< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - جملة من أحكام مستثنيات الغيبة – حرمة الغيبة – المسألة التاسعة – المكاسب المحرمة.

 

لازلنا في استثناءات حرمة الغيبة.

فمن موارد استثناءات حرمة الغيبة التي ذكرها الأعلام ردّ من ادّعى نسباً ليس له: - وهذا البحث مهم، لأنَّ بحث النسب هو بحث حساس جداً عند الشارع، فمطلق النسب أمر حساس عند الشارع، والكثير من المؤمنين يستفتون أنَّ زوج وزوجة ليس لهما أولاد عقيمين أو ربما ليسا عقيمين أو يحبان أن يتبنيان طفلاً عن الأيتام أو رما هم ارحامه يريد أن يتبنى ابن أخيه ولكن بعادات جاهلية يقول يلزم أن يكون هذا ابني وليس ابنك وكأنما التبني أنه ينقل النسب فينقل من ابن أخيه إلى ابنه فيسجله باسمه وهذا لا يجوز وهو من الكبائر العظيمة جداً، بل وصف في الروايات بحدّ الكفر، ( من أدخل في نسبه من ليس منه أو أخرج من نسبه من هو فيه فهذا بحدّ الفكر )، فقضة النسب والأرحام في الدين حساسة جداً، فلا يسوغ تغيير الاسم فضلاً عن اللقيط أو حتى لو يكن لقيطاً وإنما كان يتيماً معرفو النسب فلا يسوغ تسجيل اسمه في الجنسية والتبعية والجوازات والهوية والمدارك باسم المتبني له، التبني بمعنى رعاية الطفل هي جائزة بأن تراعيه وتربيه فذها جائز ولكن بمعنى أن تغير اسمه إلى اسمك وتعتبره محرم وابن فهذا لا يجوز، فلا المحرمية تثبت ولا غيرها، فلا يجوز بحال أبداً لا عرفاً ولا غير ذلك فإنَّ تغيير النسب لا يجوز بحال، نعم الرعاية الكفالة جائزة سواء للقيط أو لليتيم أو لرحم قريب أو بعيد، ولكن اتفاقاً نحن نبني على أنَّ هذه الرعاية بمنزلة ضامن الجريرة، يعني هؤلاء الذين يربون الأطفال سواء كان لقيطاً أو غيره أو يتيماً غير معروف فهم في الحقيقة يربنه ويتحملون مسؤوليته ومعنى يتحملون مسؤوليته يعين ضامن الجريرة، يعني إذا يموت هذا اللقيط بعد أن يكبر وربما يحصل على ثروة فالذي يرثه هو نفس هذه العائلة التي راعته وكفلته، لأنها ضامن جريرة ولأنه لا يعرف نسبه، فهم يرثونه من باب ضامن الجريرة ولكن يرثونه من باب ضامن الجريرة شيء وكونه من ذوي النسب معهم شيء آخر، فهم يتحملون جناياته من باب ضامة الجريرة فهم يصيرون شبيه العاقلة فإن العاقلة إذا لم تضمن تصل النوبة إلى ضامن الجريرة في بعض الصور كما هو مقرر، ولكن هذا أمر آخر فانتم المسؤولين عنه لأكم أنت الذين رعيتموه ونتم الذين تكفلتم رعايته فأنتم مثلاً مؤاخذون على تربيته وعلى تصرفاته فهذا صحيح ولكن هذا كله لا يجعله ابناً شرعياً، يكبر هذا الفتى فهذه الزوجة لا تكون محرم لها وإلا إذا أرضعته فتكون محرماً عليه بالرضاعة، أو أنه عقد لهذا الصغير على ابنة المرأة، فالمحرمة إما بالرضاعة أو بالمصاهرة أما لا برضاعة ولا بمصهرة هذا الابن الذي يترعرع ويصير شاباً لا يصير محرماً، أو الكس فتاة صغيرة تترعرع فهذه لا تكون محرماً له إلا أن ترضعها زوجته من لبة فتصير محرماً أو عقد هذه البنت الصغيرة على ابنه فتصير محرماً من باب المصاهرة أما أنه لا بالمصاهرة ولا بالرضاعة تصير محرماً له فهذا ليس بصحيح لأنه لس رحماً لها، فالتبني في عرف البشر وعرف الجاهلية وعرف الشعوب يسبب التسمية فهذا جائزاً في الشرع، ﴿ وما جعل ادعياءكم ابناءكم ذلك قولكم بأفواهكم ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ﴾، و( دعي ) يعني أن تدّعيه وتتبناه، ومعنى مواليكم يعني ضامن الجريرة ما النسب فلا يمكن، فلاحظ هذه الآية الكريمة الواردة في سورة الأحزاب، ففي سورة شديدة اللحن يجعل الباري تعالى أن تبديل النسب اختلاط النسب شيء عظيم ولا يمكن، ولذلك هذه قضية تغيير النسب ليس فقط النسب ابن وأب أو عشيرة وعشيرة فإنَّ الكلام هو الكلام، فإذا لم تكن هناك شواهد دامغة قوية أما مجرد تظني وحدس فهذا غير مسوغ، لأنه النسب يكون لقاعدة الفراش أما مطلق الظنون فلا توصل إلى اليقين يكون تغيير النسب غير جائز ولذلك علماء النسب أمرهم صعب حينئذٍ ومسؤولية كبيرة إذا لم تقم عنده شواهد قطعية يقينية فقضية إلصاق نسب بنسب فهذا امر عظيم جداً وعيله مسؤولية شرعية كبيرة، فالمهم أن النسب هو مبحث في باب أحكام الأولاد يبحثه الأعلام هو أمر حساس جداً وهو بمثابة الكفر كما في بعض الروايات ( لعن الله الداخل في النسب والخارج منه )، وصياغات عديدة، بالتالي فالتبني لا يجوز، نعم الرعاية والكفالة راجحة جداً حتى للقيط لأن هذا اللقيط لنفترض أن من زنا ولكن قد يكون حلالاً، وهذه نكتة شرعية لابد أن نلتفت إليها وهي أنه مجرد كون الولد لقيطاً أو البنت لقيطة لا يسوّغ أن نحكم عليه بأنه ابن حرام، نعم التبني غير جائز وكلن الحكم عليه بكونه ابن زنا غير جائز أيضاً وإنما قد يكون ابن حلال ولكن بسبب الظروف أو الخوف أو فقر المعيشة ترك هذا الطفل فلا يشتر أن يكون هو ابن حرام، فلا من جهة يحكم بكونه ابن حرام ولا من جهة يتبنى، فقد يكون مات أبواه واقطعت عشيرته عنه فهذا لا يخل بشخصيته، والكثير يخطأون فيحكمون لعيه بأنه ابن زنا والحال أنَّ هذا غير صحيح بل لا تحكم عليه بأنه ابن زنا وابن حرام وإنما قل له أنت انقطعت عن عشيرتك بسبب بعض الظروف كأنهم أضاعوك، ولا يشترط أنهم عمداً أضاعوهـ فتحفظ هوية شخصيته، كأن صارت حادثة معين فضعت عنهم ولكنك من قبيلة وعشرية فتحفظ هويته، فالمقصود أنَّ التبني غير جائز ولكن الحكم بكونه ابن حرام هو غير جائز أيضاً، والقانون من الضروري جعل محاكم شرعية في لأحوال الشخصية فإن تأسيسها أمر ضروري وإلا سوف يصير انفلات في الأحكام وهذا لا يمكن التخلّي عنه، وسنذكر هذا المطلب وهو أنه لو فرض أنه علم بأنَّ هذا ابن زنا فمع ذلك يوجد رجحان لرعايته لأنَّ هذا الطفل إذا ترعرع في بيئة خيرة فبدلاً من أن يصير جرثومة على المجتمع يصير إنساناً صالحاً، يعني أصل الرعاية والكفالة فضلاً عن المجهول فصلاً عن معلوم النسب وأنت ترعاه فأنت تقول له إنَّ أباك فلان وأمك فلانة ولكن نحن نرعاك إعانةً لهم، وهذا بلا تشبيه أنَّ أبو طالب وقع في ضائقة فبني هاشم كل واحد منهم تكفل برعاية واحد من أبنائه فذها معلوم النسب وأعظِم به من نسب وهو ذروة النسب وقد تكفل النبي رعاية أمير المؤمنين وهلم جرا، فالكفالة والرعاية شيء وتغيير السب شيء آخر والمشكلة الأسر والمجتمع يخلطون بين الكفالة والرعاية وبين تغيير الاسم يعني تغيير النسب، ولكن تغيير النسب لا يمكن بهذه الطريقة وإنما يبقى على حاله، فهو في مقابل أن يرعاه يغير نسبه فهذا غير جاز وإنما يرعى الطفل ولكن يقول له أنت ابن أخي وليس ابني ولكني أنا رعيتك فهذا لا مانع منه، واتفاقاً انت تصير عده بمثابة الأب لأنه يعلم أنه ابن أخية وليس ابنه ولكن مع ذلك يكن له المزيد من الاحترام والرعاية.

ولو قيل إنَّ تسجيله في الوثائق الرسمية هو قضية ادّعائية وليست حقيقية، ولكن نقول إنه حتى هذا غير جاز وإن كان الطفل علم من هما أبويه ومن هو نسه فإنَّ هذا غير جاز بجال، فتغيير النسب ولو بهذه الطريقة لا يجوز بحال.

فالمهم أنَّ قضية النسب أمر خطير جداً ولا يسوغ تغيير النسب أما الرعاية والكفالة راجحة جداً ولكن نفس النسب لا يجوز تغييره بحال أبداً ولذلك استثنى الفقهاء من موارد جواز الغيبة الحديث عن نسب فلان مثلاً وأن نسبه كذا وكذا وحت في الزواج موجود عند الفقهاء أنه إذا قال أنا من العشيرة الفلانية أو أنا ابن حرّة ثم تبين خلاف ذلك فهنا يكون للطرف الآخر في الزواج خيار الفسخ، فأيضاً يسوغ الغيبة من هذا الجانب.

إذاً هذه من موارد جواز الغيبة لأنَّ النسب أمر مهم، سيما أنَّ الغرض فيه ليس هو الفضح وإنما الغرض فيه هو تحديد وتعديل وتحقيق وتثبيت الانساب الواقعية.

ومن مستثنيات الغيبة التي ذكرها الأعلام القدح في المقالة الباطلة: - كأن تكون مقالة علمية سيما إذا كانت مقالة علمية في علم من العلوم الدينية فهنا يسوغ بهذا اللحاظ يعني أن الاستهداف ليس لنفس القال وإنما الاستهداف هو للمقالة وأنَّ هذا الخلل في هذا الرأي هو من هذه الجهة ولهذه النقطة، ولو استلزم حينئذٍ تضعيف الجانب العلمي للقائل أو تثبته أو غير ذلك ولكن ذلك لأن رعاية الحقيقة في العلوم الدينية أعلى أهمية من توقير قائلٍ معين وصاحب مقالةٍ معينة، لأنَّ الموازين الشرعية أمر مهم، طبعاً حينما يتم القدح في رأي أو نظري أو غير ذلك فمهما امكن الانسان يفكك بين شخصية القائل وبين مقولة القائل، فإن ما قيل والمقولة شيء والقائل شيء آخر، وإن كان في ذهن الكثير حتى الفضلاء أنك إذا بينت الخلل في المقولة فسوف يتبين الخلل عند القائل في عدم التدقيق في هذه النقاط أو تداعيات هذه النظرية هي تداعيات خطيرة وليكن ذلك ولا مانع منه، وقد يكون القائل ليس متعمداً ولكن المقالة أو النظرية أو المنهج تلقائياً يؤدي إلى تداعيات فهذا المقدار من النقد العلمي بابه مفتوح ولا يسد تحت ذريعة تجنب مخالفة حرمة الغيبة أو غيرها وإنما النقد العلمي على حاله، ومن اقوال أمير المؤمنين عليه السلام ( حياة العلم بالنقد والبحث )، فالعلم إذا لم يكن فيه إن قلت قلت ونقد ومقارنة ومساجلة علمية لا تكون هناك حياة للعلم وإن استلزم مثلاً تسجيل نقاظ عف على القائل ولكن هذا لا يعني انه هذا استهداف لشخص القائل لا سيما أن هذا الاستهداف شخصي، أو كما يعبر أنه نقد بنّاء أو نقد هدام، وإن كان في ذهنية بعض الأجواء افترض أنه يدعى في ذهنه أنه نقد للقال ولكن هذا لا يدعو إلى سد باب النقاش، وهذا شبيه ما ذكره علماء الامامية من أنه لا يسد باب الاجتهاد مثلاً، ومن أحد نواميس مذهب علماء الامامية ومدرسة أهل البيت أن باب الاجتهاد لا يسد تحت ذريعة من الذرائع، ومر بنا ان ابن إدريس كان شديد التتبع لنقد الشيخ الطوسي، وقد يكون عند ابن إدريس افراط في التعبير ولكن هه العملية التي قام بها من النقد العلمي مهمة جداً، والكثير يخلط بين عملية النقد وعملية التفسيق أو التكفير أو التضليل فإنَّ هذا ليس بصحيح، فالنقد لا يعين التفسيق ولا يعين التكفير والتضليل فهذه ثلاث عناوين مختلفة، نقد علمي محض وتضليل وتفسق وتكفير، أو طعن أخلاقي وهذه مقولة خامسة، هذه حيثيات خمس مختلفة عن بعضها البعض، فإجمالاً العلماء الأعلام قالوا إذا كان النقد الغرض منه النقد العلمي والغرض منه الحفاظ على الجهات العلمية والدينية وليس مفرطاً وإنما الأمور تقدر بقدرها فهذا المقدار جائز، فبهذا اللحاظ يكون جائزاً، وقد مرَّ بنا أنَّ مثل هذا صورةً هو غيبة ولكنه خارج موضوعاً، فإذا كان القد بنّاءً فهو يعتبر من هذا القبيل، ليس الهدف منه فح الشخصية أو كسرها، أو يكون خروجاً تخصيصاً أو قل يكون تزاحماً، فهذه الحالات لا تخول من هذه الأمر الثلاثة.

إجمالاً إن سدَّ باب النقد العلمي أو المؤاخذة العلمي ليس العلمي التنظيري بل حتى التطبيق الموضوعي لذلك في الأمر الدينية أو السياسية لو بني على سد باب النقد فلا يصير من ﴿ وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ﴾ فلا يصير تواصي وتناصح والحال أن التواص والتعان على البر والتقوى مهم، والتعاون ليس معناه أن الانسان دوماً يكو متخذاً طريق المدح والتزلّف وما شاكل ذلك فإنَّ هذا ليس تواصياً، فأخوك من صدّقك وليس من مدحك، ففي الحديث ( أخوك من صدّقك وليس أخوك من خانك ) يعني أنه يثني عليك ولكن من باب التزلّف، والمتزلفون كث ولكن هذا هو المعيار بل المعيار هو النصيحة، وحتى في هذا الباب فهو مفتوح وليس فقط في باب الاجتهاد في التنظير الكلي في الأحكام الكلية وإنما في باب التواصي بالحق والحقيقة فإن هذ أمور حساسة يجب فيها التناصح بالمعروف وهلم جرا وهذا باب واسع فلا مانع من ذلك مادام النوايا حسنة، فهذا الباب غير قضية باب الاجتهاد مفتوح فإن تلك قاعدة أخرى أما هذا فهو أنَّ باب التواصي مفتح وباب التعاون على البر والتقوى مفتوح، والبر يعني أنهك ترشد الطرف الاخر على ما هو الصحيح، فإذاً باب التعاون على البرّ وباب التواصي بالحق مفتوح، وهذا أمر مهم جداً، هذا في باب الشبهة الموضوعية، وفي قبال الشبهة الحكمية باب الاجتهاد مفتوح، فهذه الجهة هي ناموس حيوية الدين وناموس حيوية الحق والحقيقة، طبعاً الانسان حينما ينصح فلا يكون بلسان لاذع وهادم وإنما ما وضع الدين على شيء إلا زانه، و ( من نصح أخاه في الملاء فقد شانه ومن نصحه في السر فقد زانه )، فهناك أساليب لينة حكيمة في النصح، فاتخاذ الأسلوب الحكيم أمر مهم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo