< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/-تتمة مراتب الدلالة-وضع المركبات-تعارض الاحوال والقرائن العامة-بنية الظهور بالارتكاز الاجمالي او بالتحليل/-

 

تتمة لمراتب الدلالة

(شمولية حجية الظهور لمراتب التأويل)

هل تدخل مراتب التأويل في الظهور أم أنها مقابل حجية الظهور؟

ربما قولان لدى الأعلام ووجهان والأقرب والأصح لدينا أن حجية الظهور شمولية الى كل مراتب التأويل وإن لم يقدر عليها إلّا المعصوم، فتوفر القدرة أو عدم توفر القدرة ليس دخيلا في البنية الماهوية لموضوع عنوان الظهور، لأن عنوان الظهور موضوعي ومستند الى قوالب في اللفظ واللغة وعلوم اللغة والعلوم الأخرى، باعتبار أن قرائن المتن لاتنحصر بالقرائن اللغوية أو الحالية بل تشمل الشواهد والقرائن في العلوم ومحكمات العقل والفطرة بالتالي ومحكمات العلوم التي ترتبط بالإدراك العقلي والتجربي.

طبعا بقية الاعلام القائلون بالقول الآخر الذين لايدرجون مراتب التأويل في الظهور لاينفون حجية التأويل، شريطة أن يكون بمقتضي الشواهد والقرائن العلمية والبرهانية، فلايظنن أن مراتب التأويل على القول الآخر ليست بحجة، بل إنما هذا القول في صدد بيان أن حجيته ليست من باب حجية الظهور، مثل ما نفترض من مفاد الاستصحاب الذي هو مجلد كامل ومطالب كثيرة، فيقولون بحجيته لكن يقولون: أن الحجية من باب حجية العقل والعلم لا من باب حجية الدلالة اللفظية الظنية. على أي حال، الحجية موجودة.

(معنى مدرسة النص على ضوء حجية الظهور والتأويل)

فبالتالي معنى مدرسة النص لايختص بالألفاظ بل يعم مراتب التأويل، يعني حتى لو قيل بأن الظهور هو المراتب الجلية او الخفية القريبة لا البعيدة مع ذلك لايعني أن النص مختص بالظهور بل معنى مدرسة النص والمراد بها هو مدرسة الوحي في مقابل مدرسة الرأي، على خلاف ما يتوهم أصحاب مدرسة الرأي من أن مدرسة الرأي أفق مفتوح بل بالعكس؛ إن مدرسة الرأي أفق بشري محبوس بينما مدرسة النص لامتناهي، حبل ممدود طرف منه عند الله ولكنهم حيث ضلوا عن مدرسة الوحي وأهل بيت الوحي تخيلوا ما يخيلوا.

فإذاً هذه النكات لابد أن نلتفت اليها؛ أن مراتب التأويل حجة بالشواهد والموازين، لكن هل تندرج في الظهور أو تندرج في غير الظهور بحث آخر، كما أن مدرسة النص لاتختص بالظهور على القولين بل هي تعني مدرسة الوحي غاية الأمر تارة نكشف الوحي باللفظ والدلالة و تارة نكشفها بالعقل والشواهد العلمية.

(تعدد المدلول الجدي طولا وعرضا)

تتمة لابأس بها و كنا ذكرناها في الدورات السابقة وهي أن المدلول الجدي حتى عند البلاغيين متعدد طولا، فضلا عن تعدده عرضا بمعنى المدلول المطابقي والالتزامي ولو الالتزامي الطولي الإثباتي لا الطولي الثبوتي، لكن المراد الجدي يترامى طوليا ثبوتيا ايضا، فليس المراد الجدي ينحصر بالمراد الجدي الواحد بل الأول والثاني والثالث الى أن يصل الى المراد الجدي النهايي.

(الوضع النوعي والوضع الشخصي)

المبحث اللاحق الذي عنون في الكفاية هو الوضع النوعي والوضع الشخصي، يعني أن هيئة الفاعل أو الهيئات الفردية من جهة أنه هيئة الفاعل في مقابل هيئة المفهول شخصية لكن باعتبار انطباق هيئة الفاعل على أي مادة من المواد ومفردات اللغة يكون وضعه نوعيا وهلم جرا.

بالتالي هذا اصطلاح و الاصطلاح لابأس به. جهة نوعية وجهة شخصية وإن كان وضع هيئة الفاعل للمعنى الكلي في الفاعل وضع عام وليس وضعا خاصا لكن هنا عبر شخصيا ونوعيا بهذا اللحاظ وهذا شيء ليست فيه معونة.

(تعارض الاحوال والقرائن)

المبحث اللاحق الذي يثيره صاحب الكفاية مبحث تعارض الأحوال وبسط الكلام فيها الميرزا القمي في القوانين أو الفصول وهي خلاصةً إما أصول لفظية أو قرائن.

مثلا لو تعارض المجاز المشهور مع أصالة الحقيقة أيهما مقدم؟ المجاز المشهور يعني المجاز الكثير الاستعمال، فكثرة الاستعمال تحكّم أو أصالة الحقيقة تحكّم أو تعارض الأصول اللفظية بين أصالة الحقيقة أو أصالة التعيين أو غيرها.

في الحقيقة هناك أصول لفظية متعددة والمقصود من الاصول اللفظية مع أنها أصل كانما شيء عملي و عند الشك تعمل به ولفظي يعني الظهور والدليل الاجتهادي هو ما فسّره الأعلام من أن المراد من الأصول اللفظية في الحقيقة قرائن عامة يبنى عليها عند الشك في قبال القرائن الخاصة، لا أن الأصل اللفظي هو الاصل العملي بل الأصل اللفظي قرينة لفظية اجتهادية، لكن هناك مراتب في القرائن.

القرائن العامة مؤخرة عن القرائن الخاصة فالأصول اللفظية الموجودة في مراتب الدلالة قرائن عامة يعمل بها عند عدم وجود القرائن الخاصة وهذه نكتة نفيسة؛ أن القرائن والشواهد اللفظية في ما بينها ترتب ورتبة طولية يجب الالتفات اليها وهذا جدا مهم.

(بنية الظهور بالارتكاز الاجمالي او بالتحليل)

لابأس أن أذكر هذا المطلب عطفا على مبحث الدلالة قبل تعارض الأحوال.

ترتيب بنية الظهور عند علماء البلاغة مثلا وعلماء المعاني أو علماء البيان أو مباحث الالفاظ والأصول اللفظية ترتيبها بحسب ترتيب القرائن، وهذا الترتيب يوصلنا الى نتيجةٍ في الظهور الذي لايصل اليها السامع او القارئ بالالتفات الاجمالي وانما يصل اليها بالتحليل التفصيلي.

هذا مبحث جدا خطير بقدر خطورة التأويل والظهور الذي مر بنا ولم أر من بلوره مثل صاحب الفصول. هو عنده بلورة في هذا البحث في الثلث الأخير من كتاب الفصول من الطبعة القديمة وكان يدرّس في الحوزات العلمية ويتباحث لأنه كتاب قوي.

المقصود؛ هذا مبحث جدا مهم كما مر بنا في بحث الظهور مقابل التأويل من أن الظهور شمولي لمراتب التأويل أو لا؟ جميع علم التفسير قائم بذاك البحث ومناهج التفسير مرتبط بذاك البحث الذي مر بنا ونحن تعالجنا وخضنا في زاوية منها وإلا الزوايا فيها كثيرة في مناهج التفسير والمسلك الاستنباط الفقهي وعلم الكلام وغيرها من العلوم. هنا هذا المبحث حساس ايضا ونستطيع أن نخلصه بعدة صياغات.

الصياغة الأولى: هل الظهور الذي هو حجة وبنية للكلام هو الذي يدرك بالإلتفات الإجمالي والارتكاز الإجمالي وبالبادرة الإجمالية الاولية؟ هل هذا هو الحجة؟ الكثير ذهب الى أن الظهور الحجة هو الذي يلتفت اليه في البادرة والتبادر الأوّلي والارتكاز الإجمالي في قبال الظهور الذي توصل اليه الفقيه والمفسر والمتكلم بالتحليل كالمعادلات الرياضية، مرحلة بعد مرحلة وكل مرحلة لها معادلة الى أن يصل الى النتيجة مثل انقلاب النسبة.

انقلاب النسبة ابتكرها وبلورها ابتكارا ملا أحمد النراقي وتوسع فيها بعد ذلك و هي عبارة عن مجيء ثلاثة أدلة او أربعة أو خمسة أو أكثر كمسألة تزويج البكر الرشيدة فيها سبع طوائف من الروايات وسبعة ألسن حارت عقول الأعلام في كيفية الجمع بينها ولذاك اختلفت الفتاوا.

فانقلاب النسبة عبارة عن معالجة الدلالة كالمعادلات الرياضية لا بالارتكاز العفوي والعشوائي بل خطوة خطوة وتتعامل مع الدلالة خطوة خطوة. أولا تلاحظ دلالة الاثنين والاثنين والاثنين ثم محصل الأزواج الثلاثة تركيب آخر الى أن تصل الى النتيجة وما الذي يعيّن الملاحظة هكذا؛ بين الاول والثاني ثم الثالث والرابع ثم الخامس والسادس اولا ولمَ لاتلاحظ بين الأول والثالث مثلا أو السادس؟ لمَ جعلناها أزواجا ثلاثة مثلا. أي موجب على هذا؟

هل دلالة الألفاظ تركيب رياضي كالمعادلات أو هي ذوقي؟ أصحاب القول الأول يقولون: إن الظهور ذوق وعارضة أدبية و استذواق وهو مستند الى الظهور والقرائن.

(القرائن المتصلة والمنفصلة معالجة تحليلية للظهور)

الصياغة الثانية: هذا البحث يستعرض بصياغة أخرى وهي: هل القرائن المنفصلة حكمها كحكم القرائن المتصلة؟ في الحجية طبعا هكذا، لكن في تغيير رسم وقالب بنية الظهور هل هي دخيلة أم لا؟ بحث طويل وعريض بين الأعلام. بالتالي إذا بنينا على أن القرائن المنفصلة -وهي قد تكون متعددة مثل ما مر بنا في تزويج بالباكرة الرشيدة- تصرّف وتغيّر بنية الظهور في الدليل فهل تلاحظ كلها دفعة أو تلاحظ تدريجا وتراتبيا ثم إذا يكون تراتبيا بأي أولوية بعضها علي بعض؟ فلابد من موجب وليس عبطا وجزافا. بحوث مهمة و من البحوث والمسائل المستحدثة في علم الاصول وإلى الان ما بلورت بتمامها والأخوة يمكن لهم أن يراجعوا بحث انقلاب النسبة في باب التعارض مع أنه بحث في الألفاظ لا في الحجج لكن هناك اثاروها وراجعوا أيضا آخر العام والخاص أو المطلق والمقيد، هل الخاص المنفصل كالخاص المتصل؟ ثم اذا عندنا عدة من الخصوصات والأدلة الخاصة هل تلاحظ دفعة أو تفكيكا وتدريجا؟ وبأيّ موجب تقدم بعضها على بعض؟

(الظهور ومراتب علوم اللغة)

الصياغة الثالثة: هذا التعدد في الصياغات ليس تفننا في الكلام بل زوايا تحليلية في البحث.

صياغة أخرى أن الظهور إذا كان موضوعيا هو وليد القواعد في علوم اللغة النحوية والصرفية والبلاغية من علم المعاني والبيان والبديع وعلم الاشتقاق وعلم المفردات وعلم فقه اللغة. فيها قواعد أيها يراعى قبل الاخر وأيها يؤخر؟ فهي معادلات تتركب. النحو متى يأتي و الصرف متى يأتي؟ علماء اللغة رتبوا هكذا؛ مفردات اللغة يأتي الاول ثم الاشتقاق ثم الصرف ثم النحو ثم علم المعاني ثم علم البيان، وإن قواعد كل علم يجب أن تراعى بحسب رتبتها. هذا بحث تحليلي، كأنما مثل المختبر.

أمس مر بنا مثال الزمخشري. الكل يقرّ بأن الزمخشري عنده التفاتات ومسلكه كان صوفيا وللزمخشري كتاب ربيع الابرار و فيه أحاديث من طرق العامة عظيمة في ولاية أهل البيت وأنه لانجاة حصرا إلا بأهل البيت و من لايتولاهم ولايحبهم فسبيله الى النار وبئس المسير. حتى كتابه الكشاف وذكر روايات من طرق العامة وطلعات عظيمة في عظمة اهل البيت اصطفائية.

فلاحظ كتاب الكشاف للزمخشري او كتاب التبيان للشيخ الطوسي ومجمع البيان للطبرسي هذه المعاني التحليلية هل هي من بنية الظهور أو لا؟ هل الظهور نتيجة الالية التحليلية او الظهور هو الارتكاز الاجمالي؟

(الظهور بين التحليل المعادلي والارتكاز الاجمالي)

أذكر لكم مختارصاحب الفصول: هو قال كلا الآليتين لابد منهما، حتى صاحب الفصول لم يقتصر على بنية الظهور من باب الالفاظ بل قال هذان منهجان منطقيان؛ منهج تحليلي بالتحليل والتفصيل والمراتب ومنهج إجمالي حدسي وهذا يجري في كل العلوم وكلامه صحيح.

الحدس السريع يعول عليه لامطلقا و يعول على الاستنتاج التحليلي التفصيلي في مجال ولابد من كليهما في المجموع النهايي وأحدهما يكمّل الاخر وهذه نظرية صاحب الفصول ونعم النظرية وبعض الأعلام أصروا على هذا المبنى وبعض الأعلام اصروا على المنهج التفصيلي وبعض الاعلام أصروا على المنهج الإجمالي و الصحيح كلاهما.

ألخص هذه الدقيقة الاخيرة أن جملة من الأعلام يقولون أن الظهور ما تبادر اليك دفعة إجمالا في البادرة والتبادر الأولي، بينما الكثير من الأعلام يقولون أن العلم في قرائة النص الديني قائم على التحليل والتفصيل. هذه نكتة جدا مهمة يجب أن نلتفت اليها و قد نذكر لها تتمة في الجلسة القادمة.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo