة والمراد بحث مفصل عقلي وكلامي يجب ان ينقح الانسان جيدا لعلم الأصول والفقه والعقائد سيما لاختلاف الارادات والعوالم.

الدليل الثاني امتناع الشرط المتأخر. قال باستحالة الواجب المعلق الميرزا النائيني لامتناع الشرط المتأخر. أولا لم نلتزم ان الواجب المعلق واجب مشروط بالشرط المتأخر ثم لو سلمنا انه واجب مشروط بالشرط المتأخر فهو ليس ممتنعا عندنا.

الدليل الثالث ان القدرة ما موجودة اذا الوجوب يحرك الان نحو الواجب فالواجب غير مقدور. الجواب انه أولا القدرة على مقدماته موجودة ثم الواجب لازم القدرة عليه في زمانه وظرفه وليس لازم القدرة عليه غير ظرفه. فالصحيح اذا إمكانية الواجب المعلق وما قيل باستحالته غير وارد.

يبقى كيف يمكن استظهاره من الأدلة؟ هذا بحث اثباتي مهم نخوض فيه غدا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo