< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/10/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الاجتهاد والتقليد، تعريف الاجتهاد

 

تتمة معنی النص

 

معنی القياس في الروايات

 

كان الكلام في تعريف الاجتهاد ومن النقاط التي تمر في تعريف الاجتهاد مدرسة الاجتهاد ومدرسة الرأي مقابل النص ومر بنا أن الصحيح هناك عدة من المدارس يعني مدرسة النص مقابل مدرسة الرأي ومدرسة القشرية والحشوية والسطحية في مقابل النص يعني النص لاينحبس بالمعنی المتوفر في سطح الظاهر من اللفظ، باعتبار أن سيرة كل علماء المسلمين ومنهم علماء الامامية قائمة علی أن الدلالات العقلية المستفاد من ظاهر الكلام مأخوذ بها وإن لم تكن بينة لفظا وبينة لغة، لكنها ثابتة مقررة عقلا، يعني في باب الظهور والمضمون والدلالات العقلية غير المستقلة العقل يدرك تلازما بين المضمون ومعنی آخر ومعان مترامية متعاقبة والعقل هو الذي يدرك أن هذا المضمون منسجم مع محكمات الكتاب وأصول الكتاب والأصول المنسجم في روايات المعصومين صلوات الله عليهم. هذه كلها أحكام عقلية في الحقيقة وإدراكات عقلية وحجية العقل فيها مسلمة.

فبالتالي حجية المضمون وحجية الفقاهة والفهم ترجع الی حجية عقلية غير المستقلة تصل الی نتائج أخری وحجية النص اللفظي أو الرواية أو ظاهر الآية لاتتم من دون ضميمة حجية عقلية فلذا بحث الأصوليون من حجية العقل وحتی رواد الأخباريين والمحققين منهم قبلوا حجية العقل وأن لايقتصر حجية العقل علی أحكام العقل المستقلة بل هذا البحث شامل لأحكام العقل غير المستقلة، حتی الكثير قالوا أن النزاع في الأحكام العقلية المستقلة وإلا الأحكام العقلية غير المستقلة لانزاع بين الفريقين فيها، فبالتالي حجية العقل في الاحكام العقلية غير المستقلة يعني مرتبطة بدلالة النص هذا مورد وفاق وتسالم وبالتالي هي حجية الفهم والفكر والتفقه وهو نوع من التفكر والتعقل، ليتفقهوا يعني ليتفهموا ومن ثم الأفهام تتفاوت كما ذكر في الحديث النبوي والتفاوت بلحاظ قدرة الإدراك العقلي وهذه الزوجية بين حجية العقل والنقل كما مر أمر لابد منه وأمر ضروري وتشير اليه الاية الشريفة (ليتفقهوا في الدين) وهذه الزوجية معناها أن النقل لايمكن أن يتم في الحجية بل لابد من ضميمة حجية العقل به يعني الفهم والتفهم والدراية. ربما يعبر عنه في الأدلة الواردة بالدراية أو التفقه أو الوعاية أو التفكر أو التعقل، فبالتالي ليس لدينا في قاموس الحجج الدينية حجية النقل بمنع حجية العقل ثم التعقل أو التفقه أو التفكر بل لابد من ضم الاثنين.

مر بنا أيضا أن النقل طريق للوحي وليس هو الوحي كما أن العقل البشري طريق للوحي وليس هو الوحي فبالتالي النقل والعقل طريقان للوصول الی الوحي وهي مدرسة النص وهي يوصل اليها بآليتين، آلية العقل وآلية النقل معا، فصبغة الوحي هي ذاتية في نفسها يدركها العقل والعقل يدرك أن هذا اللون صبغة وحيانية.

فإذاً هذه النكات لابد من الالتفات اليها، أما من يريد أن حجية النقل مستقلة عن حجية العقل لايمكن المسير اليه لأن الفهم والتفهم والتعقل لابد منه والتفهم والتعقل نوع من حجية العقل فالحجية إذاً انضمامية ومقرونة. مثل ما نقول انفصال الدلالة التصورية عن الاستعمالية والاستعمالية عن التفهيمية والتفهيميةعن الجدية وهو لايمكن. إذًا حجية العقل والنقل تتعاقب وتترامی مع بعضها البعض إذاً حجية العقل والنقل توصل الی حجية الوحي. هذه النكات لابد من الالتفات اليها في مقابل مدرسة الرأي في مدرسة النص.

إذاً لاحظ أن الاجتهاد في مدرسة النص غير الاجتهاد في مدرسة الرأي. الاجتهاد في مدرسة النص إعمال القناة العقلية والقناة النقلية للوصول الی الوحي.

المزيد من البيان للاجتهاد في مدرسة النص أن القياس حسب الروايات التي تذم وتمنع عنها معناها غير المذكور والمعروف في القياس يعني الاستدلال بالظنون غير المعتبرة. هذا هو المعروف الاستدلال بالدليل الظني غير المعتبر هذا التعريف وان كان ونِعمَ به ولكن هل هذا معنی القياس أو أن معنی القياس سعته أكثر مما هو المعهود في أذهاننا.

ما هو معنی القياس؟ كما مر بنا في خمسة موارد أو أكثر في القرآن الكريم ورد في الروايات تبيان لمعنی القياس يعني في الوهلة الأولی ربما أوسع من هذا المعنی المعهود في أذهاننا مثل الاعتماد علی المصالح المرسلة أو التشبيه غير المأخوذ في الأدلة، ربما أحد المعاني المشهورة في القياس هكذا أنما هو قياس شيء بشيء وتشبيه شيء بشيء تشبيها ظنيا، هذا أيضا معنی مشهور في القياس، التشبيه والتمثيل الظني غير المستند الی دليل أو المعنی الاخر وهو استنباط العلة للحكم استنباطا ظنيا غير المعتبر، هذا استعمال ثالث وقريب للقياس.

هذا المعنی للقياس تتبناه مدرسة الرأي في مقابل مدرسة النص وهذه المعاني سليمة وليست فيها خدشة أنها من القياس المذمومة هذه المعاني الثلاثة الاعتماد علی الدليل الظني غير المعتبر والتشبيه والاعتماد علی العلة المستنبطة ظنا بظن غير المعتبر لكن الذي يمكن ان يجدها الباحث في موارد استعمال بيانات أهل البيت في ذيل عديد من الآيات أن القياس له معنی أوسع من هذا ومعنی حساس.

مثلا ورد في نهي الخضر لموسی علی نبينا وآله وعليهما السلام في الاعتراضات أنك اعتمدت القياس والقياس لايعتمد في دين الله. سنبينه الان كيف يمكن؟ تعبيره بالقياس العقلي هذا غير هذه المعانی الثلاثة وأوسع منها ومعنی رابع. أيضا ورد في اعتراض النبي إبراهيم علی هلاكة قوم لوط في بعض الروايات أنها نوع من الاعتماد علی القياس العقلي (فلما جاءت إبراهيم البشری يجادلنا في قوم لوط) وأيضا ورد في اعتراض النبي نوح علی إهلاك ابنه أو في يونس النبي أو اعتراض الابليس علی النبي إبراهيم في ذبح إسماعيل فاعتمد ابليس في الأدلة المعينة علی القياس فقال: يا إبراهيم هذا إسماعيل نبي من أنبياء الله ونبي الله لايقتل وكيف يذبح؟ وبأي ذنب؟ وأنت يا إبراهيم نبي من انبياء الله وما تصنع ستصنع أمتك الی يوم القيامة وهل تتحمل مسؤولية أن الآباء يذبحون أبناءهم فستجري سنة وزرها ووبالها عليك. ليس الغصة غصة إسماعيل فقط بل أنت ستدشن وستسن سنة كل وزرها عليك ولاتدري لعل هذا الذي أتاك من ايحائات الشيطان لا من الرحمن. هنا أجاب النبي إبراهيم أنك أقست دين الله بالعقول. وهكذا أيضا في نفس اعتراض الملائكة علی الله إني جاعل في الأرض خليفة والملائكة اعتمدوا علی أقيسة عقلية. إذاً ما معنی القياس؟ موارد عديدة في القرآن يشرحها أئمة اهل البيت أنها اقيسة العقل في قبال الدين وهذا معنی رابع.

المراد به هو الاعتماد علی وحي أنزل رتبة في قبال وحي أعلی رتبة. هذا معنی آخر للقياس. الاعتماد علی وحي نازل رتبة في قبال وحي صاعد رتبة، مثل المتشابه والمحكم. صرح علی ذلك القران في سورة آل عمران (واخر متشابهات والذين في قلوبهم زيغ يبتغون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) مع أن المتشابه من القرآن، لكن القرآن يقول إذا اتبعت المتشابه والرتبة النازلة من الوحي مع انه من القرآن الأنزل في قبال القرآن الأعلی والرتبة الاعلی من القرآن سيكون هناك زيغ وفتنة. الفتنويون والزيغويون يعتمدون علی الوحي الأنزل عندما يتوفر الوحي الأعلی. سماه القرآن تشابها يعني الالتباس وفتنوي المنهج وزيغوي المنهج. هذا قياس عقلي.

لماذا يسمی قياسا عقليا؟ لأن الاعتماد علی هذا الوحي الأنزل في قبال الوحي الأعلی رتبتا نوع من تقحم العقل ونوع من رأي يرتئيه العقل، لأن الوحي الأعلی مهيمن علی الوحي الأنزل ولايصح الاعتماد علی الوحي الأنزل دون الاعتماد علی الوحي الأعلی، هذا في نظام الوحي، فالاعتماد علی الوحي الأنزل ارتئاء عقلي وإلا ليس في نظام الوحي هكذا. حتی ورد بألفاظ مختلفة أنه لو كان موسی وعيسی حيين واستغنيا بما أوحي اليهم عما أوحي اليّ ما أغنی لهم، يعني نوعا من القياس.

دققوا، أن اعتراضات موسی علی الخضر عليهما السلام في عدة روايات أنه قياس عقلي. كيف هو قياس عقلي مع أنه اعتمد علی ما عنده من الوحي؟ الاعتماد علی ما عنده من الوحي دون أن يضم الی ما أوحي الی الخضر هذا الاعتماد والاقتصار من رأي العقل وليس من الوحي. الاقتصار علی هذا المقدار من الوحي دون المقدار الوحياني الموجود عند الخضر هذا الاقتصار رأي العقل ورأي ظني وليس رأيا واقعيا. (كيف تصبر علی ما لم تحط به خبرا؟) (هل أتّبعك علی أن تعلّمني مما علمت رشدا) إذاً الباري تعالی ينبه موسی علی أن ما أوحي اليه ليس كل شيء واقتصاره في النتيجة والاستنتاج علی ماعنده من الوحي دون الفحص والتتبع في بقية أبواب الوحي رؤية عقلية ظنية. هذا معنی عظيم للقياس.

سنبين الان أن فيه ضابطة عجيبة وعظيمة ذكرها أهل البيت والقرآن ولايلتفت اليها لا الاولون ولا الآخرون وهي موجودة حتی في المنص الظاهر من القرآن وإنما يلتفت اليها أهل البيت عليهم السلام سأذكرها الان.

فإذاً هذا معنی رابع أنك تعتمد علی مرتبة وحيانية وتقتصر علیها من رؤية العقل وإن كان أصل المدرك وحيانيا. حتی الاعتماد علی المصحف دون الرجوع الی علی بن ابيطالب صلوات الله عليه قياس عقلي ظني. الاعتماد علی المصاحف أو حسبنا كتاب الله دون الرجوع الی العترة وسيدهم أميرالمؤمنين عليهم السلام هذا الاعتماد قياس عقلي لأن طبيعة الوحي والثقلين هما ماهية وبنية واحد. هذا التفكك رؤية عقلية وظنية. هذا شبيه ما ذكر مرارا أن تفسير القرآن بالقرآن إذا اقتصر عليه المفسر أو المجتهد وإذا اقتصر علی أن يجمع القرائن القرانية من دون أن يستعين بالمعلم الإلهي يصير قياسا عقليا . تستبد بجهودك أو بجهود العلماء الأولين والاخرين دون أن ترجع الی العترة الوحيانية والمعلم الوحياني من الله يصير قياسا عقليا. لأن الوحي إنما عند العترة. كيف تفحص عن القرائن القرانية والقرآن يقول لك (ان لكم في رسول الله أسوة حسنة) و(ما آتاكم الرسول فخذوه).

صحيح أن القرآن فيه تبيان كل شيء وهو نور مبين، لكن لم تركت أهل البيت والمعلم الوحياني؟ كيف تدعي أن القران يكتفی به في تفسيره ولايحتاج الی بيانات الرسول والقرآن يقول: (ما آتاكم الرسول فخذوه) و(إن لكم في رسول الله اسوة حسنة) و(أطيعوا الله ورسوله وأولي الامر منكم) وليس فقط في السياسة بل في كل الدين حتی في بيان الدين وتنظير الدين. هذا تفسير القرآن بالقرآن من دون العترة ارتئاء ورؤية عقلية وإن كان بلباس الوحي وبتشبيه بالوحي لكن بالدقة رؤية عقلية. قياس عقلي متغمص بالوحي لكن هو عقلي.

يعني ما اعترض به النبي موسی مع أنه من اولي العزم وفرقه عن البقية أنه لايصر بالتالي نفس هذه الخطوة الاعتماد علی هذا المقدار من الوحي عنده دون الوحي الذي عند الخضر هذا الاعتماد قياس عقلي. من قال لك إن الوحي كله هذا؟ إذاً هذا معنی عظيم آخر للقياس مثل أن تؤمنون ببعض الكتاب أو الذين يجعلون القرآن عضين. تعمل بأن القرآن نور وتبيان كل شيء ولاتعمل بما آتاكم الرسول فخذوه ولاتعمل بأن لكم في رسول الله أسوة حسنة.

إذا تقبل نبوته فكيف لاتقبل أن رسول الله يعلم من القرآن ما لايعلمه العلماء؟ كيف تنكر؟ إذا تقبل أنه لايعلم تأويله الا الله، تماشيا معهم بأن الواو استئناف فمن الذي يوصلك الی هذا التأويل عند الله؟ هل أنت سفير؟ هل العلماء سفراء بين الله وخلقه؟ نفس القرآن يقول لابد من تأويله، ردع الزيغ والفتنة لايمكن إلا بالتأويل بالحق. إذا لاتؤمن بالتأويل إذاً تتخطط خط الزيغ والفتنة والتشابه والتلبيس. إن الله عزوجل أمر رسوله بتبيان القرآن لا بتلاوة القرآن، أو ليس الله عزوجل أمر النبي بأن يعلمهم الكتاب؟ هو السفير بين الله وخلقه. ليس من يقول بمعية الثقلين يدعي بإغفال العقل بل لاتستبد بالعقل القاصر. العقل أول مخاطب وأكرم مخاطب لكن المخاطب بالمعلمين. حتی التدبر في الروايات لازم. أما التدبر في مصدر دون آخر خطأ.

إن شاء الله التتمة في الجلسة اللاحقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo