< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - أحكام الغيبة متلازمة أو منفكة – حرمة الغيبة – المسألة التاسعة – المكاسب المحرمة.

 

كنّا في مبحث حرمة سماع الغيبة ووجوب ردّ الغيبة، يعني ربما يرتز خطأً في الأذهان أنَّ وجوب ردّ الغيبة هو بمثابة التكفير حرمة سماع الغيبة، يعني السامع حراماً سمع الغيبة ولكي يكفّر عن ذلك أو ربما يرتكز في الأذهان أن ردّ الغيبة إن لم يقم به السامع إن لم يرد الغيبة فقد ارتكب حرمة سماع الغيبة، فهو إما أن يرد الغيبة - يعني مانعة خلو - أو يقع في حرمة سماع الغيبة، ونحن كلامنا في الحكم أو في الموضوع من جهات أخرى فهل وجوب ردّ الغيبة مع سماع الغيبة من باب مانعة الخلو لا يجتمعان أو هما متغايران لا ربط لأحدهما بالآخر؟ ففي الأذهان المرتكز هو أنه هناك ربط بين وجوب ردّ الغيبة وحرمة سماع الغيبة وأنه إذا قام بوظيفة وجوب الغيبة ترتفع فحرمة السماع ولا يقع في مخالفة حرمة سماع الغيبة، فإن فرّط في ردّ الغيبة فسيقع في الحرمة وإن امتثل فسوف ترتفع، وكأنما هما متلازمان إما أن يعصي الحكمين معاً أو يمتثلهما معاً، فهذا نوع من التلازم أو مانعة خلو ما شئت فعبّر، أو يقال إنهما حكمان متغايران لا صلة لأحدهما بالآخر، يعني قد يعصي حرمة سماع الغيبة ولكن يبقى وجوب ردّ الغيبة ثابت في حقه، فهو ارتكب حرمة سماع الغيبة ولكن مع ذلك وجوب ردّ الغيبة بعد باقٍ في حقّه، أو بالعكس فهو امتثل وجوب ردّ الغيبة فهل يبقى عليه حرمة السماع بحيث يخاطب لا تستمع الغيبة؟ إذا بني على أنهما حكمان متغايران فلا صلة لأحدهما بالآخر فهذا يمتثل على حدة وذاك يمتثل على حدة، يعني هو امتثل ردّ الغيبة فأوّل ما ابتدأ هذا المتكلم يغتاب شخصاً ثالثاً فهو ردّه ولكن بقي هذا الشخص المتكلّم يغتاب للطرف الثالث فهل يجوز لمن ردّه السماع؟، أو العكس في البداية هذا السامع أخذ يسمع لما يغتابه المغتاب ولكن هل يسقط عنه وجوب ردّ الغيبة، فهو وإن عصى بأن سمع الغيبة ولكن هل يسقط عنه وجوب الرد؟ كلا فإنه إذا بني على أنهما حكمان متغايران لا يسقط، لأنَّ هذا حكم وذاك حكم فإذا عصى أحدهما فعليه أن يمتثل الآخر، وقد لا يسمع الغيبة وإنما يلغو حتى لا يسمعها، فهو يتكلم بصوت عالي كي يشوش على المغتاب ولا يسمعه ولكن يوجد آخرون يسمعون فهنا هو لم يعصِ حرمة سماع الغيبة لأنه لم يسمعها وإنما أخذ يقيم ضوضاء ولكن الآخرين يسمعون فهل يجب عليه ردّ الغيبة أو لا؟ نعم إذا بنينا على أنهما حكمان متغايران يجب ردّ الغيبة ولا يكفي أنه لم يسمع الغيبة ولم يعصٍ حرمة السماع بل يجب عليه ردّها، والموجود في الأذهان أو ربما لإيهام بعض الأدلة والروايات أنه يوجد تلازم وأنه يجب ردّ الغيبة على من سمعها أما من لم يسمعها فلا يجب عليه ردّها، فهو حاضر المجلس ولكنه لم يسمعها إما أنَّ باله كان متشتتاً وفي كان باله مكانٍ آخر ولكن فهم أنه قد حصلت غيبة وإن لم يسمعها فهل يجب عليه الرد فأيّ من هذه الاحتمالات صحيح فيلزم أن نبحث في الروايات والأدلة، والصحيح هو أنَّ أدلة وجوب ردّ الغيبة مستندة إلى نصرة المؤمن للمؤمن وهذا لا ربط له بأنه سمع أو لم يسمع وأنه عصى أو لم يعصِ، كما أنَّ حرمة سماع الغيبة لا ربط لها لأنَّ هذا المظلوم نصرته أو لم تنصره لكن لا يجوز لك أن تستمع إلى فضيحة المؤمن، فأنت عليك أن لا تطّلع فإنَّ السماع عبارة عن اطلاع على عوة المؤمن، ومن باب المثال افترض أنَّ ظالماً أراد أن يكشف عورة مؤمن فيجب عليك نصرة المؤمن المظلوم كي لا تُكشَف عورته، ولكن وجوب نصرته بأن لا تُكشَف عورته هل يسوّغ لك النظر بعينك إلى عورته؟ كلا لا يسوغ لك ذلك، فإنَّ وجوب النصرة على حدة أما النظر إلى عورة المؤمن وفضيحته وانكشافه فهذا حكم آخر، ومر بنا أنه من بديع التشبيه أو التبيان في الروايات للغيبة أنها مثل انكشاف العورة، أما في القرآن الكريم فقد مثّل بأنه ميته بأن يقطع لحم ويأكله، أو انكشاف عورة فكلا التشبيهين في محلهما، فالغيبة عبارة عن أنَّ هذا المغتاب يقوم بكشف عورة مؤمن يعني يفضحه فأنت أيها السامع كأنك ناظر ومطلع ويجب عليك أن لا تنظر، ولذلك مرَّ بنا أنه تحت ذريعة أنك تردّ الغيبة تستمع إلى الغيبة فلأجل ردَّ هذه الغيبة صار الاستماع محللاً؟!! كلا هو ليس محللاً وإنما هذا على حدة وذاك على حدة، كما أنه لو امتثل ذلك بأنه حينما نكشف عورة المؤمن هو لم ينظر إليها وإنما غض بصره حتى لا ينظر إليها ولكنه لم ينصر المؤمن فإغماض السمع شبيه بإغماض العينين، فهو لم يطلع على عورة المؤمن ولكنه لم ينصره، فالنصرة موضوع والاطلاع على العورة والسماع موضوع آخر منفكان عن بعضهما البعض، نعم هنا يوجد تقارن في الموضوع وهذا صحيح ولكن بالتالي هما حكمان مختلفان فيجب أن لا نخلط بينهما وامتثال أحدهما لا يعد امتثالاً للآخر كما أنَّ عصيان أحدهما لا يبرر عصيان الآخر.

نعم الاسكات قد يكون ضرباً لعصفورين بحجر، فإذا هو أسكت المغتاب فمن جهة هو لم يطلع على عورة المؤمن ومن جهة أخرى هو قد نصر المؤمن، فقد يقال إنَّ هذه آلية مشتركة لامتثال حكمين، وهذا صحيح ولكن هذا لا يعني أنَّ الحكمان هما حكم واحد أو متلازمان، فأنا قد أأتي بامتثالهما بآلية تكوينية واحدة فهذا صحيح ولكن لا عين أنها حكماً واحداً.

وقبل أن ندخل في الروايات نشير إلى هذا المطلب:- وهو بحسب القاعدة، يعني هذا الأمر ذكره جملة من الأعلام، يعني ذكر الشهيد الثاني في ( كشف الريبة في حرمة الغيبة ) وغيره من الأعلام أنه من كيفيات علاج الغيبة أن يقوم من مجلس الغيبة، فإذا خرج من مجلس الغيبة فهو لم يطلع على عورة الغير، وكلامنا هو أنه إذا خرج لم يطلع على عورة المؤمن بالغيبة فلم يحرم عليه السماع ولكن ماذا عن رج الغيبة؟ يقولون من الواجب لأن الظلم لم يقع حينئذٍ لأنه خرج قبل أن تحصل الغيبة، فهو يعلم أنَّ ذلك الشخص الجالس هو في صدد الاغتياب ولكنه خرج قبل أن تقع الغيبة لا أنه بقي وينصر، إنما نصرة المؤمن على المؤمن إذا كان حاضراً في مجلس الغيبة، أما أننا نعلم أنهم سيغتابون فالنصرة هنا ليست بواجبة، وهذه نكتة لطيفة في بحث النصرة، ويوجد في الأدلة عندنا نصرة المؤمن للمؤمن ونذكر هذا المثال بلا قياس، وهو أنّ سيد الشهداء عليه السلام قال لبعض من رآه ولم نصره ( اذهب بعيداً فإنَّ من سمع واعيتنا ولم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار )، فهذا الحكم الذي بيّنه سيد الشهداء عليه السلام مراراً مع أنه موجود في بيانات وتعاليم أهل البيت عليهم السلام أنَّ الذي يخذل أهل البيت عليهم السلام فهو هكذا ( لعن الله أمة خذلتكم )، ولكن هل هو من خذلهم في المعركة إذا كان قريباً من المعركة أو حتى إذا كان في مدنٍ بعيدة؟، وتحقيق وتنقيح وتحرير هذا المبحث يحتاج إلى بحث طويل، وتوجد روايات أخرى معتبرة وقد أفتى بها الفقهاء وهي مرتبطة ببحث قاعدة نصرة المؤمن للمؤمن، فلاحظ أنَّ حرمة الغيبة حرمة خاصة ولكنها مرتبطة بقواعد فقهية جمّة فتحليل ودراسة الأدلة الخاصة بربطها بالقواعد العامة مهم جداً وإلا الانسان لا يفهم الأدلة الأخرى، فبتر وإبعاد الأدلة الخاصة عن القواعد العامة هو آفة اجتهادية خطرة، فالأدلة الخاصة من الضروري أن تفهم في جوّ القواعد العامة وفي جوّ العمومات، ومنشأ القدماء هو هكذا فهم يعتبرون الأدلة العامة آباء للأدلة الخاصة ونسب وانتساب الأدلة الخاصة يفهم من الأدلة العامة وهذا أمر مهم ليس في فقه الفروع وإنما حتى في علم الكلام وعلم التفسير وعلم الرجال فهو شيء مهم، فهنا روايات مفتى بها وه مرتبطة بنفس البحث وهي أن المؤمن المظلوم إذا قتل ظلماً امام المؤمن الآخر أو أريد أن يسفك دمه أمام المؤمن الاخر مع قدرة المؤمن بنحو ما أو بدرجة ما يجب عليه أن ينصره إذا كان شاهد المجلس أما إذا كان غائباً عن المجلس فهذا بحث آخر، ونحن لا نريد أن نخوض في عدم الوجوب في حال غيابه ولكن هذا الوجوب الحاص في مشهد ومرأى وعين من المؤمن يركب ظلماً على المؤمن سيما قبيل الدم أو العرض فإذا كان الانسان في مشهد الظلم ومجلس الظلم يجب عليه النصرة الخاصة والوجوب الخاص، كأنما إذا لم يكن في مشهد ولو كان يوجد عنده علم فحكمه ليس كمن هو في مشهد الظلم وموقعه، فإذاً توجد عندنا عامة في الفقه سواء كان في الفقه العقائدي أو السياسي أو الفردي أنَّ التواجد في موقع الحدث حكمه غير الابتعاد عن موقع الحدث، فإنَّ موقع الحدث له حكم خاص ومسؤولية خاصة، شبيه كلام الفقهاء في أنه إذا دهم المسلمين معتدٍ فالذين يكونون عند هذا الثغر والموضع للعدوان الدفاع عليهم أوجب ممن هم بعيدون عنه، فإنه الأقرب فالقرب فإنَّ الأقرب هم أكثر مسؤولية، إذاً التواجد في موقع الحدث يحمّل الانسان مسؤولية في النصرة تختلف عن البعيد أما أنَّ البعيد ليست عليه مسؤولية أو عليه مسؤولية ولكن بنمط آخر فهذا نحن لسنا بصدده الآن ولكن التواجد في موقع الحدث هذه قاعدة فقهية يستطيع أن يتصيدها الباحث في أبواب عديدة حتى في الفقه العقائدي، فلاحظ أنه يوجد فرق بين من سمع واعيتنا ومن لم يسمع مع أن الخاذل لأهل البيت عليهم السلام ملعون مطلقاً ولكن مع ذلك من سمع الواعية ولم يجب عليه مسؤولية أكثر وأشد غير الذي لم يسمعها، فالمقصود إذاً النصرة في موقع الحدث وشهد الحدث ومكانه ومجلسه أوجب بخلاف ما إذا خرج قبل أن تقع الغيبة وقبل أن تكشف عورة المؤمن فحينما يغادر فسوف يرتفع موضع الغيبة لأنه لا يسمع الغيبة ولا يطلع على عورة المؤمن ولا يجب عليه النصرة والردّ.

وهذه نكتة لطيفة ذكرها الشهيد الثاني في حرمة الغيبة، وهي أنه تارة تتواجد في مشهد الحدث وموقع المنكر أو موقع الغيبة فهنا يجب عليك نصرة المؤمن، وذلل ذكرت لكم انه وردت نوص عديدة في ظلم المؤمن من قبل ظالم ومؤمن آخر بشاهد هذا الظلم فقد ورد في الروايات أنه سعد من لم يبتلى بهذا المشهد لأنك إذا ابتليت بهذا المشهد فسوف تصير عليك مسؤولية مثل مسؤولية الحاكم ومثل مسؤولية الوالي لأنَّ ﴿ المؤمنون بعضهم أولياء بعض ﴾ فهذا المقدار من تولي المؤمن للمؤمن لازم إذا كان في مشهد الحدث وموقع الحدث فهنا تصير عليه مسؤولية ورعاية، فيجب عليك أيها المؤمن أن تراعي أما إذا ابتعد عن مكان الحدث فحينئذٍ يلزم بأن يكون راعياً إذا كان فرداً عادياً، فإنه تارة يكون الانسان حاكماً سياسياً له مسؤولية عامة فهذاك بحث آخر فهنا يلزم عليه أن يحافظ على العفاف العام والدفع عن المؤمنين وما شاكل ذلك أما إذا كان فرداً عادياً فلا، فإذاً يوجد فرق بين التواجد في موقع الحدث فإنه في التواجد في موقع الحدث يجب عليه الرد والنصرة وهذه قاعدة مسلمة.

ونذكر نقطة أخرى لهذه القاعدة قبل أن ندخل في الروايات: - وقد ذكرناها سابقاً ونعيد ذكرها الآن، وهي أنَّ وجوب ردَّ الغيبة وحرمة الاطلاع فإنَّ حرمة الغيبة يعني حرمة اطلاعه على عورة أخيه المؤمن، فإنَّ حرمة اطلاع المؤمن على عورة أخيه المؤمن فحرمة هذا الاطلاع ووجوب ردّ الغيبة هذا لا يعني أنه يهتك حرمة المتكلم أيضاً إذا كان عنده شك بأنَّ هذا عنده غيبة مسوّغة أو غير مسوّغة، فهذا المؤمن الذي يغتاب قد يكون عنده مسوغاً للغيبة كأن يكون مظلوماً ولكن وجود المسوغ عنده ولكني حيق لا أعلم بأنه يوجد عنده مسوغ لا يسوغ لي الاطلاع على عورة المؤمن، المتكلم الذي يغتاب قد يكون له مسوغ لكني علم لي فحيث لا علم لي لا يرفع حرمة سماع الغيبة ولا يرفع وجوب والرد، ولكن وجوب الرد وحرمة الساع لا يسوّغ لي أن أهتك حرمة المتكلّم باعتبار أنه مُقدِم على منكر لأنه قد يكون عنده مسوّغ للغيبة، فوجوب الرد موجود وإن لم تحرز أنت أنَّ المتكلم يرتكب منكراً ولكن مع ذلك وجوب الرد موجود وحرمة السماع أيضاً هي على حالها، يعني هذه أربعة أحكام هنا تنفك عن بعضها البعض، حكم أن شخصية المتكلم لابد أن لا تزري بها وإنما لابد أن تحترمها لأنك لا تعلم بأنه يرتكب محرماً هذا حكم وهناك حكماً ثانياً وهو أنَّ هذا منكر ويجب أن أردعه فلا يوجد عندي احراز لهذا المنكر، ويوجد حكم ثالث وهو حرمة سماع الغيبة والحكم الرابع هو وجوب ردّ الغيبة، فوجوب رد الغيبة ليس من باب إنكار المنكر فقط كي يتلازم مع إنكار المنكر وإنما وجوب ردّ الغيبة هو من باب نصرة المظلوم.

فلاحظ أنَّ وجوب ردّ الغيبة لماذا - وهذه نكتة صناعية فقهية هي ليسن مرتبطة بهذه المسألة فقط إنما ثمرتها في مسائل وأبواب عديدة - فحينما يقول الفقهاء بوجوب الردّ أو حرمة الاستماع يعللونه بعدة قواعد لأنَّ بعض القواعد قد لا تكون مطردة ولكن بعض القواعد الأخرى تكون شاملة فإذا كان وجوب الرد من باب إنكار المنكر، ففي أي مورد لم تحرز فيه المنكر لا يجب عليك الرد، أما إذا قلنا عن وجوب ردّ الغيبة من وجوه عديدة وليس من وجه واحد فهذه الوجوه ليس بالضورة أن تكون متساوية وإنما بينها عموم وخصوص من وجه، إذا أيها الباحث استيقظ فإنَّ تعدد الوجوه في الاستدلال ليس ترفاً فكرياً وليس زيادة عبثية في الاستدلال وإنما هي لأجل الالتفات إلى أنَّ بعض الوجوه قد تكون وسيعة مطّردة وبعضها الآخر ضيقة، فوجوب الرد اسمه وجوب الرد ولكن من أي باب؟ إنه لعدّة وجوه وبعض الوجوه قد لا تتأتى في بعض الموارد وبعض الوجوه تتأتى في كل الموارد أو في موارد خرى، إذاً هذا سرّ صناعي عليم لطيف وهو أنَّ الأعلام لماذا يصرون على تكثير الوجوه لمدّعى واحد، فهذه هي ثمرتها، فهذه نكتة صناعية مهمة، ومنظومة علم القانون هي هذه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo