< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

42/01/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مناهج الاجتهاد / باب الاجتهاد والتقليد

المرحلة السادسة والسابعة لعملية الاجتهاد والاستنباط

كنا في مقدمات عملية الاستنباط الثماني ووصلنا الی المرحلة السادسة وهي عبارة عن مراعاة الموازين والضوابط الأصولية في المراحل الفقهية يعني التدقيق في الخطوات الفقهية التي تمت في المراحل الأربع بالموازين الأصولية.

طبعا مر بنا مرارا، عندما يقال المرحلة السادسة وهي عرض الخطوات السابقة علی الموازين الأصولية، لايراد من ذلك التأخر الزماني بل المراد منها هي المرحلة السادسة رتبتا، فمن المنطقي طبعا أن الفقيه أو المجتهد عندما يستنبط وهو في الخطوة الاولی أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة فيدقق في الموازين الأصولية وإن كانت هي المرحلة السادسة لأن المراد من السادسة التأخر الرتبي لا الزمني. كثير من المركبات في علم الأصول أو علم الفقه يراد من التأخر والتقدم فيها التقدم الرتبي لا الزماني، فلذلك لابد من الالتفات الی أن الموازين الأصولية متأخرة رتبتا، يعني أولا ثبت العرش ثم انقش.

ثبت المواد الفقهية والقواعد الفقهية حينئذ تمنهجها بمنهج الأصول، مثل ما يقال إن الهندسة موجودة لمبنی، فلابد من وجود المواد والأرض. المنهجية الأصولية أو المنطق الاصولي أو المعيار الأصولي شيء هندسي والشيء الهندسي يحتاج الی المواد والأرض، فمن ثم هي متأخرة رتبتا بهذا المعنی.

نعم من بدء البنا يلاحظ تناسب الأرض مع الهندسة يعني هناك مقارنة زمانية وإن كانت رتبتا الهندسة تتأخر.

هكذا الحال في الخطوة السادسة يعني عندما تلاحظ الموازين والمعايير الأصولية وتمنهج تلاحظ متأخرة رتبتا لازمنا بالضرورة. هذا هو الفرق بين التقدم والتأخر الرتبي مع التقدم والتأخر الزماني وكثيرا ما يخلط ذهن الانسان.

مثلا: أدرت المفتاح ففتح القفل، فإدارة اليد مع إدارة المفتاح مع انفتاح القفل زمانا واحد، لكن رتبتا بينهما رتبة. فالرتبة شيء والتقدم والتأخر الزماني شيء آخر. حتی بعض المباحث بين الاعلام الكبار معركة علی أن هذا زماني أو رتبي. مثلا السيد الخويي عنده ضابطة في كل الفقه وكل الأصول وإن كانت هذه الضابطة خلاف مشهور الأصوليين وهي أن التقدم والتأخر الرتبي بدون التقدم والتأخر الزماني في الاحكام الشرعية مشكل تصويره وتقريره في الاحكام الشرعية. هذا خلاف المشهور لاأقل مشهور المتأخرين، من اساتذته الكمباني والناييني، هم يقولون أن التقدم والتأخر الرتبي له آثار والتقدم والتاخر الزماني له آثار أخری ويمكن تصوير التقدم والتاخر الرتبي من دون أن يكون زمانيا.

إجمالا هذا بحث أصولي: أن التقدم والتأخر الرتبي ينفكّ عن الزماني أو يراعی دون الزماني في بعض الموارد، فبحث في نفسه مهم. هذه البحوث أثارها الأصوليون في أبواب عديدة من الأصول، فهنا المقصود لما يقال المرحلة السادسة المراد منها السادسة رتبتا لا زمنا وإلا الفقيه البارع يراعي كل هذه الأمور في تقارن زماني. يعني يلاحظ هندسة المبنی كيف ومواد البنا والأرض يراعيها كلها بتقارن زماني. فالمراحل الثمان ترتبها عند الاعلام رعايتها ليس بنحو التقدم والتاخر الزماني بل الضروري التقارن الزماني وأفضل. نعم بينها تقدم وتاخر الرتبي. ذكروا أن العلة والمعلول متقارنان زمانا لكنهما متقدم ومتأخر رتبتا.

المرحلة السادسة هي مراعاة ضوابط الأصول. ثم في هذه المرحلة السادسة وهي مراعاة الضوابط الأصولية ثابت أن الضوابط الأصولية عديدة فأيَها يراعيها؟ إذاً ما بين الضوابط الأصولية أيضا نظام.

كثير من الفضلاء ربما يثيرون أن يتقنوا بابا معينا لكن لايتقنوا ربط هذا الباب مع الباب الاخر، لايمكن ولايصح. كل باب علی حدة لعل الانسان يتقنه أما النظام الحاكم بين الأبواب بعضها مع البعض لايلتفت اليها، هذا المنهج لايفيد ولايثمر بل لابد أن يلتفت الانسان الی العلاقة والنظام بين الأبواب.

مثاله مر بنا: مقتضى القاعدة عند الشك في الحجية عند الأصوليين هل هو أصالة عدم الحجية أو أصالة الحجية؟ الأصوليون قرروا هذا في خمسة أبواب بشكل كأنما في النظر الأول متناقض مع أنها ليست متناقضة بل المراتب بين القواعد الأولية. المراتب يعني النظام. فكثيرا ما عند الفضلاء في علم من العلوم افترض في التفسير أو الفقه عنده اتقان في باب لكن ربط الأبواب مع بعضها البعض هذا صعب ويحتاج الی وعي علمي فمراتب الفضل في العلم هكذا وحريّ أن يدرّب الانسان نفسه. فهذه نكتة مهمة.

فعندما يقال في المرحلة السادسة مراعاة الضوابط الأصولية فمراعاة الضوابط الأصولية نظامها ونظمها ومنظوميتها أتقن الانسان ام لا؟ المفروض أن يكون في الموازين الأصولية أيضا معيار وموازين. ديوان المحاسبة هي الأصول وإذا كان في ديوان المحاسبة نظام ونظم فكيف يكون تدقيق المحاسبة بتوسط علم الأصول. إذاً لابد أن يراعي العلاقة بين الأبواب، مثل الدليل الاجتهادي والاصل العملي وأيضا بين الأدلة الجتهادية مراتب. فعلی أية حال إذا الانسان ما عنده قوة أصولية في الضوابط الأصولية هذه المرحلة مترجل فيها. عنده مواد فقهية لكن لايلتفت كيف يمنهجها وإذا لايلتفت الی تمنهجها فكيف يدعي سلامة النتائج. عنده قوة في المرحلة الأولی أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة لكنه ليست قوة عنده في المرحلة الخامسة أو السادسة فبالتالي هذه الننائج ليست بسديدة. مثل من ينتقل المواد الجيدة في البناء أما كيف يهندس ويضع مقادير المواد في البناء لايعلمها وليست لديه تلك القدرة، فيكون البناء غير منضبط وغير قوي، مع أن الأرض والمواد جيدة. ربما الاعمدة قوية لكن مع ذلك بقية الهندسات ليس المعمار فيه قويا فهلم جرا.

من باب المثال: مثلا الخبر الضعيف هل هو ينظر اليه بنظرة واحدة أوحادية فردية أم ينظر اليه ضمن مجموع الروايات. إذا ينظر اليه ضمن مجموع الروايات فتحصل الوثوق بالصدور والاستفاضة. بعض الاعلام اعترض في سنة من السنين أن لاشهود في المنطقة الفلانية لأن التثبت في عدالتهم فيه تأمل. يا تری مجموعهم هذا الاعتراض وارد عليهم؟ مع القطع بعدم تواطئهم لأنهم من مناطق غير متصلة بعضهم ببعض؟ هل تنظر نظرة فردية أو نظرة مجموعية؟ مثل بحث شرائط البينة، سواء في الهلال أو في القضاء أو في أي باب آخر. شرائط البينة متی والاستفاضة متی؟ الاستفاضة لاينظر اليها بشرائط البينة. والتواتر أيضا لاينظر اليه بشرائط البينة. لأن حقيقة التواتر والاستفاضة أن تعتمد علی التراكم الاحتمالي كما وكيفا وهذا مغفول عنها.

قوة التراكم الاحتمالي كما وكيفا في الاستفاضة أعظم من الخبر الواحد الصحيح. الخبر الواحد عند القدماء القول بحجيته بدعة في المذهب. السيد المرتضی والشيخ المفيد وغيرهم من القدما يقولون حجية خبر الواحد بدعة يعني خلاف الضروري. نظرتهم الی النظرة المجموعية. لايكترسون بصحة الخبر صدورا ولايرونها صحيحة بل لابد من تظافر الاخبار مع بعضها البعض ولو ثلاثة وأربعة لكن المضمون مطابق للأصول. لذلك عندهم التشدد في المجموعية والنظرة الانضمامية. عكس من يری دوما النظرة الأوحادية.

المقصود هذا نكتة مهمة أن الابواب الأصولية يجب أن يلتفت اليه الانسان. قديما في علم الأصول كان يبحث التواتر والاستفاضة والان حذف. بماذا يتقوم التواتر؟ البعض من الوهابية يقولون ان الاخبار المتواترة لابد من أن يكون كل منها معتبرا في نفسه ليتحقق التواتر. هذا ليس قوام التواتر. أصلا التواتر لايعتمد علی الاعتبار الظني للخبر. ما العامل التكويني الذي انغلب الظن المعتبر مع انه ظن وليس يقينا؟ ليس الاعتبار الظني. إذاً عامل آخر وهو حقيقة التواتر وهي عملية تراكم الاحتمالات وتصاعد الاحتمال إما بعامل كمي أو عامل كيفي. ليس فقط العامل الكيفي ربما فقط عامل كمي وربما عامل كيفي وعامل كمي، حسب تعدد الموارد وقرائن الموارد. المقصود ماهية التواتر لايلتفت اليها وماهية الاستفاضة فيلاحظ الاخبار بلحاظ موزع لا انضمامية.

هذا من المؤاخذات علی السيد الخويي رحمه الله أنه النظرة المجموعية و الانضمامية قليلا ما يعني عناية بها السيد الخويي بخلاف المستمسك وبخلاف الشيخ الانصاري والناييني. لذلك حتی في البينة يشترط عدالته إذا لم تكن استفاضة. عند الاستفاضة بحث آخر. شرائط البينة في الاثنين أو ثلاثة أو خمسة نعم لازم من تحققها لكن إذا صارت خمس عشر متباعدين ويطمئن بعدم تواطئهم وعدم ارتباطهم مع بعضهم البعض إما بدرجة الاستفاضة تصل أو الی درجة التواتر. هذه نكات مهمة حتی الأبواب الأصولية لازم أن يتنبه الانسان الی العلاقة بين بعضها البعض. إذا لم يتنبه ولم يلتفت الی النظام الحاكم بين الأبواب هو في نفس علم الأصول مترجل فكيف بك في ان يجعله ميزانا ومدارا ومعيارا. إذاً هذه مرحلة سادسة وهي عرض المواد أو المراحل السابقة علی الموارين الأصولية

المرحلة السابعة: يمكن تسميتها بتدقيق النتائج. المرحلة السادسة ايضا تدقيق لكن المرحلة السادسة هي التدقيق بالنتائج بعرضها علی الموازين الأصولية والمرحلة السابعة هي تدقيق النتائج بآلية أخری. المرحلة الرابعة كانت الموازنة الصناعية بصناعة فقهية.

تدقيق الباحث في هذه المراحل حتی فهرسيا يعطي قوة ملكة اجتهادية في البحث. يعني التدقيق حتی في أصل التنظير في هذه المراحل بشكل كلي يعطي للباحث قوة ملكة. السادسة كانت الموازنة بصناعة أصولية وهي أيضا تدقيق لكن آلية التدقيق تختلف. السابعة ماهي التدقيق؟ بأي الية؟ هي التدقيق بمنهج يسمی المنهج التشقيق. هذا المنهج بالدقة هو صناعة فقهية لكن ممزوجة بصناعة أصولية. وعبر الأعلام في هذا المنهج الشهيد الثاني صاحب كتاب مسالك الافهام الشهيد زين الدين العاملي. مثلا الان النتيجة طلعت من المرحلة الثالثة فتمر بالمرحلة التشقيق يعني أن تشقق وتقسم وتعدد صور المسئلة التي تم الاستنباط فيها. هذه النتيجة لهذه المسئلة يمكن أن تفرض علی صور. إما عالم أو جاهل إما شبهة موضوعية أو شبهة حكمية. لما تشقق حالات المسئلة الواحدة تعرض النتيجة هل هي ملائمة لكل الصور أو لا؟ إذا هناك تلائم أو تناسب وانضباط قولبي تعرف أن النتيجة سليمة وإلا فلا، إما اصل السبك خطأ أو يحتاج الی الإصلاح من زوايا أو يحتاج الی ضميمة أو معالجة أخری. فمنهج التشقيق منهج إنّي. يعني من النتايج تلتفت الی الخلل في المراحل السابقة.

إن اشاء الله نواصل بقية الكلام فيه اكثر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo