< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - العادل والضال والمنافق وأحكامهم – حرمة الغيبة – المسألة التاسعة – المكاسب المحرمة.

كان الكلام في تعريف الغيبة، ففي تعريف الغيبة ورد حديث نبوي رواه أهل البيت عليهم السلام عن سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم ( ذكرك أخاك بما يكره ) فهذا هو أحد التعريفات المذكورة للغيبة، ومرَّ بنا أمس أن الغيبة أحد أعمدة تعريفها أنها فضح الشخص الذي تقع عليه الغيبة - المفعول به في الغيبة - وكشف ستره أمام الآخر، الآن بغرض اسقاط شخصية الطرف الآخر أو كما يقول بعض اللغويين أو الأعلام لغرض التفكه في أعراض الناس أو لأغراض مختلفة فبالتالي هذا قيد قوامي أو وزن معين في بحث الغيبة، وفي جملة من الروايات التي سنقرؤها أنَّ الشخص إذا كان ذو عدالة ساتر لعيوبه فهنا تكون غيبة، وهذه الروايات التي سنقرؤها إذا كان الانسان صائناً وساتراً هذه الرواية من جهة تتعرض إلى ماهية العدالة في غير المعصوم ومن جهة أخرى تتعرض إلى آثار العدالة وأحج أبرز آثار العدالة هي حرمة الغيبية، وماذا يستفاد من هذه الروايات في تعريف الغيبة من جهة وفي تنقيح جهات أخرى في الغيبة مثلاً هل الغيبة تخص المؤمن مطلق المؤمن أو بعض المؤمنين أو مطلق المسلم أو مطلق البشر، هذه جهة من الجهات مرت وستأتي، وهذه الجهة عنصر مشترك بين حرمة السب الذي مر البحث فيه مع حرمة الغيبة وبالتالي تختص حرمة الغيبة بالمؤمن، فهذه الروايات الواردة في العدالة من الواضح أن فيها أنه لابد أن يكون مؤمناً وإلا كيف يصير عالاً، فالآية الكريمة تقول ﴿ ورضي له قولا ﴾، فهو مرضي القول في المقال والاعتقاد، فأول شيء في عدالة الشخص أن يكون مرضي القول ومرضي القول يعني من مقال واعتقاد، ﴿ إليه يصعد الكلم الطيب ﴾ وإلا إذا كان ملتزماً بمقال باطل في الدين فهذا الو شيء فيه انه مقيم على كبيرة من الكبائر، بل هو مقيم على أكبر الكبائر، فأيّ عدالة تريد أن تتصور فيه؟!! كلا لا تتصور فيه العدالة، فأوّل قوام العدالة أن يكون منتهياً عن الكبائر وأكبر الكبائر هو القول الباطل في الاعتقاد، فإذا أخذت العدالة فواضح أنه يؤخذ الايمان، فلو كان مقيماً على كبيرة فهو ضال حينئذٍ، فهو فاسق وهو مثل مرتكب شرب الخمر فهذا فسق فإن الضلال هو فسق ولكن مثل من يرتكب الكبائر فهو على فسق ولكن كونه معذوراً أو غير معذور فهذا شيء آخر، وهذا مثل من يقول إنَّ الله تعالى غير موجود فهذا يتحقق عنده الكفر أو أن لله شريك فهذا مشرك وإن افترضنا أنه معذور، والشهيد الثاني وقع الخلط عنه بين العذرية وين نفي عناوين الضلال والكفر والشرك والحال أنَّ المشهور شهرة عظيمة بين العلماء أنه يصدق عليه كافر وأنه مشرك وضال وإن كان معذوراًن مثل أولاد الكفار الآن فهم بحكم الكفار ومجانين الكفار هم بحكم الكفار لكنهم معذورون ولكن كونهم معذورون شيء وكونهم كفاراً شيء آخر فهم كفار، فلا يوجد خلط وهذا اشتباه يقع فيه الباحثين في العناوين والصفات، وطبعاً بقي شق من الشوق أمس لم نتعرض إليه ولا بأس أن نتعرض له الآن لربطه بهذا البحث اليوم وهو قضية الضال وفرقه عن المنافق وقد مرّ نبا في الأبواب الفقهية فقد يكون ضال والضلالة - وهذه نكتة لطيفة عند الفقهاء - هي درجات، وهذا بحث حساس أما أنه أين أخذت الضلالة في مقابل العدالة فهناك ضلالة لا تخرج من الايمان فهو ضال ولكن لا تخرجه عن الايمان، مثلاً ينكر عالم الذر أو عوالم الميثاق مع أنه ضرورة أو عالم الرجعة فهو ينكرها مع كونها ضرورة ولكن انكاره لها لجهله أو لضعف فكره مثلاً الآن هو معذور أو غير معذور فهذا بحث آخر فقد يكون ليس معذوراً فعند المتأخرين ليس كل الضروريات تخرج عن الاسلام ولا الايمان، والصحيح هو تفصيل في الضروريات سواء كانت ضروريات المذهب أو ضروريات الاسلام العام الظاهري فالمقصود أنه قد يكون الانسان ضالاً مثلاً ضرورة نظرية ضرورة عند الفقهاء أو عن المتكلمين وليس عند عموم المؤمنين، فإنكار هذه الضرورة ضلالة ومعاداتها ضلالة ولكن تخرجه عن الايمان، وقد يعبّر عنه بأنه مؤمن مخلّط وكلمة مخلّط مأخوذة من الآية الكريمة ﴿ وأخرون خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيئاً ﴾، وحتى في علم الرجال يعبرون عن بعض الرواة أنه مخلط وطبعاً المخلط أعم فالبعض يخلط بين المذاهب ومنهج التخليط هو مذهب رائج قديماً وحديثاً فهو يخلط بين هذا المذهب وذاك المذهب وهذا المنهاج وذاك المنهاج، وطبعاً هذه درجة ضلالة أشد فالمقصود أنَّ درجات الضلالة عند الفقهاء ليست درجة واحدة وليست كل ضلالة تخرج عن الايمان نعم بعض الضلالات إذا اشتدت مثلاً ضرورة بينة لمعلم المذهب هذه إذا عاند وجحد فنعم يخرج عن الايمان ولكن لا يخرج عن ظاهر الاسلام، وبعض الضلالة أشد وأشد وقد يخرجه حتى عن ظاهر الاسلام في الضابطة التي ذكرها الفقهاء في الخروج عن الايمان أو عن الاسلام الظاهري، وأنا أركز على هذا المطلب لكي نتبين أن بحث الضال والضلالة فإنَّ الضلالة أعم من البقاء في الايمان أو الخروج عنه، وأعم من نقص الايمان أو كون الايمان مخلّط، والاسلام أيضاً هكذا، مثلاً عنده ضابطة موضوعية اخترعها لنفسه وركب فكره وغير ذلك وفكره منغلق وأنه مثلاً طريقة تحديد اوقات الصلاة هي هكذا فهذه ضلال ولكنها لا توجب خروجه عن الايمان ومن هذا القبيل في موارد عديدة سيما في الأمور الضرورية ولكنها ضرورية نظرية وليست ضرورية عامة في هوية المذهب أو هوية الدين فهذه ضلالات، أو ليس مخالفاَ لضروري وإنما يكون مخالفاً لموازين مقررة شرعاً وهو من دون ميزان فهذا فسق ونوع ضلالة أيضاً سيما إذا كان يتبناه مسلكاً وممشى ولكن هذه الضلالة توجب الفسق، فالضلالة في اصطلاح الفقهاء وحتى المتكلمين ذات عرض عريض وذات درجات كثيرة، فلا نظن أن معنى الضلالة يساوي الكفر كلا ليس هذا المعنى وإنما منها ما يوجب الفسق ومنها ما يوجب نقص الايمان ومنها ما يوجب تخليط الايمان ومنها ما يوجب تخليط الايمان ومنها ما يوجب الخروج عن الاسلام وهو أشدها، فعنوان الضال في كتب الفقه وكتب الكلام اصطلاحاً ذو عرض عريض وهذا يلزم أن نلتفت إلهن وهو غير البدعة، وهذه نت نضيفها وهي أنه ليس كل فسق ضلال بالمعنى المصطلح، نعم الضلال اللغوي هو كل بدعة ضلال أما الضلال الفقهي الاصطلاحي فليس كل فسق وليس كل ارتكاب كبيرة هو فسق وهو ضلال اصطلاحي، الضلال الاصطلاحي فيه تبنّي فكري عقائدي منهجي مقالي التزام بمقال هذه هو الضلال الاصطلاحي، هذه نكتة يلزم الالتفات إليها، أما المنافق وفرقه عن الضال وطبعاً النفاق درجات نفاق في الصداقة ألأخوية بني صديق وصديق فهذا نفاق في الأمور المعيشية أو في العلاقة وليس نفاق في الدين فأيضاً لها تقسيمات موجود كالنفاق المعيشي أو غير ذلك ولكن كلامنا في النفاق في الدين والنفاق في الدين وفرقه عن الضال أنَّ النفاق في الدين أنه في العلن لا ينكر تبنيه لإنكار الثوابت ولا يجهر بأنه يتبنى إنكار الثوابت أو أصول المذهب ولكن هناك من الشواهد التي لا تقبل الريب أنه يبني على ذلك، فهو في التصريح يقول أنا أتبع أهل البيت عليهم السلام ولكن هناك من الشواهد التي تدل على أنه لا يعتقد بأدلة إمامة أهل البيت عليهم السلام وعصمتهم غاية ما ثبت لهل البيت هو المودة والمحبة إكراماً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنَّ ألف عين لأجل عين تكرم فقط هذا المقدار وإلا شأنهم شأن بقية المسلمين، مبناه هو هذا من خلال فلتات لسانه أو من خلال شبهاته اليت يطرحها دائماً، فالنافق غير الضلال فإن الضال دائماً يتحد في العلن، والشارع حكم بأن المنافق وإن ظهرت من فلتات لسانه أنه منافق ﴿ ولتعرفنهم في لحن القول ﴾، ولكن مع ذلك قال الشارع لا ترتب عليهم آثار الخارج عن الدين في جملة من الأحكام، فيف بعض الأحكام كرحمة واحترام كحرمة الغيبة فلا تلتزم معهم في ذلك فغن المنافقين لا يلتزم معهم بحرمة الغيبة بل مرت بنا القاعدة النبوية ( إذا رأيتم أهل الريب والبدع )، وأهل الريب المشككون دائماً فهو يظهر تشكيكه بثوابت المذهب كأنه بحث علمي والحال أنه مشكك، فالمهم لعله توجد عبارة أخرى في القرآن الكريم الايمان في اللسان أو الاسلام في اللسان وليس في القلب فقط هذا الايمان الذي باللسان يقول نعم أنا من أتباع أهل البيت وأما أمامي اثني عشري ولكن موقفه وتصريحاته وبياناته كلّها عكس ذلك، فيشكك بالثوابت، فالمقصود أنَّ قضية اللسان دون القلب هذا موجود، فعلى أي تقدير أن المنافق سواء في الايمان أو في الاسلام فرقه عن الضال أن الضال يعلن تبنيه لهذا المطلب وهو الذي عنده سذاجة أو عنده صراحة بينما المنافق لا يصرح بذلك، ولكن عدم تنبي المنافق الضلال في العلن لا يعني أنك لا تستطيع أن تشخص بأنَّ هذا منافق، بل شرعاً تستطيع أن تشخص ذلك، ﴿ ولتعرفنهم في لحن القول ﴾ فهو يراوغ ويستهزئ بشخصيات أهل البيت عليهم سلام وهذا ينافي قدسيتهم ويتطاول بمراوغة الكلام والازراء بشخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمة عليهم السلام فهذا ليس تبنياً للخروج من الاسلام ولكنه نفاق واضح، فانت تلاحظ المنافقين في زمن رسول الله هم سيئون الب بقوة مع رسول الله فإنَّ الايمان لم يدخل في قلوبهم وإنما يوجد عندهم كذب ودجل، سليطي اللسان حتى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما أنَّ رسول الله امهلهم ولكن هذا بحث آخر، ولكن مادامت دولة صاحب العصر والزمان ولا زلنا في هدنة فالمنافق هو المنتحل ومنتحل يعني متقمص سواء انتحل الاسلام الظاهري او انتحل الاثنا عشرية فنحن نعم بأنه منتحل فقد عموم المؤمنين لا تكون لديهم فطنة ونباهة في تشخيصه فضلاً عن كون النباهة درجات ولكن بالتالي الخاصة يلتفتون إليه فهذا الشخص لا يمكن الاعتماد عليه بأن ينصب قاضياً أو مفتياً أو غير ذلك فإنه لم يحمل العدالة بل أصل الايمان الذي هو أوّل العدالة ليس موجوداً عنده، العدالة هي الايمان بحسب الواقع وليس إيمان الانتحال، فهو لا يصلح أن يكون حتى إمام جماعة، فهذه الأبواب يلزم أن ينقحها الفقهاء، فأصل العدالة هي الايمان لأن العدالة هي تجنب الكبار وهذا الشخص أنت تعلم بأنه يرتكب أكبر الكبائر ( إذا رأيتم أهل الريب )، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض الرؤية يعني واضح أنَّ القرائن فيها واضحة فهذا لا يصح أن ترتب عليه مناصب شرعية أو جهات شرعية أبداً فلا يسوغ ذلك، لأنه لا يوجد عنده العدالة فأول العدالة هو المقال العادل وهذا الشخص قوله ومنهجه ليس عادلاً، أما أنه هو يريد أن يزج نفسه فهذا واضح فإن طبيعة المنافقين أنهم يريدوا أن يزجوا أنفسهم في المناصب كي يستولون على المقدرات وهذا بحث آخر، فيجب فقهياً أن نميز بين الضال والمنافق، فالمنافق لا يأتي ويقر لك بسانه فإنَّ هذا ليس طريقاً لتشخيص المنافق، بل طبيعة المنافق أنه لا يقر بشيء فإنَّ القرآن الكريم يقول ﴿ ولتعرفنهم في لحن القول ﴾، فهو يراوغ ولا يعترف فهذه هي طبيعة المنافق، إذا جاء الخوف رأيت أعينهم تدور من الخوف وإذا جاء السلم سلقوكم بألسنة حداد أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، فهو يعزّ الكفار ويذلّ المؤمنين وينتقص المؤمنين ويمتدح الكفار، فهذا هو النافق، فإذا كان يعزّ الكفار ويذلّ المؤمنين دأبه هذا فهو ويوقر الكفار ويهين المؤمنين فهذا مؤشر واضح من مؤشرات النفاق، فالمؤمنون ﴿ أشداء على الكفار رحماء بينهم ﴾ ولكنه رحيم مع الكفار شديد على المؤمنين، وهذا من النفاق الواضح، هذا هو النافق في العقيدة وليس فقط النفاق في السلوك والعمل، فهذه علامة جعلها الشارع بينة لا لبس فيها ولا ربية وهي أنهم أشاء على المؤمنين رحماء على الكفار، أذلة مع الكفار أعزة على المؤمنين فهو يتعزز على المؤمنين، ﴿ في قلوبهم مرض أم ارتابت قلوبهم ﴾، فالمهم أنهم ينفتحون على الكفار فهذه كلها علامات نفاق، فالمقصود أن الناق لا يوجد فيه تبني في العلن فهذه موضوعة المنتفق لها أحكام في أبواب الفقه فيجب أن تُشخَّص محمولاً، فالضلال شيء آخر، والنفاق أقسام فيوجد نفاق في المعية ويوجد نفاق في التعامل المالي وهذا ليس هيناً ولكن بالقياس إلى العقائد يكون هيناً، إنما النفاق في العقيدة هو أخطر شيء، لأنَّ أكبر الكبائر هو المعصية في العقيدة، ولا يمكن للمؤمنين ولو الخاصة أن يتعاملون مع النفاق في العقيدة تعامل سذاجة، بل هنا كيان المؤمنين مسؤولية وأمانة كيف تسندها إليهم، فغن إمام الجماعة لا تسندها إلى هذا أخاص فكيف بك بالمناصب الشرعية الخطيرة تسنها إلى من لا يعتقد هذا المنهج، فإنَّ هذا الأمر ليس بسهل وإنما هي مسؤولية خطرة وعظيمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo