< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - موازنة مراتب الأحكام وأثرها الصناعي – حرمة الغيبة – المسألة التاسعة – المكاسب المحرمة.

 

مرَّ بنا قبل الدخول في هذا الباب وهو باب مستثنيات الغيبة قبل الدخول فيها النقطة التي نبّه عليها الشيخ الأنصاري أنه في أي باب من أبواب الفقه عندما يستنتج الفقهاء ويقفون على الأحكام الشرعية الواجبة أو المحرمة التي تدل عليها الأدلة يدققون ويركزون حول أنَّ هذا الحكم هو ذو مراتب متفاوتة أو لا ومرَّ بنا أحد آليات استكشاف مراتب الحكم وهي كون الطبيعة هي في نفسها متفاوتة شدةً وضعفاً، فمن ثم الحكم يصير ذو مراتب، فالشيخ الأنصاري يقول إنه بمقتضى القاعدة إذا كان الحكم ذو مراتب فعند تزاحمه مع أحكام أخرى لا محالة تلحظ المراتب وتلحظ مراتب الطرف الآخر كي تكون هناك موازنة أيهما هو المقدم والأهم، تلحظ هذه المراتب وتلك المراتب، ونأتي بمثال فيه جدل علمي كثير وهو قاعدة لا ضرر، فإنها قاعدة مهمة فهذه القاعدة إذا يدقق الانسان يرى أنَّ الفقهاء لا يتمسكون بعمومها ويتمسكون بعمومها، وكيف ذلك؟ فتارةً يتمسون بعمومها وفي أبواب أخرى لا يتمسكون بعمومها ولماذا؟ وكذلك قاعدة لا حرج وكذلك قاعدة الاضطرار، فهل فيها عموم أو ليس لها عموم؟ يعني مثلاً كما يقول السيد الكلبايكاني فهو يستوفي أنه يجوز أكل الربا والتعامل بالربا وأكله لأنَّ السائل يفرض أنه مضطر إلى ذلك فإنَّ معيشته متوقفة على ذلك فأجاب السيد الكلبايكاني وقال إذا وصل الحد إلى أنك سوف تموت إذا لم تأكل الربا فيجوز لك أن تأكل بقدار أربع لقم، فالربا بمقدار أربع لقم يجوز لحفظ رمق الحياة لأنَّ المضطر في الصحراء إذا خشي على حياته إنما سوغ له من حرمة الميتة مقدار أربع لقم، وهذه الأربع لقم هي تحديد شرعي مما يدل على أنه بمقدار أربع لقم تكفي الانسان لدفع اضطراره، وهذه اربع لقم هي تحديد شرعي مما يدل على الانسان بأربع لقم يبقى حياً، أما كم هي المدّة فهذا بحث آخر، فالبعض قال لماذا حدّد السيد الكلبايكاني بأربع لقم وعند المشارفة الموت بلا عليه أن يتمسك بلا ضرر ولا حرج بلغ ما بلغ، يعني بعبارة أخرى الفقهاء في باب لا ضرر ولا حرج لا يتمسكون بلا حرج ولا ضرر بأي درجة من الضرر لرفع أي حكم فإنَّ الأمر ليس هكذا، وفي بعض الأبواب يتمسكون في أي ضرر ولكن في بعض البواب الأخرى لا يتمسكون بأيّ ضرر فما وهو السبب فهو إما أن يكون له عموم أو لا يكون له عموم فما الوجه الصناعي في ذلك؟، وأذكر هذا السؤال قد اختلج في ذهني حينما كنت أدرس المكاسب فسألت أستاذنا عن ذلك فقال إنَّ هذا سؤال جيد وهذه نكتة مهمة كيف التفت إليها وفعلاً هو تساؤل، فكيف الفقهاء تارة يتمسكون بعموم لا ضرر بأيّ درجة في ذلك الحكم وتارةً مثل السيد الكلبايكاني قال إذا وصل الضرر إلى درجة الموت جاز له الأكل أربع لقم، فلماذا هذا التفريق فتارةً يضيّقون بقاعدة لا ضرر وتارة يتوسّعون فيها وتارةً يتوسطون فما هو السر في هذا، وكذلك قاعدة لا حرج، بل هي قاعدة واحدة فإما أن يكون لها عموم أو لا؟ والجواب هو أنَّ السّر هو ما مرَّ بنا وهو كلام الشيخ الأنصاري، وهو أنَّ الأحكام مراتب، الوسط منها نتمسك بلا ضرر بدرجة الضرر الوسط أما أنَّ الوسط تتمسك به بالضرر الخفيف أو بالحرج الخفيف فلا، فإذا كان الحكم مرتبته خفيفة فتتمسك بلا ضرر لرفعه أو متوسطة أو أيّ ضرر، فإذا كان الحكم شديداً فحتى الضرر الوسط فضلاً عن اليسير لا ينفع بل لابد من الضرر الشديد، وهذا الضرر الشديد يكون متناسباً ومتوازياً مع ذلك الحكم، هذه النكت نفسها التي ذكرها الشيخ الأنصاري في هذا البحث تنفع في أبواب عديدة وقواعد فقهية عديدة، فإذاً سرّ أن الفقهاء تارة يتمسكون بأدنى ضرروهم ذكروا هذا الحكم فقالوا إنَّ حرمة الكذب فإنَّ الكذب هو حرام ومن الكبائر ولكن قالوا إذا أردت أنت أن تمشي من هذا الجانب من المدينة إلى جانب آخر من المدينة التي تعيش ففيها أو غيرها واجهك ظالم ولا يمكن لك أن تذهب إلى الاتجاه الاخر في المدينة إلا أن تكذب عليه - سوء كان هذا الظالم سلطاناً أو فرداً - فقالوا هنا يجوز لك أن تكذب حتى لو أن ذهابك إلى الطرف الأخر من المدينة ليس لضورة شديدة وإنما كان لنزهة مثلاً، فكيف تمسكوا هنا بهذا؟ إنه لنفس النكتة لأنَّ حرمة الكذب مراتب وليست مرتبة واحدة، فمثلاً أنه تكذب على هذا الظالم حتى لا يمنعك من حقوقك وحرياتك فهذا لا مانع منه بأدنى ضرر، لماذا؟ لأنه ناك مراتب في الأحكام وهناك مراتب في الطرف يجب الموازنة والمناسبة بين الطرفين، لا أن نتمسك بلا ضرر بلغ ما بلغ في كل مورد وفي كل مسألة، أو نتمسك بلا حرج بلغ ما بلغ في حكم وفي كل باب، كلا بل هي قضية صناعية موزونة وهي أن تحدد مرتبة الحكم وتحدد مرتبة القضية، فإذاً هذه النكتة التي ذكرها الشيخ الأنصاري نفيسة جداً وهي أن تلاحَظ مراتب الأحكام يعني ايها الفقيه لا يكفيك أن تستنبط الحكم، بل يجب أيضاً أو توزن عيار ومعيار درجات الحكم الذي استنبطته في ذلك الباب وهذا قد لا تدل عليه أصل الأدلة القائمة على الحكم بل من قرائن شواهد أخرى وغير ذلك، وهذه نكتة نفسية جداً ومهمة، فلذلك الشيخ الأنصاري هنا يقول إذاً مشهور الفقهاء حكموا بجواز الغيبة في جملة من الموارد هذا ليس من باب مقتضى القواعد وإنما من باب التناسق في باب التزاحم بلحاظ مراتب الطرفين، هذا هو حصل كلام الشيخ.

الآن نبدأ نقرأ الروايات التي وردت في الاستثناء وهي: -

الباب المائة والأربعة والخمسين: - وقد عنونه صاحب الوسائل بباب المواضع التي تجوز فيها الغيبة: -

الرواية الأولى: - موثقة دود بن سرحان قال: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغيبة، قال:- أن تقول في أخيك في دينه ما لم يفعل أو تبث عليه أمرأً قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد )، فكيف استفاد صاحب الوسائل من هذه الرواية أنها من موارد الاستثناء؟ يعني يقول مفهوم القيد ستره الله عليه إّ لم يكن مستوراً عليه وكان منتشراً فهذه ليست غيبة، أو اقيم عليه الحد فأيضاً هذه لست غيبة لأنه صار علناً، مفن تقييد الغيبة بهذه الأمور يظهر منها أنه عند تخلف القيد تجوز الغيبة، ويوجد قيد آخر ذكره الامام في هذه الرواية غير الستر ولم يقم عليه حد يعني لم يعلن فهناك قيد آخر وهو قيد ( في دينه ) فالمقصود من دينه هل هو مذهبه أو الدين الذي يعتنقه أو أوسع من ذلك؟ المراد ما هو أوسع، يعين بلحاظ الطاعات والمعاصي، أما بلحاظ ملا لا يرتبط بالطاعات والمعاصي وإنما هو يحب أكل الفلفل الحار ثم ماذا فإنَّ هذا لا شيء فيه، أو هو طبعه أكله سريع فإنَّ هذا لا كراهة ولا غضاضة فيه، يعني أنك تقول عنه أشياءً لا ترتبط الذم الشرعي ولا النقيصة الشرعية ولا العقلية التي ترتبط بالشرع، طريقة أكله هكذا مثلاً فهذه ليس لها ربط فإنه لا كراهة فيها ولا استحباب ولا وجوب وإنما هي أمور وعادات معينة فهذا ليس تعييباً، فقد يكون تعييباً عرفياً ولكنه ليس تعييباً شرعياً، ومن باب المثال الآن شخص إذا لم تتعامل معه بنمط عقلائي معين فسوف يتأذى فأنا لست مجبوراً أن أتعامل معه بل أبتعد عنه، فحتى لو تأذى جداً فإذا لم يكن هذا ليس من استحقاقاته ويوجد الكثير يتأذون من شيء ليس من استحقاقاتهم حتى الأمور المباحة يتأذون منها ثم ماذا الآن قد تراعى مشاعره أخلاقياً فهذا بحث آخر أما أنه هناك ملزم بأن نراعيه فهذا ليس بموجود، فليس كل تأذٍّ هو إيذاء محرم، في بعض الموارد الكثيرة العيال يتأذون إذا تزوجت من امرأة ثانية فإنَّ هذا ليس بحرام وإنما هو أمر راجح أما أن تؤذي مشاعرهم فهذا بحث آخر، ومن هذا القبيل أمور كثيرة، فعلى كلٍّ ليس كل تأذي بل قد تصير عندهم جلطة قلبية فعليك أن تراعي هذا، فالمقصود ليس كل تأذي هو عن حق فإن هذا ليس بالصروري، فبالتالي المقصود هذا المطلب وهو أنه إذا أنت تقول لأخيك في دينه يعني بحسب ميزان الشرع هذا عيب ولو من جهة الآداب أو غير ذلك أما إذا كان الشارع لا يعتبره عيباً فذكر هذه الظاهرة ليست غيبة ولو أن البعض يحتاط حتى في هذا ولكن نقول حسب هذه الموثقة تقلو هذا لا يدخل في الغيبة، النقص ما نقّصه الدين والعيب ما جعله الدين عيباً، أما إذ جعله العقلاء فوراء العقلاء قالوا إذا لم تلبس الجورب فهذا عيب ولكن إذا لم ألبس الجورب ثم ماذا؟!، ومثلاً الشهرة فالشهرة حرام، فتوجد أعراف كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، فالمقصود أنه ليس كل ما اعتبره العرف عيباً هو حرام، مثلاً إذا لم تفعل الطريق هكذا لاستقبال الضيوف فهذا عيب ولكن هذا من جهة شرعية لا يوجد فيه غضاضة كثيرة يعني بعض الأمور التي يستحدثها العرف من العادات تعتبر معيبة ولكن الشارع لا يعتبرها معيبة وهذه نكتة مهمة وهي الفاصل بين مسار العيب الشرعي ومسار العيب العرفي البشري، فتارة العرف البشري يستحدث شيئاً يرتبط بعنوان شرعي ويندرج في عنوان شعي فهذا بحث آخر فهو يرجع إلى الشرع، لأنَّ الشرع هو جعل موضوعه واسعاً في قاعدة وعينة وتارة لا يندرج تحت عناوين شرعية فهذا العيب لا يقر به الشارع أما أن العرف يقول هو عيب فهذا بحث آخر، وهذ نكت مهمة وهي أنَّ العيب ما اعتبره الشارع منقصة، أما أنه إذا لم يعتبره الشرع منقصة فضلاً عن كونه يعتبره بالعكس أي مندوباً، والشهيد الثاني في شرح اللمعة - الروضة - عنده في بحث العدالة عدالة القاضي وعدالة الشاهد يبحث بحثاً مفصلاً بين اختلاف عرف الشرع وعر العقلاء بما هم بشر وأن المحّرم هو عرف الشرع وليس عرف البشر فّغا لم يمضه الشرع لم يقرره الشرع بل عند الاصطدام هو عنده ضابطة المروءة في العادل يعني الانسانية الآدمية وبالاصطلاح العصري إذا أردت ترجمة المروءة فهي الانسانية فالآن نقول هاذ الشخص عنده إنسانية يعني مروءة، هذه المروءة أو الانسانية بالاصطلاح العصري يبحثها الشهيد الثين بحث مفصل في شرح اللمعة في بحث عدالة الشاهد أو عدالة القاضي فيقول إنَّ الضابطة هو عرف الشرع وليس عرف البشر من دون إمضاء الشرع لهم، وهذه نكتة مهمة جداً وهي بناء الأعراف على هندسة الشرع وبرنامج الشرع لا أنه نتقيد في بناء الأعراف على العقلاء، فتارةً حاجات العقلاء مباحة وهذا بحث آخر، ولكن لا نضخّم هذا العرف العقلائي الذي هو لا يمتّ للشرع بشيء ولو أنه مباح، شددوا فشدد الله عليهم، فلا تشدد في هذا، كأن يقول إنَّ الزواج لم يصر هكذا والخطبة لم تصر هكذا وغير ذلك أو أن الوليمة لم تصر هكذا أو استقباله لنا لم يصر هكذا فإنَّ هذه أعراف ليست شرعية، مثلاً في المجلس احترام القادم ليس بأن تقوم له وإنما بتحريك نفسك فقط ولا يحتاج إلى القيام ولكن بعض الأعراف إذا لم تقم فانت لا تحترم، وهذا ليس بصحيح فإن الآداب الشرعية هي هذه كأن تمسيه بالخير فهذا يكفي فأنت أبديت له حفاوة أما أنك عليك أن تأخذ له تحية فهذا ليس مطلوباً، فهذه أعراف الشديدة، وإنما الشريعة هي شريعة سهلة سمحة بيضاء، أما هذا التشدد والتغوّل في الأعراف وكأنما هي شديدة وغير ذلك هو عيب ولكن من قال لك أنه عيب، فمثلاً إذا لم قم الشخص فهذا ليس عيباً شرعاً.

وهذا بحث لطيف لا بأس أن نذكره وأن الكثير من الباحثين الاسلاميين قد بحثوه:- وهو بحث مهم، وهو أنه بناء الأعراف وتجذرها وتوسعها وتغوّلها حذار إن لم كن من دون هندسة شرعية وإلا إذا صارت من دون هندسة شرعية يذكر القرآن الكريم ﴿ ويضع عنهم إصرهم الأغلال التي كانت عليهم ﴾ أي التشدّدات التي ما أنزل الله بها من سلطان في الأعراف وفي الآداب فالأدب هو أدب الله تعالى ورسوله والأئمة صلوات الله وعليهم أجمعين، لا نقول إنَّ الانسان من باب المداراة الاجتماعية لا يراعيها وإنما ليس بنحو الشدّة فيها، فلاحظ أن هذا حكم شرعي استثناء من حرمة الغيبة ولكنه مرتبط بمنظومة بحث وقاعدة في البحث وهي أنه كيف يبنى المجتمع وكيف تبنى العلاقات الأسرية وكيف تبنى العلاقات الاجتماعية، وهو بحث مهم وحساس، فربما شخص يوظف جهوده في رعاية أعراف مباحة وليست محرمة ولكن ما أنزل الله بها من سلطان، فهي مباحة ولكن لماذا تجعلها واجبة بل تجعلها من أشد الواجبات، فلماذا هذا التشدد فإنَّ هذا ليس بصحيح؟!!، بل أن تراعي الفريضة شيء فهي أولى من المستحب لا أنك تراعي المباح أولى من الفريضة بحيث يجعل نفسه مضطراً، وحتى أنكم تلاحظون هذا في الاستفتاءات فهو يستفتي ويقول إني مضطر إذا هذا الشيء لأنَّ العرف كذا، وهذا وليس اضطرار شرعياً، فأنت تريد أن ترفع يدك عن حرمة أو وجوب بسبب اضطرار عرفي فأيّ اضطرارٍ هذا فإنه لم ينزل الله به من سلطان؟!!، الضرورات واللزومات الشارع أتى ليصحح الأعراف، لا أنه أتى ليكرّس أوهام الأعراف، ومرَّ عدّة مواضع في بداية المكاسب في قضية الحرمة الشرعية والحلية العرفية يوجد عندنا مثلاً شخصان يتعاملان بالربا يقول لا أنك مالكٌ شرعاً للربا أو أني ألزمك شرعاً بالربا وإنما هو من باب التراضي، وهذا البحث مرَّ بنا، وغير واحد من الأعلام توهم غفلةً أنَّ هذا جائز والحال أنه لا يصير جائزاً، فالشارع حينما يحرم الربا يعني يريد أن يقف مام المسير العرفي التعاملي في البورصات وغيرها فيقول لك إنَّ هذا التعامل أنا الشرع أمنعه وأنا الشرع أتدخل في تصحيح الأعراف، لا أنك تقول نحن الآن نتعامل بالربا ليس من باب المسار الشرعي وإنما من باب المراضاة بيننا، وهذا شبيه ما هو موجود في المطارات المستشفيات فيوجد مسار عام ومسار خاص ومسار طوارئ وغير ذلك، فهنا نقول يوجد مسار شرعي ومسار غير شرعي وهذا لا يمكن، بل الشارع يريد أن يتصرف في الأعراف والأعراف الباطلة يمنعنا منها، وهذا كما في بحث الأحكام الالزامية مرَّ بنا مراراً أنَّ الشارع يصحح ويهيمن ويصفّي ويغربل وينقي ويفلتر أعراف المجتمع في الجهة الاقتصادية وهذا مرَّ بنا، كذلك في بحث المستحبات والمكروهات والمباحات ولكن عند العرف هي ألزم الإلزاميات، فالشارع هنا يتدخل فيوق إن هذه القيود التي قيدتم أنفسكم بها أنا أريد قلعها ﴿ ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ﴾، وإصرهم يعني الأثقال الشديدة، فالزواج كانت له بروتوكولات ف قريس ولكن جاء سيد الأنبياء فسهّله جداً، ( لولا ما تقدم من نهي فلان لما زنى إلا شقي ) فعليك أنَّ تسهلها، أما إذا عقّدتها فسوف ينفتح لك الزنا واللواط والسحاق وغير ذلك وتنفجر بالوعات في المجتمع، فأنت إذا سددت مجاريه الصحيحة فسوف تنفجر عليك بهذه الأمور، فهذه نكتة مهمة، وهي أنَّ الدين والشرع أيضاً يتصرف في منطقة المباحات فلا تجعل منطق المباحات ذا حلال وهذا حرام بحسب العرف وحرام عرفي يعني يوجد فيه ذم شديدة وتقريع شديدة وملام وعتاب ويستحق كذا وربما القطيعة ولكن على ماذا؟ لأنه أتى بشيء سيء عرفاً، وهذا السوء اخترعه العرف ولا منشأ شرعي له ولا عقلي وإنما هو عادات، فيقولون إنَّ عادتنا هي هكذا، فهذا يسمونه إصراً وشدائداً وأغلالاً ومقيّدات ومكبلات، والشارع حينما جعل منطقة مباحات لأنه أراد النهر البشري والاجتماعي يجري بقوة، فأنت حينما تكبّله فسوف ينفجر، فهذه نكتة لطيفة وهي أنَّ العيب ما عيّبه الشارع أو بديهة العقل التي ترجع إلى الشارع لا أنه بحسب العرف، مثلاً يقولون إنَّ هذا الشخص ليست عنده إنسانية ولكن نقول هل خالف المستحب في التعامل معك أو خالف المكروه في التعامل معك؟ يقولون كلا ولكنه خالف العادات المتجذّرة فلا توجد عنده إنسانية، وهذا ليس بصحيح، وكلامنا في المباح الذي لا يمت للشرع بصلة، حتى مثلاً المستحب شخص يريد أن يقرع آخر على ترك مستح كأنما يقرعه وكأنه ترك واجباً فهذا أيضاً ليس بصحيح فإنَّ هذا غلو في التزيّي بجمال الأخلاق فإنَّ الأخلاق فيها غلو أيضا، الآن شيء مستحب أنت تريد أن تعاتب ذا الطرف كأنما ارتكب حراماً أو أحرم المحرمات أو أنه ارتكب مكروها فيقول إن هذا الشخص ارتكب حراماً، فهذا غلو وهذا هو أحد معاني ﴿ لا تغلوا في دينكم ﴾، فالشيء المستحب لا جعله من أوجب الواجبات أو شيئاً مكروها تجعله من أحرم المحرمات فغن هذا غلو والدين لا يأمر به، كذلك المباح بأنك تجعل المباح ولكنه ملزم عرفي في العادة تدعله هو أوجب الواجبات فهذا بأي منطق وبأي منشأ وهذا ليس بناءً للأعراف الصالحة وإنما هذه كلها أعراف فاسدة لأنها تسبب احتقانات في الفطرة البشرية والمجتمعية وبالتالي تسبب انفجارات، فلأجل أعراف ما أنزل الله بها من سلطان تنفجر لك مسارات في الحرام، لأنه يصير احتباس، فإذاً هذا التعبير في الموثقة تعبير دقيق ( أن تقول في أخيك في دينه )، وليس فقط عقائد وإنما حتى قضية الآداب ولكن هذا العيب إذا عيّبه الشرع، أما إذا عيّبته العادة كما لو قيل له لماذا شربت الماء قبل الشاي فهذا عيب وأنت لا تعرف آداب المجالس إلى غير ذلك، فهو يريد أن يجعله أفسق الفاسقين بهذا العمل فهذا غلوّ في الدين، وهذا هو دين الأعراف وليس دين الشرع، فهذه نكتة مهمة في قضية العيب والتعييب، فلاحظ أنَّ هذه منظومة مباحث مجتمعية، وإن شاء الله تعالى سنواصل بقية الروايات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo