< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

44/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أبعاد ثلاثة في أدلة الفقه السياسي والامور العامة

 

مر بنا أن البحث في الفقه السياسي او فقه الدولة او فقه النظام الاجتماعي و هو -اي الفقه النظام الاجتماعي- يختلف عن فقه الدولة وهو من البحوث الشأن العام و لكنه ليس بالضرورة أن يكون فقه الدولة بل بينهما فرق.

على اية حال، ففي فقه السياسي او فقه القضائي او الفقه في الولايات و الاوقاف العامة في الخيريات و الصدقات العامة في الحسبيات فهي كالفقه الفردي لابد من تحرير ابعاد ثلاثة فيها -وهذا لربما تحتاج الى شيء من التوضيح كي نفرق بين الحسبة على نهج الامامية و قاعدة الحسبة على نهج العامة -.

مثلا هناك ادلة شرعية تأتي في المعاملات او في الافعال مرتبطة بضوابط و موازين في الافعال مثل قوله صلى الله عليه واله انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان[1] هنا يبين صلوات الله عليه واله الفعل القضائي للمأمور فعلي؛ من المتصدي ؟ ليس في صدده عليه السلام بالبينات و الايمان اين موضوعه في الدماء في الاعراض في الاموال؟ هذا بحث آخر . من معالم مذهب اهل البيت عليهم السلام في النزاعات الفردية في القضاء في الاموال أن يقضى بالشاهد اي البينة و اليمين هذا ميزان من الموازين التي يستند اليها . اين هذا الميزان؟ في الاموال . وهلم جرا.

فالمقصود تارة الكلام في الافعال كقوله سبحانه:﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْع﴾[2] هذا الدليل في اي بعد من ابعاد المعاملة ؟ هذا الدليل في بعد الفعل و الماهية في نفسها و ليس في صدد ما يباع و ما يشترى به – المبيع- بل في صدد الفعل. فان قوله ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا﴾ و ايضا قوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُم﴾[3] قسم من الادلة التي يلاحظ فيها الفعل بنفسه، فلايمكن ان يتمسك بها بأنها في صدد المبيعات و انه ايها تحل و ايها لاتحل ؟ فان هذا لا معنى له؛ لان الادلة ليست في صدد موضوع البيع. هذا من الخطأ.

وايضا قوله: الحمدلله الذي حلل النكاح و حرم السفاح . اما المنحكوحة من هي؟ او الناكح من هو؟ أهو مسلم او كافر او كتابي؟ فان هذا الدليل و كذا قوله صلى الله عليه واله تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَوْ بِالسِّقْطِ.[4] فان هذا الدليل لا يتعرض الى من هو الناكح او المنكوح؟ فليس في صدده بل في صدد أن النكاح ماهية محللة في مقابل الفجور وهي ماهية محرمة فانه في صدد البعد الاول فقط فالتمسك به في البعد الثاني او الثالث خطا غير مغتفر في البحث العلمي.

مثلا لاحظ قوله تعالى ﴿وَ ابْتَلُوا الْيَتامى‌ حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُم﴾[5] .فهذه الاية واضحة في صدد المتصدين وليست في صدد الافعال بل في صدد انه متى اليتيم غير البالغ يتولى المعاملات المالي؟ اي في صدد البعد الثالث و ليست ناظرة الى البعد الاول و لا الثاني، فالتمسك بها من البعد الثالث للبعد الاول في غير محله لانه هناك تفكيك بين الامرين .

او مثلا الناس مسلطون على اموالهم فالناس يعني البعد الثالث الناس مسلطون على اموالهم لامسلطون على احكام اموالهم. فان حكم المال يعني: اي معاملة نافذة و ايها غيرنافذة فهذا الدليل غير ناظر .

بعض الاعلام كالشيخ الانصاري تمسكوا بـ(الناس مسلطون على اموالهم) للبعد الاول لكن الكثير استشكل و قال ان النبوي ليس ناظرا الى البعد الاول وانما هو ناظر الى البعد الثالث فيجب التفكيك بين الادلة.

نعم قد يكون هناك دليل هو يتعرض للمسبب باجتماع الابعاد الثلاثة فلا بأس بالتمسك به مثل أَوْفُوا بِالْعُقُود كما قال بعض بأن في أَوْفُوا بِالْعُقُود يتعرض للمسبب نتيجة اجتماع الابعاد الثلاثة فيه فيكون في صدد العموم اي في البعد الاول و الثاني و الثالث .

و هذا القيل يتم ام لا فهذا بحث آخر اما في الاصل ان الادلة الواردة في ماهية الفعل غير الادلة الواردة في المتصدي للبعد الثالث غير الادلة الواردة الابعاد الاخرى.

مثلا قوله تعلاى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزير﴾[6] .. هذا واردة في بعد الموضوع. يعني لا تأكلوه و لا تشربوه و لا تبيعوه او تتبايعوا فيه فهنا الدليل تعرض للموضوع.

او مثل عموم آخر : ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم﴾[7] هذا العموم يتعرض من اي جهة؟ هل يتعرض الى البعد الاول او البعد الثاني او البعد الثالث او البعد الرابع؟ فمن الخطأ التمسك بقوله فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم (للبعد الرابع بل هي بصدد بيان)شرائط التذكية فان التذكية فعل في نفسه.(كما تحصل) بالآلة الحادة او غيرها، فبدل الآلة الحادة نفس الكلاب المعلمة ترسلها كأنما ارسلت سهما من السهام الى الصيد بآلات الصيد. هذا في الكلب المعلم ، فالآية في صدد اما البعد الاول واما البعد الثاني وليست في صدد البعد الرابع.

البعض استدل بها على البعد الرابع فقال ان قوله فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم... يعني عضة الكلب المعلم في الذبيحة لا تنجس الذبيحة و لا يحتاج الى تطهيرها من موضع عضة الكلب مع انه لا ربط لها بما ذكر فانه شبيه ما في التذكية حيث يشترط خروج الدم بفري الاوداج الاربعة فتكون التذكية حينئذ تامة صحيحة و تحل الذبيحة هنا حلية الذبيحة من حيث البعد الاول او من حيث البعد الرابع؟ -البعد الرابع يعني طهارة الدم الخارج-. مع انها ليست بصدد عدم تطهير الموضع، و ما هو ربطه؟

فان السكين لما يذبح بها فري الاوداج تتلطخ بالدم الخارج وهو لا زال يفري فبالتالي ينتجس موضع فري الاوداج لذلك القصابين المتشرعين يفهمون بأنه بعد ذلك يلزم عليه ان يطهر موضع الفري.

البعض يقول: ان نفس دليل فري الاوداج الاربعة دليل على البعد الرابع يعني الطهارة غير البعد الاول و الثاني و الثالث؛

هذا الاستدلال خطأ، لماذا ؟ لان الادلة في الغالب متحيثة. يعني أتت لحيثية معينة لا انها اتت لكل الحيثيات و ان كانت هذه الحيثيات لابد من اجتماعها و انضمامها لكي يترتب الاثر لكنها لا انها تاتي من كل الحيثيات؛

كما ان خاطبا معينا تقول في حقه-اذا سألك احد عن شمائله- بأن شمائله جيدة، فيقول: لماذا لم تقل لي بأن أخلاقه غير جيدة فأجيب بانك لم تسألني عن أخلاقه وانما سألتني عن شمائله فاجبتك بانها جيدة ولم تسألني عن ثرواته او دينه . نعم لو سألتني سوال مجموعي هذا بحث آخر لكنك سألتني عن حيثية معينة فأجبتك عن تلك الحيثية .

فهذه النقطة مهمة وهي انه في الاسألة و الاجوبة هناك حيثيات و بتعبير كثير من الفقهاء يقول بأن فراسة المجتهد بأن يلتفت الى حيثية الكلام فانها شيء مهم وهي من أصعب الامور في الاستظهار في بحث الاطلاق؛ لان الكثير يظن بأن الاطلاق كشربة ماء مع ان من اصعب الاشياء اثبات الاطلاق لان من شرائط الاطلاق أن يكون المتكلم في صدد البيان من كل الحيثيات او من حيثية واحدة؟

فان الحيثية التي يكون في صددها الكلام و الاطلاق لا تثبت بالاطلاق هذه من الامور التي تدل على البساطة في الاستنباط فان الحذاقة في الاستنباط و ملكة الاجتهاد أن يحرز الباحث شاهد خاص على ان هنا ليس باطلاق او في مرتبة سابقة على الاطلاق يثبت بأن الدليل و الاطلاق بصدد هذه الحيثية او تلك الحيثية او حيثيتين او واحدة او ثلاث فتاتي بشاهد خاص ومن ثم اثبات الاطلاق صعب من هذه الجهة فان ظاهره سهل لكن موضوعه من اصعب الصعاب لانك لابد أن تاتي له بشواهد و عناصر خاصة فتثبته والا يصير البحث فوضوي.

امثلة لابأس أن اذكرها لان البحث صناعي.

مثلا ﴿الزَّانِيَةُ وَ الزَّاني‌ فَاجْلِدُوا﴾[8] ﴿وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما﴾[9] ﴿وَ الَّذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنات﴾[10] ‌وعمومات كثيرة عندنا في الحدود بعضهم استدل بهذه العمومات على أن المخاطب البعد الثالث المتصدي المخاطب بهذا الخطاب ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامينَ بِالْقِسْط﴾[11] ﴿وَ أَقيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ﴾[12] هذه خطابات عامة في اقامة العدل سواء النظام السياسي القضائي الاجتماعي قال هذه الخطابات –مع كونها وظائف الدولة – وظائف لكل المجتمع وكل الناس مع انها امور عامة هل المخاطب بها كل الناس؟ هذا الراي صحيح و خطأ و سنبين أين الصحيح منه و الخطأ . لان اصحاب مسلك السقيفة او الشورى او الاكثرية قالوا ان المخاطب بها كل الناس فهي وضائف لم يخصص بها أحد وظائف انشطة الدولة اقامة النظام لم تخصص بأحد. هكذا قيل.

نقول: اذا لم تخصص بأحد اذن قوله تعالى ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا﴾[13] ناظر الى اي شيء؟ او البعض قال في قوله تعالى: - هذه بحوث مهمة في البحوث القضائي و السياسي و البحوث الشؤون العامة كلها متولدة من هذه النقطة وهي التمييز بين الابعاد الثلاثة او الاربعة او اكثر في حيثيات الادلة – هذه الخطابات و الوظايف العامة التي يخاطب بها في النظام الاجتماعي و النظام السياسي و النظام العسكري و النظام الامني هل المخاطب بها كل الناس او مخاطب بها الحكام و من هم الحكام؟

اجمالا فمواخذة لان إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا حصر المتصدي في البعد الثالث كيف تلتئم مع اطلاق البعد هذه الواردة في الفعل او قوله تعالى: ﴿ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى‌ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى‌ فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى﴾[14] ‌..( َفلِلَّهِ ) هذا تخصيص (وَ لِلرَّسُولِ ) هذا ايضا تخصيص (وَ لِذِي الْقُرْبى ) هذا ايضا تخصيص . باجماع المسلمين.

انا اتعجب ممن يتنكر لولاية فاطمة عليها السلام بدون تدبر وليست قضية طهارتها هذه مسلمة في المذهب الكلام ممن يجهل و يتجاهل و لا يتدبر عندما نزلت آية الفي بأجماع المسلمين اعطى الرسول فدكا لفاطمة ما معنى ذلك؟ فان الفيء مال عام يعني فاطمة رئسة البنك المركزي في دولة الرسول فاطمة وزيرة المالية فاطمة وزيرة الميزانية يعني كل ما يرتبط بالمال حركته بيد فاطمة في دولة الرسول آبار النفط بيد فاطمة فان فدك كانت آبار نفط في دولة الرسول ولذلك جماعة السقيفة بعد ما اخذوا حق علي بن ابي طالب الشخص الثاني الذي هاجموه و اخذوا حقه فاطمة يعني اخذوا من وزير الدفاع و وزير الداخلية و رئيس الوزراء اخذوا مكانه الشرعي ثم ذهبوا الى البنك المركزي ووزير المالية و وزير الميزانية و ماشئت فعبر فالرسول صلى الله عليه واله كان لديه وزيران الوزير الاول هو امير المؤمنين و الوزير الثاني فاطمة عليهما لسلام فما معنى التردد في ولاية العامة لفاطمة ؟

وايضا بضرورة مفسري الحديث عند كافة المسلمين انه لما نزلت آية الفيء أعطى رسول الله فاطمة فدكا فمن الواضح انه مرتبط بمال العام لكن الولي لها هي فاطمة عليها السلام وهذه ولايتها في عهد الرسول صلى الله عليه واله و لم يعطها للحسن و الحسين و ان كان الحسن و الحسين حجتين بل لم يعطها لامير المؤمنين بل اعطاها لفاطمة هذا تشاطر الولاية بين علي وفاطمة في زمن رسول الله صلى الله عليه واله هذا امر عظيم لشأن فاطمة لمن يتدبر اليه ادنى تدبر بلغة قانونية باللغة العصرية.

نرجع ، ان الادلة الواردة في البعد الاول تغاير الادلة الواردة في البعد الثاني او البعد الثالث او البعد الرابع و لربما في البعد الخامس . اذا صار هذا واضحا فحينئذ ناتي الى قاعدة الحسبة فانها هل ادلة قاعدة الحسبة تتعرض للبعد الاول او البعد الثاني او البعد الثالث فانها اذا كانت دليلا فهل هي دليل في البعد الاول او الثاني او الثالث او بعد آخر الصياغة التي توافق مشرب العامة ان تصاغ قاعدة الحسبة فقط في البعد الاول او الثاني وهذا لا يكفي مثلا – لتوضيح هذا- عندما يقول الباري تعالى أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ اذن الله راضي بالبيع اذن من يكون المتصدي فليكن من كان. او عندما يقول عزوجل وَ أَقيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْط و غيرها فانها من الموازين في البعد الاول .. اذن ان الله راض و حينئذ فليتصدى من يتصدى .

اقول:كيف يمكن ذلك؟ فانه لا يجوز أن يتصدى من يتصدى . لان الادلة الواردة في البعد الاول لا ترتبط بالادلة الواردة في البعد الثالث ، لذا قال ﴿قالَ اجْعَلْني‌ عَلى‌ خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفيظٌ عَليم﴾[15] ‌.

فياتي بنقاط في البعد الثالث و لم يات بالبعد الاول فان البعد الثالث له شرائط بعض الاعلام في باب الفتيا في الاجتهاد و التقليد يتعرضون لباب الفتيا الكلام الكلام فيها ثلاثة او اربع ابعاد يتمسكون بالادلة الواردة في البعد الاول على ان المتصدي ليس من شرطه الايمان كيف لا يكون من شرائطة الايمان؟ هذه الادلة الواردة في البعد الاول اي صلة لها في البعد الثالث ؟ من هو صاحب البعد الثالث؟ لان الفتيا سلطة تشريعية فكيف تعطى الى غير المؤمن و لغير العادل ؟ فاذن يجب الالفات الى ذلك.

اذن قاعدة الحسبة ان صيغت بمقدمات متكفلة للبعد الاول فقط هذا لا يكفي للبعد الثالث نعم اذا ضم اليها البعد الاول و البعد الثاني و البعد الثالث هذا صحيح.

لاحظ، باجماع المسلمين تقربا حسب الاحاديث ان النبي صلى الله عليه واله وسلم عندما كان ياتي الى بيت فاطمة و دارها كان يستاذن فتقول سيدة النساء يا ابتاه الحرة حرتك و البنت بنتك و البيت بيتك فكيف تستأذن ؟ قال ان الله امرني ان استأذن . ما الوجه في الاستئذان؟ لان الله هو الولي و رسول الله هو الولي ، دور فاطمة بأن تستأذن ما هو؟ او مثل ما في نزول جبرئيل استاذن من بأن يدخل تحت الكساء ثم لماذا عاد يستأذن من الرسول صلى الله عليه واله؟ اوليس الاذن من الله كاف في الاذن ؟ لا. لماذا؟لانه هذه فراسة مهمة .

 

اوليس نبي موسى امره ان يتعلم من خضر ؟ من الامر؟ الله فلماذا يستأذن نبي موسى من خضر؟ ﴿قالَ لَهُ مُوسى‌ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‌ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدا﴾[16] . مع انه في روايات اهل البيت عليهم السلام ان موسى له خضر و خضر له فضل آخر. عموم و خصوص من وجه. بتعبير الشهيد الثاني في منية المريد[17] يقول هنا اثنا عشر ادب خضوع و تواضع من موسى للخضر، الانبياء ادبهم و تواضعهم ليس فيه اي مجاملة بل كله حقيقة. هل اتبعك.. استفهم . ثم انت متبوع و انا تابع .. على ان تعلمني: هذا ثالث . مما علمت رشدا يعني الرشد عندك و ليس عندي.

فاستنبط الشهيد الثاني اثنى عشر تواضع من موسى للخضر و لماذا يستاذنه فان الاذن اخذه من الله و لموسى فضل و لخضر الفضل بل حتى في تعبير رواياتنا فضل موسى مقدم على فضل خضر افترض ان موسى في علم الرياضيات قوى و الخضر في علم الفيزيا قوي لكن الرياضيات اهم من الفيزيا من باب المثال. فلماذا الاستئذان فأفضلية موسى لا تعني انه لا يستأذن . لماذا؟

النقطة هي انه باعتبار ان الله عزوجل كما اذن في جبرئيل لكن الله عنده امر آخر وهو جعل رسول الله الولي ثاني بعده يمثل خلافة الله ،فجبرئيل يجب أن يراعي شئون الله في كل الموارد ومن شئون الله ان الله نصب رسول الله وليا فقال إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُون‌ فهو يراعي خطابين من الله و نقول بعبارة مختصرة عصرية انه يراعي سلسلة المراتب كلها والا لو اقتحم موسى حضرة الخضرمن دون ان يستأذنه لأخل بما هو مأمور به شرعا سبحان الله . مع ان الله امره. جبرئيل ايضا لو اراد ان يدخل تحت الكساء من دون ان يستأذن رسول الله لأخل بالمقررات الوحيانية مع ان الله اذن له لكن هناك مقررات لازم ان تأخذ بمجموعها لا تأخذ بمقرر واحد بل بالمجموع و هلم جرا و من ثم رسول الله مع انه ولي امير المؤمنين و ولي فاطمة الصديقة لكن مع ذلك يستاذن لان الله نصبهما وليين فلابد ان راعيهما فهذه الامور لابد ان يلتفت اليها.

فاذن حتى الادلة التي تتعرض مقام المعارف و الاسرار اذا لم يميز الانسان بين الادلة وانها هل تتعرض للبعد الاول او البعد الثاني او البعد الثالث او .. يحصل خلط و سوء ادب مع حضرة الالهية او حضرة الرسل او حضرة الاوصياء ..

هذه الامور لابد من مراعاته تتمة البحث في قاعدة الحسبة ان شاالله غدا.

 


[1] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج7، ص414. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَ الْأَيْمَانِ وَ بَعْضُكُمْ. أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَيُّمَا رَجُلٍ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْئاً فَإِنَّمَا قَطَعْتُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ
[17] .و فيما حكاه الله عز و جل عن موسى ع حين خاطب الخضر ع بقوله هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‌ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً. و في قوله سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً. جملة جليلة من الآداب الواقعة من المتعلم لمعلمه مع جلالة قدر موسى ع و عظم شأنه و كونه من أولي العزم من الرسل ثم لم يمنعه ذلك من استعمال الآداب اللائقة بالمعلم و إن كان المتعلم أكمل منه من جهات أخرى. و لو أردنا استقصاء ما اشتمل عليه تخاطبهما من الآداب و الدقائق لخرجنا عن وضع الرسالة لكنا نشير إلى ما يتعلق بالكلمة الأولى و هي قوله هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‌ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً. فقد دلت على اثنتي عشرة فائدة من فوائد الأدب (الأولى) جعل نفسه تبعا له المقتضي لانحطاط المنزلة في جانب المتبوع. (الثانية) الاستئذان بهل أي هل تأذن لي في اتباعك و هو مبالغة عظيمة في التواضع.(الثالثة) تجهيل نفسه و الاعتراف لمعلمه بالعلم بقوله عَلى‌ أَنْ تُعَلِّمَنِ. (الرابعة) الاعتراف له بعظيم النعمة بالتعليم لأنه طلب منه أن يعامله بمثل ما عامله الله تعالى به أي يكون إنعامك علي كإنعام الله عليك و لهذا المعنى قيل أنا عبد من تعلمت منه «1» و من علم إنسانا مسألة ملك رقه «2». (الخامسة) أن المتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير لكونه فعله لا لوجه آخر و دل ذلك على أن المتعلم يجب عليه من أول الأمر التسليم و ترك المنازعة. (السادسة) الإتيان بالمتابعة من غير تقييد بشي‌ء بل اتباعا مطلقا لا يقيد عليه فيه بقيد «3» و هو غاية التواضع. (السابعة) الابتداء بالاتباع ثم بالتعليم ثم بالخدمة ثم بطلب العلم. (الثامنة) أنه قال هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‌ أَنْ تُعَلِّمَنِ أي لم أطلب على تلك المتابعة إلا التعليم كأنه قال لا أطلب منك على تلك المتابعة مالا و لا جاها. (التاسعة) مِمَّا عُلِّمْتَ إشارة إلى بعض ما علم أي لا أطلب منك المساواة بل بعض ما علمت فأنت أبدا مرتفع علي زائد القدر. (العاشرة) قوله مِمَّا عُلِّمْتَ اعتراف بأن الله علمه و فيه تعظيم للمعلِّم و العلم و تفخيم لشأنهما. (الحادية عشرة) قوله رُشْداً طلب الإرشاد و هو ما لو لا حصوله لغوى و ضل و فيه اعتراف بشدة الحاجة إلى التعلم و هضم عظيم لنفسه و احتياج بين لعلمه. (الثانية عشرة) ورد أن الخضر ع علم أولا أنه نبي بني إسرائيل موسى ع صاحب التوراة الذي كلمه الله عز و جل بغير واسطة و خصه بالمعجزات و قد أتى مع هذا المنصب بهذا التواضع العظيم بأعظم أبواب المبالغة فدل على أن هذا هو الأليق لأن من كانت إحاطته بالعلوم أكثر كان علمه بما فيها من البهجة و السعادة أكثر فيشتد طلبه لها و يكون تعظيمه لأهل العلم أكمل. ثم مع هذه المعرفة من الخضر ع و هذه الغاية من الأدب و التواضع من موسى ع أجابه بجواب رفيع و كلام منيع مشتمل على العظمة و القوة و عدم الأدب مع موسى ع بل وصفه بالعجز و عدم الصبر بقوله إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً .منية المريد / 235 / فيما حكاه الله عز و جل عن موسى ع حين خاطب الخضر ع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo