< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الالزام الأخلاقي في المجتمع أولاً ثم الفرد – حرمة الغيبة – المسألة التاسعة – المكاسب المحرمة.

 

مرَّ بنا أمس أنه بحث الأعلام في بحث حرمة الغيبة حول أنه هل تقع الغيبة على أكثر من فرد أو لا تقع أو الواحد لا بعينه محصور أو لا محصور، وبالتالي جملة من الأعلام بحثوا هذا المطلب وهو متين، وهو أنه حتى لو لم يصدق عنوان الغيبة فإنَّ أدلة حرمة الغيبة تصدق هنا وأنه تعييب للأقوام أو ما شابه ذلك أو تعييب للمؤمنين أو ما شاكل ذلك، وطبعاً هناك خاصية وهي أنه كلما ازدادت المساحة وكما يقال إذا عمّت البلية طابي فهي من هذا النوع ولكن إجمالاً قضية عموم التعييب وعموم الازدراء بينا انه لا يجوز.

وبعبارة موجزة هامة:- وهي إنَّ البحث في حرمة الغيبة وحرمة النميمة وحرمة الهمز واللمز للمؤمن هذا إذا كان مؤمناً واحداً الأمر هكذا فكيف بك لو كان لجماعة من المؤمنين أو ملايين من المؤمنين فإنه بلا شك الحرمة تزداد لا أنها تقلن مثلاً النميمة إذا كانت الفتنة بين مؤمنين اثنين هي هكذا فكفي بك إذا كان بين شعبين كليهما مؤمن، وهذا مر بنا ( من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروّته ليسقط بها عن أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان )، فكيف إذا كانت قبيلتين أو عشيرتين أو بلدين او قوميتين فبلا شك هذا اشد واشد فإن الفتنة أشد من القتل إذا كان بين فرجين هو هكذا فكيف بك إذا كانت بين المؤمنين فإنَّ الحرمة تشتد أشد وأشد، ﴿ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ﴾، فالمسؤولية تستد وتتضخم أكثر، أو بين جماعتين أو بين فئتين سواء كانتا سياسيتين أو اجتماعيتين من المؤمنين فإن إيجاد النميمة والفتنة وتوغير الصدور كل هذه لها عقاب شديد عسير، أما إصلاح ذات البين هي النصيحة والنقد البناء هذا مطلوب من المؤمنين لأنَّ القرآن الكريم يقول ﴿ وتواصوا ﴾، يعني كلٌّ يوصي الآخر ولكن هذا شفقة ورحمة وهو نقد بناء بحسب تعبيرنا، أما إشعال الأحقاد وما شابه ذلك أو الفتنة فإنَّ هذا أمر عظيم جداً، فلاحظ أن هذه الأحكام اليت ذكرها الفقهاء في المكاسب المحرمة ظاهرها كأنما هو حكم فردي لفرد وفرد ولكن واضح أنها تتوسع وتصير بين مجموعتين وبين فئتين وبين عشيرتين وبين قوميتين وبين كتلتين وبين فصيلين شيعين سياسيين وغير ذلك فالقضية أشد وأشد لأنهم كلهم في بيت واحد وهو بيت الايمان بالثقلين وبالعترة عليهم السلام فهذا بيت واحد فإن إيجاد الفتنة فيه أمر عظيم نعم التواصي مهم فإنه ﴿ وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ﴾، فالتواصي مهم أما الوقيعة النميمة فهذا غير صحيح ولذلك القرآن الكريم قال﴿ لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ﴾ ولم يقل فردٌ وإنما قال قومٌ وإنما جاء بصيغة الجمع، فإذاً هذه الأحكام الأخلاقية التحريمية اليت يذكرها الفقهاء تبعاً للنصوص لموجودة هذا أدنى درجاتها الفرد المؤمن أما إذا كانت مجاميع المؤمنين فهذه الأحكام تستد أكثر فأكثر، وحتى أنه ﴿ ولا يغتب بعضكم بعضاً ﴾ فإنَّ البعض يشمل حتى قومية لقومية وفصيل سياسي لفصيل آخر وكتلة لكتلة، نعم يوجد تواصي والنقد البناء فهذا شيء آخر، أما زرع الأغلال والأحقاد فهذا لا يجوز لأنَّ هذا بناء فاسد يزرع في القلوب، فلذلك هذه وصايا ليست بالسهلة، لأنَّ المؤمن ليس قطبه ومداره نفسه وأنانيته لأن الكل ليس ملكاً من الملائكة وإنما الكل بشر يخطئ ويصيب، فلذلك هذا أمر مهم جداً، يعني بعبارة أخرى إنَّ البحث في حرمة الغيبة والهجاء والسب إذا سب مؤمناً هو هكذا فكيف إذا سب جمع من المؤمنين فإنَّ هذا أشد حرمة، فبالتالي حتى السب بما في المؤمن إذا كان حراماً فكيف إذا كان في جمع من المؤمنين؟!!، وأنا اتعجب أنه توجد غفلة في أذهاننا كأنما هذه الأحكام هي للفرد من الفرد أما إذا صارت للمجموع فإن هذه ليست محرمة والحال أنَّ هذا غير صحيح، بل بالعكس الحرمة أشد والمسؤولية أشد والمفروض أن يصير تنبيه على هذا كضابطة وكقاعدة للأحكام التي تعرض لها الأعلام في المكاس بالمحرمة والتي ترتبط بالجانب الأخلاقي، فهي ليست نظاماً إلزامي أخلاقي في التعامل بين فرد وفرد وإنما بين اسرة وأسرة وبين حي وحي ... وهكذا، ومن باب المثال أن من أحد أسباب تحريم الرهان بين مجموعتين أنه لأجل لعبة معينة يحصل القتل والقتال بين شعبين أو مجموعتين فإنَّ اللعب يسبب سكرة وهذا أشد، فهم مثلا يريدون أن يتفرجوا على لعبة معينة ثم بعد ذلك تصل إلى القتل، فلاحظ أنَّ هذه سكرة والحال أن هذا لعب واللعب هو ليس شيئاً جدياً ولكن هذا يسكر العقول فيتحول إلى أحقاد وربما تحصل فتنة بين شعبين مسلمين أو مؤمنين بسبب كرة قدم، وهنا بيت القصيد وهو أن هذه الأحكام الأخلاقية التي يذكرها الفقهاء على صعيد فردي ليست فردية وإنما هذا هو أدنى مراتب الأحكام وهذا مثل ﴿ ولا تقل لهما افٍّ ﴾ بالنسبة إلى الوالدين فضلاً عن ضربهم فإن الضرب أشد وأشد حرمة، فأنت يحرم عليك أن تقول لهما أفّاً فكيف بك ان تتجاوز عليهم باللسان أو اليد، وهكذا أيضاً في هذه الأحكام الأخلاقية، ومن الواجب علينا طلبة علوم دينية ومبلغي الأحكام في الدرجة الأولى يجب أن يركز على البعد الاجتماعي في هذه الأحكام لأنه أهم، لأنه يفتُّ في عضد المؤمنين وقوتهم، والعدو سوف يستغلها لأنَّ نقطة الضعف فينا هي هكذا وهو أنه يشعل الفتنة بين المؤمنين بتوسط عدم الالتزام بهذه الأحكام الالزامية الأخلاقية لأننها نظن أنها حرام فقط بيني وبين فرد معين بخصوصه أما إذا ثارت جماعة كجماعة سياسية أو هذه جماعة اجتماعية وتلك جماعة اجتماعية أو هذه عشيرة مع تلك العشيرة أن هذا جائز، والحال أن هذا غير جائز، فأبداً لا توغر صدور الغير بالحقد والسخرية والهمز الاستهزاء أمر غير جائز، فهذه الأحكام في الدرجة الأولى تنطبق ومصداها جماعة المؤمنين لا أنها بالدرجة الأولى هو البعد الفردي، بل أدنى درجاتها هو البعد الفردي وليس هو أعلى درجاتها، ولكن كأنه توجد غفلة عن هذا الشيء ولذلك الالتفات إلى أدلة حرمة السب وأدلة حرمة السب يوصل الباحث والناظر إلى أنَّ القاعدة مستندها عام بل تشتد، ومر بنا أنَّ هذه الأحكام طبيعتها أنها ذات مراتب شدة وضعفن فشدتها في هذه الموارد أكثر ومسؤوليتها في القبر والبرزخ والقيامة أشد وأش د وليس عبطاً هذه التوصية من الشريعة المقدسة والدين الشريف ( اصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصيام )، فإذا كنت تصنع اصلاحاً بين اثنين فأنت تستطيع أن تنزع هذا الغل فهذا أمر عظيم جداً، أما اصلاح ذات البين بين جماعات المؤمنين أعظم من الاصلاح بين الفردين، فمن المهم أن نلتفت إلى أنَّ هذه الأحكام الالزامية في الأخلاق طراً التي ذكرها الأعلام في المكاسب المحرمة في الدرجة الأولى مصدقاها ألأكبر هو بين مجاميع المؤمنين، كلما ازدادت المجاميع أكبر ازدادت المسؤولية أكثر وأكثر فيجب الالتفات إلى هذا الأمر فإنه أمر مهم جداً.

الرواية الثالثة: - وسند الرواية إلى الحسين بن المختار عن زيد، ولابد أن نعرف أن زيد أيّ راوٍ يراد به، عن أبي عبد الله عليه السلام: - ( فيما جاء في الحديث عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال:- ما هو أن ينكشف فترى منه شيئاً إنما هو أن تروي عليه أو تعيبه )، ومضمون الرواية مطابقة للروايات التي مرت ويمكن رفع الاشتراك في زيد بالمتابعة لبقات الأسانيد، والسند صحيح إلى يزيد، وفي الرواية أنه إذا كانت عورة مؤمن واحد هي هكذا فكيف بك إذا كانت مجموعة عورات للمؤمنين فإن الكلام نفسه فهو أشد وأشد.

الرواية الرابعة: - وهي معتبرة محمد بن فضيل عن أبي الحسن عليه السلام رواها الصدوق في عقاب الأعمال عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: - ( قلت له:- الرج من اخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه فاسأله عنه فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات، فقال لي يا محمد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة وقالوا لك قولاً فصدّقه وكذّبهم )، فهنا كيف يكذبهم فهل هو يفسّقهم؟ كلا وإنما لا تبني على كلامهم أما صدّقه يعني ابن على كلامه ( ولا تذيعن عليه شيئاً تشينه به وتهدم مروءته فتكون من الذين قال الله تعالى" إنَّ الذي يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة )، ما معنى أنه صدّقه وكذّبهم مع أن هذه ليست بينة وإنما هي بينات أو استفاضة أو تواتر؟ هذه في الحقوق الخاصة للإنسان فتارة يأتيك خمسون يقولون إنَّ فلاناً نال منك ووقع فيك وذمك وغير ذلك مع ذلك هذا الانسان يمكن العفو عنه، فصّدقه يعني حتى أتاك ذو ذنبٍ معك بعذرٍ فمن الكرم أن الانسان يقبل العذر ولا يردَّه وكفى بإبراز العذر ذريعةً للعفو أو ما شابه ذلك، فبالتالي حينما يقول له الامام صدّفه لأن هذا الخص الآن يظهر أنه يبني علاقة حسنة فانت ابن عل هذه العلاقة الحسنة وإن كان هو قد أخطأ فيما سبق - على فرض ذلك - فإن هذا احسان واله يحب المحسنين، فصدّقه يعني ابن على عدم صدور هذا الشيء منه وبالتالي هذا نوع عفو وإحسان، وهذا غير بحث الحذر فإن الحذر شيء والتصديق شيء آخر، ولذلك في القرآن الكريم يوقلون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ هو أذن ﴾ يعني يصدّق، ولكن ليس قصّة تصديق بمعنى اغفال الواقع وإنما تصديق بمعنى يتسامح ويعفو ولكن الحذر على حاله وفي مكانه وكلن الحذر ليس بمعنى سوء الظن وليس بمعنى ترتيب الأثر على الواقع بل الحذر لا يتعلق بما مضى وإنما يتعلق بما يأتي، وهذا شبيه قوله تعالى ﴿ إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدوٌّ لكم فاحذروهم ﴾ فهو لم يقل قاتلوهم ولا جازوهم على ما مضى وإنما احذروهم يعني خذوا عبرة من الماضي أو من الحال إلى المستقبل، فالقرآن الكريم لا يقول لك لا تحذر وإنما أخذ الحذر شيء ومجازاة ما وقع هو شيء آخر ودائماً نحن نخلط في المفاهيم الأخلاقي والأفعال الأخلاقية اليت جمة منها إلزامية أو ندبية وحينئذٍ يصير خلط في ادارتها وفي التعامل معها، فإنَّ الحذر إنما يأتي ليس للحال ولا للماضي والمجازاة على ما وقع، فإنَّ مجازاة على ما وقع هذا ليس حذراً، ولذا الحذر شيء والمجازاة على ما مضى شيء آخر، ﴿ يقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ﴾ فالآية قالت يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فما الفرق بين يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين؟ بالنسبة إلى المؤمنين لا يشترط أنه يؤمن بهم وأن صدقهم بمعنى يؤمن بهم وإنما يؤمن لهم يعين يصدقهم بما فيه نفعهم لا أنه صدقهم بما هو هو في الواقع، يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين يعني بما فيه فعهم لا أنه يؤمن بهم بما قالوا فالحذر باقٍ على حاله فإن الحذر شيء والمجازاة شيء آخر، فيوجد فرق بين الحذر بين المجازاة فيجب الالتفات إلى هذا الشيء، ولذلك القسامة بها اللحاظ لأنهم ربما شاهدوا الظاهر ولم يعلموا نواياه في الواقع وهذا محتمل، وطبعاً هذا بالنسبة إلى الحقوق أما بالنسبة إلى الموضوعات الأخرى فهذا بحث آخر، فكلٌّ له حاله وهذا يعبر عنه بأصالة الصحة الأخلاقية ليس أصالة الصحة الوضعية، والصحة الأخلاقية يعين تحمله على الصحة في حقوقك الشخصية تجاهه وليس في حقوق الأخرين وإنما حقوقك أنت تجاهه أما حقوق الآخرين فهذا بحث آخر، فهذا ليس مورد ( صدّقه وكذّبهم )، وهذا يبعر عنه بأصالة الصحة الأخلاقية بين الانسان والطرف الآخر في حقوقه العائدة إليه، أما بالنسبة إلى حقوق الآخرين أو لقضايا الوضعية الأخرى فأصالة الصحة لها ضوابط أخرى، أصالة الصحة وقاعدة الفراغ والتجاوز في أفعال الانسان لنفسه، فإنَّ أصالة الصحة هي قواعد عديدة وليست قاعدة واحدة، ففي سياق هذا ( وقال لك قولاً فصدقه وكذبهم ولا تذيعن عليه شيئاً تشبنه ) وتذيعن هذا هو بحث الغيبة والفضيحة والكشف، ( ولا تذيعن عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته )، يعني اغتيال شخصيته المعنوية واسقاطه، هذا إذا كان الفرد هكذا فكيف بك بالجماعة فإنه لا يجوز، وهذا الاسقاط بالتالي هو نوع من عرفة اشاعة السوء ولو على الآخرين هو نوع من عرفنة المنكر، يعني أنَّ المنكر يصير مألوفاً يعني يشجع الآخرين على المنكر، وهذه خاصية خاصة وهي أنَّ هذا المنكر أنه لا يشاع، حتى لو كان موجداً في الوقاع ولمن اشاعته يسبب وباءً وعدوى انتشار، فلاحظ تعبير القرآن الكريم ﴿ إنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ﴾ يعني يصير وباء وعدوى، نفس الخبر السيء في المجتمع المؤمن عن ابعاض المؤمنين هو ترويج للسوء، وأما ستر المساوئ هو نوع من التعقيم للمجتمع المؤمن عن انتشار العدوى، أما أنه ينتشر من تحت السطح فإنه تحت السطح يصعب الانتشار مثل ما فوق السطح فإنَّ الانتشار ما فوق السطح عدواه كثيرة، هذا في أبواب عديدة يؤكد عليها القرآن الكريم وتشريع الأحكام، فإن الانتشار للسوء وللقبح ما فوق السطح يسبب ويوجب عدوى ووباء لأنه يعرفن ويدشّن هذا السلوك والخلق السيء ويشيعه، وهو يشيعه ليس سماعاً واذاعة وإنما يشيعه ارتكاباً مثل وباء عدوى يعدى به الكل، مثلاً في ذلك الشارع وقعت كذا في مرأى ومسمع وأنت تأتي وتقول إنه وقع في ذلك الشارع كذا فتارة هذا خبر لأجل اجراء كعين ومعالجة معينة فهذا بحث آخر أما مجرد نشر الأخبار فهذا غير صحيح فإنَّ مثل هذا الوباء ليس منتشراً في هذا الوباء فلو جئت ونشرت هذا الخبر في الحي الاخر وأنشر هذا الخبر فهذا نوع من تخفيف قبحه من لا يشعر ويصير ترويجاً له، فلاحظ هذه الدقة، فأحد أسباب حرمة الغيبة هو الحق العام وليس الحق الخاص، أحد أسباب حرمة الغيبة ليس أن من وقعت عليه الغيبة له حرمة فقط كلا وإنما السوء الذي يرتكبه من وقعت فيه الغيبة كان مستوراً وكانت عدواه ليست ملوثة للمجتمع وأنت تأتي وتجعل هذا السوء ينتشر ويلوث المجتمع مثلاً رائحة نتنة كانت مستورة وعليها عطاء في بئر أو كنيف وأنت تذهب وترفع الغطاء فهنا سوف تنتشر بين الناس فأنت تساعد في الوباء والعدوى، وهذه نكتة لطيفة في أحد القواعد التي على ضوئها حرمة الغيبة وهي أنه لأجل الحق العام يعني أن لا تكون هناك عدوى في الجوّ العام فإنَّ الجو العام معقم من هذا الجانب فأنت لماذا تنشر هذا السوء، فحتى لو كان هذا الشخص ظلم أبيه أو ظلم زوجته ولكنه فانت سوف تروج إلى هذا السلوك سلوك الاعتداء على الأسرة ومن هذا القبيل فليس فقط حرمة الغيبة هي حرمة المؤمن وإنما هي لزوم تعقيم المجتمع المؤمن على أن يروج فيه مثل هذا، وأحد الدعاة للمثليين وهو دجال من الدجالين فيقول ما المانع في أن ننشر الأفلام فإنَّ هذا لا يغير سلوك المجتمع والحال أنَّ النشر هو نوع من التهجين والتدشين وبالتالي تدحين فهو يجّن، وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم والكثير من الروايات التي مرت بنا، وهي أنَّ أحد القواعد الموجبة لحرمة الغيبة هي قاعدة ﴿ إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾ فإشاعتها يعني انتشار ارتكابها لا أن اشاعتها بمعنى نشر خبرها، كلا بل نشر الخبر هو مقدمة موطئة لتدجين وتدشين وعرفنة هذا الأمر فهو يقلل قبح هذا الشيء أو يفتح باب السوء، مثل الطفل البريء في السرة أنت تعلمه بأبواب الشر فإن هذا ليس أسلوب تربية، ﴿ قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب ﴾، فقالوا إنَّ هذا البيان من النبي يعقوب عليه السلام لم يكن أولى وكان من المفترض أن لا يذكره، فالمقصود أنَّ هذه الآية الكريمة هي أحد مصادر وأحد وقاعد حرمة الغيبة ﴿ إنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ﴾ مما يدل على أنَّ المسؤولية الاجتماعية في حرمة الغيبة أهم من الحق الفردي لمن وقعت فيه الغيبة، فهمّ المشرّع الاسلامي دائماً هو المجتمع في الدرجة الأولى، وحتى في الحقوق الفردية الأصل هو الجانب المجتمعي العام، وهذه نكات تربوية مهمة مع أنها إلزامية ولكنها تربوية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo