< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفقه التحليلي ودور العرف في الأحكام – حرمة الغيبة – المسألة التاسعة – المكاسب المحرمة.

الرواية الخامسة:- وهي بإسناد الصدوق وقد رواها البرقي في المحاسن، فهي بإسناد الصدوق في عيادة المريض عن رسول الله صلة الله عليه وآله وسلم، ومر أنَّ هذه الرواية طويلة تستمل على فقرات في الأبواب الفقهية ومن ثم كان لها إسناد مخصوص وهنا أشار أنها مروية عن المحاسن بطريق آخر، عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم في حديث قال:- ( ومن سمع فاحشةً فأفشاها كان كمن أتاها )، لأنَّه كما مرَّ بنا أنَّ نشر خبر الفاحشة واذاعة خبرها هو نوع من التدشين أو العرفنة والتدجين وبعبارة أخرى هو بناء للأعراف الفاسدة، وهو نوع من التقليل من القبح، ( ومن سمع خيراً فأفشاه كان كمن عمله )، لأنَّ هذا عامل تربوي عظيم للمجتمع، فلاظ هذا بغض النظر عن بحث الغيبة وإما هذه قاعدة تشمل الغيبة وغيرها لأنه من سمع فاحشة فأفشاها فهو وإن لم يذكر فاعل الفاحشة فهي لا تصير غيبة ولكنها نشر للفاحشة، وقد مرَّ بنا مراراً أنَّ القواعد الفقهية التي استند فيها إلى حرمة الغيبة هي أعم من الغيبة وأخطر من الغيبة وهذا يدل على أنَّ الطبيعة مهمة في القانون والتقنين وأن القانون والتقنين الشرعي أو الوضعي طبيعته طبقات، وهذا البحث مغفول عنه في الجو المعاصر بينما هو موجود في منه صاحب الجواهر ومنهج كاشف اللثام ومنهج الشيخ جعفر كاشف الغطاء ومنهج الشهيد الأول وغيرهم، والمحقق الكركي وحتى المحقق الحلي، وهو منهج تحليل الماهية، هذا المنهج له ضوابط وموازين فأنت دع عنك الدعاية ولكن تعال إلى كتاب القواعد والفوائد للشهيد الأول ولاحظه، فكلّه بحث تحليلي الماهية ما هي وما هو جنسها وما هو جنس الجنس وغير ذك، وكذلك المحقق الكركي في جامع المقاصد والشهيد الأول فهو لا يركز على بحث السند ولا نقول هو لا يذكره وإنما عمدةً هو يخوض في الفقه التحليلي، الآن الفقه التحلي مغفول عنه أو مساره في كساد وربما إذا تتداول علميا مع بعض الفضلاء أو ألجلة حول مبحث معين بلغة تحليلية بسرعة يقول هذا استحسان وهذا قياس وميوعة في الاستدلال ومن هذا القبيل بينما الفقه التحليلي أمر مهم جداً، لأنَّ بيان لحقيقة ماهية الشيء وجنسه وفصله وجنس الجنس وفصل الفصل وطبقات أجناس الشيء وهذا شيء مهم انطلاقاً من المعنى اللغوي وهلم جرا.

ولو قلت: - إنَّ الماهيات هي اعتبارية

قلنا: - إنَّ الماهيات الاعتبارية يعني أن الوجود اعتباري لا أنَّ التقرر الماهوي هو أمر لا شيء، الماهية الاعتبارية مثلاً الملكية التكوينية براها المقنن يفرض ملكية اعتبارية وجودها اعتباري وإلا المعنى الماهوي للملكية الاعتبارية في الوجود الحقيقي مالك يوم الدين فتلك الملكية حقيقية تكوين، وهذه الملكية الاعتبارية نفسها هي وجود اعتباري، لنفترض أنه أمر اعتباري فأيضاً نفس الكلام فإنَّ المركّب الاعتباري اجزاءه ليست اعتبارية فإنه أجزاءه كل كجزءٍ جزء ليست اعتبارية، التوليف بين الأجزاء قد يكون اعتبارياً ولكن وليكن ذلك ولكن نفس كل جزء جزء ماهيته ليست اعتبارية وإنما هي تكوينية وقد ذكر ذلك العلامة الطباطبائي في رسالته الاعتباريات حيق قال إنَّ معنى الشيء الاعتباري لا أنَّ الماهية سراب بقيعة وهي وهم في وهم وإنما معنى الماهية الاعتبارية وطبعاً كلامه هذا مأخوذ عن اساتذته النائيني والكمباني العراقي وهو أنَّ الماهية اعتبارية ذات تقرر، فالماهية ليست شيئاً فرضياً لا وجود له وإنما المقنن شاهده في الوجود الحقيقي ففرض له وجوداً اعتبارياً فهذا من جانب الوجود لا أنَّ أصل التقرر الماهوي هو يوجد تخالف بين الماهية التكويني وبين الماهية الاعتبارية، وحتى هذا التوليف وإن كان اعتبارياً ولكن الأجزاء المؤلفة ليست اعتبارية وحتى لو فرضت أن هذا الجزء ليس مؤلفاً ولكن آخرها تصل إلى التكوينيات، تكويني وتكويني ومجموعة تكوينيات ومجموعة تكوينيات مع مجموعة تكوينيات، فالتوليف هو اعتباري ولكن عناصر هذه الأجزاء ممتنع أن تكون إلى نهاية المطاف فرضية لا وجود لها فضلاً عن الآثار والملاكات، نفس الماهية الاعتبارية أبداً لا تكون هي لا شيء فإن هذا ممتنع أصلاً بل لها وجود تكويني ، ومن باب المثال الأعلام في باب البيع - وهذه البحوث ليست مختصة في باب البيع - خاضوا في معنى الحق وافتراق الحق عن الملك وعن الحكم وما هو أثرها؟ إنه يوجد أثر في ك المعاملات، فبحثوا ما هو معنى الحق وما هو معنى الحكم وهل هو حكم وضعي أو تكليف وفرقه عن الحق وفرقه عن الملك فهذه ثلاث عناوين، ومن أين أتيتم بهذه الدعاوى؟ اليزدي عند مبنى والآخوند في حاشيته على المكاسب عنده مبنى الشيخ الأنصاري عنده مبنى والشيخ النائيني عنده بمنى والميرزا علي الايرواني عنده مبنى والكثير غيرهم، وهي تترتب عليها آثار إلى ما شاء الله، وكذلك السيد الخوئي عنده مبنى غير ما عند الأعلام، فكلٌّ له مبنى وهذا كله قائم على بحثل تحليلي، الآن تحليل ماهية البيع فكلام الشيخ الأنصاري في البيع كله هكذا فهو تحليل، يعني يذكر نص أو نصين أو ثلاثة ثم يبدأ يحلل ويحلل فيذكر الفرق الماهوي بين البيع والهبة وبين البيع والاجارة وغير ذلك فيذكر دقائق تحليلية عجيبة، فهذه الدقائق حينما يتمسك بها فالمعاوضة هي جنس ساري في المعاملات والعقد أين والعهد أين فيوجد عندنا عقد عهد ومعاوضة وغير ذلك، فلاحظ أن هذه ماهيات عجيبة غريبة موجودة وهل هي استحسان وتلاعب ،؟ كلا بل هي حقيقة، ولاحظوا كتاب الشهيد الأول أيضاً فإنَّ كتبه كالدروس وكتاب البيان والذكرى والقواعد والفوائد كلها منهجه فيها هو منهج التحليل، وكذلك الكركي نفس المنهج مع اختلاف، فقضية التحليل أمر مهم، وللأسف الآن صار الاجتهاد حرفياً جمودياً فهو يجمد على اللفظ وأنَّ هذه اللفظة موجودة أو غير موجودة، وهذا ليس فقاهة فإنَّ الفقاهة هي عبور من اللفظ إلى المعنى ومن المعنى إلى المعنى الثاني ومن المعنى الثاني إلى المعنى الألف أو المليون، فالفقاهة هي سفينة الفهم وليس سفينة السماع أما إذا بقينا مع الألفاظ جمدنا عليها وصوت الألفاظ فهذا منهج رواة، فصحيح أنَّ منهج الرواة جيد ولكنه دون منهج الفقهاء، فإنَّ الفقهاء عندهم وسيلة الفهم، مثلاً تقول له إنَّ آية معينة تدل على ركنية الشيء وليس غير ذلك فيقول إنَّ هذه الألفاظ ليست موجودة، يعني إذا لم تعطه سيلاً من المعاني من آية واحدة لا يتحمل هذا ويقول هل صحيح أن كل هذ المعاني موجودة والحال أن لفظها ليس موجوداً؟!! طبعاً هي لفظة واحدة ولكن من هذه الآية بألفاظها الوجيزة حينما تحلل الطبقة الأولى من المعاني والطبقة الثانية تجد هذا، كما هو الحال عند الأصوليين حيث قالوا يود عندنا معنى تصوري ثم بعده المعنى الاستعمالي ثم بعده المدلول التفهيمي ثم المعنى الجدي ثم المطابقي والالتزامي وهلم جرا تراي الالتزاميات أو الملازمات، فهو هذا معناه، وإلا أنت من رواية واحدة ( لا تنقض اليقين بالشك ) هذه الكلمة فقد الفقهاء استخرجوا من لفظة ( لا تنقض اليقين بالشك ) قريب مائة حكم للاستصحاب، أو قل خمسين حكماً، فكيف استخرجوها من هذا ؟!! فهم ذكروا الشك في المقتضي والشك في الرافع، وانفصال زمان الشك عن زمان اليقين او لا وهل في الشبهة الحكمية أو في الموضوعية وغير ذلك، فهذا تحليل، يعين عبارة عن فتق المعاني، فإنَّ المعاني مندمجة فأنت تفككها، مثلاً لفظة إنسان أنت تستخرج منها ناطق حيّ حسّاس متحرك بالإرادة ضاحك ومعاني إلى ما شاء الله من لفظةٍ واحدة، فالمعنى هو ليس شيئاً وحدانياً وإنما المعنى في طياته الشيء الكثير، هذه يسمونها في علم المنطق القديم بصناعة التحليل والتركيب وهي غير صناعة القياس والاستقراء والتمثيل والتشبيه والقياس وإنما توجد صناعة أخرى تسمى صناعة التحليل والتركيب وللأسف هي صناعة متوركة مهجورة والحال أنه منهج عظيم، يعني شيئاً ما المناطقة يثيرون الغوص فيه في بحث الكلّيات الخمسة أو في بحث البرهان، هذا نفسه هو دأب المحقق الحلي فأنت ترى المحقق الحلي لا يتبحّر في علم الرجال في الفقه نعم يأتي بنتائج رجالية ويعتني بها ولكنه يذكر نكت النهاية ونكت يعني كلها تحليل، فأنت لاحظ كتاب النكت وهو أوّل كتاب دقيق كتبه المحقق الحلي، وهو كلّه تحليل من تحليل الفرض الفقهي وتحليل الموضوع وتحليل مداليل الروايات وتحليل الفروض وعدم تضارب فروض المسألة الواحدة، فهذا منهج تحليلي، أصلاً اسمه فيه فهو نكت النهاية وهذا منهج ولذلك صار المحقق محققاً، المحقق الحلي في باب معين قد يذكر تسع روايات أو أكثر عمل بها الشيخ الطوسي وعمل بها الكثير ولكن بعض الفقهاء حملوها على معنى معين، فباب امل مؤسس على تسع أو عشر روايات والمحقق الحلي أخذ الصل التشريعي الفوقي في الآية وجعله هو الأساس وهذا من باب التطبيقات، فبالتالي ها بحث تحليل مهم، وأنا لا أريد الدخول في التفصيل وهل ما صنعه المحقق صحيح أو لا أو أنَّ ما صنعه الشيخ الطويسي هو الأصح فإنَّ هذا بحث آخر، ولكن نريد أن بنيّن أنَّ هذا منحىً تحليلي مهم، فهو لا يأخذ الرواية ويجمد على لفظها وإنما يحلل معنى الرواية والآية ويلاحظ وتناسبات بين طبقات القوانين والأحكام فهذا الذي نحن فيه، الآن في حرمة الغيبة بينت الروايات أنَّ حرمة الغيبة هي مجمع لقواعد فقهية وليس قاعدة واحدة وليس حكماً واحداً بل هو مجمع لقواعد وهذا يلزم أن يلتفت الفقيه إليه، هذه القواعد هي بنفسها هي أحكام شرعية فحرمة الغيبة صارت مجمعاً ومرَّ بنا أمس أنَّ الأهم في الأحكام الاخلاقية الإلزامية وجوب وليس مستحباً وعليه عقوبة وهو كبيرة، والأهم في نظر الشارع هو البيئة الاجتماعية فه أعظم من البيئة الفردية، يجب أن تكتب منظومة الاخلاق الالزامية فضلاً عن المندوبة بلغة اجتماعية ويجب أن تقرر وتحرر بلغة اجتماعية لأن أصلاً حمة الغيبة هي مجمع لقواعد عديدة وهذه القواعد مرتبطة بالمجتمع أكثر ما هي مرتبطة بالفرد ﴿ إنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾، فلاحظ هذا هو البعد الاجتماعي والحق العام، فلاحظ أنَّ تحليل حرمة الغيبة في هذا البعد أين وبين أن نذكرها إلى بعد فردي فقط وتعامل فرد مع فرد آخر فإنه يوجد فرقٌ شاسع، فلاحظ أنَّ تحليل الغيبة بتحليل وحياني أنَّ الغيبة مثل كشف عورة المؤمن فهل نجمد على عورة المؤمن يعني أسفليه أي العورتين في البدن؟!! قال ليس حيث تذهب، وليس يعني ليس أنَّ ذاك غير مشمول بعورة المؤمن على المؤمن حرام وإنما الأعظم هو الشخصية المعنوية للمؤمن فلاحظ أنه توجد عدة أحكام فقهية مرَّ بنا كيف يمكن استخراجها، وهذا يسمونه فقه تحليلي لا أننا نجمد على اللفظ، لا أننا ننفلت عن الالفاظ ولا أننا لا ننضبط بضوابط الألفاظ، كلا بل نحن ننضبط بضوابط الألفاظ ولكن لابد من الالتفات إلى المعاني التي فيها والمعاني التي وراءها والمعاني التي وراءها ضابطة للمعاني التي وراء ورائها وهلم جرا، فهذه المنهج شيء مهم، فإذاً حرمة الغيبة بالدقة هي في الحقيقة مجمع، ولذلك هنا في روايات نفس الغيبة صاحب الوسائل مضطر إلى أن يأتي بقاعدة نشر الفاحشة وإن لم يذكر المتكلم مرتكب الفاحشة ولكنها قاعدة مهمة بل هي الأصل وهي الأهم عند الشارع من حرمة الغيبة نفسها، فإن نشر خبر الفاحشة هو خطأ وخطأ إلا استثناء كما لو أعطيت هذا الخبر إلى جهة أمنية كي تلاحق شبكات الفساد فهذا بحث آخر، أما أن نتفكَّه بنشر الأخبار السيئة فهذا وباء للمجتمع وليس صلاحاً له، إلا من باب اثارة التدبير ولكن هذا بحث آخر، أما نشره فقط من حيث هو نشر فهذا ليس جائزاً، ولذلك ذكر هذا اللسان ( من سمع )، وهذا متكرر ومستفيض في الروايات ولا تقل إن هذه الرواية سندها كذا وكذا وإنما هذا وار في روايات متعددة وكذلك في الآية ﴿ إنَّ الذين يحبون ان تشيع الفاحشة ﴾ وتشيع يعني النشر، لأنَّ هذا عامل تربوي سيء يعرفن يعني يصبح كأنه عرف يرتكب، ويلزم الالتفات إلى هذا فإن في البحث القانوني الآن هو هذا المطلب، فلاحظ أنَّ معنى اشاعة الفاحشة يرتبط بهذا المعنى القانوني، إذا أردنا أن نفهم معنى اشاعة الفاحشة فإن إشاعة الفاحشة بلغة قانونية موازية هي عبارة أخرى عن عرفنة الفاحشة، وما هي عرفنة الفاحشة؟ إنَّ هذا مبحث أصولي وفقهي، فإشاعة الفاحشة بالدقة هي عرفنة، وما هي العرفنة ﴿ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ﴾؟ إنَّ بحث العرف أو الأعراف هو بحث مهم وحساس في علم القانون سواء كان القانون الشرعي أو القانون العرفي، فنفس هذه المفردة هي قاعدة مهمة تتدخل في بواب فقهية عديدة وهي معرفة معنى العرف، فأي شيء هو معنى العرف؟، إنه يوجد فرق بني مرحلة تقنين القانون وفعلية القانون وعرفية القانون؟ نعم يوجد فرق فإن مرحلة القانون أو عرفية القانون يوجد فرق بينهما، وكمثال وأن هذا المثال يتم أو لا يتم ولكن نحن لا نظن بصحته ولكنه يقّرب الفكرة وهو أن البعض قال إنه في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلماذا لا يكون التعبير في أدلة الشارع الأمر بالواجب أو الراجح وإنما قال الأمر بالمعروف؟، فلاحظ هذا أيضاً من بحث العرف، ولماذا لم قل النهي عن الحرام أو القبيح وإنما قال النهي عن المنكر فالمنكر مرتبط بالحرمة، فلماذا لم يُكتفَ بالحرام؟، ولماذا لم يكتفِ بالمرجوح وبالمكروه وبالقبيح وإنما قال النهي عن المنكر؟، فقضية المنكر ما هو دوره والمعروف ما هو دوره؟، فلماذا قيل الأمر بالمعروف ؟، قد يدعى أنَّهم اشترطوا في الأمر بالواجب أن يكون العرف عنده علمٌ بالواجب ليس فقط واجب وإنما علم بالواجب ومعرفة، فلاحظ ن المعروف إذا ً ليس فقط خصوص القانون وإنما العلم بالقانون وانتشار القانون والأنس بالقانون وعرفنة القانون كما يعبرون، حينئذٍ يكون الأمر بالمعروف، فمتى تأمر بالمعروف؟، ومتى تنهى عن المنكر، فإن تناكر ايضاً نفس الكلام يعني عرف الحرام وتعرفن الحرام واستقبح الحرام حينئذٍ ينهى عن المنكر وليس فيه ينهى عن الحرام، الآن هل هذا التقريب صحيح أو ليس بصحيح فنحن لا نريد الدخول فيه ولكن نريد أن نقرّب هذا المطلب فقط وهو دور العرف أو أنَّ عرفنة الشيء له دور في فعلية القانون ولا يكفي أن يكون مضوعه فعلي، بل يجب أن تنتشر المعرفة والعلم بذلك القانون بل ينتشر أنه إلزامي وأنه كذا وأنه كذا فهذا يسمّونه عرفنة، وهذا التعبير موجود الآن في القانون الحديث وهو بناء الأعراف الصالحة وطبعاً هذا موجود حتى في الوحي ( من سنَّ سنّة حسنة ) هو نفسه بناء الأعراف، وما الفرق بين بناء الأعراف وبين أصل القانون والتقنين؟ إنه يوجد فرق شاسع، بناء الأعراف الصالحة وازالة الأعراف الفاسدة، لا أنك تكتفي بتقنين تحريم جملة من الأفعال ثم ماذا فإنَّ هذه خطوة، أما الخطوة المصيرية فهي بناء الأعراف الصالحة، ويوجد في القرآن الكريم براهين عقلية عديدة على نبوة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم بغض النظر عن القرآن الكريم وبغض النظر جبرائيل وهلم جرا، وهو أنَّ سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم هو نبي وهو سيد الأنبياء، وهذا برهان عقلي مرتبط ببحثنا - وهو الأعراف والعرفنة - وتشير إليه الزيارات والروايات، وهو أنَّ القرآن يستدل على أهل الكتاب وعلى الملل المختلفة أنَّ هذا النبي ينهى عن الأعراف الفاسدة ويأمرهم بالأعراف الصالحة ﴿ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ﴾، أو في آية أخرى ﴿ يضع عنهم إصرهم الأغلال التي كانت عليهم ﴾ يعني انَّ كل هذه الأعراف الفاسدة يقضي عليها، فأكبر برهان على أنَّ سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم هو أكبر مصلح بشري هو أنه يحارب الأعراف الفاسدة وهو معمار وبنّاءٌ للأعراف الصالحة، فنفس هذا هو برهان عقلي على بنوّته، لا أنه فقط يقنّن يحلل ويحرّم بل هو معمار وبنّاءٌ للأعراف الصالحة وهادمٌ للأعراف الفاسدة المريضة في المجتمع التي هي كالأغلال، وسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم عنده اعجاز تدبيري عجيب، يعني عرف فاسد معيّن ربما غير سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم يتكأد في إزالة هذا العرف الفاسد ولكن سيد الانبياء صلى الله عليه وآله وسلم يذهب إلى مفتاحٍ معين فيزول هذا العرف الفاسد من المجتمع بسرعة، وهذا موجود في سنن تأسيسات وتشريعات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه بفعلٍ معين ينقشع هذا العرف الفاسد بحيث يستقبحه المجتمع بسرعة مع أنهم كانوا مدمنين عليه ولكنه يأتي بطريقةٍ معينة وبعملٍ معين بحيث يتبعه المجتمع تلقائياً، وهذه هي المعجزة فيه، يقول أمير المؤمنين عليه السلام عنه في نفس هذا المطلب ( طبيب دوار بطبّه أحكم علاجه و.... ) فيؤثر فيهم بسرعة، وإلا كيف بمجتمع قبلي جاهلي قلبه إلى أعراف صالحة جديدة تفوق أعراف كسرى وقيصر والحبشة والقبط وغيرهم، فإنَّ أعظم أعراف متمدّنة عند البشر من مشاركة شعبية ومن الرقابة ومن غير ذلك كلّها أوجدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلال عشر سنوات أو عشرين سنة، فإنَّ مثل هكذا تغيير في مثل هذه الفترة شيئاً ليس بالسهل، وهذا من أحد براهين سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فإنه معمارٌ وبنّاءٌ للأعراف الصالحة الصعبة بسهولة وهادم للأعراف الفاسدة بسهولة، وهذا تدبير معجز عنده صلى الله عليه وآله وسلم، وهو برهان عقلي يخاطب الله تعالى به أهل كل الملل والنحل، فهذه هي النبوة، هذا غير القوانين وغير أنه يأتيه جبرائيل أو غير ذلك أو عنده قرآن أو لا يوجد عنده قرآن.

فالبحث في الأعراف بحث طويل الذيل، وهو من البحوث الأصولية المستجدة في أصول الفقه ومن البحوث الفقهية المستجدة، وهو بحث مهم ودخيل في أبواب عديدة، أما ما هو ربطه بإشاعة الفاشة؟ هو أنَّ من أحد آليات بناء الأعراف الفاسدة هو نشر الأخبار السيئة، فإنَّ نشر الأخبار السيئة - والسوء بنحو الحرام - الأصل فيه الحرمة إلا أن يكون عندك مسوّغ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo