< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مباحث الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الوحي وفوارق العلم والمشيئة والإرادة

 

كان مقررا أن نبدأ في مقولة الجبر عند الاشاعرة ونظام العلية والمعلولية عند الفلاسفة لكن قبل ان نبدأ بهذين المقامين لكي لا يعترض الاخوان أن مررنا مرورا فتوائيا بهذه المباحث باعتبار أن التوسع فيها بحث كلامي محض او فلسفي محض لكن من باب تذكير الاخوة نذكر جملة من الروايات.

كما مر بنا أن تفسير الإرادة بالعلم ومن ثم جعل الإرادة صفة ذاتية للباري تعالی أنها تحوير لمعنی الإرادة هذا موجود عند العلامة الطباطبايي في النهاية في موضع منه في أخرياته أنه يعترف أن الذي قرره الفلاسفة وهذه الأدلة التي ذكرها الفلاسفة لجعل الإرادة ذاتية في الصفات الإلهية هذا تحوير لمعنی الإرادة وليس هو الإرادة وإنما هو من قبيل العلم.

أمس مر بنا أن المعاني الكمالية والكمالات صحيح ليست هي ماهوية لكن بالتالي بينها تمايز، تمايز بين العلم والقدرة والإرادة والحياة والاولية والاخرية كمالات كثيرة وإن لم تكن ماهوية فصحيح أن هذه ليست ماهيات لكنها بالتالي ليست مندمجة في بعضها البعض بل متمايزة فتحوير الإرادة الی العلم بالتالي لم يكن تقريرا لكون الإرادة ذاتية وهذا شيء جيد يعترف به العلامة أو جعل الإرادة مشيئة المشيئة شيء والإرادة شيء آخر. أصلا هذه المباحث الذي غاص فيها الفلاسفة لو راجعوا بيانات الوحي العقلية لشاهدوا معادلات وقضايا مهمة جدا لذلك نقرأ بعض الروايات التي تتضمن بيانات معادلية عقلية، ما الفرق بين العلم والمشيئة؟ نفس هذا المبحث عقلي غامض الفلاسفة في حيرة حتی العرفاء.

طبعا جمع بيانات العترة والقرآن في منظومة واحدة يحتاج الی جهد جهيد وليس بشيء سهل . لكن أيا ما كان في رواية يرويها الكليني في أصول الكافي من باب نموذج لتبيان الفرق بين العلم والمشيئة والإرادة والقدر والقضاء إذا تراجع كلام الفلاسفة يقولون أن القضاء أحد مراتب العلم والقدر أحد مراتبه. لا اشكال في ذلك لكن ما هو المائز بين العلم والقدر؟ علم الله وشاء وأراد وقدر وقضی. اتفاقا عندهم القضاء أوسع من القدر بينما في بيانات الوحي القدر أوسع من القضاء هذه من المفارقات. القضاء عند الفلاسفة كلي والقدر جزئي بينما في الوحي القدر أوسع من القضاء ومن هذا القبيل كثير في تقرير ذاتيات معاني الأمور.

رواية يرويها الكليني في الجزء الأول من أصول الكافي الصحيفة 148 رواية 16 في باب البداء. بعد باب البداء يعقد الكليني بابا في العلم والمشيئة يعني بعد هذه الصفحة وهناك بيانات عقلية تحفة في هذا المجال.

يرويها الكليني عن حسين بن محمد من مشايخه الأجلاء عن معلی بن محمد البصري يمكن توثيقه لكن لم يوثق بانه اثنا عشري قد يرمی بالوقف. اجمالا المفاد عقلي مهم مروي عن الكاظم عليه السلام أو ربما الهادي عليه السلام لأن العالم قد يطلق علی الهادي وعلی الامام الحسن العسكري للتقية علیهم‌السلام. لكن هنا ظاهرا أطلق علی الكاظم عليه السلام.

قَالَ: سُئِلَ اَلْعَالِمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَيْفَ عِلْمُ اَللَّهِ قَالَ عَلِمَ وَ شَاءَ وَ أَرَادَ وَ قَدَّرَ وَ قَضَى وَ أَمْضَى فَأَمْضَى مَا قَضَى وَ قَضَى مَا قَدَّرَ وَ قَدَّرَ مَا أَرَادَ فَبِعِلْمِهِ كَانَتِ اَلْمَشِيئَةُ وَ بِمَشِيئَتِهِ كَانَتِ اَلْإِرَادَةُ وَ بِإِرَادَتِهِ كَانَ اَلتَّقْدِيرُ وَ بِتَقْدِيرِهِ كَانَ اَلْقَضَاءُ وَ بِقَضَائِهِ كَانَ اَلْإِمْضَاءُ وَ اَلْعِلْمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى اَلْمَشِيئَةِ وَ اَلْمَشِيئَةُ ثَانِيَةٌ وَ اَلْإِرَادَةُ ثَالِثَةٌ وَ اَلتَّقْدِيرُ وَاقِعٌ عَلَى اَلْقَضَاءِ بِالْإِمْضَاءِ فَلِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اَلْبَدَاءُ فِيمَا عَلِمَ مَتَى شَاءَ وَ فِيمَا أَرَادَ لِتَقْدِيرِ اَلْأَشْيَاءِ فَإِذَا وَقَعَ اَلْقَضَاءُ بِالْإِمْضَاءِ فَلاَ بَدَاءَ فَالْعِلْمُ فِي اَلْمَعْلُومِ قَبْلَ كَوْنِهِ وَ اَلْمَشِيئَةُ فِي اَلْمُنْشَإِ قَبْلَ عَيْنِهِ وَ اَلْإِرَادَةُ فِي اَلْمُرَادِ قَبْلَ قِيَامِهِ وَ اَلتَّقْدِيرُ لِهَذِهِ اَلْمَعْلُومَاتِ قَبْلَ تَفْصِيلِهَا وَ تَوْصِيلِهَا عِيَاناً وَ وَقْتاً وَ اَلْقَضَاءُ بِالْإِمْضَاءِ هُوَ اَلْمُبْرَمُ مِنَ اَلْمَفْعُولاَتِ ذَوَاتِ اَلْأَجْسَامِ اَلْمُدْرَكَاتِ بِالْحَوَاسِّ مِنْ ذَوِي لَوْنٍ وَ رِيحٍ وَ وَزْنٍ وَ كَيْلٍ وَ مَا دَبَّ وَ دَرَجَ مِنْ إِنْسٍ وَ جِنٍّ وَ طَيْرٍ وَ سِبَاعٍ وَ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ فَلِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِيهِ اَلْبَدَاءُ مِمَّا لاَ عَيْنَ لَهُ فَإِذَا وَقَعَ اَلْعَيْنُ اَلْمَفْهُومُ اَلْمُدْرَكُ فَلاَ بَدَاءَ وَ اَللَّهُ «يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ» فَبِالْعِلْمِ عَلِمَ اَلْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا وَ بِالْمَشِيئَةِ عَرَّفَ صِفَاتِهَا وَ حُدُودَهَا وَ أَنْشَأَهَا قَبْلَ إِظْهَارِهَا وَ بِالْإِرَادَةِ مَيَّزَ أَنْفُسَهَا فِي أَلْوَانِهَا وَ صِفَاتِهَا وَ بِالتَّقْدِيرِ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَ عَرَّفَ أَوَّلَهَا وَ آخِرَهَا وَ بِالْقَضَاءِ أَبَانَ لِلنَّاسِ أَمَاكِنَهَا وَ دَلَّهُمْ عَلَيْهَا وَ بِالْإِمْضَاءِ شَرَحَ عِلَلَهَا وَ أَبَانَ أَمْرَهَا وَ «ذٰلِكَ تَقْدِيرُ اَلْعَزِيزِ اَلْعَلِيمِ »

قال سئل العالم عليه السلام كيف علم الله؟

«طبعا الرواة في ضبطهم لمعادلات العقلية التي يبينها المعصومون متفاوتون لأن هضم هذه المعادلات العقلية ليس بشيء سهل، فتری راويا يقدم وراويا يؤخر، إما الراوي المباشر او الراوي عن الراوي، فيجب أن يكون هناك مقارنة بين البيانات العقلية عنهم علیهم‌السلام لكي يلتفت الانسان الی موارد اشتباهات الرواة.»

قال: علم وشاء «فالعلم أوسع من المشيئة» وأراد «الإرادة تتتبع المشيئة والمشيئة أوسع» وقدر وقضی وأمضی.

هنا ذكرت ستة أمور وفي بعض الروايات سبعة لاختلاف الرواة في ضبط الروايات. هنا يحاول الامام عليه السلام أن يبين بعدة بيانات الفرق بين هذه المعادلات الست التي رواها الراوي.

فقال: فأمضی ما قضی «يعني الامضاء مترتب علی القضاء» وقضی ما قدر «القضاء مترتب وتابع ولاحق للقدر بينما الفلاسفة المشاء او المتعالية او الاشراق عندهم الغفلة يجعلون القضاء أوسع من القدر لأن أصل المعنی ما حقق عندهم و اكتفوا بما لديهم» وقدر ما أراد «فالقدر والتقدير يأتي بعد عالم الإرادة» فبعلمه كانت المشيئة «خلق الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسه. هذا البيان في هذه الرواية حاكم تلك الرواية، أي من العلم صدرت المشيئة» وبمشيئته كانت الإرادة وبارادته كانت تقديره «هذا بيان ثالث» وبتقديره كان القضاء وبقضائه كان الإمضاء «هذا بيان رابع نفس المطلب يبينه الإمام عليه السلام بعدة صياغات عقلية» العلم متقدم علی المشيئة

«شيء طبيعي. لاحظ روايات كثيرة في خلق الله المشيئة بنفسها وأنها بيان نسبي وليس مطلقا يعني بالقياس الی مشيئة أخری أما بلحاظ هذا البيان فبعلمه كانت المشيئة والمتقدم وجودا أشرف علی المتأخر وجودا» والمشيئة ثانية والإرادة ثالثة والتقدير واقع علی القضاء «مهيمن» والامضاء بعد القضاء. لله تبارك وتعالی البداء في ما علم متی شاء «يعني منطقة البداء بين العلم والمشيئة علی قدم وساق وأيضا لله البداء» في ما أراد لتقدير الأشياء «يعني بين الإرادة والتقدير أيضا بداء وأن الإرادة قبل التقدير» فإذا وقع القضاء بالإمضاء «يعني أن الإمضاء نهاية المطاف» فلا بداء

«يعني بعد القضاء الحتم أيضا فيه البداء لذلك عندنا في الروايات حتی القضاء المحتوم فيه البداء ومن ثم العلامات الخمس لظهور صاحب العصر والزمان؛ السفياني والحسني واليماني والصيحة وخسف البيداء محتومة لكن يمكن فيه البداء. إن الذي ليس فيه البداء هو قضية العجب كل العجب ما بين جمادي ورجب لأن فيه الرجعة والرجعة من الميعاد وليس في الميعاد والوعد التخلف. هذه علامة سادسة منفصلة حتمية تقع قبل ظهور صاحب العصر والزمان وهو رجوع الموتی من الأجداث الموالين لصاحب العصر والزمان أو المعادين له للحكمة من الله، فالرجعة غير مختصة للموالين، المهم فيبين أن القضاء والإمضاء أيضا يمكن فيهما البداء، نظير قوم يونس كان قضاء الحتم عليهم بالعذاب لكن قبل أن يمضي العذاب تضرعوا الی الله فرفع عنهم العذاب فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء. هذا البيان الأخير خطير جدا هو الذي من المحاور التي عجز عنها الفلاسفة وتفسير الفوارق في ذات المعنی بين العلم والمشيئة و والإرادة والتقدير والقضاء ما هو الفوارق؟ هنا يبين الامام عليه السلام بيانات عقلية لاتجدها الفيلسوف ولا المتكلم. يقول عليه السلام:» فالعلم في المعلوم قبل كونه والمشيئة في المنشأ قبل عينه والإرادة في المراد قبل قيامه والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيله وتوصيلها عيانا وَ وَقْتاً وَ اَلْقَضَاءُ بِالْإِمْضَاءِ هُوَ اَلْمُبْرَمُ مِنَ اَلْمَفْعُولاَتِ ذَوَاتِ اَلْأَجْسَامِ اَلْمُدْرَكَاتِ بِالْحَوَاسِّ مِنْ ذَوِي لَوْنٍ وَ رِيحٍ وَ وَزْنٍ وَ كَيْلٍ وَ مَا دَبَّ وَ دَرَجَ مِنْ إِنْسٍ وَ جِنٍّ وَ طَيْرٍ وَ سِبَاعٍ وَ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ «حتی الجن له الوزن والكيل واللون وإن لم نری، حتی الملائكة هكذا» فلله تبارك وتعالی «العين يعني الإمضاء والوجود العيان الخارجي» فإذا وقع العين المفهوم فلا بداء.

«هنا آخر بيان يوضح البيان السابق يوضح المعاني الذاتية لهذه المراتب وفرق العلم مع المشيئة مع الإرادة مع القضاء مع الامضاء» فبالعلم علم الأشياء قبل كونها «أي كون هذه؟ ليس الكون عيانا بل الكون الإنشائي انشاء الأشياء في عالم المشيئة قبل كونها العياني الخارجي» وبالمشيئة «ففي عالم المشيئة للأشياء كون وتقرر لكنه كون إنشائي يسمی عالم الإنشاء وليس هو عالم الإيجاد يعني الإيجاد العيني العياني الخارجي. ففي عالم العلم علم الأشياء إذاً تقرر للاشياء لا بشيئيتها بل تقرر للأشياء في العلم الإلهي، هناك لا يقال أنشأت الأشياء أو كوّنت لكنها لها التقرر وحظ من التقرر العلمي. الفلاسفة أجادوا بيان هذا المقطع أيضا.

هنا لب اللباب الذي يبين مراتب هذه الأمور فيقول» فبالعلم علم الأشياء قبل كونها «لا كونها الخارجي بل كونها الإنشائي، فللأشياء حظ من التقرر» وبالمشيئة «هل أتی علی الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، لا ينفي الشيئية بل ينفي المذكورية، إذاً تقرر الإنسان ثم تقرر الشيئية ثم تقرر أنه مذكور حسب بيان الاية. (لم يكن) واحد (شيئا) اثنين (مذكورا) ثلاثة فللإنسان تقرر علمي.» بالعلم علم الأشياء قبل كونها «الانشائي» بالمشيئة عرف صفاتها وحدودها وانشأها قبل إظهارها «إذاً العالم الانشائي بداية إنشاء الأشياء في عالم المشيئة يعبر عنه الكون الانشائي تعبير عقلي في الوحي وكلمات الفلاسفة والمتكلمين. في العلم فقط تقرر المعنی دون شيئية الشيء. شيئية الشيء وكون انشاء الشيء وكون شيئية الشيء في عالم المشيئة، هذا هو الفرق بين العلم والمشيئة.» وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها «الإرادة تتعلق بالأشياء مع تميز صفاتي وألواني، لا تكون الإرادة كالمشيئة، المشيئة متمحضة في شيئية الشيء أما الإرادة تتعلق بالشيء مع ملابساته من صفات وألوان ليتميز عن بقية الأشياء. فرق الإرادة عن المشيئة» وبالتقدير قدر اقواتها وعرف أولها وآخرها «يعني الحدود الزمانية والمدد الذي يمد به الشيء هذا هو التقدير وفرق الإرادة عن التقدير. فالارادة ليس فيها التقديرات الزمانية» القضاء يتعلق بالبعد المكاني للشيء لا فقط الزماني فرق القضاء عن القدر. القدر في الحدود الزمانية والملابسات الصفاتية ربما يقال العلة المادية للشيء. مثلا الانسان معنی كلي في هذا العصر لكن في أي قرن؟ فيه التكثر. كشيء كلي فالتقدير هي العلة المادية وفيه الحدود الزمانية والقضاء فيه التعيين المكاني» وبالقضاء أبان للناس أماكنهم ودلهم عليها. وبالإمضاء شرح عللها «العلل الموجدة إذا تعينت يكون الامضاء»

هذه ست مراحل بينت ببيان عقلي دقيق ست قضايا عقلية تميز بين العلم والمشيئة والإرادة. في محاجة الامام الرضا عليه السلام مع العمران الصابي كلما يريد الامام عليه السلام أن يوسع الفكرة في أن الإرادة غير المشيئة تصويرها صعب حتی بيان معنوي. المقصود هذه الرواية تحفة وفيه روايات أخری في الباب.

في أصول الكافي بابان باب لا يكون شيء في السماء إلا بسبعة أشياء. الكون السماوي يعني أرواحنا السبعة واجسادنا السماوية هذه لا تتكون إلا بسبعة أشياء ومراحل. والباب الثاني باب المشيئة. إذا أراد الانسان أن يجمع كل ما ورد عنهم من بيانات عقلية يجمعها بشكل عقلي وتحقيق يحتاج الی جهد جهيد.

إجمالا سلطت الضوء في هذا الجانب أن العلم يختلف عن المشيئة والاختلاف بالدقة ما هو وهذا بحث طويل عقلي ما هو معنی إنشاء الأشياء لا إيجاد عيانه الخارجي أو يعبر عنه في الوحي الكون الانشائي وغير العلم وغير الإرادة وغير القدر وغير القضاء وغير الامضاء. فهو في بياناتهم لا يكون شيء في السماء والأرض فماذا عن عالم الجنة وما فوق السماء بحوث أخری. لكن الفلاسفة دمجوا بين الإرادة والعلم والمشيئة. صحيح هذه مراتب من العلم لكن كل مرتبة تتميز عن اخری.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo