< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - بقية أحكام الغيبة والنميمة – حرمة الغيبة – المسألة التاسعة – المكاسب المحرمة.

الرواية السادسة: - عن منصور بن حازم وهي معتبرة إلى حدّ ما قال :- ( قال ابو عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- من أذاع الفاحشة كان كمبتدئها )، وإن لم يذكر من ارتكبها بخصوصه، مما يدل على أنَّ هذه القاعدة هي نفسها قاعدة مستقلة في الحرمة وإن كانت هي مستند لحرمة الغيبة أيضاً، ( من اذاع الفاحشة كان كمبتدئها، ومن عيّر مؤمناً بشيء لا يموت حتى يركبه )، وهذه أيضاً مرتبطة بالغيبة بمعنى، لأن المغتاب الذي يوقع الغيبة في الحقيقة هو يمارس ويرتكب في الغيبة تعييراً ولمزاً واستنقاصاً فإنَّ من يقوم بالغيبة هو يستنقص من أوقعت الغيبة ضده فهذا نوع تعيير واستنقاص، فهذا الاستنقاص يوجد حكم تكويني وسنَّة من الله تعالى أن من يستنقص المؤمن بعيبٍ فهو سوف يبتلى به، ( ومن عيّر مؤمناً بشيء لا يموت حتى يركبه )، وهذا من الآثار الوضعية للغيبة أنَّ المغتاب سوف يبتلى بنفس ما أوقع من غيبة في من أوقعت الغيبة فيه، هذا في غير الموارد المستثناة للغيبة.

الرواية السابعة: - وهي ورادة في تفسير العياشي عن الفيض بن المختار والفيض في نفسه ثقة ولكن الطريق الموجود في تفسير العياشي حذفت الأسانيد فيه، ولو أعيد تصحيح طباعة مصححة لكتاب تفسير العياشي فإن أكثر رواياته موجودة في كتب الصدوق أو كتب الطوسي فيصير ننوع من الاخراج لهذا التفسير العظيم من الارسال إلى الاسناد ولكن هذا يحتاج إلى جهد بحيث يستخرج كل موارده، قال:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- لما نزلت المائدة على عيسى عليه السلام قال لحواريين لا تأكلوا منها حتى آذن لكم فأكل منها رجل منهم، فقال بعض الحواريين:- يا روح الله أكل منها فلان، فقال له عيسى:- أكلت منها؟ فقال له:- لا ، فقال الحواريون:- بلى والله يا روح الله فقد أكل منها، فقال عيسى:- صدّق أخاك وكذِّب بصرك )، وهذا نوع من التصديق والتكذيب بمعنى فسح مجال العذر، وهذا نوع تربوي، لأنه فيه عدم الاسرار على الخطأ لأنه يعتذر وحينما يبدي العذر يعني يوجد اقرار بالخطأ وأنت حينما تفسح له المجال فهذا نوع من ارعواهم وارجاعهم إلى الجادة الصحيحة وهذه التوصية موجودة بني الب والأبناء وبين الزوج وزوجته وعموماً بين الصديق والصديق وبين المؤمن والمؤمن وأنه إذا ارتكب الخطأ بما ليس فيه اصرار على الخطأ وإنما فيه نوع من الارعواء عنه ولو بالتذرع بذريعة غير موجودة حقيقة ولكنه هو تذرع بذريعة هي بنفسها ذرية فعلى الانسان في الظاهر هذه الذريعة لأنه ليس ترسيخاً للنفاق وإنما هذا بالعكس هو ترسيخ للمسار الصحيح وليس ترسيخاً للازدواجية، وإنما هذا نوع عن الارعواء عن الخطأ إلى الصح، هذا الارعواء لا تظننه انه نفاق وازدواجية وإنما نوع أوبة وتوبة فهو صورة كأنما هو نفاق أو ازدواجية ولكن حقيقته هو نوع من الارعواء والتوبة والأوبة فلا يلتبس الأمر عند الانسان تجاه هذه الحالات.

الباب التالي ( تحريم سب المؤمن وعرضه وماله ودمه ):- والذي هو أحد مستندات الغيبة، باعتبار أنَّ الغيبة فيها استنقاص وما شاكل ذلك، وهذا قد تقدم.

الباب التالي وهو ( باب تحرم الطعن على المؤمن ):- أيضاً هو يشمل الغيبة، كما مرَّ بنا أنَّ حرمة الغيبة هي مجمع قواعد وأحكام فقهية متعددة، وفي هذه الروايات تأكيد كثير وشديد على أنه لا يكونن هدف المؤمن من ذكر عيوب مؤمن آخر الاستنقاص والتسقيط والاسقاط لمروّته فإن هذه لها آثار وضعية شديدة بل يجب ان يكون القد بناءً وهلم جرا، وهنا توجد رواية عظيمة جداً وهي :- ( إنَّ الله عزَّ وجل خلق المؤمنين من نور عظمته ) فأصل خلقة المؤمن مما فوق العرش من نور عظمته ومن اسمٍ عظيم ولذلك في الروايات أنه لا يقف أحد على حقيقة المؤمن إلا الله تعالى، ( إنَّ الله عزَّ وجل خلق المؤمنين من نور عظمت وجلال كبريائه ) وهذا اسم آخر ، فمن اسمان أو ثلاثة ( فمن طعن عليهم ورد عليهم فقد ردّ على اله في عرشة وليس من الله في شيء إنما هو شك شيطان ).

أما الرواية التي بعدها فهي نفس مضمونها، وهي بيان لمدى حرمة المؤمن، وهذا ليس بعداً فردياً، بل بالتالي حتى لو قيل المؤمن فالمراد هو الجنس ولكن هذا يبيّن مدى حرمة المؤمن، فالمهم أنَّ أصل حقيقة المؤمن كبيرة وليست هينة.

هذه جملة من البحوث في حرمة الغيبة.

وهذا اللون من العظمة في حرمة المؤمن أنها جهة نوعية فكيف بك في عموم المؤمنين والمجتمع المؤمن والازراء بمجتمع الايمان أو الاهانة أو التوهين من دار الايمان وحومة المؤمنين فكلَّ هذه الأمور أعظم وأعظ، وتوجد روايات عديدة قال إنَّ أحد أصحابنا لا يذهب ليشتري اللحم من القصاب المؤمن وإنما يشتريه من الطرف الآخر فقال إنَّ هذا في قلبه مرض، فلاحظ أنَّ التضامن والتكافل يجب أن يكون بين المؤمنين فـ﴿ المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ﴾، ومضمون آيات عديدة أنهم يتولون الأجانب من غير المؤمنين ويتوقعون أنَّ دائرة السوء التي تقع على المؤمنين سوف يخلصون منها، أو ترى الكثير منهم يسارعون في تولي أهل الكتاب يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة السوء ولكن عليهم دائرة السوء، فهم يصنعون علاقات مع غير المؤمنين ومن هذا القبيل وكل هذا بينه القرآن الكريم، أما بحث تكفير الغيبة فقد مرَّ بنا البحث فيه.

هذا تمام الكلام في مبحث حرمة الغيبة.

 

مبحث حرمة النميمة: -

ولو أن حرمة النميمة الشيخ لم يوردها عقب حرمة الغيبة ولا الغيبة اوردها عقب حرمة السب وإنما أوردها بحسب الحروف الأبجدية متباعدة ولكن هذا التبويب لم نرتئيه فنحن نبدل تبويب الشيخ الأنصاري الذي رتبه في المكاسب المحرمة فنتعرض إلى المحرمات المترابطة مع بعضها البعض في جنس أو في جهة مشتركة نتعرض إلى مجموعة أخرى، هكذا يكون أمتن لاستحضار الوجوه الأدلة والقواعد لذا نتطرق الآن إلى حرمة النميمة ثم بعدها لحرمة الكذب لأنها لها ارتباط قريب لحرمة السب والغيبة والنميمة، وبعد أن تنتهي هذه المجوعة بعد ذلك نوقع الحديث حول السحر والكهانة والشعبذة فإنَّ هذه مجموعة فرقها الشيخ في البحث ولكن نحن نجمعها في مجموعة لأن وجوهها وأدلتها متقاربة وفيها جهات مشتركة فيكون أكثر سبباً لاستحضار الأدلة والبحوث، فبقيت علينا حرمة النميمة وحرمة الكذب.

وتوجد روايات متعددة في النمام، فإن النمّام لا محالة هو مغتاب وزيادة، لأنَّ في النميمة الذي ينمُّ على شخصٍ لشخص فهو يغتاب من ينمُّ عليه وزيادة على ذلك يقوم بالفتنة، فالنميمة فهيا حرمة الغيبة وزيادة فتنة لأن ليس كل غيبة فيها فتنة ولكن النميمة هي خصوص الغيبة التي توتر العلاقة بين من ينم إليه وبين من ينم عليه، فهي في الحقيقة فيها حرمة الغيبة وزيادة، فلاحظ أنه كيف بعض المحرمات بينها عموم وخصوص مطلق يعين انها نفس ذلك الحرام وزيادة، من ثم يقول الشيخ الأنصاري كل أدلة حرمة الغيبة تتأتى في النميمة وزيادة، ومن ثم تكون من الكبائر، ولذا يستدل لها الأعلام حتى بقوله تعالى ﴿ ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ﴾، ولماذا فهيا قطع؟ لأن المفروض أن يحرص الانسان على توطيد العلاقة بين المؤمنين فيما بينهم، ﴿ ونزعنا ما في قلوبهم اخواناً على سرر متقابلين ﴾ فلاحظ هذه الأخوة هي أخوة بين المؤمنين بلحاظ البعد الروحي فالأخوة هي صلة فنفس توصيف الله عزَّ وجل للمؤمنين بالأخوة أمر برعاية الصلة بين المؤمنين، ولا يلزم ان يقول لك امر بلفظ حرفي بأن يقول لك قم بتوطيد الصلات والصلة بين المؤمنين وإنما حينما يقول لك اخوة يعني كل أحكام الأخوة تترتب، هذا إذا كانت هناك فتنة وإنما حتى لو لم تكن هناك فتنة يجب توطيد العلاقة بين المؤمنين، فإذاً ﴿ ويقعون ما أمر الله به أن يوصل ﴾ هناك الصلات التي أمر القرآن الكريم بها لا تقتصر على الرحم ولا تقتص على الأرحام القريبين وإنما طبعاً أعظم رحم أمر القرآن الكريم بصلته ووصاله هو رحم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آية المودة فإنَّ آية المودة تدل على أنَّ أعظم صلة الواجب القيام بها وعدم قطعها هي رحم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه جعل قطب الدين كله هي مودة قربى النبي صلى الله عليه وآله، فإذا كان الأهل هكذا فكيف برحم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي من الكبائر قال الله تعالى ﴿ ويقطعون ما امر اله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ﴾، ففي مقابل الوصال هو القطيعة والقطيعة إفساد، فلاحظ أنَّ النميمة هي مجمع لحرمات متعددة قطع ما امر الله به أن يوصل وهي غير حرمة لغيب فهي فيها حرمة أخرى، وهناك حرمة أخرى يذكرها الشيخ وهي الفتنة ﴿ والفتنة أشد من القتل ﴾ وهذه حرمة عظيمة جداً وهي غير اصل الغيبة وغير أصل البهتان وما شابه ذلك.

وتوجد رواية مهمة في النميمة وهي:- ( إنَّ من أكبر السحر النميمة يفرّق بها بني المتحابين )، فإنَّ النميمة فيها سحر، وفعلاً النميمة تؤثر في الطرف الآخر وتزرع البغضاء في النفوس فهي تزرع تكون البغضاء لدى السامع وكأنما أنت تقوم بسحره والتأثير عليه لا شعورياً، والعجيب أن الكلام مؤثر جداً، وفي الحقيقة أصل السحر أحد الأنواع المهمة في السحر وأنه يفرقون بين المرء وزوجه أن تفرقة الشياطين من الجن بين الانسان سواء كان بين الزوج والزوجة أو بين مؤمن ومؤمن آخر أو بين أب وأولاده، هذه التفرقة في الحقيقة هي بالتكلم الخفي من الشياطين في قلب المسحور، فهم يذكرونه بتجاوزات من الطرف الآخر وسلبيات من الطرف الآخر في قلب هذا الشخص ولكن هذا كلام خفي لا يشعر به الانسان ولكنه موجود، فأصل نوع من أنواع السحر الخطيرة هو تكلم الشياطين بصوت خفي في قلب المسحور، يعني تأثيرهم هو بسبب أن الشياطان يكرر ما هو سلبي فيزرع البعض والإحن، ولذا إذا كان الانسان بصيراً في محاسبة النفس أو في عالم ما وراء لا يتأثر بهذه التأثيرات إذا كان يقظاً ونبهاً فحتى السحر لا يؤثر عليه وحتى النميمة لا تؤثر عليه إذا كان راسخ العقل والحكمة، فلا يؤثر علية سحر الجن ولا سحر الانس - أي كلامهم - وهذا التعبير لطيف جداً من الرواية لشريفة ( وإنَّ من أكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين )، أو في رواية أخرى رواها الصدوق في عقاب الأعمال ( من مشى في نميمة بين اثنين سلّط الله عليه في قبره ناراً تحرقه وإذا خرج من قبره سلط الله عليه تنّيناً أسود ينهش لحمه حتى يدخل النار )، وهناك رايات كثيرة ذكرت أن النمام أي الذي يدمن النميمة والفتنة بين المؤمنين يحرّم الله عزَّ وجل عليه دخول الجنة.

فالمهم إجمالاً إذا كان كل ما قيل وبحث في حرمة الغيبة يتأتى هنا، ويوجد باب عقده صاحب الوسائل وهو الباب مائة وأربعة وستون في أبواب العشرة من كتاب الحج عقدة صاحب الوسائل في تحريم النميمة، وهنا توجد رواية عالية السند صحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- ألا أنبئكم بشرتاكم؟ قالوا:- بلى يا رسول الله، قال:- المشّاؤون بالنميمة المفرّقون بين الأحبة الباغون للبرءاء المعايب )، فلاحظ هنا ماذا صنع الشيخ؟ إنه حدد ماهية النميمة فجعلها نفس هوية الغيبة، فالبحث الفقهي يجب أن يكون فيه تحليل كي يلتفت الانسان إليها.

فعلى أي حال إذا كانت هناك حاجة إلى الروايات فسوف نقرأها وإلا سوف ننتقل إلى بحث حرمة الكذب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo