< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، القول المختار في مقتضی القاعدة، بيان الأدلة، قاعدة المعاريض، تعريف القاعدة. مراتب الدلالة و ترتيب الآثار علی بعضها دون بعض لاينفي كونها من الدلالة.

كنا في استعراض أقوال العلماء و أعلام الفريقين في تعريف المعاريض، فوصلنا إلی كلام صاحب كنز الدقائق و عبارته هكذا: إنه إيهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة و لامجازا. فقوانين المجاز و قوانين الحقيقة لاتستعمل فيه بل ماوراء ذلك.

الطبري في تفسيره جامع البيان أيضا في ذيل الآيه ذكر: أن الفقهاء من المذاهب الإسلامية ينفون ثبوت حد القذف بالتعريض بالقذف، يثبت التعذير ولكن لايثبت الحد، فلاحظ الحد رتّبه الشارع علی التصريح أو الظهور بالقذف و هذه نكتة مهمة نلتفت اليه و هي أن ترتيب الآثار الفقهية علی بعض مراتب الدلالة دون بعض مراتبها في بعض الأبواب الفقهية مقرر و موجود و هذا لايدل علی أن بقية مراتب الدلالة التي لايرتب عليه الأثر في هذا الباب أنها ليست من مراتب الدلالة.

كما مر بنا في باب الإقرار أو الأقارير، أن المتكلم يلزم بكل لوازم كلامه و لو اللازم العشرين و لولايلتفت إلی هذه اللوازم إلا المعصوم في جملة من الموارد، في بعض الموارد من قضاء أميرالمؤنين عليه الصلوة و السلام يقضي باللوازم ثم يبين وجه التلازم في الأقارير و الآخرون بتعليم و تبيان و بيان اميرالمؤنين عليه السلام يلتفتون إلی الملازمة أو قد يكون المتكلم قاصدا لعدم إخفاء الحقيقة. باب الإقرار شكل و باب الحدود شكل آخر لكن هذا الإختلاف في ترتب الآثار علی مراتب الدلالة لاينفي كون بقية المراتب من الدلالة.

مثلا الآن في باب التعريض و باب حد القذف التعريض لايرتب عليه الحد لكن يرتب علیه التعذير، فرق بين الدلالتين. ما المانع في ذلك؟ يفرق بين دلالة التصريح و دلالة التعريض و ليس مانعا من ذلك. فالمقصود أيا ما كان، أن مراتب الدلالة قد يفرق فيها في الآثار لكن هذا لايعني نفي بقية المراتب من كونها من الدلالة أو ترتيب بقية الآثار في الأبواب الأخرى.

مثلا الدليل الحاكم هو الدليل الذي يكون أقوی دلالة أما المتوسط دلالة ليس حاكما فالحاكمية و الترجيح في الدلالة من خاصية بعض مراتب الدلالة لكن هذا لاينفي أن تكون الدلالة الأخرى -التي ليست هي راجحة لكنها متوفرة في نفسها علی الشرائط- أن تكون من الدلالة.

بعبارة أخری: إختصاص بعض الآثار لبعض المراتب من الدلالة لاينفي أن بقية المراتب من الدلالة و يترتب عليها آثار أخری. بل بالعكس ترتيب التعذير علی التعريض دليل علی أنه نوع من الدلالة و إلا لم يكن يعذر. يحد إذا كان بالتصريح بالقذف و يعذر اذا عرض بالقذف. لاحظ، ليس كناية و لم يقذفه بالكناية بل قذفه بالتعريض البعيد و فيه تعذير، هذا مما يدل علی أنها من الدلالة و يترتب عليه الأثر، لذلك الطبري المعاصر للكليني و صاحب الدورة التفسيرية الروائية المهمة جدا و فيها كثير من حقائق أهل البيت عليهم السلام هو نفسه صاحب التاريخ، نفی ثبوت الحد بالتعريض و إن كان يؤدّی بالإيذاء و هذا الحكم ليس مختصا بمذهب من المذاهب الإسلامية و مشهور الفقهاء الإسلامية هكذا.

الجصاص في أحكام القرآن في تعريف التعريض يقول: ما تضمن الكلام الدلالة علی شيء من دون ذكر لشيء. الدلالة موجودة مع أنه لايذكرها، فيها دلالة من إشعار وإضائات ما نحو هذا الشيء والكناية العدول عن ذكر اسمه بما يدل عليه بلفظ آخر. الكناية نفس اللفظ المكنی به، هو لفظ دال لكن لابنحو الاستعمال الحقيقي أو المجاز بل بينابين، كما يعبرون. بالتالي الكناية فيها لفظ يستند اليه أو يحتج به عليه أما التعريض ليس هناك في البين لفظ خاص لما يراد التعريض به لكنه تلقائيا حكاية تشمله. شبيه الإضائة تركز علی أمر معين لكنه تبين أمورا أخری. و أيضا جصاص قال: إن الإقرار لايثبت بالتعريض طبعا لايثبت بالتعريض صحيح، أما اللوازم المترامي يثبت لكن علی أن تنطلق هذه اللوازم من حاق المتن المطابق للإقرار و لو اللازم العاشر أو المأة لكن بشرط أن تنطلق و تترامی من اللفظ، أما لو لم تنطبق من اللفظ كما في التعريض فلايتم الإحتجاج بالتعريض في الإقرار. الكناية يمكن أن يؤخذ بها أو اللازم الخفي لكن تعاقبا من المفاد المطابقي. إذاً الفرق بين اللوازم البعيدة في الإقرار يأخذ به ولو خفية لكن منطلقة من اللفظ و من حاق اللفظ. ليس كل دلالة خفية يؤخذ بها بل الدلالة الخفية المتلازمة يؤخذ بها. بخلاف التعريض فهذا تفصيل في الدلالة الخفية في باب الإقرار تفصيل فقهي متين.

باب آخر باب العقود و الإيقاعات و الشهادة في القضاء. هذه الأبواب لايكفي فيها الكناية و لايكفي التعريض بل يشترط فيها خصوص التصريح، مع أن الكناية دلالة مع ذلك في باب الإيجاب و القبول لايصح الإعتماد علی الكنايات، لايصح في باب البيع و لاالاجارة و لافي النكاح و لافي غيره كعقد. في العقد يحكم الإلزام و الإلتزام فيه بالتصريح فقط. خصوص الأثر في باب لزوم العقود والإيقاعات أو الشهادة يشترط فيها خصوص التصريح من الدلالات. كما مر بنا في بداية الحديث اختلاف الاثار في الأبواب بحسب مراتب الدلالة لاينفي أن بقية المراتب من مراتب الدلالة تترتب عليها آثار أخری أو آثار عامة. فهنا خلط بين إختصاص الآثار ببعض المراتب من الدلالة و بين نفي دلالة كل بقية المراتب.

الان باب الإستنباط الفقهي و التفسير و غيره أو الإستنباط في عموم العلوم الدينية يتكأ علی مطلق الدلالة أم لا؟ البحث هنا. لكن لايمكن واحد أن يحتج بعدم حجية الدلالة الخفية بتوسط عدم ثبوته في الشهادة و عدم صحة الشهادة بها، عدم صحته في باب العقود و الإيقاعات، وليكن، هذه هي الآثار الخاصة في بعض الأبواب و اختلافها بحسب المراتب لامانع منه و هذا لاينسف و لاينفي بقية مراتب الدلالة. إذاً لايكن هناك في البين بلبلة في الاستدلال.

(المعاطاة نوع من الاعطاء ليس فيه انشاء و الزام) إذاً هذه نكتة جدا مهمة، إختلاف الآثار في جملة من الأبواب و اختصاص بعض الآثار ببعض المراتب في بعض الأبواب و جملة من الأبواب لايدل علی نفي بقية مراتب الدلالة و إنكار بقية الآثار علی بقية مراتب الدلالة. إذاً ليكن هنا عندنا نظم و الموازين للتدقيق في أن الاثار تترتب علی أي مرتبة أو علی عموم مراتب لاأننا نتوهم من هذا نفي بقية المراتب مطلقا بالجملة.

في باب صلوة المسافر القصد لازم لتحقق السفر أو تحقق الإقامة، أي مرتبة من القصد؟ بين الأعلام كلام. لأن القصد له مراتب، القصد الجدي العازم أو ستين بالمأة أو سبعين بالمأة أي درجة من القصد؟ بحث آخر، هذا لايعني أن عموم طبيعة القصد لاتشمل المراتب الكثيرة، في بعض الأبواب مطلق درجات القصد يكفي و في باب صلوة المسافر لايكفي، لكن هذا لايعني أن بقية مراتب القصد ليس بقصد

مثال آخر: السيد محمد الفشاركي و هو تلميذ المجدد معاصر الآخوند و السيد اليزدي و عنده إبتكارات لطيفة، درس عند الميرزا الناييني و عند آغاضياء عراقي وكثير من الكبار فهو يشير إلی نكتة لطيفة في كتابه الرسائل: صرف الإحتمال فيه إقتضاء التنجيز و الكاشفية، حتی الإحتمال بقدر خمس بالمأة، نفس هذا الإحتمال كاشف فضلا عن الشك، و يرتب علی هذا آثارا كثيرا في الأبواب الفقهية و الأصولية فلانظنن أن الشك إذا رتب الشارع الأصل العملي أو كذا معناه أن الشك في نفسه أو الإحتمال في نفسه ليس بكاشف و أن الكاشف فقط هو الإطمينان و اليقين، الإطمينان و اليقين درجة من المنجز.

آغاضياالدين العراقي و الميرزا الناييني و السيد الخويي في باب منجزية العلم الإجمالي يقولون: لانحتاج أن نثبت منجزية العلم الإجمالي، الاحتمال منجز في نفسه. فالمقصود في الأبواب الكثيرة من هذا القبيل بحث الإحتمال و بحث القصد و بحث الدلالة أن لها مراتب و درجات و إختلاف الآثار و اخصاص الآثار في جملة من الأبواب علی بعض مراتب الدلالة لاينفي أصل طبيعي عموم الدلالة.

الأميني في الغدير المجلد السادس في الطبعة القديمة صفحة 105 أو بعده تحت عنوان جهل الخليفة بمعاريض الكلام يلفت إلی مجموعة من استخدامات الصحابة للمعاريض، و سجل مؤاخذة علی فلان. المقصود أن المعارض من ضمن حوارات العرب أو كل البشر. هذا الحلبي من أعلام علماء الامامية في كتابه الكافي يقول: الوجه في إنزال القرآن محكما و متشابها -تفسير المتشابه في القرآن في جدل بين الفقهاء والأصوليين و المفسرين، أنه ماذا معنی المتشابه في القرآن و الروايات؟ أحد معاني متشابه يذكره الحلبي يقول: الوجه في إنزال القرآن محكما و متشابها شيوع المعاريض في لسان العرب لأنها ظاهرة إستعمالية و حوارية موجودة. من أكبر الأخطاء في علوم اللغة أن تحصر الدلالة في الإستعمال الحقيقي أو المجازي أو الكنايي. باب المعاريض باب عريض. الأحجيات و الحزورات و الطرف كلها داخل في هذا الباب، باب اللغة الأمنية في باب خفاء تبادل المعلومات عند الساسة و العسكريين أو حتی عند التجار لأن اللغة الأمنية مطلوبة في كل مجال في السوق و التجارة حتی في الأسرة، إذاً هي ظاهرة موجودة في البشر، أنه إذا أريد أن يخفي المراد عن الأغيار يلفلف، ظاهرة ضرورية عند البشر. فكيف بك و الائمة يعيشون حالة ارعاب الدولة؟ جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يدير أكبر حوزة و جامعة إسلامية في مدينة منورة و ليس أغلبهم من أتباع أهل البيت بل أغلبهم علی العكس و إن كان لهم هوی لأهل البيت. الإمام زين العابدين سلام الله عليه يقول في رواية: ليس في المدينة لنا إلا عشرون حتی أقل من عشرين. الان خير الحمدلله.

المقصود أن أيام الائمة هكذا كان. يراغب المفتش الأمني بيوت الائمة و الإمام الصادق عليه السلام، فحينئذ في هذه الحالة في الملفات المتعددة كيف تتصور أنه لايستخدم لغة الخفاء. التقية في البيان يعني اللغة الأمنية إذاً باب المعاريض باب قام عليه بيانات أهل البيت لان المعاريض يحتاج اليه كل البشر في إخفاء لغته، لذلك يقول الحلبي: الوجه في إنزال القرآن محكما و متشابها شيوع المعاريض في لسان العرب لأن لغة الخفاء و الإخفاء يحتاجها كل انسان في دائرة صغيرة أو كبيرة. الآن عالم الساسة و الأخبار هذه الأخبار الموجودة فيها دلالات للخصماء لايفهمها الكل بل هم يفهمونها يرصد الإشارة. الدلالة الخفية لايمكن أن تنكر بل هي ضرورة بشرية ماسة في الحواريات تختلف أنواعه.

بقية التعاريف إن شاءالله نتوصل اليه لانها مهمة و ليست هلوسة بل بالموازين و الضوابط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo