< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/03/01

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: - حجية الظهورات المتعددة للآية والرواية الواحدة - ( حرمة الغيبة ) - المسألة التاسعة - المكاسب المحرمة.

كنا في دلالة الآية الكرية ﴿ إنَّ الذين تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ﴾، ومرَّ أنَّ التركيب بالنحوي وتركيب الجملة والمفردات للآية الكريمة يسمح لنمطين من إعراب الآية الكريمة، ولذلك جملة من المفسرين عندهم أعاريب الآيات يعني كل آية تحتم كم اعراب، ومرَّ بنا أنَّ كل اعراب عبارة عن المعنى التركيبي للجمل أو جمل القرآن الكريم ومعنى الجملة وهي الهيأة الاجتماعية المجتمعة من الكلمات هذا معنى زائد على أصل المعنى المفرد لكل كلمة كلمة فهل يصح أن يراد من القرآن الكريم عدة معاني يعبر عنها علم النحو أو علم الصرف مثلاً مفعل هو مصدر ميمي ويصير اسم مفعول أيضا فهل يراد لكبهما؟ كل آلية من آليات من آليات علوم اللغة سواء الهيأة التركيبية أو هيأة الاشتقاق أو صوت علم التجويد فإنه صوت واحد كما في الشعر الدارج ( الأبوذية ) يستخدم صوت واحد في الفاظ متعددة لا أنه لفظ واحد يستخدم في معاني، صوت في ألفاظ والألفاظ متعددة وكل واحد له معنى مثل ( راعي الثار ما يظهر علامة ... وينشر لليتانونه علامة ... ) وهلم جرا، فعلامة بمعنى المعلم وعلامة بمعنى لماذا لا يخرج ، فلاحظ أن صوتاً واحداً أو صوتين أو في ألفاظ عديدة أربعة أو خمسة، يقال في علم الأمن أجهزة الأمن قديماً وحديثاً من قرون قديمة إلى الآن اللغة الأمنية هي لغة مشفرة ليست لغة امنية للدولة فقط وإما لغة أمنية حتى في الأسرة بين الأب والأم توجد أسرار لا يريدون أن يطلعوا الأبناء عليها فيفرّون عن ذلك، فلغة الترميز والتشفير يستخدمها البشر على صعيد الأسرة أو على صعيد شركة أهلية أو على صعيد دولة وعل أصعدة مختلفة وهي لغة التشفير والترميز وهي لغة أمنية، غالبا في هذه لغة التشفير والترميز يستعمل فيها اللفظ أو الصوت في عدة معاني لتعمية وستر المعنى عن الأغيار، ويكون هذه الاستعمالات المتعددة مرادة، ولا ينحصر الأمر بهذا المثال أو هذه الأمثلة، فبالتالي استعمال آليات العلوم اللغوية في معاني عديدة مثل ما عبر عنه الأصوليون كمثال لا حصراً استعمال اللفظ في أكثر من معنى جائز بل واقع بل وقوعه كثيراً، فالأصولي الذي يبني على هذا المعنى - وهو أن استعمال اللفظ في أكثر من معنى جائز وواقع - ماذا يعني هذا المبنى في علم الاصول والسيد الخوئي التزم به والكثير من الأصوليين قالوا بل هو واقع كثيراً، ومقتضى هذا المبنى أنَّ الآية الكريمة أو الروايات إذا كان اللفظ على موازين النحو والصرف والبلاغة والمعاني البيان والتجويد وفقه اللغة يحتمل عدّة معاني فكلها تكون مرادة إذا كان المتكلم حكيماً، فالمتكلم الحكيم أتى بتركيب معين وهذه العناصر من الألفاظ التي أتى بها الهيئات سواء كان هيئات افرادية أو مركبة أو ناقصة أو كاملة هو هذا المتكلم الحكيم أتى بهذا الكلام سيما إذا كان خالق الكلام مثل الوحي ولم ينصب قرينة على حصر المعنى في أحد المعاني المكيف والمركب الكلام على وفقه فإن الكلام مركّب ومكيف بحيث ينطبق على معانٍ عديدة مختلفة متغايرة وهو لم ينصب قرينة خاصة على أحدها، فهو مقتضى الحكمة، وهذا يسمونه الاطلاق، وهو اطلاق من نمطٍ آخر وهو اطلاق في الاستعمال وأنه يريدها كلها، ويمكن محاججته بكل هذه المعاني، فأنت تسند إليك والمفروض أنَّ صاحب هذا المبنى الأصولي يقول بأنَّ استعمال اللفظ أو استعمال الهيأة أو استعمال الصوت أو استعمال أي آلية لغوية في أكثر من معنى هو جائز واقع وكثير وليس بنشاز ولا غريب فهذا المبنى لازمه أنَّ الكلام الواحد إذا كانت بنية الظهور لها دلالة متلونة متعددة إلى معان عديدة كل منها حجة، هذا المبنى الأصولي الذي التزم به الكثير من متأخري هذا العصر وهو الصحيح لازمه أن نقبل أنَّ الآية الواحدة إذا كانت موازين بنيوية الظهور تحتمل عدة تراكيب وعدّة معاني فكلها حجة فيحتج بها، وليست هلوسةً ولا تلاعباً.

ومثال على ذلك قوله تعالى:- ﴿ إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوماً جهلاً ﴾ فعبارة ( جهولاً ) فسّرت بمدح وفسرت بذم بتركيب متعدد، ﴿ قتل الانسان ما أكفره من أيّ شيءٍ خلقة من نطفة خلقة فقدّره ... لما يقضِ ما أمره ﴾ هذه الآية الكريمة قيل أنها نزلت في خير الناس وهو سيد الأوصياء عليه السلام ونزلت في شرّ الناس فلان وفلان، فلاحظ أنَّ علوم اللغة لست علماً واحدا وإنما هي علوم فذها لسان العرب هو علم من علوم اللغة وكذلك صحاح الجوهري يعبرون عنه بعلم المفردات ويوجد عندنا علم النحو وعلم الصرف وعلم الاشتقاق وعلم التجويد علماً أنَّ الصوت واحد، مثلاً ( راعي الثار ما يظهر علامة.... ) فهذا صوت واحد ولكن الألفاظ مختلفة، فهذا مرتبط بعلم التجويد وأنه كيف تجود الصوت وكيف تستطيع أن تأتي بصوت هو متشابه للفظين عمداً فإنه يصح التجويد بهذا الشيء، فالمقصود أنَّ آليات علوم اللغة عديدة فحينما يقول الأصولي أنَّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى ليس مقصوده خصوص اللفظ وإنما حتى الهيأة والصوت والتركيب فكل علم لغة له آلية معينة علم النحو آليته ليست الألفاظ وإنما الهيأة التامة أو الناقصة وعلم الاشتقاق آليته هيأة المادة المفردة مفعل وفاعل وفعول، والاشتقاق هيأته شيئاً آخر، وعلم المعاني هو كيفية الهيأة باب الاسناد وباب المسند إليه وثمان أبواب في علم المعاني في البلاغة فكل باب هو آلية، فآليات علوم اللغة ليست آلية واحدة أو اثنتين فالأصولي حينما يقول استعمل اللفظ في أكثر من معنى ليس مقصوده اللفظ فقط وعلم المفردات بل حتى النحو وحتى الصرف وغير ذلك، هذه آليات علوم اللغة يمكن استخدامها في أكثر من معنى، لازم هذا المبنى الذي بنى عليه السيد الخوئي بجزم وغيره من الفحول أن الآية الواحدة التي تحتمل عدة ظهورات كلها موزونة كل هذه الظهورات هي حجة، هذا هو منهج أهل البيت عليهم السلام في التفسير، لاحظ روايات أهل البيت عليهم السلام، وإنما قليل بضاعة العلم يقول إنَّ هذه الروايات متناقضة متعارضة وباطنية تأويلية، ولكن نقول كلا بل أنت لم تهضم المنهج الأصولي جيداً، هذا المنهج الذي يبني على أنَّ استعمال اللفظ والاستعمال يعني أداء آليات اللغة وعلوم اللغة في أكثر من معنى جائز بل واقع بل كثيراً يبني على أن كل الظهورات حجة شوط نأن يكون ظهور موزون بموازين علم اللغة وموازين علم اللغة تحتمل كل هذه التراكيب والظهورات الاحتمالات فكلها بنية ظهورية لذلك كثر عند النحويين أعاريب القرآن يعني كل آية قد يكون لها عدة اعرابات فقد تصورها جملة فعيلة وقد تصورها جملة اسمية، والجملة الاسمية مؤداها ومعناها غير الملة الفعلية وقد ذكر ذلك في علم البلاغة والمعاني، الفعل الماضي غير الفعل المضارع، فيمكن لفعلٍ معين باستعمال معين تجعله فعلاً ماضياً وتجعله فعلاً مضارعاً فيكون له معنيان وكلا المعنيين مراد وكلاهما حجة، لأنَّ الأصولي يقول هو في الاستعمال الواحد حجة، وقال قائل: إنَّ هذا منهج اخباري، فقلت له: أنت لم تشم علم الأصول حتى تقول إنَّ هذا منهج اخباري، وليس آيات الأحكام فقط بل حتى آيات الأخلاق وآيات المعارف وحتى الروايات، وأحد المحققين ذكر أنَّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أوتي جوامع الكلم فكلمة واحدة تكون انفجارية من نظم المعلومات، مثلاً ( تكاثروا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم ولو بالسقط )، الآن ثبت هذا الكلام من سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ أكبر سلاح وقوة استراتيجية في الأمة الكثة السكانية وهي أقوى من السلاح النووي وأقوى من النفط ومن الصناعة ومن التجارة ومن أي شيء، بينما الدول الاستعمارية تحاول أن تخدعنا تقول لنا قللوا النسل كي نضعف كما حصل عندهم داء الشيخوخة، فأوتي صلى الله عليه وآله وسلم جوامع الكلم، وهذا من ذروة القمة في المخلوقات وهو سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، ومن كلماته ( إنما الأعمال بالنيات )، هذه جملة وقد اعربت وفسّرت ظاهر الاستعمال بل ظاهر الدلالة التصورية فسرت بستة وثلاثين تركيب كلها حجة وبنى عليها علماء الفريقين فبنوا على أنَّ هذه الكلمة النورية الانفجارية في النور من النبي تؤسس ستة وثلاثون قاعدة، وهذا ما انجزه علماء الفريقين مدة عشر قرون، والشيخ حسن زادة آملي في نكات ذكرها - ألف نكتة ونكتة - جرد هذه القواعد كلها التي ذكرها الأعلام، فهي ستة وثلاثين تركيب وهي حجة والكل عمل بها، فهل هذه هلوسة؟ حاشى العلماء، وهل هو تلاعب؟ كلا، وإنما أنت بعيد عن البحوث فعليك أن تأتي إلى الداخل كي ترى العجائب، ( راعي الثار ما يظهر علامة ..... وينشر لليتانونه علامة )، فهذه العلامة اين وتلك العلامة أين ولكن الصوت واحد ولكن الفاظ مختلفة لمعانٍ مختلفة، نفس كلمة العلامة محتملة لمعاني متعددة وهذا ليس في عجز كل بيت وإنما ترة في عجز واحد يعطيك لغز عليك أن تحله وكل هذا صحيح، وهذا نوع من الاستعمال، فهنا ( إنما الأعمال بالنيات )، فبالباء بأيّ معنى؟ قال النحاة كمغني اللبيب حيث ذكر في الباب الأول معانٍ متعددة للباء، ( إنما ) فالذي بعدها حصر فهل إنما متلوا أو مؤخر، فوصل ذلك إلى ستة وثلاثين تركيب وستة وثلاثين ظهوراً، وزيادة على ذلك أنَّ هذه الستة والثلاثون ظهوراً ليست هي ستة وثلاثون احتمال وإنما هي ستة وثلاثون قاعدة وقد أخذ بها وعمل بها في العلوم الدينية، فهل ستة وثلاثون قاعدة تأتي من جملة واحدة وكلّها قالوا بأنها حجة، فهذه ليست هلوسة وإنما هي قضية بنيوية، والأمثلة لذلك كثيرة، فإنَّ الأصوليون استخرجوا من أمعاء ( لا تنقض اليقين بالشك ) فهذه جملة لها بطون وليس بطون بمعنى أنها معانٍ خفية وإنما نفس هذا التركيب استخرجوا منه أموراً كثيرة قد تصل إلى ثلاثين أو أربعين حيثية، وهذا ممكن أما أنك لا تلتفت إلى هذه المباحث فذها بحث آخر وإلا فهذا المبحث الذي يذكره الأصوليون وهو أنَّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى جائز هل بحث عن ترف وبطر وتخيل؟ كلا بل يريدون أن يؤسسوا للاستنباط ومعنى هذا أنه عند الأصوليين لمن بنى على هذا أنَّ الظهور للآية الواحدة وللرواية الواحدة يتعدد شرط أن يكون كل ظهور موزوناً بموازين لغوية صحيحة من النحو أو الصرف واللغة، ( نحن قوم فصحاء فأعربوا كلامنا )، يعني أنه شيء مطوي فأظهروه، فإذا كان كلامهم يحتوي على عدّة أعاريب فهم ملتفتون وهم سادة البيان فهذه كلها يلزم أن تستخرج من كلامهم، بل هم قالوا ( إنّ الكلام ليتصرف إلى سبعين وجه )، أي يتلون ويتنوع ويتغير، وسبعين وجه هذا ليس عدداً وإنما المقصود هو الكثرة، فعلى كل هذه مباحث كأنها منسية مع أنها مقررة في علم الأصول ولذلك هذه الآية كلا المعنيين فيها حجة ولا مانع من ذلك، فإنه مادام لا توجد قرينة صارفة لأحد المعاني فكل هذه المعاني حجة شرط أن تكون مستنبطة على وفق الموازين الظاهرة ليس كالصوفية أو العرفاء تعال أوِّل بالتشهّي وإنما بشواهد وضابط فإن كانت عندك شواهد وضابط فهي حجة وخذ بها، فهذا الظهور حجة وذاك الظهور حجة وذاك الظهور حجة وكلّها صحيحة ولا يحتاج إلى أن توقع التعارض، لأنَّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى جائز واقع كثير والمتكلم حكيم وكل معنى من معاني هذا الظهور لا تنافي الضوابط والثوابت، وإلا فهل الأصولي يأتي يؤسس هذه القاعدة - وهي استعمال اللفظ في أكثر من معنى - من دون داع ودليل فهل هو ينظّر تنظيراً ترفياً أو أنه يريد أن يمارسه في الاستنباط؟!! فعلى أية حال هذه لفتة، ولذلك أنت ترى في روايات أهل البيت عليهم السلام أنَّ الآية الواحدة تنزل نزولان أو ثلاثة أو أربعة - وهذا أقر به أكثر المفسرين - فتصير معانيها مختلفة، وهذا ليس تناقضا ولا تدافعاً، وهاذ ليس تأويلاً وإنما نفس منصة الظهور ونفس السطح هو يتعدد فضلاً عن المعاني التي هي بطون وبطون البطون، هذا الأصولي حينما يقول إنَّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى باطل ومن قال به فهو مبدع في الدين ويتلاعب بالدين قوله ليس بصحيح، بل هو يريد أن يؤسس ضوابط وموازين وليس لعباً وليس هلوسةً، فلذا الصحيح أن الآية الكريمة ورد فيها ﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾ معنيين، معنى أنك تنشر الاشاعات على المؤمن وتسقط من شخصيته وقد بينا التركيب أمس وفي روايات كثيرة، كما توجد روايات أقل واردة في كون المعنى هو الترويج ونشر الرذيلة فكلا المعنيين صحيح ولا مانع من ذلك، فحرمة الغيبة تدخل في الآية الكريمة.

وقد ذكرت آيات أخرى عديدة أنَّ حرمة الغيبة مصداق لها: - كقوله تعالى ﴿ إنَّ الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ﴾، فنفس هذه الآية الكريمة لها عدة تفسيرات وكلها صحيحة ومن تفسيراتها قولك الجهر بالسوء حول شخص ولكنه هو أتى بالسوء ولكن متى؟ إذا أتى بالسوء ولا ربط له بك فلا يجوز لك أن تجهر بالسوء وتجهر يعني تعلن، وسيأتي أحد تعاريف الغيبة وهي جهة من جهات حرمة الغيبة التي سنخوض فيها هو أنه ما هو التعريف الماهوي للغيبة وأحد دعامات تعريف الغيبة هي اظهار وكشف ما هو مستور، ﴿ إن الله لا يحب الجهر بالسوء ﴾ فالجهر مقابل الاخفات يعني الكشف والاظهار مقابل أشخاص، ﴿ إلا من ظلم ﴾ يعني إلا المظلوم تجاه الظالم فيسوغ له ذلك، ولكن هذه الغيبة تبين أن الغيبة إذا كانت هي كشف المستور، وهناك آيات وروايات أخرى سنتعرض لها تباعاً ونخوض في الروايات كي نكمل بقية جهات حرمة الغيبة، فإنه توجد عدة جهات آثارها الشيخ الأنصاري في حرمة الغيبة وهي مهمة ونافعة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo