< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/03/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، تتمة الجواب عن إشكالات الشيخ علی قاعدة الجمع و بيان القرائن التي يمكن ان يعتمد عليها في قاعدة الجمع و بداية بحث انقلاب النسبة.

كان الكلام في جملة من القرائن التي يمكن أن يعتمد عليها في قاعدة الجمع.

من تلك القرائن: لو فرضنا المتعارضين قطعيي الصدور فما يتوصل به حينئذ للجمع الدلالي بينهما بعينه يتمسك به في الجمع في المتعارضين، هذه قرينة إجمالية جيدة. إنه لوكانا قطعيي الصدور كيف يجمع بينهما و كيف يتوصل في التوليف الدلالي بينهما، هكذا في المتعارضين

قرينة أخری: لو كان التعارض لابنحو التباين بل التعارض بنحو العموم من وجه، لأن القاعدة في التعارض بنحو العموم في الوجه ليست التساقط وإن كان هناك من ذهب إلی التساقط في مورد الإجتماع لكن الأغلب يرتكبون التأليف و التوليف بين الدليلين كذلك الحال في المتباينين. هذه قرينة إجمالية أخری لابأس بها ويمكن أن يعتمد عليها.

قرينة أخری: قضية القدر المتيقن، مثل «ثمن العذرة سحت» و «ثمن العذرة لابأس به». في الأول القدر المتيقن عذرة الإنسان و في القضية الثانية القدر المتيقن هو عذرة الحيوان. القدر المتقن في نفسه ليس قرينة أولية ولكن هذا القدر المتيقن عند التعارض وعند فقد جملة من القرائن القدر يكون بنفسه قرينة يمكن أن تعتمد عليها. طبعا كثير من الأعلام ردوا قدر المتيقن و نقضوا عليه. هذا الكلام و النفي والطعن بلحاظ الظهور الأولي صحيح.

بعبارة أخری نكتة مهمة في بحث قاعدة الجمع، هي أن في هذه القاعدة والتأويل في الجمع والتأويل الخفي، يمكن الإعتماد علی القرائن التي تصل اليها النوبة في مرتبة مؤخرة لاحقة. كما لايؤول علی قرائن إلا بعد استنفاد القرائن التفهيمية و القرائن التفهيمية لايؤول عليها إلا بعد استتمام القرائن الإستعمالية وهكذا في القرائن الإستعمالية لايمكن أن يؤول عليها إلا بعد استكمال عناصر التصور، لأن كل مرحلة سابقة بمثابة الموضوع للمرحلة اللاحقة. لايمكن تصوير و تكوين المرحلة اللاحقة قبل استكمال المرحلة السابقة. فالمرحلة اللاحقة كالمحمول و السابقة كالموضوع، هذا التقدم والتأخر الرتبي وعدم مجيء المتأخر قبل المتقدم لايعني أن المتأخر في مرتبته لايؤول عليه. هذا خلط صار من جملة من الأعلام.

مثلا من باب المثال ما قرر ونقح في اجتماع الأمر والنهي، يثار إليه بعد أن تثبت وجود الحرمة ووجود الوجوب أو الحلية، ثم اجتماعهما في مصداق ثم تصل إلی بحث اجتماع الأمر والنهي و ما ذكر من التوليفات فيه. متي يثار إلی أن الوجوب و الحرمة موجودان؟ بعد الدلالة التصورية و الإستعمالية و التفهيمية وا لجدية.

فلاحظ هذا ليس نقصا و إعوازا للقواعد التي قررها الأصوليون في بحث اجتماع الأمر لكن هذه البحوث مرتبتها تجيء بعد استنفاد هذه المراتب، إذاً أصل الحرمة محل الكلام لايأتي في مرتبته بحوث اجتماع الأمر والنهي. فأن كل قرينة لها مرتبة خاصة لاتعني فقد قرينية القرينة في مرتبتها الخاصة.

علی كل هذا إشكال متكرر من الأعلام الذين لايرتضون ،كأنما في ذهنهم و إرتكازهم أن كل قرينة هي تصورية و استعمالية أو باللتيا والتي هي تفهيمية، ليس هكذا. أصلا طبيعة القرائن الجدية وجد الجد طبيعتها أن تكون متأخرة و ليست قرائن متقدمة، لكن كونها متأخرة لايعني عدم االإعتماد عليها في ظرفها و مرتبتها.

هكذا الحال في القدر المتيقن يعتمد عليه، لكنه بعد استنفاد مراتب القرائن، لذلك علی وفق هذ البحث ذكرنا مرارا أن علم الحديث مقدم علی علم الفقه و علی علم الأصول لأن علم الأصول يأمن لك أن العناصر التصورية سالمة أو غير سالمة، مثلا نسخة متن الحديث هكذا أو ليس هكذا؟ حديث مقطوع و مقطع أو موصول؟ في مصدر آخر له لفظ بدل هذا اللفظ، فتشابه الكلمات إلی ماشاءالله، ربما في النسخة السابقة كانت بدون التنقيط. من هذا القبيل كثير فلذلك علم الحديث باعتبار دخالته في العناصر التصورية جدا مهم. فعلی كل دور علم الحديث عجيب وعظيم، إنه يتكفل بمجيء أكثر المواد التصورية، فإذاً القدر المتيقن أول عليه القدماء لكن مرتبته في مابعد.

نفس الشيخ الأنصاري و مشهور متأخر الأعصار فيما إذا خصص العام بمخصصات يكون الباقي من ظرف العام نادرا، هذا بمنزلة لغوية العام إذاً لابد أن يكون العام تبقی فيه دائرة و هو نوع من القدر المتيقن. استهجان العموم نوع من الإعتماد علی القدر المتيقن. يعني أن العام لايصير أن يقل عن هذه الدائرة وإلا مجيء العام من قبل الشارع لغو وهو نوع من الإعتماد علی القدر المتيقن.

قرينة أخری: من القرائن التي يؤول عليها القدر المتيقن في الإحتمالات أو قل درجات القوة والضعف في الإحتمالات يعني الإحتمال الأقوی يصار اليه. يعني في مجموع تعارض الأدلة الموجودة وقرينية التعارض بأن المراد الأصلي ليس هكذا بل المراد وراءه في مجموع هذه القرائن و الدوال، ضعف الإحتمال و قوة الإحتمال يصبح أحد القرائن وإن كان هو بنفسه غير مستقلة.

بعض القرائن بنفسها ليست مستقلة و غير قويم لكن عندما تتألف و تتركب مع مجموع القرائن الأخري يؤول عليها، فقوة الإحتمال و ضعف الإحتمال ليست قرينة مستقلة يؤول عليها لكن في ضمن الأدلة الموجودة المقتضية وقرينية التعارض الكاشفة عن تأويل أحد الدليلين أو كلاالدليلين مع قوة الإحتمال يمشی علی التأويل علی الأقوی إحتمالا دون الأضعف. هذا نوع من القدر المتيقن هذا أيضا مما يشاهد عليه مما يؤول عليه.

هذه جملة من القرائن.
مبحث انقلاب النسبة

نبدأ ظاهرة أخری في قاعدة الجمع وهي انقلاب النسبة في الأدلة. هذه ظاهرة تأويلية في الأدلة بديعة جدا ومهمة.

النقطة الاولي: طيات ما يبحث في انقلاب النسبة أهم من بحث انقلاب النسبة لأن الضوابط التي تذكر في طيات انقلاب النسبة ضوابط قابلة لتوليد حالات كثيرة وعديدة للجمع التأويلي لاخصوص انقلاب النسبة، نفس الضوابط التي تذكر في بحث انقلاب النسبة في الحقيقة ضوابط تدلل علی فنون الدلالة و تنوع الدلالة وتلون الدلالة بعناوين عديدة و تدل علی أن التوليف بين عناصر الدلالة له أنواع عديدة عجيبة. لذلك البحث في أسس انقلاب النسبة أهم من بحث انقلاب النسبة و ليس البحث في انقلاب النسبة في خصوصه بقدر ما هو بحث عن فنون الدلالة في الجمع التأويلي أو الجمع التبرعي كما يسمی عند المعاصرين.

النقطة الثانية: بحث انقلاب النسبة هو في الأصل بحث في تعارض أكثر من الدليلين، ثلاثة أدلة فما فوق وهذه ظاهرة مهمة وملفتة أن التعارض لايقتصر علی التعارض بين الدليلين، ربما التعارض يصير بين أكثر من الدليلين.

السيد الخويي هنا ذكر أن ظاهرة التعارض بين أكثر من الدليلين هي غالب أنواع التعارض. دعوی السيد الخويي ليست بعيدة. إن لم يكن غالبا يكون أكثر أنواع التعارض أو قل كثير جدا. غالب موارد التعارض ليس تعارضا بسيطا بين الدليلين، بل غالبا بين ثلاثة أدلة فما فوق. أن التعارض يعني أنه في كثير من الأبواب إن لم يكن أكثر و أغلب هو التعارض بين أطراف أكثر من الإثنين.

النقطة الثالثة: في بحث انقلاب النسبة، إذا يذّكّر الإخوان في أول مبحث التعارض ذكرنا جملة من أقسام التعارض. التعارض بالذات و التعارض بالعرض والقسم الثالث اشتباه الحجة بللاحجة . طبعا اشتباه الحجة بللاحجة صورة تعارض لكن سنخا يختلف.

التعارض بالذات هو يعني أن ذات مفاد هذا الدليل ينافي ذات مفاد ذلك الدليل وليس كما يتخيل أن التعارض بالذات يقتصر علی ما إذا كان التعارض بين الطرفين بل يمكن أن يكون بين ثلاثة أطراف أو أربعة اطراف. فالتعارض بالذات غير مقتصر علی التعارض بين الطرفين كما سياتي. فهذا القسم الأول، التعارض بالذات سواء بين الطرفين أو أكثر، التعارض بين ذات هذا و ذات ذاك.

هناك تعارض بالعرض، يعني بين نفس الدليلين أو ثلاثة أدلة و أكثر ذاتا ليس تنافيا، لكن بسبب وراء ذات الدليل يحصل بينه و بين الدليل الأخرى التعارض و التنافي. هذا التنافي يعبر عنه التعارض بالعرض إما بالعلم الإجمالي بالخلل في أحد الدليلين أو اجتماع هذه الثلاثة الأدلة أو أربعة يسبب التعارض يعني أن الدليل الأول والثاني ليس بينهما التعارض و الثاني مع الثالث ليس بينهما التعارض و الثالث مع الأول ليس بينهما التعارض لكن اجتماع ثلاثة أدلة أو أربعة مع بعضها البعض يسبب التعارض. إذاً مفاد الدليل بنفسه لايسبب التعارض مع أي دليل من الأدلة الموجودة لو نظرت اليه نظرة صناعية لكن بسبب اجتماع الأدلة يصير تعارضا. هذا يعبر عنه التعارض بالعرض.

بعبارة أخری: لايتوهم أن التعارض بالعرض فقط مقصور علی التعارض بين الأكثر من الدليلين. يمكن حتی بين الدليلين كما أنه لايتوهم أن التعارض بالذات مقصور علی التعارض بين الدليلين بل يمكن أن يكون التعارض بالذات بين أكثر من الدليلين.

بعبارة أخری، كل من قسم التعارض بالذات و العرض قابل للتصوير في التعارض بين الدليلين أو ثلاثة أدلة فمافوق. لأن جملة من الأعلام حصلت عندهم غفلة في أن الأول مخصوص بالثنائي و القسم الثاني مخصوص بالثلاثي. يجب أن نلتفت إلی أن هناك ثلاث حالات بشكل إجمالي وإلا بشكل تفصيلي أكثر من الثلاث حالات. التعارض بالذات و التعارض بالعرض و اشتباه الحجة بللاحجة.

يجب الالفتات إلی أن القسم الثاني وهو التعارض بالعرض لاصلة له بالقسم الثالث و اشتباه الحجة بللاحجة. جملة من الأعلام في جملة من الأبواب تحصل لهم الخلط في أن التعارض بالعرض كأنما هو اشتباه الحجة بللاحجة. والحال أنه خطأ. اشتباه الحجة بللاحجة لاربط لها بالتعارض بالعرض. التعارض يعني أن كلا من الحجتين أو كلا من الحجج بينها تنافي بالذات أو بالعرض لكن كل من الحجج في نفسها واجدة لشرائط الحجية. بخلاف القسم الثالث فإنه نعلم بأن أحد الحجتين غير واجدة لشرائط الحجية لكن صورة اشتبه لنا الحجة عن غير الحجة مثلا نسختين نعلم بأن أحدهما من باب اشتباه النساخ.

المقصود إن اشتباه الحجة بللاحجة غامض ويخفی في جملة من الأبواب علی بعض من الأعلام بإعتبار أن اشتباه الحجة مع اللاحجة أيضا فيه علم اجمالي فيشبه بينه و بين القسم الثاني لكن يجب علی الفقيه الحاذق في معالجة التعارض التمييز دقيقا بين موارد القسم الثاني والثالث لأن احكام القسم الثالث بعيدة كل البعد عن التعارض، سواء أحكام التعارض بحسب مقتضی القاعدة أو أحكام التعارض بحسب الأدلة العلاجية الخاصة للتعارض. هذه نكتة نفيسة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo