< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب الالفاظ/ الصحيح والأعم/ تنوع المركبات الشرعية والصحيح والأعم

كان الكلام في التمسك بالإطلاق في المعاملات وتبين أنه عند الشك في الصحيح العرفي بناء على القول بالصحيح لايمكن التمسك بالاطلاق لأنه الشك في الموضوع، أما بناء على القول بالأعم كما هو الصحيح فيمكن التمسك.

أما إذا كان الشك في الصحيح الشرعي فيمكن التمسك بالإطلاقات لأن المفروض هو عرفي وليس شرعيا ومر أن يقرّبها أن العقود العرفية سواء في باب النكاح أو الطلاق أو المعاملات المالية أو غيرها غير مخصوصة بالأسباب اللفظية الخاصة بلغة خاصة وإنما لكل قوم ألفاظها. بناءا على الإمضائية هكذا يقرّر إلّا أن يأتي دليل خاص لمعونة خاصة.

مر بنا أنه إذا كان المعاملات إسما للمسبب لا للسبب استشكل صاحب الكفاية وغيرها في التمسك بإطلاق الأدلة عند الشك في السبب وأجزاء السبب وشرائط السبب الايجاب والقبول بدعوى القدر المتيقن وأن الاطلاق في المسبب لا يستلزم الإطلاق في السبب فيكتفى بالمقدار اللابد منه الذي يتوقف عليه الإطلاق في المسبب وهو القدر المتيقن في الأسباب. هذا التقرير ذكره صاحب الكفاية.

أجيب عنه بعدة أجوبة: من أتقنها ما ذكره السيد الخويي وجماعة من أن الاطلاق في المسبب اطلاق استغراقي وليس بدليا ولما يكون الاطلاق استغراقيا فكل فرد من المسبب يوازيه فرد من السبب فبالتالي ينفى المشكوك أخذه شرطا أو جزءا، يعني حتى السبب الفاقد لذلك الشرط أو الجزء المشكوك معتبر لشمول الإطلاق للمسبب المتولد من ذلك السبب الناقص فيدل على إمضاء السبب الناقص وإن الجزء أو الشرط المشكوك غير مأخوذ بتقريب الاستغراق، فهناك فرق بين أحكام العموم الاستغراقي وبين أحكام العموم البدلي.

بعبارة أخرى: لو كان الدليل في جانب المسبب بدليا كما في ﴿أقم الصلوة لدلوك الشمس الى غسق الليل﴾[1] لإن العموم فيها بدلي وليس استغراقيا ففي العموم البدلي قد يقال أن لا يستلزم في لوازمه الاطلاق ويأخذ بالقدر المتيقن، لكن العموم الاستغراقي لوازمه استغراقية.

المقصود ان هناك فرقا بين شئون العموم الاستغراقي عن شئون العموم البدلي وأحكامه.

في المتوافقين العام والخاص أو المتوافقين المطلق والمقيد إصطلاحا لا يعبر عنهما بالتقييد ولا بالتخصيص بل يعبّر عنهما متوافقين، فمتى يحمل العام على الخاص الموافق له يعني يضيق شبيه نتيجة التقييد؟ ومتى يحمل المطلق على المقيد يعني يضيق المطلق؟ غاية الامر في باب التخصيص مورد الخاص خارج عن العام وفي مورد حمل العام على الخاص مورد الخاص هو مساحة العام.

في باب التخصيص والتقييد، العام والخاص المتخالفين أو المطلق والمقيد المتخالفين مورد الخاص أو المقيد يخرج من العموم والمطلق، أما في مورد حمل العام على الخاص المتوافق فمساحة الخاص هي مساحة العام لا أنها خارجة بل مساحة المطلق هي مساحة المقيد فيضيق المطلق والعام الى قدر المقيد والخاص. هذا لو حملنا المطلق أو العام على الخاص والمقيد الموافقين.

لكن متى يتصرف في العام الموافق للخاص ويضيّق؟ متى يحمل المطلق على المقيد ويضيّق؟ لماذا يتصرف ويحمل ماداما متوافقين؟ هذه المسئلة ابتلائية في كل الأبواب الفقهية، العام والخاص المتوافقان أو المطلق والمقيد المتوافقان نفيا أو إثباتا ومحل الابتلاء في الأبواب الفقيهة الكثيرة.

أقوال كثيرة لسنا في صدده، واحد الأقوال الشهير الذي اعتمده السيد الخويي هو أنه إذا كان العام والمطلق بدليين فيحمل العام على الخاص الموافق له لأنهما واحد. بخلاف ما إذا كان العام والمطلق استغراقيين فلا يحملان على الخاص والمقيد الموافق.

ففرق بين العموم الاستغراقي والعموم البدلي. لماذا؟ لها تفسيرات كثيرة. إجمالا إذاً شئون وأحكام العام البدلي والعام الاستغراقي يختلف فيما بينهما؛ منها ما نحن فيه أن الاطلاق في المسبب يستلزم الاطلاق في السبب لأن الاطلاق أو العموم في المسبب استغراقي وليس بدليا. ﴿أحل الله البيع﴾[2] استغراقي وكل بيع في نفسه مستقلا يمضيه الشارع فبالتالي لا معنى للقدر المتيقن.

إذاً الصحيح أنه إذا كانت أسماء المعاملات للمسببات فهذا لا ينفي إجراء الإطلاق في السبب بالتقريب الذي مر أن افراد المسبب يوازيها أفراد السبب ولامعنى لإمضاء فرد من المسبب من دون إمضاء الفرد الموازي له الذي يسبب له.

وهناك أجوبة أخرى أن أسماء المعاملات إسم للمسبب والسبب وبالتالي في كليهما يجيء الإطلاق وهذا أيضا لابأس به، يعني تارة اسم المعاملات يطلق على السبب وتارة يطلق على المسبب وأجوبة أخرى ولا معنى مع وجود تقريب الظهور وبنية الظهور في الإطلاق لتضييق نتيجته بالاحتياط بل تضييقها والتعويل على الاحتياط شبيه بالاجتهاد بالرأي المقابل للنص لان النص موجود فكيف ترفع اليد عنه وهذا من جهة علمية خلاف الاحتياط وخلاف الحجة المنجزة.

هذا تمام الكلام في الأسباب والمسببات وقبل أن ننتقل الى التنبيهات نذكر إجمال الدليل على الأعم سواء في العبادات أو المعاملات.

سؤال يطرح ذكرناه إجمالا لكن نعيده: المفروض أن الحقيقة الشرعية في العبادات لاسيما أو حتى عند العقلاء إذا كان من عندهم جعل وتقنين فكيف يجعل على الفاسد أو الجامع بين الصحيح والفاسد؟ غريب. ما هو الدليل على الوضع للجامع للصحيح والفاسد.

الجواب عن ذلك أن المراد من الصحيح في باب المعاملات أو العبادات ليس بمعنى الصحيح الفعلي بل لا محالة المراد منه الصحيح الاقتضائي وهذا الصحيح الاقتضائي هو فاسد فعلي بمعنى وصحيح اقتضائي بمعنى، لأنك لا تجد ماهية أو فردا للماهية الفاسدة إلا وفيه صحة اقتضائية فالفساد والصحة إضافيان ولا يمكن أخذ الصحة الفعلية فلامحالة الصحة الاقتضائية وهي درجات وطبقات وتجامع الفساد فالمراد من الفساد ليس الفساد بقول مطلق كمحو صورة الصلوة أو محو صورة المعاملة، بالتالي شيء من الإقتضاء موجود فيه وهذا هو الصحة الاقتضائية فالصحة الاقتضائية يمكن تسميتها بالجامع بين الصحيح الفعلي والفاسد الفعلي.

بعبارة أخرى أن الصحيح الاقتضائي بلحاظ طبقات أخرى والفاسد بلحاظ طبقات أخرى فهذا هو وجه القول بالأعم وتفسيره و ضرورته وهو مجعول مع أنه اقتضائي؟ كيف يكون مجعولا؟

مثلا «الناس مسلطون على أموالهم» أو «ابتلي اليتامى ... فان انستم منهم رشدا» هذا الدليل في مجال التعرض لصلاحيات الفرد المتعاقد للقيام بالمعاملات يعني هو في صدد الصحة الاقتضائية وهي تجامع الفساد. أو مثلا «أحل الله البيع» في مقام الصحة الاقتضائية بالدقة يعني لا يتعرض الى شرائط العوضين وشرائط المتعاقدين ولا يمكن التمسك بأحل الله البيع لنفي شرائط العوضين المشكوكة لأن الدليل ليس في صدد شرائط العوضين أو المتعاقدين بل الدليل في صدد أن هذه الماهية ذاتا لها اقتضاء الصحة في مقابل الربا والقمار يعني في صدد التعرض للتشريع من جهة.

هذه نكتة صناعية؛ أغلب الأدلة في باب المعاملات أو العبادات أو القضاء هي في صدد مفاد وجعل جهتي وحيثي، يعني أنها تبيّن الشرائط من حيثية معينة يعني الصحة الاقتضائية وليست في صدد الصحة الكاملة المنجزة والتامة. هذا نادر في الأدلة

«لا صلاة الا بالطهور» فماذا عن الوقت وغيرها؟ هذا في صدد أن الطهور ركن من الأركان.

«الصلاة ثلثها الطهور وثلثها السجود وثلثها الركوع» في صدد جملة من الأركان وليس في صدد نفي الباقي بل لحيثية الركنية لهذه الثلاث.

«أولها التكبير وآخرها التسليم» في صدد المبدأ والمنتهى وليس في صدد بقية الأجزاء ولا يضر الصائم اذا اجتمع الأربع أو لا يضر الصائم اذا اجتمع الاثنين هي حيثوية مثلا من جهة الفم فقط اثنين الشرب الاكل لا من جهة باقي الجهات في الانسان فهذه يعبر عنه الحصر الإضافي أو الوصف الإضافي يعني الحيثي والنسبي والجهتي والاقتضائي.

الأدلة في المعاملات والعبادات غالبا بلحاظ الصحة الاقتضائية. لذلك للميرزا الناييني مثال ﴿كلوا مما أمسكن عليكم﴾ يعني كلاب الصيد وهو ليس في صدد طهارة فم الكلب أو الدم الذي يخرج مجروحا بأنياب الكلب وإنما في صدد الحلية الاتية من التزكية التي تأتي من كلاب الصيد ولايشترط فيه آلات الذبح وهذه طهارة من جهة التزكية في قبال النجاسة من قبل الموتان لا في صدد النجاسة الخبثية الأخرى الطارئة.

هذه كلها مرتبطة بالصحيح والاعم؛ كيفية مراتب المركب من العقد الصعبة في الإطلاق التي يمتحن بها الأعلام أن يلتفت الانسان الى الحيثية المذكورة في الدليل. فإذا تعيين حيثية الدليل جدا شيء مهم شبيه جهة الصدور

هذا نظام صناعي في الدلالة تعيين الحيثية وجهة الدلالة عبارة أخرى عن الجهة الاقتضائية.

هذا تمام الكلام في الصحيح والاعم وبقي تنبيه واحد.

المشهور شهرة عظيمة أن هناك في المركبات جزء مستحب وشرط مستحب ولدينا جزء واجب وشرط واجب وشرط مستحب سواء شرط داخلي أو شرط خارجي. كما أن الأجزاء والشرائط الواجبة لا تنحصر بنمط واحدة، فيه أجزاء ركنية وفيه أجزاء غير ركنية.

فذلكة المركبات في الصحيح والأعم في المعاملات والعبادات.

الأجزاء لا تنحصر بالواجبة يمكن أن تكون مستحبة ويمكن واجبة والشرائط هكذا ويمكن شيء لا صلة بالمركب إنما المركب ظرف له كما قيل بذلك في القنوت أو مثل صلوة الطواف عند مشهور القدماء وهو الصحيح ليست جزء العمرة ولا جزء الحج ولا جزء الطواف. صلاة الطواف الواجبة أو صلوة الطواف النساء ويترتب عليه آثار شبيه كفارات تروك الاحرام وهي ليست جزء النسك وإن وجب الاتيان في المكة المكرمة ولكنها مسببة.

كذلك مثل أعمال واحد عشر وثاني عشر وثالث عشر في الحج، واجبة ويوجب قضائها والكفارة لكنه لا صلة لها بالحج لا نفيا و لا اثباتا. واجب مسببة عن الحج ظرفها بعد الحج. هكذا قيل في طواف النساء أيضا.

على أي تقدير فإذا أنواع المركبات مختلفة جدا ولها ثمرة. بعضهم قال هل النائب في صلاة الطواف ينويها عن نفسه أو عن المنوب عنه؟ الان النائب في الحج إذا ارتكب تروك الاحرام الكفارة تتعلق برقبته أو بالمنوب عنه؟ بل برقبة النائب لأن العقوبة للنائب لا للمنوب عنه فهل يا ترى صلاة الطواف أيضا هكذا أم لا؟ بناءا على أنها ليست بجزء. طواف النساء عن النائب أو عن المنوب عنه؟ من الذي يحرم عليه النساء؟ النائب لا المنوب عنه. المنوب عنه ليس يدخل في الإحرام. هذه النكات جدا مهمة الأجزاء والشرائط الواجبة أو المستحبة . الأجزاء في الماهية الفردية أو الأجزاء في الطبيعة الواجبة يعبرون عنها اصطلاحا الأجزاء المقومة للأداء والأجزاء المقومة لأصل الطبيعة. الأجزاء واجبة حتى لو كانت غير ركنية لكن قسم منها مقومة للفردية وأدائية وقسم منها مقوم للهوية الطبيعة النوعية.

مثلا النائب رجل والمنوب عنه امرأة، هل يجب عليه الحجاب في الصلاة عن امرأة؟ لا، لأنه من شروط الأداء و ليس من شروط الطبيعة النوعية. أو العكس امرأة تصلي عن ميت رجل لا يجوز أن لا تتحجب في الصلاة، لأن الحجاب من شروط الأداء وليس من شروط الطبيعة النوعية. هذه نكات مهمة الأجزاء الواجبة متنوعة.

اللباس المشكوك للميرزا الناييني عبارة عن التوسع في هذا البحث هذا البحث وبحث مقدمة الواجب. دمج الناييني بين المركب المتعلق مثل الصلاة والحج وبين المركبات في قيود الوجوب وليس المركبات في الواجب. مثل موضوع وجوب القصر أيضا موضوع المركب فالمركبات سواء في قيود الوجوب أو في المتعلق عندما يقال العبادات والمعاملات يعني التقسيم في المتعلق والواجب فهذه التقسيمات يجب الالتفات اليه متنوعة.

بقي شيء يسير أذكر اسمه: هل عندنا في الأحكام الوضعية أحكام وضعية الزامية واحكام وضعية غير الزامية؟ مثلا نجاسة الزامية ونجاسة كراهتية

المشهور بنى عليه والسيد الخويي حكم باستحالة هذا والصحيح مع المشهور. حق ندبي وحق الزامي يعني في الاحكام الوضعية درجات وأنماط وأنواع.

وبقي إنكار المرحوم الاصفهاني والسيد الخويي في الجزء المستحب أو الشرط المستحب والحال ان المشهور بنى عليها وهذه الأمور نتناولها اجمالا.

أنواع وانماط الأجزاء والشرائط كثيرة جدا وليس ما ذكره الاصوليون استقصاء كامل وتام تجد حالات أخرى في أبواب الفقه الى ما شاء الله. هذه توصية مهمة من الاكابر. ما ذكره الاصوليون غالبية واكثرية.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo