< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع:باب الالفاظ/الصحيح والاعم/ الصحيح والاعم - والاستنباط التحليلي

وصل بنا الكلام إلى الصحيح والأعم وفي الحقيقة الخوض فيه من قبل الأعلام مؤشّر إلى أن عملية الاستنباط الفقهي لايمكن الاقتصار فيها على معنى الفظ بشكل إجمالي ولا بنحو يكون المعنى فيه مندمجا ومدمجا ووحدانيا بل لابد من التحليل والتفصيل فيه، يعني تحليل أجزاء المعنى. فإذاً لايمكن أن يتم الاستنباط للعناوين الواردة في الأدلة و الأبواب بمجرد الاستظهار الإجمالي.

لنلاحظ خطوات الأصوليين. الخطوة الأولى طبيعة الوضع والعلاقة بين اللفظ والمعنى سواء المعنى بشكل مجموعي أو وحداني.

المقصود من الوحداني كما يقال إن الانسان جوهر جسم نامي حساس متحرك بالارادة وكذا كذا فمعنى الانسان بمفرده لفظة فيها الاندماج والإجمال، بينما إذا تقول جوهر جسم ناطق متحرك بالإرادة استخرجت المعاني من نفس معنى الانسان.

هذه المباحث قبل الدخول في الصحيح والأعم حسب قناعتنا القاصرة أهم من الدخول في تفاصيل الصحيح والأعم وسندخل في النظريات في الصحيح والأعم لكن نفس أصل المبدأ والمنهج هذا.

لماذا خاض الأصوليون في الصحيح والأعم ورتبوا عليه آثارا في أبواب الفقه؟ نفس هذا المنهج لازم أن نلتفت اليه.

مر بنا أن الحقيقة الشرعية ليست مختصة بالعناوين المجموعية كالصلوة والصوم والحج والخمس والزكاة بل هي مرتبطة حتى بالسجود و التشهد والركوع والأذان وغيرها من الأجزاء، بل حتى أجزاء الأجزاء كفصول الأذان وفصول التشهد و الكلام سارٍ للأجزاء وأجزاء الأجزاء فالكلام عام وليس خاصا. فكذلك الحال في الصحيح والاعم وهذا البحث ليس خاصا بالعبادات المجموعية كالصوم والعمرة والحج بل يرتبط بالطواف أيضا، ما هو الصحيح والاعم في الطواف والسعي وما هو الصحيح والاعم في الموقف في العرفات والموقف في المزدلفة؟ وهلم جرا.

فهذا البحث لايتوهم منه أنه خاص بالعناوين المجموعية للمركبات بل يشمل أجزاء المركبات وشرائطها كالوضوء والغسل ورتّبوا عليه آثارا، بل يشمل جزء الجزء أيضا وجزء الشرط وشرط الجزء، فالبحث إذًا عام ولا يتوهم أنه خاص بالعنوان المجموعي للمركب العبادي أو المركب المعاملي لأن الأصوليين صرحوا بأن البحث عام للمركبات العبادية والمعاملية بل قالوا حتى مطلق المركبات الشرعية وان لم تكن عبادية أو معاملية. هذه نقطة في نفسها مستقلة متطابقة مع ما كنا فيها في الحقيقة الشرعية.

(ضرورة المنهج التحليلي في بنية الظهور والاستنباط)

نرجع إلى النقطة الاولي: ما هو المنهج عند الأصوليين حيث اعتبروا الخوض في الصحيح والأعم من مباحث الاستنباط. يعني للتعرف على هذا المنهج وبكلمة موجزة نسمي هذه النقطة ضرورة المنهج التحليلي في بنية الظهور في الاستنباط.

الان هناك مشرب يعني الجو في الوسط العلمي أنه يمج التحليل الصناعي تحت ذريعة أنه استحسان واستذواق. هذه ظاهرة مشكلة وطبعا الاستحسان مذموم لكن التحليل الصناعي يستند إلى الشواهد والقواعد والموازين ومجانبة التحليل الصناعي أزمة علمية. لأنه لايمكن الاستنباط بمجرد اندماجات المعاني.

لاحظوا علم البلاغة وهو علم لغوي من العلوم اللغوية ويتشكل من ثلاثة علوم والعلم الأول هو علم المعاني وعلم المعاني يعني صناعة التحليل لا هو لغوي محض بل ممزوج بالتدبرات البديهية العقلية.

علم البيان أكثر ارتباطا باللفظ واللغة بخلاف علم المعاني وهو أبعد من الامتزاج باللفظ وعلم المعاني في علم البلاغة عبارة عن هندسة المعاني والتحليل ونكات كثيرة.

إذا تلاحظ الكشاف للزمخشري وهو تفسير بلاغي للقرآن الكريم يعتمد على هندسة المعاني ومعنى الاستنباط ومعنى الفقاهة هو هذا، أما إذا بنينا على أن الاستنباط هو خصوص الألفاظ وخصوص المعنى القريب الوحداني للّفظ يعني كأنما قصرنا في الاستنباط على مرحلة الوضع وربما شيئا ما الحقيقة الشرعية أما الصحيح والأعم والمشتق ومقدمات الواجب وأقسام الواجب وأنواع الوجوب لازم أن نتركها لأنها كلها مباحث تحليلية وتوهم جملة من الأخباريين في الاعتراض على الأصوليين في هذا الجانب لأنهم يظنون أن هذه المعاني مخترعة من انفسهم وما لها واقعية وما لها حقيقة.

أقصد أن هذه الظاهرة في الوسط العلمي يهبط درجة الصناعة العلمية في الحوزة. وهذه وقفة علمية مهمة أن نعرف أن الخوض في الصحيح والأعم مثال على أن الاستنباط عملية تحليل المعاني يعني أن تقول ما هو جنسه و ما هو نوعه وفصله وصنفه وفرده والبعد الفردي اين والتمييز لازم في العناوين. هل العنوان يشترك مع ماهية أخرى في الجنس المعين؟ هذه ليست أمور اقتراحية بل أمور واقعية وبالتالي قد يأخذ الشارع الماهية الجنسية، فلازم أن نلتفت إلى هذا المنهج منهج أن الأصوليين لا يكفون بمجرد الظهور الإبتدايي الإجمالي بأن أراجع مفردات اللغة وأقول لفظة قمار كذا معناه ولايكفي بل لازم ننقب ونتعمق ونغور في المعنى الموجود في اللفظة. المرحلة الثانية هي أن الشارع له التعبد الخاص فيها أو لا؟ كم تعبد خاص للشارع فيها في العنوان المجموعي والجزء وجزء الجزء وهلم جرا.

الخطوة الثالثة يقول لك علم الأصول لاتكتف بالمعنى الشرعي بل حلّل، التشهد بالشهادة الثالثة لايمكن أن تقول نعم أو لا، بحث طويل تحليلي. كمثال نقول. إذا ما عندك حوصلة للبحث التحليلي كيف تريد أن تخوض. هل هي حقيقة شرعية واحدة أو متعددة وهل هي سقف أدنى وسقف أعلى وهلم جرا. فهذه الأمور مهمة.

من باب المثال لضرورة هذا المنهج التحليلي نموذجه الصحيح والاعم. مثلا لاحظ في قاعدة التجاوز وهي على أساس من يقول بمباينتها لقاعدة الفراغ «كلما شككت في شيء ودخلت في غيره فامضه كما هو» وقوام قاعدة التجاوز «دخولك في شيء آخر غير مترتب والمشكوك مضى مكانه ومحله» فهنا قال الأعلام هل الجزء المستحب إذا دخل فيه الانسان داخل الصلوة أو داخل الحج ونسك العمرة أو نسك الحج إذا دخل في جزء مستحب يصدق عليه انه دخل في غيره وتجاوز عن الجزء المشكوك ودخل في الجزء الآخر؟ إن المستحب هل هو يكوّن موضوع قاعدة التجاوز يعني الدخول في الغير أو لا؟ هذا تبتني على تصوير الجزء المستحب في ماهية العبادات وهذا يتكفّل به الصحيح والأعم.

المهم أن النصوص في الصلوة قالت ثلثها الطهور وثلثها السجود وثلثها الركوع وأمرنا بالركوع ووضع اليدين والركوع بماذا؟ من أين يبدأ؟ الان انت شككت في الحمد والسورة وبدأت في الانحناء هل دخلت في الركوع أو لا؟ إذا لا تقيم صناعة تحليلية على أن الركوع ما هو ماهيته ومن أين يبدأ والى أين ينتهي لايمكن لك أن تقول دخلت في الركوع أو لا.

مثلا الزيادة في الركوع يستوجب البطلان ومتى يبدأ الركوع؟ لاحظ مبحث خلل الصلوة وخلل الطواف وخلل السعي هذه كلها من فوائد مبحث الصحيح و الأعم. ما هو الركن وما هو غير الركن وما هو دور الركن ولم سمي الركن ركنا هذه البحوث تحليلية ولكل مركب عبادي شرعي أو معاملي له هندسة.

أما إذا تأخذ ألفاظ الروايات والآيات على إجمالها فهذا ليس استنباطا هذا نوع من السطحية في الرواية. هي رواية الرواية وليست دراية الرواية.

فأصل مبحث الصحيح والأعم عبارة عن دخول تحليلي وتفصيلي في المعاني في بنية الظهور. يعني يراعى هذا المطلب في بنية الظهور في مسئلة مسئلة وباب باب من أبواب الفقه ولايكتفى بأصل المعنى اللغوي ولا يكتفى بأصل إجمال الحقيقة الشرعية لأنه لايكفي بل خض تفصيلا في طبيعة المركب هندسته وأركانه وغير أركانه وأجزاء الواجبة والأجزاء المستحبة.

مثال: الصلوة هل هي مراتب أو مرتبة واحدة؟ فائدة كثيرة فيها. الوضوء مرتبة أو مراتب؟ مبحث جدا حساس. عبادات عموما مرتبة أو مراتب؟ الحج مرتبة أو مراتب والطواف والسعي مرتبة أو مراتب؟ مبحث مهم، لماذا؟ لأنه إذا يعجز عنه لايقال أنه يسقط الطواف بل افعل المرتبة اللاحقة. ما هي مراتب السعي والطواف في النيابة. المرتبة العليا الانسان مباشرا يأتي بها صحيحا وسويا والمرتبة الثانية يطوفون به ويسعى به والمرتبة الثالثة هو موجود في الحج لكن يأمر بالطواف عنه فليس استنابتا محضة بل استنابة في الجزء. مراتب الحج كالمغمى عليه يوقَف به في العرفات على أساس أن لا يفوت الركن. هذا من مراتب الوقوف في العرفات وإذا ما تعرف أن العرفة والموقف في العرفة والمزدلة ذو المراتب كيف يمكن الاستنباط؟

السيد الخويي رحمه الله في الوضوء الجبيري يقول إلا المورد الذي نص عليه وغيره يتيمم، من قال إن التيمم هو البدل المطلق. لماذا لم يقل ما قاله المشهور وهوالصحيح أن الوضوء ذو مراتب. هذه كله نكات مهمة يجب الالتفات اليه.

إذاً مبحث الصحيح والأعم يشعرك أن الاستنباط لا يكفي فيه مجرد الوضع اللغوي ولا يكفي فيه مجرد تعيين الحقيقة الشرعية بل يحتاج إلى التحليل. الان لاحظوا فهرسة الصحيح والاعم ان الأصوليين والفقهاء في كم زاوية من ماهية واحدة بحثوا؟ شبيه المشتق يعني حتى الصحيح والاعم ما يكفي.

ماذا الفرق بين الحيثية الماهوية في بحث المشتق عن بحث الصحيح والاعم؟ كتحليلي ماهوي هندسي ولماذ خاض فيه الاصوليون. هذا هو الاجتهاد والاستنباط. الاستنباط ان تدخل في التحليل بالشواهد.

هذه هي نقطة أولى أن الصحيح والأعم عبارة عن تحليل صناعي في بنية الظهور ولا يكفي فيه الاجمال بل لازم ان يخاض في التفاصيل

النقطة الثانية مرت بنا أن الصحيح والأعم لاينحصر بالمركبات العبادية.

(عدم توقف البحث في الصحيح والاعم على الحقيقة الشرعية)

النقطة الثالثة: هل يبتني الصحيح والاعم على القول بالحقيقة الشرعية أو هو يتم ولو لم نقل بالحقيقة الشرعية؟ يقول الاصوليون أن الصحيح والاعم مبحث استنباطي وتحليلي للمعاني وان لم نلتزم بالحقيقة الشرعية. لماذا؟

لان الحقيقة الشرعية أو اللغوية هي مجرد للتركيز على العلاقة بين اللفظ وإجمال المعنى. ولأجل الوصول إلى المعنى نركز على هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى والا ليس الغرض هناك موضوعية دائمة للّفظ أو علاقة اللفظ للمعنى واللفظ ليس الا جسرا وطريقا.

فسواء كانت العلاقة بين اللفظ والمعنى علاقة وضع لغوي أو وضع شرعي أو ليس وضعيا بل استعمال مجازي بالتالي نخوض في المعنى الاستعمالي والجدي وليس همي مطلق المعنى الوضعي أو المجازي.

من ثم يتبين أن الشارع كما مر له جعل وضعي. المركب الصلاتي كما هي أولها تكبير وآخرها التسليم وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم هذا نوع من الجعل للشارع وإذا كان هذا نوع من الجعل سواء استعمل الشارع الألفاظ في المعنى اللغوي أو المعنى الشرعي أو بنحو الاستعمال المجازي بالتالي إنا وصلنا إلى مدينة المعنى وهذا المعنى مدينة من المدن في التشريعات و هذه المدينة يجب أن اعرف أحياءها وشمالها وجنوبها وحدودها. لذلك اتفقت الاصوليون على أن البحث في الصحيح والاعم لا يبتني على الحقيقة اللغوية ولا على الحقيقة الشرعية. هو في نفسه ضرورة في الاستنباط.

هذا شبيه بحث علم المعاني. علم المعاني لايهم فيه الوصول إلى المعنى عبر الاستعمال الحقيقي أو المجازي أو الإشارة لكن الأهم الوصول إلى المعنى واذا وصلت إلى المعنى هنا معاني أخرى. الان المعنون في نفسه ما هو؟ هنا عملية الاستنباط مهمة وهنا بدايات عميقة ودقيقة في الاستنباط. لذلك اتفقت الاصوليون على أن الصحيح والأعم لايعتمد على الحقيقة الشرعية ولا الحقيقة اللغوية.

لابد أن تصل بالموازين ولكن إذا وصلت فهنا مشروع آخر ومرحلة أخرى في الاستنباط يجب ان تلتفت اليها. هذه نكتة مهمة أن بحث الصحيح والأعم هو مبحث يجب للفقيه والمجتهد بغض النظر عن الحقيقة الشرعية أو اللغوية والوصول إلى المعنى عبر الاستعمال المجازي أو الحقيقة

(الجعل الوضعي في المركبات)

نقطة رابعة: غالب الأصوليين هنا في مبحث الصحيح والاعم ارتكز عندهم أن الماهية المجعولة في العبادات في باب الصلوة بمفردها أو الركوع أو السجود انه بتصرف من الشارع تصرفا تشريعيا. التصرف التشريعي يعني الجعل. هذا الجعل جعل وضعي وليس تكليفيا.

هذا التصرف تصرف تشريعي وهذا التصرف يعني الجعل وهذا الجعل جعل وضعي. ما معنى الوضع؟ فرق الحكم الوضعي عن الحكم التكليفي؟

الحكم التكليفي فيه مسئولية الانبعاث للفعل. يزجر أو يحرك نحو الفعل. الحكم الوضعي كأنما مسح الوجود التكويني والاطلاع على طبيعتها من حيث وجودها وأجزاءها. كالفرق بين العقل النظري والعقل العملي. العقل العملي فيه التحريك والعقل النظري يعني الوجود ولاوجود. كالجنس والفصل و الفرد و النوعية والفردية وغيرها.

النقطة المهمة هنا هي أن هذا المبحث اعتراف من الأصوليين بأن عندنا جعل وضعي في المركبات والجعل الوضعي مهم وماذا آثارها الكبيرة في الأبواب الاستنباط أو يوميات الاستنباط وفي أبواب الأصول؟

يجب التوقف مليا.

طبعا أحد تلاميذ صاحب الكفاية نبه على هذا المطلب غير الناييني وغير الكمباني وغير العراقي وهو اسمه السيد على نجف ابادي ممن صرح على هذه النكتة وآثارها وكان أستاذ سيدنا الأستاذ الفاني رحمه الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo