< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/02/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: - تعدد المعاني في الآية الواحدة - ( حرمة الغيبة ) - المسألة التاسعة - المكاسب المحرمة.

وصل بنا الكلام في حرمة الغيبة إلى التعرض إلى النصوص التفصيلية الواردة في البين، ومن النصوص الواردة في البين جملة من الروايات ربما تعد مستفيضة وهي أكثر من ثلاث روايات بطرق متعددة مختلفة أن الغيبة من مصاديق قوله تعالى ﴿ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾ كيف الغيبة تكويناً هي هكذا وأقصد هل تندرج الغيبة ماهية ف عموم قوله تعالى ﴿ الذي يحبون ان تشيع الفاحشة ﴾ فهل المعنى الماهوي للغيبة هو هكذا وهو أنه مصداق للذين يحبون أن تشيع الفاحشة؟ بدء ذي بدء، ﴿ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾ كتركيب لغوية محتمل لمعنيين أو أكثر، المعنى الأول في مفاد الآية الكريمة الذين يحبون ان تشع الفاحشة يعني يحب أن يروج للفاحشة فهو ترويج للفاحشة في المجتمع المؤمن أو المجتمع المسلم أي نشر الفاحشة وطبعاً النشر والترويج والاشاعة للفاحشة سواء كانت اشاعة دعائية أو اشاعة تربوية أو اشاعة ممارسية سلوكية هذه درجات من الشيوع الاشاعة بلا شك فهي تشمل كل هذه الدرجات،، وهذه آليات متعددة لشيوع واشاعة الفاحشة، مثلا برنامج تلفزيوني يروج إلى الفاحشة، وأسلوب برنامج تلفزيوني في الفضائيات يروج لفاحشة معينة هذا مصداق للآية الكريمة والآية الكريمة كما مرّ هي تعاقب على محبة ذلك فكيف بممارسة ذلك، مثل ﴿ لا تقربوا الزنا ﴾ فهي المنهي هو الزنا أو القرب من الزنا؟، فـ﴿ ولا تقربوا الزنا ﴾ يعني خلوة مع الأجنبية فيها اثارة عرضية للزنا تكون حرم لأنه فيها مشارفة وقرب إلى الزنا، التفكّه بين الأجنبي والأجنبية بكلام مثير جنسياً أو يثير الانجذاب، نعم محبة رجل أجنبي أن يتزوج من امرأة اجنبية لا مانع منه فيذهب إلى أهلها ويخطبها بالطريق الحلال أما أنه يستخدم طريقة الشرارة الغرامية بالتفكّه معها فها غير جائز لا أن الانسان يحب أن يصيب اغراءه من حلال وذلك بأن يخطبها من أهلما ويتزوجها فإنَّ هذا لا مانع منه سواء كان دائماً أو منقطعاً، ولكن أن يقيم علاقة قبل العقد مفتوحة في الكلام وغيره فهذه من مادي ولا تقربوا الزنا، لأنَّ هذه الشرارة العاطفية والاثارة بين الطرفين الأجنبيين لا يجوز، ولذلك مفاكهة الأجنبي للأجنبية غير جائز لأنه فهي كلام كثير وانفتاح، لأن الطبيعة الانثوية والذكورية هي تكون منشأ للإثارات، فـ﴿ ولا تقربوا الزنا ﴾ يعني جملة من الأفعال التي تقارف ولا تقارب منطقة الزنا حرمها الله تعالى وليس الزنا فقط، هنا ألمر ذلك فـ﴿ إنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ﴾ ليس فقط الاشاعة عملاً ولكن حتى الآليات التي هي تصب في هذا المصب محرمة ﴿ لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ﴾، يعني حتى أن تكون عليها عقوبة عاجلة في الدنيا فإنَّ بعض العقوبات لست أخروية فقط وإنما يصر الباري على أن تكون دنيوية أيضاً لشدة غض بالله عزَّ وجل على تلك المعصية، يعني يجب أن يكون الجو العام في مجتمع المؤمنين نظيف عفيف طاهر، ومعنى أنه عفيف طاهر لا يعني أنه لا يمارس الجنس من طريق حلال بل بالعكس احتباس الجنس والشهوات من حلال هو أرضية تهيء لانفجاره من حرام، ومضمون الروايات هو أنه ما أغلق باب حلال وإلا وفتح باب الحرام وباب الحلال لا مانع منه ولابد منه، فإنَّ هذه غرائز طبيعية خلقها الله لكي تأخذ وطرها ومداها، فهذه الآية الكريمة هي حرمت الاشاعة بطريق أولى، فإنَّ الاشاعة للفحشاء هي حرام بأيَّ درجة من الدرجات، تلّون الفاحشة بأنها جمال هذه اشاعة للفاحشة، تحسين الفاحشة والفجور وغير ذلك هو نوع اشاعة وترويج للفاحشة، وهذا من أخطر ممارسة الفاحشة نفسها، فتحسين الفاحشة ﴿ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ﴾، وتلوينها بلونٍ حسن واعطائها صبغة جذابة، فالكتّاب أو الفنانين لهم مسؤولية خطرة، ولذلك الانسان حتى الي الذي يتزيّا فيه يجب أن لا يكون فهي ترويج للفاحش وإنما يكون ترويج للعفاف والطهارة، وكذلك الشاعر في شعر ومطلق الفنون والآليات، فالإشاعة لها آليات كثيرة ليس فقط القوّاد والقوادة والذي هو الدلالة على الفجور، بل كل اشاعة أو كل فعل يصب في الاشاعة والترويج فهذا يدخل في الحرام سواء كان نظرياً أو اعلامياً أو دعائياً أو نفسانياً وغير ذلك، فكل هذا يدخل، ولذلك ورد ( لعن الله أمة خذلتك )، فنفس التخاذل هو نوع من الاصطفاف مع الطرف الآخر، و( ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به )، وكذلك حتى المتفرجين فن نفس التفرج فإنه بتفرجك يتضح انك لا تصبغ المنكر بالمنكر، فكل هذه درجات من الاشاعة للفحشاء، والمعنى الأولي للآية الكريمة هو هذا وهو عملية ترويج ونشر الفاحشة بدرجة من درجاتها سواء كان فكرياً أو نفسانياً أو فنونياً أو تلويناً، كأن أقيم مجلس في الجامعة اختلاط، فحفل التخرج هل هو تعظيم للعلم أو أنه تعظيم للجانب الشهواني الحرام في الشباب؟!! فهل هو معهد علم أو هو معهد اسطبل غرائز، وحتى الجامعات الغربية عندهم قيود في الجامعة وهو أن الجامعات ليست حانات وملاهي، إنما الملاهي لها مجال والمعهد العلمي له مجال آخر، فيصير دمار للبلد، فالمقصود هذا المطلب وهو أنَّ الاشاعة لها درجات فهذا المعنى منسبق وهو أن الآية الكريمة تحرم وهي من أصول التشريع الكبيرة الفوقية تحرّم أيّ اشاعة، والعلماء يقولون مثلاً قد تكون هناك نوافذ قانونية شرعية ولكن إذا تخبر بها عموم المجتمع قد يساء الاستفادة منها، وهذه يسمونها سياسة فقهية، فهذه النافذة حلال وتلك حلال ولكن إذا اجتمعت هذه النوافذ فتلقائياً يزج بالمجتمع إلى الفجور، صحيح أنها نوافذ حلال ولكن إذا اجتمعت فسوف تؤدي إلى الفجور فيقولون إنَّ هذا ليس بجائز كسياسة من الفقيه، لأنه يجب أن لا يستغل القانون إلى خلاف أغراض القانون أو التشريعات، طبعاً النوافذ الحلال ( إن الله يجب أن تؤخذ برخصه كما يؤخذ بعزائمه )، فإن سدّ أبواب الحلال يسبب انفجار في الحرام، ولذلك الفقيه يجب أن تكون عنده موازنة، وهذه يسمونها بالسياسة الفتوائية، ومرات كنا في محضر الكبار من أساتذتنا نحن عفوياً نسأل ونبادر من باب الاعانة لذلك الاستاذ العظيم ولكن يبادر فيسكتنا، ونحن لم نلتفت إلى ذلك فوراً، وإنما نلتفت فيما بعد أنَّ هذا التاجر أو هذا السائل ليس قصة أنه يأخذ نافذة الحلال وإنما سيتوسل من نافذة الحلال إلى نافذة الحرام فلا يريد أن يفتح له باباً، فعلى كلَّ فهذه يسمونها سياسة فتوائية، يعني توازن الفقيه بين الأمور، فالمقصود أنَّ المعنى المفاد من أية الكريمة هو هذا المطلب وهو أنَّ اشاعة الفحشاء بأيّ درجة من الدرجات حرام، من يجعل المنكر معروفاً أو جعل المعروف منكراً فنفس الشيء، فهذا هو المعنى المتبادر، وهذا ي ربط له بحرمة الغيبة؟ ، مثل هذه العبارة ﴿ لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظلم ﴾، فعدة آيات نبه الشارع على أنَّ هذه العناوين التي تندرج الغيبة فيها فما هو معناه؟ إلا من باب أنه إذا ذكرت وراء الانسان أنه يفعل كذا كأنما شيئا فشيئاً تجرئ الآخرين أن يرتكبوا ما ارتكبه، بهذا المعنى بالواسطة مثلاً إذا كان معنى الآية هو هذا، يعني يصير بالتسبيب بوسائط بعيد المدى، ودعونا مع المعنى الأول ولا ننتقل إلى المعنى الثاني للآية الركيمة، يعني نشر الحالة السلبية للأفراد يطبع السلبيات في المجتمع ويربي على السلبيات وهذه نكتة لطيفة وهو صحيح، بخلاف ما إذا نشرت ايجابيات الأفراد تجعل الجو ايجابياً تربوياً يجعل المثابرة على الفضائل لا على الرذائل بخلاف ما لو صار اكثار وتكرار من ذر الرذائل وانه ارتبها فلان وفلان فإنها تجعل الجو سلبياً مشحوناً فيمكن تصوير هذا المعنى، فحينئذٍ تصير حرمة الغيبة هي جزء السبب إلى شحن الجو تربوياً بالجانب السلبي من الفاحشة وما شاكل ذلك، فإدراجها يكون من هذا الباب، هذا على المعنى الأول للآية الكريمة وفعلا هذا المجال موجود وقد ذكر في روايات كثيرة، وأقصد بغض النظر عن الغيبة فقد ذكر أنَّ ذكر وتكرار واجترار البيات يؤدي إلى شحن الجو تربوياً، يعني بدلاً من أن تجل الجو معطراً نظيفاً تجعله ملوثاً موبوءاً، ومن احد فلسفات وحكمة ستورية الله ونتخلق بأخلاق الله يعني رب الأسرة يجب ان يكون ستوراً لأن طفح السلبيات يجرئ الكل على السلبي، فنفس الجو العام من الخطأ مرور الشحنة السلبية فيه ولذلك في باب الفواحش وما شاكل ذلك إذا اصبحت معلنة رسمية وبشهود أربعة فهنا يقمعها الشارع لكي لا يتلوث الجو العام في الظاهر فإنَّ الجو المعلن عند الشارع له أهمية كثيرة، لأنَّه عامل تربوي، هذا هو المعنى الأول وادراج حرمة الغيبة إذا أردنا فهي بهذا التقريب.

أما المعنى الثاني في الآية الكريمة ﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾:- فـ( في ) ظرفية، يعني المجتمع، هذا هو المعنى الأول المتبادر، أما المعنى الثاني للآية الكريمة ويلائمه التركيب ﴿ إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾ يعني اشاعة سلبية عن المؤمن، ﴿ إنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في ... ﴾ يعني في فلان، يعني عن فلان، فهي بمعنى عن، أو أنَّ الاشاعة تحبها أن تكون يشاع عن فلان يعني فيه أنه كذا، ﴿ إن الذين يحبون أن تشيع ﴾ أي يشاع عن فلان، يعني ينتشر ويشهر بأنَّ الفاحشة فيه، والفاحشة ليست فقط الفجور الجنسي أو ما شابه ذلك، وإنما الفاحشة هي كل تجاوز شنيع عن الحدود المقرر فهذا يعبر عنه بالفاحشة، مثل الفحش من القول فهو ليس بمعنى الفجور، يعني التعدي الفاحش يعني التعدّي بمقدار كبير، ﴿ إنه كان فاحشة وساء سبيلاً ﴾، فـ﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾، الفاحشة في الذين آمنوا ولكنه يشيعها عن الذين آمنوا فهو يشيع في الذي آمنوا الفاحشة فنجعل ﴿ في الذين آمنوا ﴾ متعلَّق بالفاحشة، ونجعل الاشاعة متعلِّقة بشيء محذوف مقدّر عن الذين آمنوا، فالمعنى الثاني تصير فيه حرمة الغيبة شيئاً واضحاً، وهو أنك تنشر سلبية عن المؤمن، فأنت تنشر شيئاً عنه وأنَّ الفاحشة فيه، فهي اشاعة عن المؤمن أنَّ فيه فاحشة، فيعني بعبارة أخرى كما يقال في المصطلح العصري إعدام الشخصية واسقاطها وحرقها، ﴿ إن الذين يحبون أن تشيع ﴾، يعني يحرق ورقته بالتعبير الدارج، ﴿ لهم عذاب أليم ﴾، فلماذا أنت تنسف الوجود الاعتباري لشخصيته في المجتمع ولماذا تعدمه إعداماً اعتبارياً؟!!، وعلى هذا التفسير يكون انطباق الآية ومعناها على حرمة الغيبة انطباقاً واضحاً ومباشراً، نعم فإنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة عن المؤمن وفيهم يعني تلغي شخصيتهم، وهذا غير قضية ترويج الفاحشة، وإنما هذه قضية إعدام شخصية المؤمن وحرق ورقته، وهذا المعنى وردت فيه روايات عديدة، فذاك المعنى وردت فيه روايات، وهذا المعنى وردت فيه روايات أيضاً، وهل هناك تناقض وتعارض بين دلالة الروايات؟ كلا.

وهنا توجد نكتة مهمة في قواعد التفسير للآيات أو للروايات: - حيث بحث الأصوليون استعمال اللفظ في أكثر من معنى هل هو جائز أو غير جائز ثم إذا كان جائزاً فهل هو واقع أو غير واقع وما هي ضوابط وقوعه، فحينما بحث الأصوليون هذا البحث ليس مرادهم اللفظة الواحدة، وإنما أنواع استعمال اللفظ في أكثر من معنى له صور وشقوق عديدة، مثلاً استعمال الصوت الواحد في ألفاظ متعددة، مثل ما هو باللغة الدارجة الذي هو شعر الأبوذية مثلاً ( راعي الثار ما يظهر علامة ... وينصب لليتانونه علامة .... نسى بمتون عماته علامة.... )، فكلمة ( علامة ) استعملت في صوت واحد ولكنها استعملت في ألفاظ مختلفة فضلاً عن الاستعمال في معاني مختلفة، فهنا استعمل الصوت الواحد في معاني مختلفة، ليس فقط استعمل اللفظ الواحد في عدة معاني، فهنا استعمال الصوت الواحد في ألفاظ ثم في معاني، وألفاظه تختلف قبل معانيه، فالعلامة كلمة واحدة وغير العلامة على ماذا؟!، فبينهما اختلاف ولكن الصوت واحد لألفاظ مختلفة، فبالتالي هي في التهجّي صوتاً واحداً ولكنه صوت استخدم في ألفاظ، كما في الرواية أنَّ الامام الكاظم عليه السلام أرسل لفظة نون لجابر بن يزيد الجعفي وفلان ولفلان، فجابر فهم منها لفظة معينة، والراوي الثاني فهم منها لفظة أخرى، والراوي الثلث فهم منها لفظة أخرى، وكل منهم عمل بوظيفته، مثلاً ( طيلسانه ) مع ( طي لسانه ) فالصوت واحد ولكن اللفظ مختلف، فالمقصود أنه حتى هذا هو من أنواع الاستعمال في أكثر من معنى، فالاستعمال للفظ في أكثر من معنى يعني التركيب، فتركيب الجملة يمكن أن يكون تريباً واحداً ينطبق على ما يسمونه أعاريب، وأعاريب جمع إعراب، والإعراب هو الافصاح والاظهار، المفردات لها معاني وحينما تترتب في جملة التركب في جملة يكون معنى زائد يطرأ عليها يعالجه علم النحو من فاعل ومفعول وصفة ومشبهة وجار ومجرور وغير ذلك، علم النحو بما فيه مغني اللبيب أو غيره الذي يعالج إعراب الجمل يرتبط بالجمل من الجمل السية والجمل المركبة، فعلم النحو دوره أنه يعالج التركيب، ففي ترك واحد يمكن أن تعربه بعدة أعاريب مثلاً مضاف ومضاف إليه ومبتدأ وخبر ومفعول مطلق ومفعول فيه، فكلها تصح، وهل الشارع يريد كل هذه الأمور؟ نعم وهذا يسمونه استعمال الهيأة التركيبة النحوية في عدة معاني، وهذا نوع من استعمال اللفظ في أكثر من معنى، مراد الأصوليين من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ليس اللفظ المفرد فقط وإنما حتى الصوت واللفظ فهو أقسام وأنحاء، مثلاً تركيب اشتقاق المصدر الميي واسم المفعول واحد ولكن هل مراد الشرع هو مصدر ميمي مفعل أو مراده اسم مفعول؟ إذا جوزنا الاستعمال فهنا لاحظ أنه هنا يوجد استعمال للهيئة في الكلمة المفردة في أكثر من معنى، ليس هيئة الجملة لعلم النحو وإنما الهيأة المفردة، يعني علم التجويد هل هو علم الأصوات أو لا؟ نعم ، ومثال الشعر الأبوذية هو مثال للتجويد لأنه صوت واحد يراد منه ألفاظ، فتوجد عندنا علوم كثيرة في اللغة هذه العلوم كلها بمكن فهيا فرض استعمال الآليات اللغوية في أكثر من معنى، فباب استعمال اللفظ في أكثر من معنى لا يختص بالمفردات الذي بحثه الأصوليون، كذلك البلاغة فإن تقديم ما حقه التأخير أو تأخير ما حقه التقديم يفيد الحصر أو غير ذلك وذلك هذا التقديم يستخدم لعدة مغازي، فيمكن هذا التقديم كفذلكة أن يستعمل لعدة مغازي أو لعدة معاني، فيمكن استعمال ضوابط علم المعاني أو ضوابط علم البيان في عدة معاني، النحت في اللغة هذه الفظة هل هي لفظة منحوتة أو هي متن أصلي؟ يمكن أن تعتبرها منحوتة، ومنحوتة يعني حذف بعض حروفها، وهذا ما يسمى بعلم النحت في اللغة، أو هي مادة اصلية، فيمكن ان تستخدم هذه في كلا اللفظين وفي كلا المعنيين.

فالشاهد أنَّ علوم اللغة عديدة علم الاشتقاق ولها ضوابط وآليات هذه الضوابط والآليات يمكن أن تستخدمها في أكثر من معنى يعني تركيباً واحداً يمكنك أن تجري فيه علوم اللغة المتعددة وآلياتها وهي لها معاني عديدة، وهذا التركيب ينسجم مع كل هذه الضوابط المتعددة، فالشارع يريد أيَّ منها أو يريدها كلّها؟، هذا بحث في علم التفسير وفي العلوم الدينية وفي علم الفقه وهو استعمال، فبدلاً من أن أقول استعمال اللفظ نقول استعمال الآليات اللغوية في كل العلوم اللغوية في أكثر من معنى هل هو سائغ أو ليس بسائغ؟ قال الكثير إنه سائغ، وهو الصحيح، بل وواقعٌ بل وبكثرة.

فاستعمال الآليات اللغوية سواء كان من علم النحو وعلم البلاغة وعلم الصرف وعلم الاشتقاق وعلم المفردات اللغوية أو علم النحت اللغوي استخدام هذه الضوابط ولست هرطقات ولا هلوسات في أكثر من معنى يصح أو لا يصح ويقع أو لا يقع وبكثرة أو بقلة؟ قالوا يصح ويقع وبكثرة، لا سيما من قبل الشارع، وهناك من ذهب إلى غير ذلك، والسيد الخوئي ممن ذهب إلى الجواز والوقوع أما أنه حاصل بقلة أو بكثرة فهذا بحث آخر، لأنَّ هذا أيضاً بحث آخر.

ويلزم الالتفات هنا إلى أنَّ أهل البيت عليهم السلام من قواعد التفسير التي شيدوها في كلام الله تعالى وفي كلامهم أنَّ المتكلم الوحياني مسؤول عن كل مخارج التركيب التي يطلقها، فهو يعي ما يركّب ويصدر من ألفاظ، وبالتالي كل هذه المعاني مرادة مادامت على الضوابط والموازين ولا صارف لأحدها عن الآخر، وهذا بحث خطير مبني على نفس الصناعة الأصولية وهو أنَّ الآية الواحدة تفسر بحسب الدلالة التصورية والدلالة التفهيمية والاستعمالية بعدة معاني مختلفة متغايرة ولكها منضبطة وكلها على الموازين حتى الروايات وكلها حجة ما لم تنافي الضروريات والثوابت فإنَّ هذا بحث آخر، لأنَّ الثوابت والضروريات هي ضوابط عامة ولكن مادام هي على الموازين اللغوية فلا مانع من ذلك، والحديث طويل في هذا المبحث وينفع في العلوم الدينية كثيراً، حتى في يوميات الاستنباط الفقهي والبعض يتوهم أنَّ هذا مسلك روائي اخباري، كلا وإنما هو مسلك أصولي ولكنك لم تفهمه، نعم يفهم ببركة الروايات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo