< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/11/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الحكمة والغاية في الفعل الإلهي

 

كنا في جملة من الجهات في أبعاد الوجوب ومر بنا الحديث عن مبنی الفلاسفة ومبنی المتكلمين وبالتالي مر بنا أن اشكال الفلاسفة علی المتكلمين ليس واردا في كل المواطن باعتبار أن هذا ليس نقصا في فاعلية الفاعل إنما نقص في قابلية القابل وإنما يتصور في غير المخلوقات المجردة عن الجسم يعني كما بينها الفلاسفة في عالم الاجسام هذه الشروط هي لاستكمال قابلية القابل وإمكانية القابل وتزود إمكانية القابل وليست راجعة لفاعلية الفاعل.

بل في عالم المجردات ورد ان الأسماء طبقات يعني الطبقة الأولی التي انشاها الله من الأسماء ليست كالطبقة الثانية ثم انشق منها الطبقة الثانية ثم انشق منها الطبقة الثالثة وهلم جرا، ففي عالم الأسماء هي طبقات وليست طبقة واحدة فيتبين إذاً في عالم المجردات أنها ليس كلها في درجة واحدة بالتالي الدرجة اللاحقة منها، صدور وخلق الطبقة الاولی مؤثر في الطبقة الثانية من ثم الاسم المنشق منه مهيمن علی الاسم الذي اشتق وهناك طبقات من الاشتقاق، فبالتالي هذا ليس نقصا في فاعلية الفاعل بل هو نقص في قابلية القابل، حتی في المجردات فكيف بك في غير المجردات.

نعم في أصل فاعلية الفاعل الصادر الأول او الاسم المستأثر الذي لم يخرج منه الی غيره أو ما شابه ذلك ليس هناك شرائط أو ما شابه ذلك ومر بنا أنه لما يقال ما من شيء يكون في السماوات والأرض الا بسبع مراحل، علم فشاء فأراد فقدر وفقضی فامضی هذا في ما له كون وفي الروايات ذكرت الكون السماوي أو الكون الأرضي لكن الظاهر حتی يمكن أن يسري الی كل عالم جسماني بأنحاء مختلفة.

بعبارة ملخصة فاعلية الباري في المجردات نمط وفي غير عالم المجردات بنمط آخر وليس يلزم من ذلك نقص في الباري وانما نقص في القابل ومدار الاختيار كما مر.

تتميما لهذا البحث ونختم: ما ذكره الاشاعرة من أنه لا يمكن ضبط أفعال الباري بغايات وأحكام عقلية لأنه يلزم من ذلك نقص في الشأن الإلهي. هذا صحيح وخطأ. كيف؟ إن الباري يفعل ما يفعل لغاية ويريد أن يستكمل بها، بلا شك هذا باطل وخطأ. بلا شك أن الله تعالی لا يفعل ما يفعل لأجل غاية يريد أن يصل إليها، يعني الغاية للفاعل والغاية تتصل بالفاعل وإذا أريد بذلك أن هناك قانونا تكوينيا مهيمنا علی أفعال الباري او علی فاعلية الباري أيضا هذا لا يمكن تصوره، لأن كل التكوين قائم به فكيف يكون قاهرا عليه؟ فليس قانون تكويني قاهر او مهيمن علی الباري. من ثم يفعل ما يشاء. هذا صحيح

لكن رغم ذلك ليس معنی ذلك أن أفعال الله ليس فيها القانون والحكمة، لكن هذه الغايات ليست غايات للفاعل وهو ذات الباري بل غايات للفعل باعتبار أنه مخلوق وممكن يتكامل بها، ففرق بين غايات الفعل للفعل وبين غايات الفعل للفاعل. يعني لم يفكك الأشاعرة بين الفعل كممكن و بين الفاعل.

شبيه مبحث قبل أيام مر بنا عند السلفية او العرفاء؛ أن الباري قريب من خلقه لا يعني أن المخلوق قريب من خالقه. الباري تعالی قريب حتي من العصاة، هل هذا يعني أن العصاة قريبون عند الله؟ لا، قرب الله يعني أن هيمنته وسيطرته علی العصاة والطائعين سواء ولا يتخيل متخيل أنه بطاعة الطائعين هيمنة الله تكون علی الطائعين. هيمنة الله لا يؤثر فيها الطاعة ولا يؤثر فيها المعصية ويشير الی ذلك القرآن الكريم و الإمام زين العابدين عليه السلام أن الذين يعصون الله يظنون أنهم سبقونا ساء ما يحكمون» كذلك في الطاعة أنها لا توجب ازدياد هيمنة الله علی العبد، ابدا. هيمنته علی العبد قبل طاعته و مع طاعته و بعد طاعته سواء. فقرب الله عزوجل من المخلوقات لا يؤثر فيها الطاعة ولا يؤثر فيها المعصية. القرب يعني السيطرة والهيمنة ونافذية حكم الله. فإذاً الخالق والباري تعالی لا يصل اليه من خلقه شيء كي يتكامل بخلقه لا العصيان ينقصه ولا الطاعة تكمله أبداً. فقربه تعالی إذاً سيطرته وهيمنته أما قرب الممكن والمخلوق فذاك مطلب آخر، الطاعة توجب قرب الممكن والمعصية توجب بعد الممكن وبعده ليس معناه خروجه عن سيطرة الله بل بعده بمعنی بعده عن فيض الله وعن الاستفاضة من الله. فإذاً صفات المخلوق كثيرا ما حتی الفلاسفة او العرفاء او الصوفية أو أي باحث في المعارف يخلط بين صفات المخلوق وصفات الخالق في النسبة الموجودة بين المخلوق والخالق. هذا خطأ. إذاً غنی الله وحاكمية الله لا يقهرها قانون تكويني ولا حاكمية شيء معين. هو الذي يخلق التكوين كيف يحكم عليه؟

لكن كونه قاهرا علی التكوين لا يعني أن نظام فعله تعالی ليس له نظام وليس له قوانين تكوينية. مع أنها ليس قاهرة علی الله. لكنه بالتالي يرسمها وفق الحكمة «ما خلقنا السموات والأرض باطلا وخلقناهما بحق» الحق يعني الغاية. فالأشاعرة خلطوا بين صفات الخالق وصفات المخلوق.

أما التفويض فواضح أنه نوع من دعوة الاستقلال والاستغناء من المخلوق عن الخالق، طبعا المفوضة ربما المبرر لهم يعني الذي أوهمهم هذه أن أرادوا يبرؤن ساحة الباري من معاصي العباد وشرور العباد وهذا صحيح والباري منزه عن شرور العباد لكن ليس بمعنی أنه مستغني. نظام الشرور مبحث غامض في بحوث المعارف.

اجمالا أولا: الشر عدم وقد ينسب لبعض الوجوديات بلحاظ أن الشر عدمي، فالشر لا شيء وإذا كان الشر لا شيء فبالتالي هل يمكن أن يقال أنه له الها غير الله؟ هو ليس شيء كي يقال من موجده، أما وجود نظام الشرور العدميات في عوالم الخلقة والموجودات صحيح أن الشر لا يحتاج الی موجد لكن التحكم او الهيمنة او السيطرة عن عدم انزلاق المخلوقات الی التسافل والتناقص والسير بها الی جهة الكمال هذا تحت هيمنة وسيطرة الله.

في سورة النساء «إن اصابتهم حسنة يقولون من الله وإن أصابتهم سيئة يقولون منك» فيقول الله عزوجل ما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا قل كل من عند الله» ليس كل من الله. السيئة والحسنة ليس كل من الله بل كل من عند الله يعني كل تدبيره وقضائه وقدره والتحكم والهيمنة عليه يتم من عند الله. قل كل من عند الله تدبيره وتنظيمه والسيطرة عليه.

مثل ما مر بنا أن الدولة تعلم هناك جماعات شرور لكن لا يفرض نظام قانون يقيد الحريات ولكن تظل مراقبة لأصحاب الشر كي إذا أرادوا أن ينفلتوا تسيطر عليه، من باب تقريب مثال عقلائي. فلا يقال أن الدولة سبب الشرور، هي أعطت إمكانيات نموذجية فهؤلاء أصحاب الشرور انما استفادوا من الإمكانيات مثل الخوارج في دولة أميرالمؤمنين كان يدري بهم عليه السلام لكن ما دام لم يحملوا السلاح ولم يواجهوا الدولة ما كان اميرالمؤمنين يواجههم. المقصود حينئذ لا يقال سبب شرور الخوارج كان أميرالمؤمنين، فإذاً الدولة تقوم بالتحكم علی الأشرار لكن لا تصدر الشرور منها. هكذا بلا تشبيه بين حاكمية الباري مع العصاة أو أصحاب الشر بل باري تعالی أعظم من هذا المثال يعني حتی كل شر يصدر من أصحاب الشر لا يجعل الله يحيط بالمظلوم بل يحيط بالظالم بنفس صاحب الشر، هذه معادلة عظيمة عند الله لا يحيط المكر إلا بأهله. العلامة الطباطبائي في الميزان في ذيل هذه الاية «ان الله بالغ امره» يعني في المشروع الإلهي الفرعون والنمرود وهامان حتی السقيفة هم يظنون أنهم سدوا مسير الإصلاح، البعض يخلط، تعال توضّح للصوفية والعرفاء أن يفككوا بين فعل أهل الشر وحاكمية الله تعالی. جماعة من التقريب أيضا خلطوا وقالوا حكومة السقيفة أيضا مشروع والحال ليس هكذا بل لازم أن نميز بين المطلبين.

ظلم الظالم شر ولا يريد الله أن ينفي شريته لكن يقول هذا الظالم عندما يفعل الشر يظن أن الأمور والمسير تسير في الخارطة التي صورها لكن الله يسيرها نحو أن الظلم يكون بصالح المظلوم بأنفع ما يمكن ان يكون .هذا هو معناه. لا أن الظالم ظلمه سلاح. للأسف هذا موجود عند العرفاء جمهور العرفاء ليسوا بعرفاء. وبنوا علی أن كل شيء يرونها انها وحي منزل أو هو الواقع لا غير مع أن الأنبياء أيضا وحيهم متفاوت ولو اكتفی النبي موسی بما يوحی اليه عما يوحی الی سيد الأنبياء ...

لماذا أميرالمؤمنين يتبع رسول الله؟ إن الذي عند رسول الله لا يمكن أن لا يتبعه اميرالمؤمنين. فكيف بك بغيره. قضية العرفاء والمكاشفات لا أقول ان العرفان ليس علما وليس لغة للمعارف. نعم، لكن ليس كل ما يتوصلون اليه من النتائج هي الوحي أو تمام الواقع بل فيه قضايا خلط. لاحظ القضية بين النبي موسی وخضر فكيف بك بغيره من الأنبياء وغير المصطفين.

المقصود أن هذا خلط بين حاكمية الله علی الشرور لا يعني أن أهل الشرور ليسوا بأهل الشرور ليس معناه ان الله أمرهم بالشرور. إذا كانت الشرور تصب في صالح الغايات إذا الشرور هي الصلاح ولا بدمنها هذا أيضا خطأ وليس صحيحا. لكن الله عزوجل طاعة الطائعين لا تؤثر في مسيرته شيء إن الله بالغ أمره. عصيان العصاة لا يؤثر في مسيرة مشروع الله شيء. إن الله بالغ أمره. لا طاعة الطائعين توثر في إنجاح مشروع الله ولا عصيان العصاة يؤثر في إنجاح او عدم إنجاح مشروع الله. إن الله بالغ امره. فلا نصر العباد يؤثر في إنجاح مشروع الله لأنه هو الله القاهر المهيمن وعصيان العصاة لايؤثر. هو يسبق علی عباده الفيض لا أنه يستعين بعباده للفيض. إذاً شر الشرور ينقصهم من فيض الله و لا يؤثر في مشروع الله سواء أطاعوا أو عصوا. مشروع الله هو هو سيسير ويبلغ غايته إن الله بالغ أمره من ثم سيد الأنبياء أخوف الخلق من الله. لأنه حتی وجود سيد الأنبياء وطاعة سيد الأنبياء لا تقدر الله علی شيء. هو الله بالغ أمره فكيف بك بمن دون سيد الأنبياء. الحديث طويل لا أريد أن أتوسع في اشتباهات العرفاء او الصوفية.

بقي شيء لابد من التعرض اليه قبل أن ندخل في صيغة الأمر ودخولنا في صيغة الأمر بالإقتضاء.

قضية العقاب لماذا يتعرض اليه الأصوليون هنا؟ هم ليسوا متكلمين لماذا يضطر الأصوليون في الخوض في فلسفة العقوبة وحقيقة العقوبة؟ لازم ان نشرحها.

يعني كل مبحث الحجج يقوم علی تصور فلسفة العقاب والعقوبة وإلا لا يتم، من ثم اختلف الاصوليون في مباحث الحجج بسبب اختلافهم في فلسفة العقاب والعقوبة.

إن شاء الله نخوض فيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo