< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب الالفاظ، المقدمات/علامات الحقيقة/نظام الاطمئنان في قول اللغويين

(وظيفة اللغويين تحليل اللغة الارتكازية)

كان الكلام في علامات الحقيقة؛ تنصيص اللغويين والتبادر وصحة الحمل وعدم صحة الحمل وصحة السلب وعدم صحة السلب -توسم باسمين- والاطراد اربع علامات وآليات.

ثم ذكرنا التنصيص وليس المراد منها خصوص تنصيص علماء اللغة بل المراد به تنصيص أبناء اللغة أو من يمارس اللغة ممن يحكي اللغة بالعلم الارتكازي، لأن اللغة عبارة عن علوم اللغة وشئونها ولو بشكل ارتكازي.

بعبارة أخرى أن قواعد علوم اللغة؛ علم النحو والصرف والاشتقاق والبلاغة والمعاني والبيان والعلوم الاخرى اللغوية هي في الحقيقة يحملها أبناء اللغة أو ممارسي اللغة بنحو مطوي إجمالي ووظيفة علماء اللغة هي استخراج تحليلي لهذا العلم الملفوف -بتعبير الميرزا الهمداني- يعني العلم الاجمالي الارتكازي.

إذاً أبناء اللغة أنفسهم باعتبار أنهم حملة الوجود الوضعي للّغة بما فيها علوم اللغة كلها بشكل مطوي وملفوف، فما يذكرونه يكون بمثابة التنصيص على الوضع.

هذا لاغبار فيه كما مر وشبيه بالوضع التعييني والتعيني ومر أن المراد من التعيّني هو الارتكازي يعني أنهم يحملون العلم بهذا المعنى كما في الآية الكريمة ﴿مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها﴾[1] او الاية الشريفة ﴿يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾[2] يعني يحمل علم العرش وليس علما جسمانيا او ما شابه ذلك. بالتالي تنصيص اللغويين بهذا اللحاظ.

(قول اللغوي الظني حجة ولاحجة)

بقي هذه النقطة وهي أن علماء اللغة إذا يروون أمورا لم تستوضح من حملة اللغة او الممارسين للّغة إنما أخذوا المعاني عن أشعار العرب او متن العرب القديم وهذا المنقول ليس بطرق معنعنة ومسند فبالتالي أكثر منقولاتهم مرسلة، فمن ثم قال الأصوليون كلهم أن قول اللغوي والظن الحاصل منه ليس بحجة، منهم السيد الخويي وصاحب الكفاية والناييني والشيخ الانصاري كلهم اجمعون، لأن منقولات اللغويين مرسلة، لكن استثنوا من عدم حجيته أنه إذا حصل الاطمئنان من تراكم قول اللغويين.

تعالوا نحلّل هذه النقطة صناعيا:

أ ليس قول اللغويين ليس بحجة؟ لماذا لم يصبح قول لغوي واحد مع قول لغوي آخر ومع قول لغوي آخر كلا شيء كوضع الحجر على الحجر؟ لماذا اعتبره الاصوليون إذا تولّد من أقوال اللغويين الاطمئنان؟ لأن الاصوليين اعتبروه اطمئنانا ناشئا من منشأ عقلاائي معتد به، وهو الصحيح.

إذاً هنا ندقق صناعيا وصناعة مهمة؛ قد لايكون الشيء بنفسه حجة يعني أنه ليس بحجة مستقلة، أما إذا تراكم مع الافراد من نفس طبيعته كوضع مجموعي ويبلغ الاطمئنان يصير حجة. لايقال أن الاطمئنان حجة بلغ ما بلغ من أيّ منشأ، بل الاطمئنان إذا كان من الخرافة ليس بحجة، كما في القطع أن تعبير الأصوليين بأن حجية القطع ذاتية تعبير مسامحي من الأصوليين ومرادهم الأصلي أن اليقين حجيته ذاتية وإلا القطع الحاصل من المناشئ الواهية أبدا ليس بحجة وإلا يكون الملاحدة وأصحاب العقائد الباطلة معذورين عندما يجزمون. بل المنشأ يجب ان يكون منضبطا.

فعلى هذا؛ قول اللغويين ليس بحجة مستقلة لكن إذا انضم اليه يصيرا حجة، فعدم اعتبار هذا الظن بمفرده لايعني عدم حجيته منضما مع غيرها من أفراد طبيتها.

نعم، في القياس ذكر الاصوليون: لو تراكم أقيسة كثيرة وتولدت الاطمئنان منها فالاطمينان من القياس ليس بحجة، لان الشارع قد نهى عنه بالخصوص ونهى عن اعتباره لامفردا ولا منضما وكذلك الاستحسان ليس بحجة لان دين الله لايصاب بالعقول.

أما مثل قول اللغويين وأمثاله فهذه الظنون بمفردها ليست بحجة لكن بالتراكم يصبح حجة، إذاً لايقال أن الظن ما لم يقم على حجيته المستقلة دليل مستقل فإذا تراكم وتولد منه الاطمئنان ايضا ليس بحجة، هذه الصناعة والقالب لايعترف به الأصوليون.

ان الظن غير الحجة بمفرده وانفراده إذا تراكم الاطمئنان من مناشئ عقلائية لم يردع عنها الشارع يكون حجة الا في بعض مناشئ الاطمئنان كالقياس والاستحسان والجفر والسحر والعلوم الغريبة. جميع أقاويل السحر والكهانة وأصحاب الجن وامثالهم كلها لايعوّل عليه ولو حصل لديك الجزم ولايمكن لك شرعا أن ترفع اليد عن ظاهر تعاملك مع أرحامك وأصدقائك والاخرين. فمن ثمّ إذا قال لك المعالج بالسحر: إن الفلان يكيد لك كيدا فهذا ليس حجة ولايمكن أن تعول عليه لأنها مناشئ لايعول عليها وإن حصل عندك الاطمئنان والجزم.

علم النجوم والعلوم الغريبة سواء المحللة او المحرمة حتى الرمل والجفر المحللين، مع ذلك لايمكن ان يعول عليها شرعا حتى إذا حصل عليك الاطمئنان او الجزم، للسيرة العقلائية الممضاة في الردع عن ذلك ولايمكن أن ترفع اليد عن الظاهر، لكن في الظنون العقلائية التي هي بمفردها ليست بحجة لكن بالتراكم يولّد الاطمئنان يعمل بها العقلاء ولم يردع عنها الشارع.

لذلك الاصوليون كلهم يقولون: قول اللغوي ليس بحجة بمفرده لكن إذا تراكم وتولد منها الاطمئنان يصبح حجة.

السيد الخويي رحمه الله باعتبار أنه محور في الجو العلمي وفي الحوزات العلمية ندرس دراسة مقارنة بين السيد الخويي والمشهور فهو رحمه الله يقول: إن الشهرة ليست جابرة ولا كاسرة إلاّ اذا تولد منها الاطمئنان مع أن الشهرة ليست حجة باعتبار أنها ظنون عقلائية.

(التواتر والحصول تكوينا من الاخبار الضعاف)

البعض يسأل سؤالا عديم العلم: أنه كيف يمكن التواتر من الأخبار الضعاف؟ باتفاق ضرورة الفريقين ان التواتر يحصل من الأخبار الضعاف او من المراسيل او من الصحاح او الموثقات او المختلط من الطرق لانه إما العامل الكيفي يصعد في التراكم ويولد التواتر أو العامل الكمي او كلاهما، فمابالك في الوسط العلمي يقولون كيف يحصل التواتر بالأخبار الضعاف؟ هذا التعبير لارائحة علمية فيه.

إن الاطمئنان إذا حصل من مناشئ غير حجة بمفردها ولكن مناشئ عقلائية لم يردع عنها الشارع فحجة وإلا الكلام يأتي في التواتر بالاخبار الصحاح والاخبار المعتبرة ايضا لأن الاخبار المعتبرة ظنية ولمَ يجعل التواتر يقينيا مع أن مرتبة اليقين فوق مرتبة الظن وجميع الظنون فكيف يتولد أعلى رتبة من شيء أقل رتبة تكوينا و اعتبارا؟ لماذا التواتر الحاصل من الاخبار الصحاح يقدم على جميع الظنون؟ ألا يقال أن النتيجة تابعة لأخس المقدمات؟ فالمقدمات كلها ظنون، لمَ ترتقي وتتصاعد به الى اليقين و تقدم على جميع الظنون؟ لأن ما يتولد من الشيء غير الشيء نفسه. هذا من البديهيات عند علماء المسلمين كافة، أن التواتر يمكن أن تتولد تكوينا من الاخبار الضعاف.

من الطامات والكارثات في الجو العلمي أن يخلطوا بين الخبر الموضوع والخبر الضعيف، كارثة علمية أن لايميز بين الخبر الموضوع والخبر الضعيف. الخبر الضعيف محتمل الصحة ومحتمل الصدور وما عندك دلالة على حجيته وكيف لاتلتفت الى أنه يمكن أن تتولد التواتر من الاخبار الضعاف باتفاق المسلمين. لايقال أن تفرط فيها بل بحسب الحالة الواقعية لها كما وكيفا ولايقال أن الاخبار الضعاف كلها على درجة واحدة لكن إذا تكاثرت ثم تكاثرت فتولد الاستفاضة ثم التواتر. ولنلتفت الى أن التواتر يعني الوحي وليس محل التلاعب سيما أن التواتر بعضه نظري يعني أن العالم يفتهم التواتر وبفهمه وباجتهاده يكتشف التواتر والراوي وألف راو لايكتشف التواتر النظري. التواتر المعنوي لايصل اليه الراوي ولايشمه بل يشمه الفقهاء.

(منهج الرجال عند السيد الخويي والمشهور)

نكتة اخرى في نفس الطلب.: قال السيد الخويي إن قول اللغوي ليس بحجة وإذا تراكم وتتولد منه الاطمئنان يصير حجة ونحن نقول: إن الكلام نفسه جار في قرائن علم الرجال، القرائن التي لم يعول عليها السيد الخويي واعترف السيد الخويي أن المشهور عوّلوا عليه مثل أن الراوي من اصحاب الاجماع او من تلامذة الكبار او غيرها من القرائن التي يذكرها السيد الخويي قريب عشرين قرينة يعول عليها المشهور من علماء الرجاليين.

فالمقصود أن السيد الخويي رحمه الله يقول إن المشهور تعولوا على هذه القرائن وكبار المذهب تعولوا على هذه القرائن. هنا نقاش مع السيد الخويي رحمه الله أن هذه القرائن مع التراكم تولّد الاطمئنان وكيف غفلت عن هذا المنهج في علم الرجال كله الا بعض النوادر وعجيبة. نحن صغار ولاشيء أمام عظمة السيد الخويي لكن هذا المطلب منه مع عظمته عجيب.

أقوال اللغويين إذا يحصل اليقين والاطمئنان منها يقبلها السيد الخويي فنفس الكلام في قرائن الرجال. مثلا من يكون من أصحاب الإجماع أو من أصحاب الامام الصادق ولم يطعن عليه ويكون كثير الرواية وصاحب كتاب، أ لايحصل عندك الاطمئنان بوثاقته بل جلالته.

(الصناعة الفقهية للسيد الخويي في علم الحديث وللمشهور)

هذه مؤاخذة نخاعية على منهج السيد الخويي الرجالي بل مؤاخذة على الصناعة الفقهية عند السيد الخويي من أنه يتعرض في مسئلة الى رواية وثانية وثالثة ورابعة و كثيرا ما لايعوّل على المجموع.

مثلا في حلق اللحية بعضها تام سندا ضعيف الدلالة وبعضها تام دلالة وضعيف سندا، لكن تراكم بعضها مع البعض يحصّل الاطمئنان والوثوق بالحكم. فهذه مؤاخذة منهجية على السيد الخويي سواء في الصناعة الفقهية او الصناعة الرجالية.

لانقول هذا لكي نصغّر عظمة السيد الخويي رحمه الله العلمية ونحن مدينون والحوزات العلمية كلها مدينون للسيد الخويي لكن النقاش العلمي لابد منه.

لاحظ تشدد السيد الخويي في سند الروايات، أما ليست الدلالة منوطة على قول اللغويين وقول النحاة والصرفيين و أقوالهم كلها مرسلة لكن بالتراكم يحصل الاطمئنان، فلماذا في علم الرجال لانتراكم القرائن.

هنا تسامح آخر عند السيد الخويي وأكثر من تلاميذه رحمة الله عليهم، تشدد منهم في أسانيد الرجال وتساهل في أقوال الرجاليين و تساهل في أقوال اللغويين بحسب مدرسة السيد الخويي.

فكيف تساهل السيد الخويي في أقوال اللغويين في الظهور، كذلك تساهل في المبدأ لأن التوثيق وطريق معرفة رواة الطريق بالرجاليين، فمبدأ الطريق أقوال الرجاليين ثم نصل الى علماء علم الحديث ثم نصل الى الدلالة ثلاث مراحل. في المرحلة الاولى لم يتشدد السيد الخويي وفي علم الرجال الذي أن النجاشي والطوسي والغضائري لم ينقلوا اسانيد التوثيق والجرح والتعديل فيه قال هذه متواترة ولاحاجة الى الاسانيد فيها.

نقول: هذه حوالة على الغائب، لا الكتب الرجالية موجودة لدينا و لا أسانيدهم وصلت الينا . هذا مبنى صحيح و نحن نقول به لكن لازم أن يجري هذا المبنى في كتب الحديث.

قال السيد الخويي: الكتب الرجالية وإن لم تصل الينا إلا أنها كانت عشرات وطرق الرجاليين وإن لم تصل الينا لكن نقطع بانها متواترة، جيد مع أنها حوالة على الغائب لأنها لا الكتب وصلت الينا و لا الطرق ولا النجاشي والغضائري والرجاليون ادعوا التواتر مع ذلك السيد الخويي اعتمد على اقوال الرجاليين بناءا على التواتر.

الشيخ الصدوق في مكان قال بالتواتر في كتب الحديث و قال كتب كثيرة موجودة في الحديث، لكن لايعول عليه السيد الخويي.

فعندنا ثلاث مقامات: قول الرجاليين و علم الرجال وعلم الحديث وعلم اللغة. فإما أن نبني علىه في ثلاث علوم او نبني مبنى السيد الخويي في علوم اللغة وعلم الرجال ولا نقبله في علم الحديث. هذا التفكيك لايكون به جواب. مع احترامنا العظيم لهم لكن النقاش العلمي لايفسد الاحترام والتعظيم بأدنى درجة.

ففي بداية الاستدلال في أي مسئلة فقهية او أي علم من العلوم الدينية نقول أن اقوال الرجاليين متواترة مع أنهم لم يدعوا التواتر إلا في بعض موارد قليلة يذكر النجاشي أن الرجاليين قالوا وليس في جميع الموارد هكذا. هذا، دعوى التواتر في كل ما قاله الرجاليون دعوى عجيبة.

لنلتفت الى الصناعة الفقهية والصناعة الاصولية والصناعة الرجالية. في علم الرجال إذا ما كان لدينا الصناعة الاصولية والرجالية فنكون متسامحين وعشوائيين. فلكي ينتج علم الرجال نتائج دقيقة علميا بجانب المواد يجب ان يكون صناعيا هندسيا صحيحا دقيقا وهو بتوسط علم الاصول.

نرجع الى ما كنا فيه.

كيف نعرف الوضع الحقيقي بتنصيص اللغويين؟ إن كان من أبناء اللغة والممارسي اللغة ليس ارسالا لأنه علم وجداني مرتكز، أما العالمين باللغة من دون أبناء اللغة والممارسين لها يخبرون عن إرسال طويل الذيل وكلامهم مراسيل.

نعم، بالتراكم تصبح الاطمئنان وهذا الميزان نجريه في علم الرجال ونجريه في علم الحديث وفي الدلالة كما هو مبنى المشهور شهرة عظيمة عند علماء الامامية.

 


[1] سورة الجمعة، الآیة۵.
[2] سورة الحاقة، الآیة۱۷.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo