< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قواعد فقهية وحرمة الغيبة – حرمة الغيبة – المسألة التاسعة – المكاسب المحرمة.

 

مرَّ بنا في هذا السند، فلاحظ أنَّ الدراسة التاريخية للأسانيد هو عمق رجالي عظيم، هذا الذي نقول هو ليس بموجود في منهج السيد الخوئي أو منهج السيد أحمد بن طاووس أو من تبنى منهج السيد ابن طاووس، بينما علم الرجال هو دراسة مناهج علمية ومسارات علمية، فالإنسان يجب أن يلتفت إلى مسارات علمية في الأسانيد هذا أي وبين من يقول هذا ثقة وذاك ليس بثقة وانتهى الأمر، فذها ليس علم الرجال وإنما هو قشور علم الرجال وهو بعد سطحي جداً في علم لرجال، وإنما علم الرجال أن تقف عند نقطة فملاً لماذا أكثر الأصحاب من الرواية عن فلان ولكن هذه قضة ليست أساسية وإنما هي قضية مهمة، فوهب بن وهب الذي هو من قضاة العامة الذي هو أكذب أهل البرية، وطبعاً حتى العامة أكثروا من رواياته، ولماذا؟، طبعاً هو قاضي كذب في مرة كذب فسق كبيرة من الكبائر ولكن هذا لا يعني أن كل تاريخه وملفه أسود، ملفه العلمي أو غيره، فلاحظ أن هذا يعبر عنه بدراسة علم الرجال، وهو ما يقوم به النجاشي والطوسي والوحيد البهبهاني والنمازي والمير داماد، فالمير داماد عنده حاشية على الكشي، فلاحظ أنت الكشي فإنَّ له كتاباً عظيماً في الرجال فيه أنه هل هذا ثقة وذاك ليس بثقة وذاك مجهول أو أنه مثبت أو سالب أو موجب أو أنه يدرس لك الشخصية دراسة تاريخية مع من وما هو مشربه العلمي ومن هم تلاميذه فهنا أنت تعرف على هوية المذهب وعلى هوية العلوم الدينية، وما هي المدارس، وحتى النجاشي كفهرست فإن النجاشي حينما يتعرض إلى أبان بن تغلب فهو يتعرض إلى نكات نفيسة ليست موجودة حتى في كتب التاريخ عن شخصية أبان وغيره وهلم جرا، فعلم الرجال علم تحليلي وليس علماً تعتعي نعم لا أو لا نعم، فلا نبدل علم الرجال إلى تقليد، بل لابد أن يتبدل علم الرجال إلى مختبر تحليلي وملف تحريات، هكذا هو علم الرجال، أما أنك تريد علم الرجال تصير تعتي فهذا ليس علم رجال وإنما هو تقليد أعمى، تقول إنَّ الشخصية الفلانية هي كذا ولكن نقول بل لابد أن ندرسها ونلاحظ نتائجك واستنباطاتك في محله أو لا، فهذه نكات مهمة جداً، فعلم الرجال هو منهج تحليلي، الآن مثلاً هذا السندي بن محمد هو إن لم يكن ذكر فيه كلام كذا وكذا ولنه ليس شخصية عادية من الامامية فلماذا السدي بن محمد يروي بكثرة عن البختري، ولماذا الحميري زعيم الامامية عبد الله بن جعفر الحميري هو وابنه من زعماء الامامية في الغيبة الصغرى وليس عالماً عادياً بل هم من الزعماء أربعين عالماً أراهم الامام الحسن العسكري صاحب العصر والزمان وهذا مذكور في غيبة الطوسي وفي دلائل الامامية، فالمقصود أنَّ الحميري هو من علماء الامامية فهذا العالم الفذ الكبير كيف يشحن كتابه من السندي عن أبي البختري فبأيّ بمعنى وما هو المراد؟، فدراسة الأسانيد دراسة تحليلية تاريخية لا أقف عند هذه الشخصية عند هذا المورد وإن كان السيد الخوئي يتتبع الموارد وهذا جيد ولكن الجانب التحليل عند السيد أحمد بن طاس أو الشهيد الثاني أو المقدس الأردبيلي أو صاحب المدارك أو السيد الخوئي الذي اتبعوا منهج السيد ابن طاووس الجانب التحليلي عندهم قليل والمفروض أنَّ هذا يكون بالعكس، وكذلك عندهم جانب تجميع القرائن قليل وجانب لملمة وتفسير القرائن مع بعضها البعض قليل والمفروض أنَّ هذا لابد أن يكون بالعكس فهذا هو علم الرجال، فلابد أن نحلل الشخصية فإنَّ كل مفردة رجالية هي بقعة تاريخية مع شبكة ومنظومة من أجيال العلماء والرواة يجب أن تدرس فهذا سمونه علم الرجال، يعني هذا منهج آخر من علم الرجال من الحري ممارسته، فأكثر الأصحاب من الرواية عن أبي البختري الذي هو من قضاة العامة وعلمائهم نعم رصدت عليه زلات ولكنه كان منفتحاً علمياً على الامام الصادق عليه السلام، وذكرنا أمس أنه لأجل الدنيا كذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمام هارون السفيه ولكن هذا لا يعني أنَّ كل ملفه هو هكذا، بل هو قاضي القضاة، كما لا يمنع هذا من أنه يتعاطى العلم عن الامام الصادق عليه السلام، فإنَّ الكثير من قضاة الجمهور كانت دراستهم العلمية عند الامام الصادق عليه السلام، يعني كما يدرسون عند الطرف الآخر يدرسون عند الامام الصادق عليه السلام، وطبعاً سيرة الأئمة عليهم السلام هي هكذا، وإلى الآن حتى صاحب العصر والزمان عجل اله تعالى فرجه الشريف فإنه كما يغدق بفيوضاته من وراء الستار على علماء الامامية صدقوني أنه يفيض بفيوضاته بقدرٍ ما على كلّ البشر من حيث لا يشعرون، وهذا ليس معناه أنَّ المناهج الأخرى صحيحة ولكن بقدر ما لديهم من استيعاب للحق ولو بمقدار الفطرة البشرية النظيفة هو يفيض عليهم، لأنه خليفة الله في كل الأرض وليس في بقعة ومنطقة خاصة، فالرواية عن السنيدي بن محمد عن ابن البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه، وغالبا الأصحاب تعاطوا روايته بكثرة إذا كانت متطابقة مع الجوّ العام لروايات أهل البيت عليهم السلام فهم يأخذون بها بهذا الاعتبار، وحينما يقول الراوي جعفر بن محمد عن أبية عن آبائه فدائماً هذا مؤشر على كون الراوي عامي، فهو يعتبر الامام كأنما هو راوٍ أو طريق إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطبعاً نحن نعتبر علم الامام عن النبي أيضاً ولكن ليس عمله عن النبي مثل علم الرواة الناقلين، وإنما علم المعصوم عن آبائه ليس بتوسط تسجيل الصوت عند الرواة وإنما هو قناة وحيانية تربطه بآبائه ومع النبي، وهذا هو فرق الامام المعصوم مع الرواة كما أنه فرق بين الامام عليه السلام وبين الفقهاء والعلماء والمجتهدين، الفقهاء والمجتهدون يحاولون أن يدركوا أو يعرفوا الأحكام من باب الفهم، فإنَّ الفكر مرآة ومرآة يعيني مرآة تنعكس فيها الأنوار من بعدٍ بعيد أما علم المعصوم فهو نفس النور الوحياني، أين المرآة البعيدة اليت ينعكس عنها النور كالمجتهدين والفقهاء وبين أصل النور؟!!، فيوجد فرق بين علم المعصوم والمجتهدين والعلماء وبين علم المعصوم والرواة، فالعنعنة بين المعصومين ليست عنعنة تسجيل صوت وإنما العنعنة بين النبي عن جبرئيل عن الله ليس تسجيل صوت، فالنبوة ليست مسجل صوت والعياذ بالله، بل النبوة كما مر هو نفس الجوهر الروحاني الملكوتي العظيم الذي يحيط بكل هذا الشيء فيما دون العرش أو دون العوالم الربوبية فتعري فالنبوة اين وتعريف هذا اين، فالمقصود لكن رواة العامة أو فقهائهم لا يرون الجانب الوحياني في الامام وإنما يرون الجانب الحسّي في الامام، وإبليس اللعين في بدر تشبهه لقريش بسراقة بن مالك فقال لا غالب لكم اليوم ولكن حينما رأى جحافل الملائكة وجبريل في طرف المسلمين نكس عنهم وقال إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ربّ العالمين لأنَّ هؤلاء الحسّيين لا يرون ما وراء ذلك من ملكوت ولكنه يقول لهم إني أرى ما لا ترون، فهم قالا له إنَّ عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر فقال لهم أي ثلاثمائة وثلاثة عشر هذه؟!!! فعلى أيّ حال الجانب الملكوتي هم لا يرونه في الامام عليه السلام وإنما يرون بدن الامام وبشرته وجيه وعينيه مثلاً من هذا القبيل أما ملكوت الامام فلا يرونه، إنَّ هذا ألا بشر، صحيح هو بشر ولكن فهي جنبة اخر، فالمقصود أن الجانب التحليل في علم الرجال لذيذ جداً وله طابع عقائدي ومعرفي هذا يتلذذ فيه الانسان حينما يدخل فيه وحينئذٍ تكون مواقفه في الروايات عن بصيرة، فالرواية هي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال:- ( ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوىً مبتدع والامام الجائر والفاسق المعلن بالفسق )، فهنا لماذا اورد صاحب الوسائل هذه لرواية في مستثنيات الغيبة؟، فـ( ليس لهم حرمة ) يعني أنَّ الحرمات التي هي ناشئة من احترام الطرف الآخر هي ليست لهم، و(صاحب هوىً مبتدع ) هم أهل الضلال والباطل، وهذا خلاف من يقول إنَّ حرمة الغيبة حتى لأهل الضلال ن والامام الجائر الظالم وهم سلاطين الجور حكومات الجور فالبعد السياسي مفتوح للطعن بالجور السياسي وليس مسدوداً، فلاحظوا أنَّ فتح باب الانتقال والوقيعة في أحكام الجور السياسيين هذا يدل على أنَّ الشارع يبقي المجتمع حياً، فأنت عليك أن تقرأ ما وراء التشريع وفلسفة التشريع، فإنَّ إبقاء الشارع أهل الضلال أو الخطأ أو أهل الانحراف ينتقدون يعني النقد العلمي والنقد للخطأ مفتوح كي لا تكون الأمة ميتة وسبحان الله هذه فلسفات تشريع عجيبة وليس فقط بعد اخلاقياً فقط وليس بعداً تسريعي فروع فقط وإنما هذه فيها مؤديات عظيمة لنهضة المجتمع وإصلاحه ونهضته، فهي معادلات عظيمة في حياة المجتمع وحيويته ورقيه،( ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوى مبتدع ) فنقد البدعة لا لا تقل إنه غيبة فأنت حينئذٍ تسكت صرخة الحق، فلا تقل إنَّ نقد صاحب البدعة وصاح الضلالة أنها غيبة بل بالعكس هذه إماتة للبصيرة وإماتة للهداية، فلا تقل نقد الحاكم الجائر هي غيبة، بل هو جائر يجور في سياسته وفي حكمه فكيف لا ينتقد؟!!، وسواء أنه يوجد بحث أثاره الفقهاء وهو أن حرمة الغيبة الموتى أو لا تشملهم، يعني إذا كان اوقعت ضدهم الغيبة فهل هي تسمل الموت أو لا تشمله فإنَّ حرمة المسلم أو المؤمن ميتاً كحرمته حياً؟، ولكن إذا كان هذا الميت من سلاطين الجور كيف لا أوقع الغيبة فيه؟!! فأذكر حينئذٍ جوره وظلمة واستبداده والظلام الذي نشره، فهو ليست له حرمة، فلاحظ هذه حيوية للمجتمع وكم هو تشريع عظيم، وهذا المفاد في الرواية متكرر في روايات متعددة، مع أنَّ الراوي هو أبو البختري ولكن أنت يا أبو البختري راوي من قضاة العامة ولكنه يروي هذه الرواية، وهذه الرواية طابعها اصلاحي تدين مسيرة بني أمية وبني العباس ولكن لاحظ تأثير الامام الصادق عليه السلام على قضاة العامة، فلاحظ إذا لا تعلم أنَّ الرواية هكذا فلا تقل إنه هذا ثقة أو هذا ضعيف أو غير ذلك، بل عليك أن تدرسها دراسةً، فكل جوّ الرواية سنداً ومتناً لابد أن تدرسه، فالجانب التحليلي هو دراسة عظيمة، فلاحظ أنَّ هذا هو قاضٍ من قضاة العامة وليس علماً فقط من الطرف الآخر وإنما له مقام رسمي وموقعية رسمية ومع ذلك يذكر بنود اصلاحية من مدرسة أهل البيت عليهم السلام فها ليس بالشيء السهل، وهذا هو تأثير جعفر بن محمد الصادق عليه السلام حتى على هيكلة النظام الأموي والعباسي كي لا يترك الظلام والانحراف يزيد وإنما يصحح شيئاً من الحق، ( ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوىً مبتدع والامام الجائر والفاسق المعلن بالفسق )، هذا الفاسق المعلن بالفسق لا يراعي حرمة دار الاسلام ودار الايمان ولا يراعي معالم الاسلام وأنه يهتك هذه الحرمات فليس له حرمة، وكأنما له دور هدام في المجتمع فهذا أيضاً من جهة سلوكه الاجتماعي لا غيبة له، وهنا كما مرّ في البحث السابق أنَّ الحرمة درجات والهتك درجات وهلم جرا.

الرواية السادسة: - وهي عن تفسير العياشي بسنده عن الفضل بن ابي قرة عن أبي عد الله عليه السلام، ومر الكلام في أسانيد العياشي:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام: - " في قول الله لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم" )، يعني ملفات فاضحة ينشرها الانسان، كما أنه لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ليس باللسان فقط بل حتى بالكتابة، فإنَّ الغيبة لا تختص باللسان فقط وإنما تشمل حتى الكتابة في شبكات التواصل الاجتماعي كالوتساب وحتى لو كان كلامك عن شخص على الخاص فهذا أيضاً غيبة، فإنَّ الغيبة لا تنحصر بالصوت بل حتى بالكتابة، فإن الفضح سارٍ حتى ولو كان على الخاص بينك وبين طرف ثانٍ ولكنهم تتحدثون عن طرفٍ ثالث فالغيبة حاصلة سواء كان باللسان أو بالكتابة فهي سواء، فالرواية قالت ( عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ألا من ظلم" ) ليس إلا الصوت فقط بل حتى الكتابة، حتى أنه يوجد عند الأعلام بحث أن العقد هل ينشأ بالكتابة أو لا، وطبعاً يوجد قانون وضعي موجود الآن أنه إذا كان العقد خطيراً فلا يكتفون باللسان وإنما لابد من الكتابة والامضاء والشهود، لأنهم يعتبرونه أوثق في العقد من اللسان، لأنه إذا كان باللسان فقد ينسى، وطبعاً توجد إشارة إلى ذلك في سورة البقرة ﴿ إذا تداينتم بدين إلى أجل فاكتبوه﴾، هذا بحثوه في باب القضاء والشهادات، فالقرآن الكريم يعتبر الشهادة ولكن هل يعتبرها دللي بنفسها أو ماذا فإنَّ هذا بحث موجود في باب القضاء وباب الشهادات لا نريد اتعرض إليه هنا، فإجماًلا الكتبة لها دور حتى في بيانات القرآن الكريم، في العقود وحتى في النكاح هل يصير بالكتابة او لا أو ماذا فالكتابة لها دور، ﴿ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ﴾ فلاحظ أنَّ الجهر هنا بمعنى الكشف والاذاعة فقد استخدم الجهر هنا ليس الصوت الجهوري وإنما بعني الكشف والابراز والاعلان والاذاعة، فـ﴿ لا يجب الله الجهر بالسوء ﴾ يعني إذاعة السوء بتوسط الكلام السيء، فنشره وإذاعته كتابة أو صوتاً يكون له جانب سلبي، فدائماً الشارع يقول نشر الأضرار ولو على الصعيد النظري له جانب سلبي في المجتمع، ولماذا لا يحب اله الجهر بالسوء وهذه من آيات الأحكام المهمة وهي تتخذ دليلاً في حرمة الغيبة وتتخذ دليلاً في أحكام أخرى فإنَّ هذه الآية الكريمة ليست مخصوصة بحرمة الغيبة فقط، ولماذا نتكلم في فلسفة الأحكام وما دور فلسفة الأحكام في استنباط الفقيه؟ هذه جدلية علمية موجودة أو أنه مثلا بعض الفقهاء لا يحبون الكلام في فلسفة الحكم أما بعضهم الآخر في دوراتهم الفقهية يعتنون بفلسفة الحكم فما هو محل الاعراب لفلفة الأحكام في الاستنباط؟ مثلا جملة من الفقهاء يقولون نحن انضباطيين مع القالب، فمثلاً يوجد عموم نتمسك به أو يوجد خصوص فنتمسك به فنحن نتمسك بقالب النص أما فلسفة الحكم فلا تعنيناً، فالبعض لا يعتنون بذلك، أما النراقي في المستند فهو يعتني بذلك أو العوائد، والشيخ جعفر كاشف الغطاء يعتني ويصر على هذا المنهج، والشهيد الأول في كتبه سيما في القواعد والفوائد يصرّ على هذا المنهج أيضاً، وكذلك العلامة الحلي شيئاً ما، وفي الحقيقة فلسفة الأحكام حينما تتوقف عند الآية وأصول تسريعية وقواعد أخرى وتتذوق المعنى وتتأمل فيه وتتدبر دور فلسفة الحكم في الحكم وفي القاعدة الفقهية وفلسفة القاعدة الفقهية وفلسفة الحكم الشرعي في أي دليل ورد ما هو دوره في الاستنباط؟ دوره هو عبارة عن تفهم ماهية وهوية الحكم وهذا شيء عظيم حتى تعرف حدوده فهل فيه عموم أو لا يوجد فيه عموم وأنَّ دائرة هذا الحكم تفهمها من خلال فلسفة الحكم، لأنَّ فلسفة الحكم تعطيك ماهية الحكم، وهذا أعظم من المعنى اللغوي، لأنَّ اللغوي ما يدريه بفلسفة الحكم، فإنَّ فلسفة الحكم هي بمثابة جنس جن الحكم فهذه يسمونها الأجزاء الماهوية التحليلية هكذا هي فلسفة الحكم، فهذا الذي يعبرون عنه في بعض الأحيان بالذوق الفقهي أو الذوق العرفي، فيلزم أن كوين عندك ذوق لا أنك فقط ترتب الأمور وإنما يلزم أن يكون عندك ذوق، فإن الفقه ليس جافاً وإنما فيه ذوق فقهي وليس هلوسة وإنما بضوابط فهو فهي ذوق عرفي وذوق متشرع فإذا لم تتذوق فسوف لا تفهم صحيحا فحتى الفهم يصير فيه ضبابية، ففلسفة الحكم تعطيك ذوقاً عرفياً وفقهياً ومتشرعياً، وصاحب الجواهر في موارد كثيرة يشكل ويقول إن هذا لم يذق الفقه ولماذا قال لم يذق فهو لم يقل لم يفهم وإنما قال لم يذق الفقه؟ لأنَّ هذه الأحكام تحتاج إلى تذوق وتروي، ففلسفة الحكم مساعدة قوية في منهجة الذوق الفقهي والذوق المتشرعي والذوق العرفي والمعروف عن السيد أبو الحسن الأصفهاني أنه يوجد عنده ذوق موضوعي عرفي، لأنَّ معايشة الموضوعات المختلفة والبيئات المختلفة يلزم أن يعايشها الانسان يعني يتذوقها ويحيط بها ولو بشكلٍ إجمالي، فإذاً ﴿ لا يحب الله الجهر ﴾ فهنا الجهر بمعنى الكشف الاذاعة، فآيات الاذاعة في القرآن الكريم كثيرة ﴿ أذاعوا به ﴾، فالمقصود هنا أيضاً ما هي فلسفة أن الشارع لا يحب نشر السلبيات في الجو العام؟ سببه شبيه نشر المواقع الاباحية في المجتمع فإنَّ سلبيتها أنها تخفّض النفرة من المنكر، فإنَّ نكران المنكر والنفرة منه والابتعاد عنه والوقاية منه ومناعة المجتمع عن المنكر سوف تنخفض، وهذا جانب سلبي وليس صحياً وإنما جانب مرضي، وهذا أصل عظيم وهو ﴿ لا يحب الله الجهر بالسوء ﴾ يعني هذا تشيعه تنشه، مثل ﴿ إن الذين يحبون أن تشريع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾ فنفس إذاعة الفاحشة مع وجودها ولكن نشرها يكون زيادة في العدوى والوباء الأخلاقي، حتى بعض الأحيان المنكر العقائدي كذلك، فـ﴿ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ﴾ والسوء يشمل حتى السوء في المعتقد، لأنه يزيد العدوى ويقلل المناعة، ﴿ إلا من ظلم ﴾ كأنما حالة اضطرارية، فأيها المظلوم الضرورات تقدر بقدرها، نعم إذا كان الجور ( حتى إذا رأى الجور ضرب بجرانه ) فهنا عليك أن تجهر لأجل زحزحة الوباء بالإصلاح وهذا بحث آخر، فبالتالي يكون إنكاراً له واعادةً للمناعة الصحية للمجتمع، فلاحظ أنك إذا تذوقت الحكم فسوف تلتفت إلى عموميته وإلى مدى استخدامه، فهذه الآية الكريمة هي قاعدة فقهية وهي ﴿ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ﴾ فهي ليست خاصة بباب حرمة الغيبة، وحتى آية ﴿ إنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾، فهي قاعدة فقهية تجري في هذا الباب وفي أبواب كثيرة، فحينما ينفهم الانسان فلسفة الحكم يكون أصرح في المعنى من المعنى اللغوي وكلمات اللغويين، وللكلام تتمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo