< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ، مبحث الأوامر، مقدمة الواجب

كان الكلام في تصوير الشرط المتأخر بالنسبة الى الوجوب او الشرط المتأخر بالنسبة الى الواجب وتقدم ان هناك عدة أجوبة للتساؤل أنه حتى في عالم التكوين مثل هذا النمط والنموذج موجود ان الشيء المتأخر يؤثر في موطنه في الشيء المتقدم بعد كون هذه الأسباب علل إعدادية وليست علل فاعلية كي يكون من تخلف العلل الفاعلية او انفكاكه عن المعلول واجوبة عديدة أخرى مبسوطة مفصلة في بحوث الإضافة في المعقول. فهؤلاء مجموعة من الأجوبة بالنمط التكويني.

مجموعة اخرى من الأجوبة حول هذه الإشكالية انه كيف يمكن الشرط بمثابة السبب متأخرا عن المسبب والمشروط ومر ان المرحوم صاحب الكفاية وسع الاشكال حتى للشرط المتقدم غير المقارن. فنمط من الأجوبة يعتمد على كون البحث في التشريع من عالم القانون وعالم القانون عالم اعتباري وليس عالما تكوينيا والاعتبار خفيف المعونة وبالتالي اذا لا اشكال في عالم الاعتباريات ان لا تجري فيه ضوابط العالم التكوينيات وهذا مبنى يعتمدونه كثيرون في مباحث الفقه والقانون ان جانب الاعتباري لا نقحم فيه احكام التكوين وهذا المبحث ليس بشيء سهل بل هذا المبحث يترتب عليه كثير من الأمور. مثلا قضية الترتب بين المتزاحمين او الترتب في التعارض او الترتب في الجعل او الورود او احكام الرتبة والمراتب بين الاحكام. طبعا احكام الرتبة يجري في أبواب عديدة.

السيد الخوئي تارة لا يراعي ويقول هذه قضايا اعتبارية ولا يرتبط بالتكوين وبعض الاعلام يراعونها، مثلا فيه مبحث من المباحث الحساسة الأصولية هل الاحكام الشرعية فيها رتبة ومراتب او هي احكام زمانية؟ هذا يرتبط بهذا المطلب ان الضوابط التكوينية تجري في القضايا القانونية الاعتبارية او لا تجري ام فيه تفصيل؟ في بحث اجتماع الامر والنهي البعض ذهب الى جواز الاجتماع لان الاحكام اعتبارية وهذه الضابطة سيالة في معالجة احكام الشرعية سواء في بحوث أصولية او بحوث فقهية هل نظام التكوين يجري في الاحكام الشرعية او لا يجري؟

مر بنا قول من الاقوال يقول لا تجري مطلقا لانها اعتبارية وقول آخر قالوا ان الاحكام التكوينية مطلقا تجري ولو لاجل انها تنظم الاحكام الاعتبارية وقول بالتفصيل ان الامر الاعتباري ليس كل زواياه اعتبارية بل اغلب زواياه تكوينية وزاوية من زواياه اعتبارية. هذا بحث مهم. معرفة هذه الضابطة في نفسها مهم ومفيدة في موارد وبحوث كثيرة فيصير تفصيل، الزوايا التكوينية تكوينية والزاوية الاعتبارية لا يراعى فيها الضوابط التكوينية او يراعى حسب الاختلاف الموجود.

شبيه هذا البحث الانشاء هل الإنشاء اعتباري أو تكويني؟ جهة واحدة من الإنشاء اعتبارية لكن بقية الزوايا فيه تكوينية وهذا البحث موجود ان الزوايا كثيرة في الانشاء تكوينية مثلا نفس التلفظ بالالفاظ التي ينشأ ان الصوت واللفظ والمعنى في الذهن تكويني وزاوية واحدة منه اعتبارية وانشائية.

كما ان الإخبار في مأنوس الاذهان كانما محض التكوين بل هناك في الإخبار زاوية انشائية يعني لو تلفظ المتكلم بجملة خبرية غير قاصد للإخبار بها، لا يقع الإخبار. تلفظ متكلم بجملة خبرية ولكنه لم يقصد الإخبار بها لم يقع الإخبار مما يدل على ان الإخبار فيه نوع من الانشاء كما ان الانشاء فيه جانب الإخبار. يعني نفس الإخبار فيه جنبة اعتبارية. مثلا عندنا هذا النوع من الإخبار كما ان الامام اخبر راوٍ بخبر وقال: لا تخبر به أحدا. مع ذلك هذا الراوي يخبر به بقية ويسألون عن الامام هل انت اخبرته بكذا فيجيبهم الامام: كذب علي. وفعلا كذب لان الإخبار التزام بان المتكلم يحكي بإرادة جدية عن الواقع. لو كان المتكلم هزلا ليس إخبارا جديا. اذا التزم وفيه إرادة جدية. فعليه يمكن ان تكون للإنسان إرادة جدية أن يحكي لشخص الف ولا يحكي لبقية الناس واذا ذاك الشخص اخبر البقية أن فلان يخبركم كذب لانه ما التزم ان يحكي الآخرين. هذا نوع من الصدق والكذب الموجود في الروايات. يقول الراوي ان الامام يخبركم بكذا والحال انه علیه‌السلام ما التزم بإخبارهم. هذا نوع من إذاعة السر ونوع من الكذب. مرارا ذكرنا ان الكذب والصدق فيه جنبة العقل العملي وجنبة العقل النظري والصدق والكذب بالعقل النظري تكوينية اما الصدق والكذب بالعقل العملي قابل للتفصيل أنه يلتزم او لا يلتزم. فعلى كل هذا بحث مغاير ولكن شبيه لهذا البحث ان الإخبار ليس كل زواياه إخبار بل فيه زوايا انشائية كما ان الإنشاء فيه زوايا خبرية. كذلك في الحقيقة بحث الاعتبار والتكوين ان الاعتبار او الانشاء ليس كل زواياه اعتباري بل بعض زواياه تكوينية. الزاوية الوحيدة الاعتبارية فيه وجود المعنى الاعتباري لان وجوده وجود فرضي اما نفس ماهية المعنى الاعتباري تكوينية اقتبصها الانسان من التكوين ولو بلحاظ اجزاءها وآلة الانشاء وآلة الاعتبار تكوينية ومبادئ الحكم والمصالح والمفاسد تكوينية ففي الحقيقة زوايا الاعتباري كلها تكوينية وزاوية واحدة ليست تكوينية وهي وجود المعتبر وجودا فرضيا. هذا بناء على نظريات الاعلام في الاعتبار او النظرية القديمة التي تبنيناها اما النظرية الأخيرة التي تبنيناها في الاعتبار حتى هذا الوجود الفرضي ليس وجودا فرضيا بل وجود واقعيا وانما ادراك اجمالي وابهامي له فعلى هذا المعنى واضح ان التكوين يجري فيه. فصورة مبهمة ومجملة ولا يمكن التدقيق في التفاصيل فيه بناء على النظرية الأخيرة التي تبنيناها في الاعتبار انه شيء تكويني وليس شيئا فرضيا وانما يسمى فرضيا يعني إدراكا ذهنيا مبهما كلامنا في الاعتبار بمعنى الاعتبار الجدي باعتبار ان القانون تارة صادق وتارة كاذب او فيه عادل وغير عادل وغير مطابق للواقع. فبناء على النظرية الأخيرة في الاعتبار انه امر تكويني وحتى وجوده امر تكويني انما ادراكه مبهم ومجمل فيسمى الاعتبار.

ما الفرق بين الاعتبار العقلي والفلسفي والاعتبار القانوني على نظريات المشهور؟ ما هو الاعتبار الفلسفي؟ يقولون ان الاعتبار الفلسفي تكويني كله. لم سمي اعتبارا في مباحث العقليات؟ يوضح البحاث المعقول ان الاعتبار في العقليات تكويني سمي اعتبارا لنكتة واحدة ببيانين نكتة انه مبهم وليس مفصلا نفس نظريتنا في الاعتبار القانوني والنكتة الثانية ان منشأ الاعتبار له وجود خارجي لكن هو نفسه وجوده ذهني. هذه النكتة عين النكتة الأولى لكن ببيان آخر. عين النكتة الأولى يعني وجود الاعتبار في الخارج وجود اندماجي مبهم وغير مبين وهذا المجمل يأتي في الذهن فيبلوره ويفصله. فالاعتبار العقلي سواء في الكلام او الفلسفة فيه منشأ الاعتبار والانتزاع تكويني اما الاعتبار وجود ذهني تكويني وليس تكوينيا خارجيا. هذا البيان نفس البيان الأول يعني بالتالي الذهن لا يتمحل ويختلق شيئا عن نفسه والا يكون المعاني العقلية في الذهن الانتزاعية كلها اختلاق. اذا لها صلة بالخارج واذا لم يكن لها صلة بالخارج فيكون سفسطة. كيف ينتزع الذهن من السقف الفوقية ولا ينتزع منه السفلية. اذا المنشأ ليس امرا تلاعبيا واختلاقيا. شبيه قولهم اصالة الوجود واصالة الماهية احدهما اصيل والآخر انتزاعي. الانتزاعي ليس اختلاقا من العقل انما يكتسبه العقل من الخارج وتوضيح هذا المطلب هو توضيح المطلب السابق انها بيان آخر لهذه النكتة ان وجوده في الخارج اندماجي مطوي لكن لما يأتي في الذهن يبلوره الذهن ويفصله شبيه شيء مثل الذرة بالمجهر يفصل. الصورة المجهرية يعبر عنها الانتزاع والصحيح هو هذا. لذلك لا يمكن للعقل ان ينتزع كيفما يشاء من الخارج لان جزئية الجزء غير شرطية الشرط. فبعض الأمور ليس لها وجود قائم مستقل يعني وجودها مندك وغير مستقل وهذه الأمور تأتي مجهريا في الذهن ويبسطها الذهن. هذا هو الاعتبار بالاصطلاح الفلسفي والعقلي. هذا في الحقيقة نفس ما تبنينا في باب الاعتبار مع فارق يسير والفارق هو ان الاعتبار القانوني الصادق لا الكاذب والهزل والعبث واللعب الضابطة فيه ان يكون صدقه غالبيا وليس من الضروري ان يكون صدقه مطردا كليا. يعني صورة مبهمة تكون صادقة اذا تكشف زاوية من الواقع وليس ضروريا ان تكشف كل زوايا من الواقع. طبيعة الصور المبهمة والاشياء المبهمة هي هذه انها تنكشف بعض زواياها ولا تنكشف كل زواياها. هذه هي النظرية الأخيرة في الاعتبار.

بناء على هذه النظرية الأخيرة فواضح ان الاعتبار تكويني غاية الامر نميز الاعتباري والتكويني بالإشارة الى ان هذا الادراك للواقع ادراك مبهم لا يكشف الواقع في كل تفاصيله بل يكشف الواقع في اغلب التفاصيل بناء على هذا فالاعتبار كل زواياه تكوينية. غاية الامر يمكن التسامح بالاعتبار لما مر ان الاعتبار ليس صورة تفصيلية تامة عن الواقع بحيث نحن نراعي كل زوايا التكوين. اذا ما اتضح من الاعتبار يضبط بالأمور التكوينية.

شبيه هذا المبحث من المعاجز العلمية من الأئمة سلام الله عليهم وما كان واضحا في الفلسفة اليونانية والفارسية وهو ان ما ندركه من الله عزوجل مخلوق ومصنوع ومردود الينا مع ذلك هذا الذي هو مصنوع بنا ننظر به للخارج. من هذا القبيل يعني ننظر به بشكل مبهم. يعني نميز الوجود الذهني عن الوجود الخارجي. مضافا الى ان الوجود الذهني وجود تكويني ويراعى فيه القضايا التكوينية. هذا اجمال قاعدة ان الاعتباريات تأتي فيه التكوينيات.

نأتي في المقام وهو الشرط المتأخر وهو بلا شك يكشف ان المنشأ الخارجي غير المقارن له تأثير وله دور سواء في الوجوب او الواجب لكن كما مر في الأجوبة التكوينية ان هذا التأثير من باب الإعداد وليس من باب العلل الفاعلية.

لا بأس بهذه الفائدة العقائدية ان الكثير من المعاجز او الكرامات في نظرنا يكون مستغربا وانا نظن ان الأسباب العادية للولادة او ذكورية الحمل او الشفاء ان أسبابها الفاعلية هي الأسباب المادية. ليس هكذا. فعل الله عزوجل من جهة الغيب كل فيكون. «أفرأيتم ما تحرصون» يعني تحركون البذرة والتراب. حارص الأرض يحركها «أأنتم تزرعونها ام نحن الزارعون» الصورة الجوهرية للزرع ما كان في عالم المادة بل آتية من عالم الغيب والسماء. من اين هي الصورة الجوهرية للحنطة والصورة الجوهرية للفاكهة؟ ما كانت في المادة. واضح انها كانت من عالم الغيب. انتم شغلكم فقط حركة المادة وتحريك المادة والصورة تجيء من غير هذا العالم. الاعداد في قضايا اعتبارية نفس الكلام. اذا المسألة محلولة في الشرط المتأخر سواء في شرط المتأخر للوجوب او الواجب. الاثارة عقلية وليست غير عقلية.

نأتي الى المقام الثاني في الشرط المتأخر: ان الحكم الشرعي وهو الوجوب او الحرمة او الكراهة او الحكم الوضعي اذا انشأ بلفظة اسمية نعم لا بأس. اما اذا انشأ بالهيئة الانشائية والهيئة معنى حرفي وهي كيف يمكن تقييده؟ هذا بحث في اصل الواجب المشروط سواء كان مشروطا بالشرط المتاخر او المقارن او المتقدم. هذا اشكال في أصل شرط الوجوب والاشكالية أصولية وليست فلسفية. وبعبارة أخرى كلمة لله وكلمة على الناس. اللام حرف الجر وعلى حرف الجر. الناس هو المجرور «حج البيت» هو الواجب وليس الوجوب. «لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا» بحسب علم النحو وعلم البلاغة وعلم المعاني بين نسب هذه الجملة. أي منها مبتدأ والعامل في الجار ما هو. على هذا التقرير يمكن ان يبين ان الاسطاعة دخيلة في ملاك حجة الإسلام او لا. بماذا؟ بالتدقيق في المعنى الحرفي. ما الذي هو العامل في الجار والمجرور؟ العامل يعني المرتبط والتقييد. نفس الجار والمجرور هو قيد وهذا القيد قيد لمن؟ فبحث العامل في علم النحو يعني المقيد والجار والمجرور بعني القيد. ما الفرق بين «لله» وبين «على الناس» على يعني الثقل والاستعلاء وهو تنجيز. «لله» الوجوب ملكية الفعل. الحكم الشرعي ملكية الله للفعل تشريعا. فالمعنى الماهوي للوجوب الفعلي يختلف عن المعنى الماهوي لتنجيز الحكم. اذا تريد ان تترجم للتنجيز الذي هو معنى اسمي بمعاني حرفية تأتي بحرف الجر «على» يعني الثقل. اللام ملكية. الوجوب الفعلي ماهيته ملكية الخالق من جهة التشريع. «ان لله خمسه» و«ما افاء الله ...لله» اللام للتشريع وليس للملكية التكوينية لان الله مالك كل شيء. الوجوب مع انه تكليف معناه يقول الاصوليون والفقهاء ملكية المولى للفعل فاذا مرحلة الفعلية للحكم لها معنى حرفي معين والمعاني الحرفية هي معاني اسمية لكنها مدمجة ومبهمة. ذكرت هذا البحث في هذا المثال لكي ابين ان تقييد الحروف والانشاء الاحكام له دور مؤثر على أساس ان تعرف الحكم ومراحل الحكم. التدقيق فيه له ثمار كثيرة. يعني تربط بين علم النحو علم البلاغة وعلم الأصول وعلم الفقه. لذلك يعبرون عن الحروف حروف المعاني تختلف عن حروف المباني مثل ضرب فالضاد في ضرب حرف مبنى وليس لها معنى. وان كان في علم الاشتقاق حتى الضاد لها معنى. دعونا عن علم الاشتقاق بل نحن وعلم الصرف والنحو. لام الجر حرف له معنى وليس حرف المبنى. «أأنتم اشد خلقا» الهمزة حرف المعنى وله معنى الاستفهام. هذا المعنى كيف تركبه بالهيئة الدالة على الوجوب او الحكم التكليفي او الحكم الوضعي. فتارة اللفظة الدالة على الحكم الشرعي هي اسمية وتارة هي حرفية. كيف تربط حرف بحرف من جهة نحوية ومن جهة أصولية ومن جهة عقلية؟ هذه المسألة حساسة جدا في يوميات أبواب الفقه. كيف تتم شرطية للوجوب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo