< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:الوضع

كان الكلام في نظريات الاعلام في المعنى الحرفي وانتهينا الى ( نظرية الاندماج ) أي ان المعنى الحرفي اندماجي وان المعنى الاسمي تفصيلي ، ومرَّ بنا ان اندماج المعاني بعضها في بعض او ما يقال له ( التركيب ) في قبال بسط وتفصيل ونثر وتوزيع المعاني بعضها عن البعض ويعبر عن هذه الفاعلية ـ التي يقوم بها العقل الإنساني او كل ذي روح ، فهذه الخاصية يشترك فيها كل ذي روح عنده درجة من العقل فنشترك نحن مع الملائكة والجن على اختلاف الدرجات [[1] ] ـ بـ( فعالية دمج المعاني أو تفكيكها ) وهذه الفعالية التي تقوم بها الروح أو النفس هي لكل ذي نفس فكأنما طبيعة الروح أوالنفوس عندما تريد أن تخزن في الذاكرة تدمج المعاني بعضها مع بعض وهذه العملية ما ذكر علماء المنطق والفلاسفة ـ عند الملا صدرا رسالة في التصور والتصديق وهي أنضج ما كتب في ذلك وهناك يبين انه كيف يقوم العقل بالحكم فمثلا قضية ( زيد متهجد بالليل ، او مرتاض برياضة روحية ، او غالب لهواه ) فهذه قضية تصورية ( زيد غالب لهواه ) ( فزيد ) محمول و ( مخالف لهواه ) محمول آخر وبهذا المقدار حتى القضية التركيبة والجملة التامة تبقى تصور ، وليس المقصود من التصور هو المفردات ، بل الجملة التامة أيضا كذلك تصور مالم

يذعن بها الانسان أو يحكم بها يبقى تصور ، فاذا أذعن او حكم الانسان تنقلب الجملة الى تصديق ،

فالجملة التامة المفككة بين الموضوع والمحمول والمبتدأ والخبر وبينها جملة تركيبية تامة تبقى تصور ما دمت تفصلها وتبسطها الى طرفين ، وتنقلب الى تصديق إن حكم بها الانسان ، وهناك جدل بين الفلاسفة والمناطقة والمتكلمين كلٌ فيما بينهم في أنه هل الحكم في هذه القضية جزء القضية او خارج القضية ؟ الكثير يرونه جزء القضية ، وهذه القضية قبل الحكم بها تصور ومر بنا في المعنى الحرفي أن الذهن عنده قدرة على انْ يركب بين القضايا كقضية تامة مع قضية تامة أخرى يركبهما في قضية تامة فوقية فتكون القضية الأولى بمنزلة مبتدأ والثانية بمنزلة خبر تحت خيمة قضية فوقية بشكل مشجر هرمي ، وطبيعة القضايا هكذا العلمية وغير العلمية وقد بحث هذا في مغني اللبيب إما في الباب الرابع او الثامن وهو باب مهم لمن يخوض في التفسير والمعارف .

وشبيه هذا في باب المعاملات ، فتارة تكون المعاملة عوض في مقابل عوض ( أي مبادلة مال بمال )، وتارة المعاملة كلها عوض عن معاملة ( مبادلة معاملة بمعاملة )، او معاملة في مقابل عوض بسيط فرد ، ( مبادلة معاملة بعوض فرد ) [[2] ] سواء بيع او اجارة او غيرهما و يعبر عنه بـ ( تركب المعاملات ) من معاملة بسيطة الى مركبة ، ومركبة ويتصاعد التركب ، وهكذا .

وهذا يعبر عنه بـ ( التحليل ) أي التفكيك فعقد التأمين ـ الآن ـ نفسه صار علم من علوم الاقتصاد وهو تجارة خاصة واستثمار مالي خاص ، وكذلك الضرائب علم من علوم الاقتصاد مستقل ، وعندما بحث الفقهاء عقد التأمين ـ كالشيخ حسين الحلي في تقرير لبحوثه ، والشهيد الصدر والسيد الخوئي رحمهم الله جميعا ـ فككوه رأوه ليس معاملة بسيطة وعوض ومعوض بل معاملات مندمجة أو مرتبطة مع بعضها البعض ، فالتركيب في القضايا ـ والمعاملة قضية وهي مبادلة مال بمال ، ومبادلة معاملة بمعاملة ، أو

مبادلة معاملة بعوض فرد ، كل هذا قابل للتصور .

وهذه الصناعة أي صناعة ( الدمج او التفكيك ) يعبر عنها في المنطق قديما بصناعة (التحليل والتركيب وهي من أقوى وأعمق المدارس المنطقية على الاطلاق وقد هُجرَت وأصبحت منهجا استنباطياً من مناهج الاستنباط الفقهي فأحد مدارس الفقه عند الامامية وغيرهم وتميز بها المحقق الحلي في كتابيه نكت النهاية والمعتبر والكركي في جامع المقاصد ، فالمعنى الواحد ينقب فيه تنقيبا بتوسط مختبر العقل ويستخرج منه معاني ، كالإنسان هو معنى واحد ولكنه ( جوهر ، جسم ، ذو ابعاد ، متحرك بالارادة ، ناطق ، نام ) عشر معاني يستخرجها من معنى واحد بسيط ، فهو بسيط ظاهراً لا حقيقةً ، وهذه العملية في الوحي يعبر عنه ( بالمُجمل والمفصَّل ) والمجمل هو التركيب المدمج ، والمفصَّل تفكيك المعاني الكثيرة من معنى واحد فزيد مثلا او انسان فيه سلسلة من معاني جنسية وأجناس متصاعدة وفصول متصاعدة ، والمجمل ليس هو المتشابه بل هو المحكم والمتشابه هو التفاصيل وفي مثل ( ان الشيطان يكمن في التفاصيل ) أي الفتنة في التفاصيل .

ان التركيز على صناعة التحليل والتركيب تعطي للباحث القدرة على الالتفات الى بحث المحكم والمتشابه يلتفت اليه الانسان ، والى بحث كون النبي والائمة ^ ترجمان لوحي الله ، فيأتي الوحي من الله فالنبي بقدرة اصطفائية يفصلُّه الى معاني ويعبر عنه بـ ( ترجمان وحي الله ) والائمة ترجمان لوحي النبي ’ فيفصلون وحي النبي كم مر بنا في درس العقائد يوم الأربعاء [[3] ] ـ فتقدم انه لابد في القانون الدستوري من قوانين برلمانية ولماذا ؟ وهذا من علم الأصول أصول علم القانون .

ان ذلك بسبب ان التقنين الفوقي الدستوري ليس فيه تفاصيل ، ولماذا بعد تقنين المجالس البرلمانية يأتي

دور تقنين الوزارات ؟

لأن التفصيل الذي تحتاجه الوزارات وهو غير موجود في تقنينات البرلمان فلابد لهم من أن يأخذوا المعاني المجملة من البرلمانات ويفصلوها على الوزرات فكل وزارة لها بيئة خاصة ، والتقنين البرلماني يعطي خطوط عامة لمجموع الوزارات ، وبعد الوزرات تأتي البلديات في المحافظات فتحتاج الى قوانين خاصة تفصيلية تتناسب مع البيئة خاصة للمحافظة المعينة ، والوزرات لا تخصص التقنين لبيئة معينة بل لكل بيئات البلد وهذه المحافظة لها خصوصياتها ومن ثَم تنبثق الحاجة الى تقنين البلديات ، فأربع طبقات من التقنين عند كل بشر والسبب هو لكون التقنين الفوقي مندمج ومجمل وأحكم القوانين هو القانون الدستوري ، والمجمل بمعنى المحكم لا متشابه والتفاصيل فيها تشابه وفتنة واستغلال القانون ربما من قبل الاخرين .

اذن لاحظ ان هرم ومخروط علم القانون يعتمد على الاندماج والتركيب على التحليل والتفصيل والبسط وهلم جرا وهذا في كل العلوم وليس خاص بعلم القانون فكل العلوم تبدأ بمعادلة واحدة ثم تأخذ طبقة أخرى من المعادلات وهلم جرا .

فهذه الصناعة ـ صناعة التحليل والتركيب لا تختص بعلم القانون ولذلك علم القانون في هذا البعد من أبعاده علم رياضي ، وكذلك علم الفقه في هذا البعد علم رياضي ، نعم علم الفقه في بعده المرتبط بالألفاظ يرتبط بعلوم البلاغة والادب ، وفي بعد آخر يرتبط بعلم الحديث والدراية .

فعلم الفقه اذن له مراحل في الاستنباط وأحد مراحله يعبر عنه بـ ( الصناعة الفقهية ) وهي غير الصناعة الأصولية والعارضة الأدبية .

اذن هذه مدرسة منطقية وهي( صناعة التحليل والتركيب ) وهو معنى ترجمان الوحي ، فبعض المعاني لا يستطيع تفتيقها إلا سيد الرسل ’ لا غيره حتى جبرئيل وسائر الانبياء ^ لا يمكنهم ذلك ، وبعض المعاني لا يستطيع تفكيك المعاني فيها الا من قبل أهل البيت الأربعة عشر ^ ، وهذا أحد معاني ان دين الله لا يصاب بالعقول ولذلك هم مضطرين ان يجعلوا بديل لجعفر الصادق × والباقر × وهم الائمة

الأربعة أصحاب المذاهب الأربعة ان يعطوهم حصانة كحصانة أصحاب السقيفة ، وان إحداث مذهب

غير هذه المذاهب بدعة في الدين ، فهم يدعون أننا لا نقول بالإمامة ولكنهم مضطرين الى القول بالإمامة وفي السقيفة قالوا لا نريد الامامة ولكن هم مضطرين الى القول بها فكل أحد ينازع في أصحاب السقيفة يُخرجوه من الدين فينكرونها باللسان ويقولون بها واقعا إضطراراً فطرياً ، ونفس حصرهم للمذاهب بالأربعة برهان لإمامة الامام الباقر والصادق ‘ ، وجعل رموز السقيفة الثلاثة رموز في الدين ، وأن الذي لا يؤمن بهم خارج عن الدين برهان على إمامة علي × فلابد من وجود حلقة مصونة عن الرد عليها ، اذن لاحظ أن طبيعة طبقات الدين هكذا .

والحاصل : إذن صناعة التحليل مهمة في علوم التفسير ، والدين ، والعلوم العقلية وتعطي دربة قوية

بدلا عن السطحية .


[1] بل حتى بعض الحيوانات لهم درجة من القدرة، يقول تعالى { كل نفس ذائقة الموت } وليس كل انس ولا كل جن ولا كل مَلك وليس الثقلين بل { كل نفس } والمَلك له نفس وبدن وهذا تعبير اعجازي من الوحي فالنفوس والارواح جانب مشترك في عدة أنواع من الكائنات، ولذا ورد في البيانات الاعجازية لأهل البيت ان ملك الموت هو أيضا سيذوق مرارة الموت أشد من الكائنات الأخرى، فالآية إعجاز علمي .خلافا للعلامة الطباطبائي والنظرية الفلسفية فانه يقرر ان ذوات الملائكة مجردات عن الجسم والروح وهي نظرية خاطئة، نعم بالنسبة الى طبقة أخرى من الملائكة التي هي فوق العرش والجنة فهذا بحث آخر إن سميت تلك الكائنات بالملائكة بحسب بيانات أهل البيت وإلا من يعرف بتلك الديار غيرهم.
[2] هذا التوضيح ستأتي الاشارة اليه في الدرس من قبل نفس الأستاذ دام ظله.
[3] درس العقائد، ربيع الأول 13.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo