< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض، نكتة مستقلة في الروايات الروايات العلاجية أن المخالفة والموافقة للكتاب والسنة القطعية و العامة لها نمطان وسنخان.

 

مر بنا الوجه الثالث الذي استدل به صاحب الكفاية وهو أن أدلة الترجيح جملة من ألسنتها غير قابلة للتقييد بمورد التعارض، يعني هي ناظرة الی الخبر في نفسه، فإذاً ليست من المرجحات بل هي من الضوابط المميزة للحجة عن اللاحجة، فإذاً غير قابلة للتقييد بأن يأخذ بها عند التعارض بل مفادها مطلق وليس مقيدا. التخيير أيضا هكذا غير مقيد بأنه بعد الترجيح. هذا الاشكال ذكرنا له شواهد مثل ماخالف قول ربنا اطرحه وذكرنا أن هذا اللسان غير قابل للتقييد.

هذاالذي يقوله صاحب الكفاية صحيح، لأن الروايات التي أدرجها صاحب الوسائل في الباب ليست مختصة بعلاج التعارض -وليس فقط في هذا الباب بل كل أبواب الوسائل- وهذا مما يدل علی أنه لازم علی الفقيه والمجتهد اليغظة والتنبه بأن كل ما أدرجه صاحب الوسائل ليست له صلة بالعنوان ولا كل مالم يرده وأخرجه الی الأبواب الأخرى ليس له صلة. فبالتالي هذه الروايات التي أورده صاحب الوسائل في الباب التاسع من أبواب صفات القاضي هذه الروايات وروايات الأبواب قبله أو بعده ليست كلها علاجية بل بعضها كما مر في أصل شرائط حجية الخبر، مثل هذه اللسان ما خالف قول ربنا أو المجمع عليه لاريب فيه أو الموافقة للعامة وبعضها في مقام التعارض وبعضها في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة وبعضها في مقام الاحتياط قبل الفحص أو مع العلم الإجمالي. فالمقصود أن ألسنة هذه الروايات ليست واردة في مورد واحد نعم، له صلة لحجية خبر الواحد لكن حجية خبر الواحد لها أبواب وموضوعات.

نقطة أخری جدا حساسة غفل عنها ويغفل عنها ربما بعض الأكابر وهي أن مخالفة الكتاب والسنة القطعية للمعصومين أو موافقة الكتاب والسنة القطعية للمعصومين وموافقة العامة ومخالفة العامة بالذات هذه الأمور الثلاثة وربما بعده أمور أخری أدرج في المرجحات. هذه الأمور الثلاثة أو أكثر أخذت تارة من شرائط أصل حجية الخبر، يعني في لسان الأدلة الواردة في أصل حجية الخبر في نفسه بغض النظر عن التعارض فهي شرائط أولية قررت لحجية الخبر وتارة نفس هذه الأمور الثلاثة أو الأكثر أخذت شرائط حين التعارض يعني المرجحات.

فأخذها في بابين أو في مقامين أو في حالتين وليس أخذها كلها في باب واحد، إن بعض الأكابر أو غير واحد من الأكابر يغفل في مراعاة هذا المطلب. هذه الغفلة قد تحصل في جملة من الأبواب، متی هي من باب المرجحات ومتی هي من الشرائط الأولية للحجية؟

هذا البحث خطير. موافقة العامة أو قل مخالفة العامة تارة مأخوذة في أصل حجية الخبر بحيث إذا لم يحصل هذا الشرط فالخبر ليس بحجة في نفسه وتارة مخالفة العامة مرجح عند التعارض. كيف هو مرجح تارة وتارة هو من الشرائط الأولية؟ أو موافقة الكتاب شرط و مخالفة الكتاب مانع هذه المخالفة أو الموافقة كيف تارة من الشرائط الأولية وتارة من المرجحات؟ وإذا نخلط بينهما خطأ وكذلك المخالفة والموافقة للسنة القطعية.

في الحقيقة صورة هذه العناوين واحدة لكن لبا تختلف. المأخوذ في الشرائط الأولية للحجية عدم مخالفة الخبر بنحو التباين مع الكتاب. المخالفة بنحو التباين أو الموافقة للكتاب بكونها غير مباينة هذا ليس من المرجحات هذا من الشرائط الأولية لأصل حجية الخبر. كيف يمكن المباين أن يكون حجة. فأصل الخبر المباين ليس حجة، إما المباينة بنحو كلية وإما بنحو العموم والخصوص من وجه، العموم الخصوص من وجه في منطقة التلاقي أيضا مباينة، لأن المباينة ليست فقط السالبة الكلية والموجبة الكلية بل حتی العموم الخصوص من وجه في منطقة التلاقي مباينة، فعدم المباينة من الشرائط الأولية لحجية الخبر. هذا اللسان «ما خالف كتاب ربنا لم نقله واضربه عرض الجدار» يعني لانقول إلا ماقال الله عزوجل وهذه من الشرائط الأولية لحجية الخبر.

اما مخالفة الكتاب بنحو العموم والخصوص المطلق هذه المخالفة ليست من الشرائط الأولية لحجية الخبر لكنها من المرجحات يعني الخبر الذي ليس يخالف الآية ولو بنحو العموم والخصوص يقدم، أما الرواية التي تخصص الكتاب تؤخر كمرجحات أو المقيد والمطلق، مثلا واحد من الروايات المتعارضة لايقيد الكتاب بل يُبقي إطلاقه علی حاله، فيقدم. هذه الموافقة من المرجحات لأنه لو لم يبتلی هذا الخبر بمعارض لخصّص الكتاب وقيّد الكتاب لأنه عموم و خصوص مطلقا، فإذاً المخالفة للكتاب أو للسنة القطعية نمطان نمط منه من الشرائط الأولية لحجية الخبر ونمط منها للمرجحات لانخلط بينهما. قد يحصل عند الكبار غفلة.

بالنسبة الی العامة أيضا كذلك نمط من الموافقة للعامة و المخالفة لهم من الشرائط العامة و نمط منها من المرجحات، إذا كان الخبر الذي يوافق العامة هو بنفسه متضمن بقرينة جاری ويجاري العامة فحينئذ واضح أنه تقية فهذه من الشرائط الأولية لحجیة الخبر، عدم وجود قرينة داخلية علی أن الإمام عليه السلام يلوح بها علی مجاراة العامة، فإذاً الحجية ما تمت في الخبر، صدورا تام لكن جهةً ليس بتام.

أما بخلاف ما إذا لم تكن قرينة خاصة داخل الخبر وإنما صرف الموافقة للعامة، الموافقة للرواية لو خلينا وهي بدون المعارض لعملنا به لأن بين المذهبين توافقات كثيرة وصرف التوافقات ليس مخلا بالحجية، هذا النمط من المخالفة للعامة من المرجحات.

نذكر موارد للمشكلة الصغروية التي قد يحصل الخلط بين الأعلام ويؤاخذ بعضهم بعضا.

المورد الأول: في باب الوضوء، السيد محسن الحكيم رحمة الله عليه يشكل علی المشهور بأنهم لماذا لم يعملوا بالروايات الواردة في أن الأكل و إخراج الدم و قصر الأظافر ومس الفرج ناقضات للوضوء؟ نواقض عديدة التزم بها العامة بأنها نواقض عامة. يقول السيد محسن الجمع العرفي بين هذه الروايات وبين ما دل علی حصر الناقض مثل مايبطل الوضوء إلا ما يخرج من السبيلين موجود وهو أن يحمل هذه الروايات علی الاستحباب. لماذا لم يلتزم المشهور شهرة عظيمة حتی باستحباب الوضوء وناقضية استحبابية مع أن رواياتها صحيحة وزيادة علی الصحيحة ومتظافرة؟ مجموع من الروايات الكثيرة المستفيضة لم يعمل بها المشهور حتی بالاستحباب. أشكل السيد عليهم بأنه هذا إذا فيه تعارض مستقر نرجح لكن ليس بينها تعارض بل فيه جمع عرفي وهو أن نحمل هذه النواقض علی الاستحباب، يعني يستحب الوضوء.

في الحكم الوضعي عندنا نجاسة وطهارة كراهتية ولو أن السيد الخويي لم يقبلها لكن المشهور يقبلونها، طهارة لزومية و طهارة استحبابية. مثلا ملكية الاب لأموال ابنه بعضهم التزموا بأن الملكية ليست لزومية يعني يستحب للأبن أن لايمانع أن يتصرف أباه في أموال ابنه. المقصود هذه المعاني الوضعية والأحكام الوضعية لها مرتبة استحبابية ولها مرتبة لزومية والسيد الخويي ماقبله، لكن هذاباب وسيع في أكثر وجل الأحكام الوضعية ونعم ما التزم به المشهور. مثلا الحديد عندهم نجس كراهتا.

المهم فهنا السيد في المستمسك يقول: لماذا لم يلتزمون بالناقضية الاستحبابية لاالناقضية اللزومية، لأن الروايات مستفيضة أكثر من عشرة روايات ربما خمس عشر أو عشرين رواية كلها صحاح و مرتب؟

هنا غفلة علی السيد في المستمسك أن الموافقة للعامة هنا ليس من باب المرجحات بل من باب أنها توجب خللا في الرواية في نفسها. عندنا نمطان من موافقة العامة نمط من باب المرجحات ويفرض هنا في باب التعارض. الترجيح فرض التعارض الموضوعي. إذا كان العلاج الموضوعي موجودا لاتصل الی العلاج المحمولي هنا العلاج الموضوعي والحمل علی الاستحباب موجود فمتي تصل النوبة الی الترجيح؟ نعم لو كانت موافقة العامة من باب الترجيح هذا الاشكال من السيد وارد ولكن هي ليست من باب الترجيح بل من باب أن هنا الموافقة للعامة توجب خللا في أصل الأخبار بمعنی أنه لو لم يكن عندنا دليل بحصر النواقض علی ما خرج من السبيلين والنوم وكذا فمع ذلك لم تكن حجة، لأن نفس هذه الروايات الورادة في هذا المجال الإمام عليه السلام يقول «كيف قصر الأظافر يبطل الوضوء؟ بل يزيده طهورا و من الفطرة والسنة» يعني حتی بنحو الكراهة ليس صحيحا. هذا من باب أن أصل هذه الروايات صدرت مجاراة للعامة لا من باب التعارض والترجيح. هذا محل الغفلات الكثيرة عند الاعلام.

المورد الثاني: في الخمر الشهيد الصدر التزم بنجاسة كراهتية للخمر لاالنجاسة اللزومية، أيضا هذه غفلة من الشهيد الصدر لأن هنا رواية من الإمام الرضا عليه السلام تبين أن الذي صدر بطهارة الخمر مجاراة للعامة، هذا في أصل الشرائط الأولية لحجية الخبر لامن باب الترجيح.

المورد الثالث: حد اللائط في اللواط، روايات كثيرة موجودة علی أنه إن كان محصنا يرجم وإن كان غير محصن يجلد، بينما المشهور كالاجماع عدا متاخري هذا العصر في القرن الأخير -فهم خالفوا كل القرون السابقة- التزموا بأن المحصن وغير المحصن يقتل كالملوط مطلقا، سببه واضح مع أن الروايات صحيحة ومعتبرة وتفصل في حد اللائط وفيه روايات لاتفصل وقرائن كثيرة دالة علی أن التفصيل في اللائط مجاراة للعامة، لطيف حتی بن باز مفتي الوهابية أفتی علی خلاف المذاهب الأربعة لأنهم لايشددون في اللواط وقال الصحابة يجمعون علی اللائط والفاعل حتی غير المحصن يرجم ويقتل. واعترف أن الصحابة خالفوا المذاهب الأربعة، لذلك في زمن استيلاء الأول والثاني لعنة الله عليهما وقعت حوادث أميرالمونين صلوات الله عليه أشار بالرجم. فروايات عديدة كلها لم يعبأ بها المشهور، كلامنا ليس في الصدور بل كلامنا في المضمون، نقاط الحجية عند المشهور في المضمون وهو أن التقية كمرجح في الروايات لها بابان باب في أصل الشرائط الحجية هذا النمط الأول مثل السرطان إذا دخل في رواية يسقطه عن الحجية تماما ويجمدها. بينما النمط الآخر كمرجح.

الميز بين النمطين يحتاج الی الفطنة والعارضة الفقهية. كيف نميز يبن التقية التي من أصل الشرائط الحجيية وبين النمط الاخر. إذا أتتك منهم قرينة علی ما ورد منهم مجاراة للعامة هذا من النمط الأول وليس من الثاني. حتی لو كان الجمع العرفي موجودا لايعمل به. كثير من اعتراضات المتأخرين علی المتقدمين بأن التعارض بنحو العموم والخصوص مطلقا عندهم تعارض مستقر مع أنه ليس العموم والخصوص عندهم من التعارض المستقر بل من باب أن هذه الرواية تقية صدت ومخل بأصل الشرائط الحجية بخلاف التقية التي هي من مرجحات، تلك ليست لها قرينة لفظية خاصة من الروايات إنما هاتان الروايتان المتعارضتان أحدهما موافق للعامة لا أنها متضمنة لقرينة التقية.

إذًا هذه الأمور الموافقة والمخالفة للكتاب والسنة القطعية و الموافقة والمخالفة للعامة لها نمطان. نمط منها في أصل الشرائط الحجية ونمط منها في مقام الترجيح. كثيرا ما في موارد عديدة يحصل عند الكبار غفلة. هذه نكتة نفيسة جدا في بحث المرجحات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo