< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة.

كنا في صحيحة عمر بن حنظلة؛ هذه الرواية هي مركز روايات الترجيح وجامعة لمفاد الروايات العلاجية التي فيها الترجيح ومن ثم اهتم بها الأعلام بشكل كبير وهذا مما يأشر علی أن المضمون عند الأعلام أعظم من السند والصدور وإلا هي في نظرهم مقبولة وليست صحيحة وإن كان في الواقع صحيحة قريب الصحة الاعلائية لكن مع أنها مقبولة اكترسوا بها أكثر من جملة كثيرة من الصحاح لان هذه الرواية منظومية واخطبوطية ومربوطة بقواعد عديدة في باب القضاء وباب الفتوا وباب الروايات. هذا دليل علی أن مسير الاعلام وعلماء الإمامية جلهم و أيضا بقية المذاهب الی أن المضمون شأنه ودوره غير الطريق.

سيأتينا مرفوعة زرارة التي اهتم بها الأعلام أكثر من الروايات المسندة العديدة مضمونها وتفوق البقية. لأن فيها أصولا تشريعية وضوابط تشريعية ويرونها أضبط من الروايات الأخرى. المضمون اذا يطابق الأصول الدستورية في القرآن والسنة يعتبرونها نوعا من الفتح والا السند الأعلائي مع المضمون الفرعي والذيلي لبحوث التعارض لايهتمون إليه الأعلام، مع ذلك يهتمون الی مرفوعة زرارة بحيث عطفوا الروايات الصحيحة اليه. المبنی عند الفحول هكذا ونفس المبنی عند الشيخ المفيد والمرتضی والحلبي وابن براج وابن زهرة وكل القدماء ابن حمزة وابن ادريس والمحقق الحلي المضمون عندهم هو العمدة. بعبارة أخری المضمون مطابقته للأصول الدستورية مطابقة ثبوتية أما الطريق غايته الاثبات يخطئ ويصيب. فإذا حقق تحقيقا أنه مطابق للأصول الدستورية وأصول المذهب فقضيته ثبوتية. هذه نكتة مهمة أن الصحة في المضمون ثبوتية عند الأعلام بخلاف الصحة في الطريق وهي إثباتية. ليس في مورد أو موردين بل في كل أبواب الفقه هذه روية الاعلام. السبب والتخريج الصناعي واضح.

نرجع الی الرواية: هذه الرواية كما في البداية فرض الراوي أنها نزاع قضايي سواء في الشبهة الموضوعية أو الشبهة الحكمية، بعد ذلك الإمام سلام الله قال: فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله.

ليس الرواية في قاضي التحكيم بل القاضي المنصوب من قبل الامام عليه السلام خلافا للسيد الخويي رحمه الله، هذه الفقرة من الرواية تعني أنك دائما احفظ مسيرك لاقامة بنيان الحكم الإسلامي القضائي أو التشريعي أو التنفيذي أو القانوني ولاتشبث بالشرقية والغربية. فإذا تشبثت بغير منهاج أهل البيت تشبثت بالطاغوت. هذا أساس باب القضاء وتشريعات أهل البيت عليهم السلام. فإذا يريدون ان يتحاكموا لغير النظام القضائي لأهل البيت يتحاكمون الی الطاغوت. الامام عليه السلام يقول: إذا لايرجعان الی ما نصبه الإمام عليه السلام -وان لم يكن معصوما- فيخالفان بنيان اهل البيت. كثير من المؤمنين تلتبس عندهم المسارات صراحة بالشبهات الكذايية يذهبون الی الطرف الآخر والحال أن هذه الروايات تشدد علی الرجوع الی المخالف وليس لك عذر.

هذه كلها تشرح أساس نظام الحكم عند أهل البيت سواء في الجانب القضائي أو التشريعي أو التنفيذي نظاما كاملا والفقهاء في هذه المجالات الثلاث في باب القضاء وباب الفتيا وباب الحكم السياسي استندوا الی هذه الصحيحة لأن مفادها بارز جدا. هنا في الفقرتين بين الإمام عليه السلام معالم نظام الحكم عند أهل البيت عليهم السلام.

قلت: فإن كان كل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟

من هنا تبدأ العقدات والتساؤلات حول الرواية؛ السؤال الأول: كيف يختار قاضيان؟ هل يمكن في النزاع القضايي أن يختار القاضيان؟ هذه اول عقدة في دلالة الرواية. كلاالقاضيين يحكمان و يختلفان في الحكم ومنشأ الإختلاف عندهما هو الاختلاف في الحديث عن أهل البيت.

قال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما. ولايلتفت الی ما يحكم به الاخر.

السؤال الثاني: هذا الترجيح صار كأنما الترجيح في باب القضاء فما صلته في باب الرواية؟

هذه الرواية تدل علی فقاهة عمر بن حنظلة حتی جملة من الفقهاء يقولون: واضح من هذه الرواية أن فقاهة عمر بن حنظلة مثل فقاهة زرارة أو أدق في التشقيقات.

قال فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر.

هذا يدل علی أن التفاضل اليسير ليس تفاضلا.

فقال ينظر الی ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع علیه من اصحابك فيأخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه،

هنا سؤال ثالث في الرواية:كيف الامام يوصي المتنازعين والمتخاصمين أن يرجحا نفسهما بين القاضيين. هما متنازعان كلهم يجر أسباب الترجيح الی نفسه.

السؤال الرابع: في الرواية أن هنا جعل الترجيح بالشهرة مؤخرا عن الترجيح بصفات الراوي بينما المعروف عند علماء الامامية أن الترجيح بالشهرة مقدم علی الترجيح بصفات الراوي.

قوله عليه السلام: «يترك الشاذ الذي ليس بمشهور»، يدل علی أن من موارد استعمال الشاذ هو الصحيح، راويها عدل وصادق وتقي لكن الإمام عليه السلام يوصف الرواية بأنها شاذ. الشاذ يعني الذي لايعمل به وإن كان صحيحا سندا. بل في موارد الصحيح السند يستعمل الشاذ. نعم قد يستعمل الشاذ في الضعيف لكن ليس من ضعف السند بل من باب المضمون فغالبا كالإطباق يستعمل الشاذ في الذي مضمونه شاذ مع أن سنده صحيح أو معتبر. هنا استعمل الشاذ في الصحيح صدورا ويعني غير المعمول به.

الشيخ الطوسي شهد أن طوائف الروايات الواردة في الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة طوائف شاذة يعني أنها صحيحة صدورا لكنها لم يعمل بها الطائفة، حسب كلام الشيخ الطوسي بينما الصدوق يعترف أن فيئا من الطائفة في زمانه يعملون بها. هذه المواد خطوة وخطوة وقرينة قرينة إذا يجمع بالتتبع لايمكن أن لايقف الفقيه الی حقيقة الواقع. طبعا بالنسبة الی كلام الصدوق، عندنا شواهد عديدة علی أن ماذكره في الفقيه تقية. نفسه في الفقيه يخالف ما ذكره بقرائن عديدة فضلا عن الكتب الأخرى لأنه كتب كتاب الفقيه في ظل سلطان سمرقند وماكان شيعيا ولعله كان صوفيا وهو طلب منه كتابته.

وإنما الأمور ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

هنا بين الإمام عليه السلام التوقف بعد الترجيح، لكن عمر بن حنظلة فقيه يسأل عن الشقوق المختلفة.

قلت: فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟

لاحظ هنا فرض الشاذ أن الشاذ ليس معناه ضعف السند يعني مضمونه متروك والشيخ والعلامة الحلي مع أن بينهما قرنين اعترفا بان الروايات في الشهادة الثالثة شاذة والصدوق اعترف بان هذه الطوئف وليست رواية واحدة كل لسان طائف. التثبت في قرائة مواد الاستدلال أول خطوة مسيرية في الاستنباط. إذا يراجع واحد الی الأدلة بدون التثبت لايبقی له إلا العصفور بل ريشة عصفور، أما إذا يتثبت في المواد يقف علی مواد جمة يعني نفس رجوع الفقيه الی المصادر يحتاج الی التروي والتأني والتدبر كلمة كلمة. لانها هي مواد الاستدلال. المقصود هذه المواد يجب التروي فيه.

من محاسن صاحب الحدائق أنه يتأنی و يتدبر في كيفية رجوع المصدر. سبب انشداد السيد الخويي لصاحب الحدائق هو هذا والا السيد الخويي واضح في كل دورته في الفقه يأتي بذكر صاحب الحدائق أكثر من صاحب الجواهر، هذا هو السبب لجذب السيد الخويي لصاحب الحدائق. كثيرا ما السيد الخويي لايعتني بدعوي المشهور لأن المواد موجودة لديه التي نقحها صاحب الحدائق ولو أن هذه ليس كل شيء بل ضروري الرجوع الی الجواهر وكشف اللثام لكن كخطوة أولی ضروري.

قلت فان كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكما (يعني نفس المطلب السابق يشققه ابن حنظلة ذهنية الفقيه هكذا ولو كان راويا ساذجا اكتفی بالجواب السابق من الامام) قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة،

ثلاث مرجحات أخری في المضمون وجهة الصدور.

قلت جعلت فداك: أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟

هذا يدل علی ممارسة عجيبة وكثيرة في ابن حنظلة في الفقاهة.

قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا. قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر.

هنا وقفة لطيفة قبل ان نواصل الأسئلة والاثارات في دلالة الرواية: نلاحظ هنا أن الامام ما نفی صدور الخبرين مع موافقة العامة. يعني مع أن الصدور مقرر لكن جهة الصدور فيها خلل، هذا يعني أن أصل الصدور و الدلالة التصورية موجودة والدلالة الجدية لاتعتمد علی ظاهر الخبر. هنا في المقام الإمام مافرض مع تعارض الخبرين أن الخبرين يتساقطان أو أن أحدهما يسقط بل فرض التأويل، يعني أن الحجية الابتدائية أبقاها الامام وإنما تصرف في الدلالة الجدية إما في جهة الصدور أو في التفهيمية، يعني أن اعطف الدلالة علی مفاد الكتاب ومفاد السنة. نفس الرواية دالة علی أن الامام مافرض فيها سقوط الروايتين ولا سقوط أحدهما بل فرض نوعا من التحويل في الدلالة، إما الاستعمالية أو التفهيمية أو الجدية. هذا نفس مسلك المشهور أن مقتضى التعارض ليس التساقط وليس معنی الترجيح هو التساقط وسقوط المرجوح بل أن الترجيح هو عطف وتاويل المرجوح علی الراجح.

مر بنا ان التقية في مقامات ثلاث وليس في سنخ واحد، فيها تقية مخلة بأصل حجية الخبر وفيها تقية في مقام الترجيح و فيها تقية في مقام التمييز بين الحجة و اللاحجة، ثلاث مقامات عندنا وليس مقاما واحدا وكذلك بحث موافقة الكتاب والسنة و مخالفتهما.بعض من الاعلام يدمج بين الثلاث وليس بصحيحة. صاحب الوسائل حشرهم في باب واحد أو المجلسي أو غيرهما لكن الفقيه كل الفقيه يميز بين مفاد الروايات. أو بين مفاد الرواية الواحدة بل الجملة الواحدة. مثل كل شيء لك حلال. قال النراقي فيها ثلاث قواعد وما اعترض أحد عليه في أصل الفرض أن جملة واحدة مركبة يمكن أن يستفاد منها ثلاث قواعد ، بل إذا استشكل عليه، استشكل عليه صغرويا في وجود القرينة وكثير وافقوه في القاعدتين. الفقيه لاينغر ولاينخدع بوحدة الجملة فضلا عن وحدة لارواية فضلا عن وحدة الباب في الروايات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo