< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/02/26

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: - أنواع الجعل الخمسة في الاستنباط وآثارها - ( حرمة الغيبة ) - المسألة التاسعة - المكاسب المحرمة.

كنا في أنَّ حرمة الغيبة كما مر بنا أنها مجمع من نمط خامس من الجعل يعني ليست هي حرمة مبتدأة من رأس ولا ارشادية ولا امضائية وإنما هي مجمع لمحرمات وهذا كثير في الأبواب الفقهية وهو أنَّ حكماً من الأحكام قد يشير الشارع في الروايات والأدلة الخاصة إلى أنه مثلاً مصداق الخيانة ومصداق لإيذاء المؤمن، وطبعاً لا يعبر الشارع بأنه مصداق وإنما يقول هو إيذاء مثلاً وهو تعييب أو غير ذلك فهل بين هذه الدلالات في الأدلة تناقض؟ كلا وإنما هذا بيان لكون هذا الحكم مجمع لأحكام وليس ارشاداً لتلك الأحكام بل هو توليفة جعل تنطوي فهي احكام متعددة شبيه ما مرَّ بنا لمثال قانون برلماني أو زواري هو مجمع لقوانين متعددة فوقية وهذا لا يخل بكونه قانوناً لكن سمته أو لونه هو وزاري أو بلدي، ولا مانع من ذلك، فإنَّ نوع من نظم القوانين يعني من نوع من متمم الجعل وهو جعل آخر يتم الجعول الأخرى والتشريعات السابقة ودور هذا التشريع النازل هو أنه ناظم للتشريعات الفوقية مثلاً، والشواهد ستاتي أكثر فأكثر.

وقبل أن ندخل في هذا البحث – الجهة الثانية وهي أنَّ حرمة الغيبة كبيرة من الكبائر - نذكر نكتة مهمة فقهية مهمة جدا: - وهي مثلاً حرمة الكذب هل هي كبيرة أو صغيرة أو ماذا؟، توجد ضابطة في الأفعال سواء كانت الواجبة أو المحرمة وهي أنه إذا كانت هذه الأفعال هي تتفاوت وجوداً، أي طبيعة فعل معين سواء كان واجباً أو محرماً هذا الفعل الواجب أو المحرم طبيعته في أفراده يتفاوت شدة وضعفاً مثل صلة الرحم، فهل هذا الفعل هو بحكم واحد وبدرجة واحدة؟ قطعاً لا يكون بدرجة واحد، لأنَّ هذا الفعل سواء كان واجباً أو محرماً إذا كانت طبيعته متفاوتة الأفراد يعني مثلاً الكذب منه شديد ومنه خفيف ومنه متوسط، افترض أنَّ مفسدة الكذب هي بلحاظ نتائجه أو بلحاظه هو أياً ما كان أو الكذب في أمور الدم غير الكذب في الأموال والكب في العرض أشد من الكذب في الأموال، والكذب في أمور حقيرة يسيرة غير الكذب في أمور خطيرة كالكذب على الله ورسوله، ومرَّ بنا هذا البحث هو أنَّ الكذب في العلم أخطر من الكذب ف الأمور العادية، مثلاً يقول الدول الفلانية صنعت كذا أو فعلت كذا أو صعدت إلى كذا والحال أنه هذا كله أفلام هوليود حسب ما تذكر مراكز خاصة، وهذا خطأ فإنَّ الكذب في العلم هو دجل ما فوقه دجل.

فإذاً طبيعة الكذب هي طبيعة متفاوتة الدرجات، وإذا كانت متفاوتة الدرجات فهل من المعقول أن يصير حكم الكذب واحداً؟! كلا، بل حتى لو ذكر في الروايات أن الكذب أو غيره من العناوين هو من الكبائر فمن الطبيعي أنَّ الطبقة المتوسطة منه هي من الكبائر فما فوق أما بيعة الكذب الضعيفة جداً فلا، ولذلك وردت لدينا روايات لو أنَّ إنساناً يريد أن يعبر من مكان في المدينة إلى طرف آخر من المدينة وجاء ظالم غاشم يمنعه مع أنه ليس عنده حاجة ضرورية إنما توجد عنده حاجة بسيطة كالنزهة ولكن يضطر إلى الكذب حتى يدفع المانع فهنا أفتى الفقهاء أنه جائز ولو كان الكذب من الكبائر والمفروض أنه هنا لا توجد حاجة اضطرارية فإنَّ الضرورات تقدر بقدرها فكيف سوّغ الفقهاء ذلك، فالنكتة واضحة وهي أنه صحيح أن الكذب من الكبائر ولكن أي كذب هو من الكبائر فيوجد كذب في الدين ويوجد كذب في الأعراض وكذب في الأموال وكذب في الأمور الحقيرة وكذب في الأمور الحقيرة فواضح أنَّ الكذب بحسب متعلقه يختلف حكمه ومفسدته، بل ورد في النصوص أنه اصلاح ذات البين بالكذب سائغ راجح بل قد يكون واجبأ لأنك تحقن الدماء، ( صلح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام )، فهنا الصدق من أحرم المحرمات والكذب من أوجب الواجبات، فإذاً واضح أنَّ الكذب بهو بلحاظ مورده وبلحاظ متعلقه يصير متفاوتاً في الطبيعة، وهذه نكتة مهمة في الأفعال ذات الطبيعة المتفاوتة شدة وضعفاً.

وكلامنا الآن بحسب الصناعة الفقهية الأوّلية وليس بحسب الصناعة الأصولية، وما الفرق بين الصناعة الفقهية والصناعة الأصولية؟ ما الفرق بين الصناعة الفقهية والصناعة الرجالية ما الفرق بين الصناعة الرجالية والصناعة التفسيرية، فالصناعة شيء والعارضة والمواد لكل علم شيء آخر، فهندسة كل بحث في كل علم يسمونه صناعة وكلامنا في الصناعة الفقهية فلماذا بحسب الصناعة الفقهية بعض النظر عن الأدلة الخاص إذا أتاك دليل وقال لك إنَّ هذا العنوان من الكبائر ولكن أنت تلمس من هذا العنوان أنه متفاوت شدة وضعفاً فهل تعمل بهذا الدليل الذ يدل على أنه من الكبائر بالاطلاق وبالعموم بلغ ما بلغ إذا هي طبيعة الشيء متفاوتة؟ ليس ألأمر هكذا، مثلاً لاحظ أعلام متأخري هذا العصر لم يلتزموا بأنَّ طاعة الوالدين واجبة وإنما هي راجحة ولكن عقوقهما محرم، لاحظوا أنَّ صلة الرحم وبر الوالدين درجات متفاوتة المقدار من البر الأدنى درجة الذي يلازم العقوق وطبعاً العقوق أيضاً درجات وليس درجة واحدة، فعقوق الوالدين أو الأرحام هو درجات، والشارع حرم العقوق حتى الخفيف إذا كان عقوقا ﴿ ولا تقل لهما أف ﴾، فإنَّ التأفف هو تبرّم وتنفر فالرحم لا تظهر له التنفر فضلاً عما إذا كان أباً وأماً، فالأب والأم قد يخرجان عن سكونهما أو سكينتهما افترض أنه سب الوالد والوالدة سبا الابن أو البنت فلا يجوز أن يبرم الولد من أبويهما لأنه لا يجوز حتى لو آذى الأبوين الولد لا جوز للولد أن يؤذيهما، فالعقوق درجات فإنه بدرجة التأفف لا يجوز وكذلك التبرم والتنفّر، فلاحظ أن العقوق درجات وكذلك البر بالوالدين درجات أيضاً، أنت توازي أدنى درجات العقوق تكون لزومية، هكذا بنى الفقهاء في برّ الوالدين وعقوق الوالدين، فعندهم عقوق الوالدين بكل درجاته حرام وبرّ الوالدين أدنى درجاته بحيث يلازم من عدمه عقوق الوالدين هذا قال عنه المتأخرين أنه يكون لزومياً، أما تعال برّهما بكلّ وأشد درجات البر فهذا مستحب، فلاحظ أنَّ الفقهاء فرقوا بنين بر الوالدين وبين عقوق الوالدين وبين طاعة الوالدين، وما الفرق بين بر الوالدين وبين طاعة الوالدين؟ إنه يوجد فرق فقد يتلازمان وقد يتصادقان ولكن ليس من الضروري أنه يوجد تلازم دائماً، افترض من أنَّ الأب وألم يريدا من الولد أن يتزوج امرأة بعينها وهو لا يرغب بذلك فيظهر لهما أنه توجد موانع وعوائق ولو بالتورية هنا هو لم يطعهما ولكنه برهما، ففرق بين أن يقال الطاعة راجحة للأبوين ولكن ليس من الضروري طاعتهما، فبرهما غير طاعتهما وغير عقوقهما، فتوجد ثلاث عناوين في البين، لا أنه في العناوين المتقاربة يحصل اشتباه عند المتشرعة، وعدم التمييز بين العناوين في الأبحاث الفقهي خطير وحتى في علم الأخلاق فالحذر راجح جداً وسوء الظن بالمؤمنين حرام وما الفرق بين الحذر وسوء الظن فنحن ربما نخلط بينهما، سوء الظن بالله من الكبائر ولكن عدم الحذر من مكر الله أيضاً من الكبائر، يقول الامام الصادق عليه السلام ( اللهم اجعلني لا آمن ليس لذي أمان من مكرك أبداً )، فسوء الظن بالله من الكبائر ولكن الأمن من مكر الله من الكبائر أيضاً، وهل هذا تناقض؟ كلا بل هما فعلان متشابهان ملتبسان قد يلتبسا عند الانسان، متى يجب أن يحذر الانسان من مكر الله وهل الله تعالى ماكر؟! كلا، بل لا تماكر الله فيمكر بك، ﴿ يخادعون الله وهو خادعهم ﴾، فإذاً هذا في مسار وذاك في مسار فتمييز العناوين بين بعضها البعض مهم جداً سواء كان في علم الكلام والعقائد أو في لعلم الأخلاق أو في علم الفقه، فبرّ الوالدين شيء والصلة شيء والعقوق شيء، فهذه ثلاث مسارات، وكل من الصلة والبر والعقوق درجات ولست درجة واحدة فليس من المعقول أن يكون الحكم واحد، فأولاً هذه ثلاث عناوين، ثم كل عنوان من هذه العناوين الثلاثة هي ذات درجات وطبقات، هكذا الكلام إذا أتانا دليل على أنَّ الكذب من الكبائر ومفتاح الشرور الكذب والكذب أشد من الزنا وأشد من شرب الخمر وأشد من القتل لأنَّ الكذب هو يفتح كل الشرور ولكن أي كذب؟ فإن الكذب هو كبيرة الكبائر، الكذب في الاعتقاد ﴿ تكاد السموات والأرض أن يتفطرن ﴾، ﴿ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ﴾، فالكذب بلحاظ متعلقه هو درجات، التشكيك كذب والكفر كذب والشرك كذب ولكن أيّ درجة؟، الآن دينا، وهذه نكتة مهمة وهي صناعة فقهية مهمة جداً، فعندنا الشرك هو من الكبار ولا أحد يتردد في ذلك ولكن مع ذلك بين الوحي على لسان الثقلين أن الشرك ما هو منه خفي واخفى ( إنَّ الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل الأسود في الليلة الظلماء على صخرة صماء )، فهذا خفاء في خفاء، فهذا أيضاً هل هو من الكبائر أو ماذا؟، ﴿ ما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾، فقد يدخلون الجنة ولكنهم مشركون، نعم هم مؤمنون بطبقة من طبقات الإيمان فهم بتلك الطبقات يدخلون الجنة، أما الطبقات التي لم يحرزا فيها الايمان وفيها الشك الخفي فلا يدخلون تلك الجنبان وإلا لا يدخل أحد الجنة إلا بالإيمان ولكن أي جنة، إنها بلحاظ طبقات الايمان والشرك، فبالتالي هذا الشرك الذي هو خفي والأخفى هل هو من الكبائر أو لا؟، فلاحظ أنَّ الشرك درجات، الايمان واجب ومن الفرائض الأولية فهو أي إيمان لأنَّ الايمان درجات، فإذاً في استنطاق العناوين التي وردت فيها الأدلة بأحكام معينة هذه العناوين إذا كان طبيعة أفرادها متفاوتة شدةً وضعفاً فمن الواضح أنَّ الحكم الوارد والدليل الوارد في حكمها يحمل على المتوسط والمعدل الوسطي فما فوق أو فما دون حسب كون الحكم وجوبياً أو تحريمياً، أي الحكم الوسطي وما هو أولى منه، أما ما هو أنى منه فيوجد فهي كلام، هذا النمط من الاستظهار مرَّ بنا في بحث المكاسب المحرمة أنَّ الشيخ الأنصاري يستدل على أو يؤيد أو يعضد حرمة حكم معين بالكراهة الشديدة في فعل يلازمه أو اقل منه، وهذا ليس الشيخ الأنصاري يقول به وإنما جملة من الفقهاء رويتهم هكذا في استدلال وهو أنه من كراهة فعل معين بشدة يستكشفون يستدلون على حرمة فعل آخر له أولوية بالبغض، لأنَّ الكراهة هي نوع من البغض والنفرة من الشارع، فالشارع لو كانت عنده نفرة شديدة ولو كانت كراهة شديدة حيال فعل معين ذاك الفعل الآخر هو أشد وأشد بكثير من هذا ونفس النمط ونفس الجو فيستفاد منه الحرمة، كتأييدٍ في بعض الموارد أو كمعاضد أو حتى كاستدلال، فالمهم أنَّ هذا كله انطلاقاً من كون الفعل ذو درجات، فإن كان ذا درجات متفاوتة فتلقائياً يصير الحكم ليس على وتيرةٍ واحدة، كذلك الحال في حرمة الغيبة، وحينئذٍ حينما ندخل في هذه الجهة الثانية هل الغيبة من الكبائر أو لا، أصلاً عموماً الكبائر التي ورد الدليل على أنها من الكبائر كل أفرادها من الكبائر؟ طبعاً النمط المتوسط المعتاد منها هكذا وكذلك النمط الأشد أشد كبيرة، ولكن هناك افراد من نمط خفيف منها تلك تكون محرمة ايضاً ولكن لا أنها من الكبائر لضابطة تفاوت الشدة والضعف، فحينما يقال إن فعلاً من الأفعال هو من الكبائر فالمقصود المعدل الوسطي منه والمعتاد أما الخفيف فهذا بحث آخر، من الأدلة على أن الغيبة من الكبائر هو كونها مصداقاً للآية الكريمة ﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾، وسيأتي تقرب بالآية الكريمة، وربما الآن نذكره، باعتبار أنه مصداق لإشاعة الفاحشة، وسنخوض في الآية شيئاً ما، مضافاً إلى محصص علقمة الذي رواه الصدوق في الأمالي وسيأتي فراءته في الوسائل والسند صحيح إلى علقمة وصحيح يعني على الأصح وليس عند المشهور وعلقمة وراد في احد طرق زيارة عاشوراء، فالمهم أن مصحح علقمة عن الصادق عليه السلام يقول ( حدثني أبي عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:- من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبداً ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما )، وطبعاً هذه الرواية دالة على جهة أخرى في الغيبة ستأتينا، وهي أنه هل الغيبة بما في الشخص هي فقط غيبة أما إذا لم يكن بما فيه وكان افتراءً فليست غيبة؟ ولكن لغةً الصحيح الغيبة تعم البهتان وغيره من كشف العورة يعني كشف النقائص عن المؤمن، فكليهما غيبة، في غيبته نال ووقع فيه بما فيه أو بما ليس فيه فكل منهما غيبة ولكن تلك أشد لأنها تصير بهتان فهي مجمع لحرمة الغيبة وحرمة البهتان، ( ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما وكان المغتاب خالداً في النار )، وهنا يعبّر عن المغتاب بكون خالداً في النار يعني أنها كبيرة، بل التأبيد والكبيرة لا تحتاج إلى الخلود في النار بل الوعد والوعيد بالنار وإن لم يكن خلوداً هو كبيرة فكيف بك مع الخلود، طبعاً كون الآية الكريمة ﴿ إنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾، وردت فيها صحيحة ابن أبي عمير عن هشام، فهذه صحيحة ابن أبي عمير في ذيل الآية الكريمة، وهي رواية واحدة ولكنها رويت بعدة طرق - يعني الرواة إلى ابن أبي عمير -، فيوجد طريق عمن أخبره عن الصادق عليه السلام، أو عن رجل عن الصادق عليه السلام، وهي من مراسيل ابن أبي عمير، ويوجد طريق آخر عن ابن أبي عمير رواه الصدوق عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم أو ابن سالم، فهنا صرّح بالاسم، ويوجد طريق ثالث إلى ابن أبي عمير صرح به عن محمد بن حمران والأصح وثاقة محمد بن حمران وهو محمد بن حمران بن أعين وهو ثقة، فالمقصود أنَّ هذه طرق ابن أبي عمير التي هي مراسيل توجد طرق أخرى لابن أبي عمير لنفس الرواية صرح فيها بالاسم الذي لم يذكر وهذه ظاهرة عجيبة في مراسيل ابن أبي عمير وهو أنه توجد طرق تصرح بالاسم، ففي هذه الصحيحة المروية عدة طرق عن ابن أبي عمير عن هشام تارةً وعن محمد بن حمران تارةً أخرى وعن رجل تارة ثالثة فيها تبيان أنَّ الآية الكريمة هي مصداقها حرمة الغيبة، ولا بأس أن نتعرض إلى الآية الكريمة والآية طبعاً قد توعد فيها بالنار وقد ذكر أهل البيت علليهم السلام وأخذت منهم المذاهب الأربعة أنَّ كل حرمة توعد فيها بالنار - وليس بالخلود في النار وإنما أصل النار - هي كبيرة من الكبائر، الكبيرة توجب الدخول في النار بغض النظر عن كونها توجب الخلود أو لا، بخلاف الصغائر إن لم تتبدل إلى كبائر لا توجب الدخول في النار، وهذه ضابطة كلامية فقهية ربما مرّت بنا في السنين الماضية وهي أنَّ قبول العمل ضابطته وداره أن يدخلك الجنة، فهذا معنى قبول العمل، وليس معنى قبول العمل أن يجازيك الله تعالى في البرزخ أو في الدنيا أو في القيامة فإنَّ هذا ليس دليل قبول العمل أو ليس معنى قبول العمل باصطلاح الوحي، بل قبول العمل ﴿ فمن زحزح عن النار ﴾ فهذا فقط ليس هو، وإنما ﴿ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ﴾ فهذا دليل على قبول العمل، وطبعاً هذا بيان وحياني لطيف وهو معنى قبول العمل، فلا ينافي قوله تعالى ﴿ ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ﴾، فليس في الآية ( ومن يعمل مثاقل ذرة يقبل الله عمله )، وإنما يجازيه والمجازاة أعم من القبول ولو كان كافراً، فالمجازاة أعم من القبول، ولكن القبول هي مجازاة خاصة وهي ادخال الجنة، هذا في القبول، وفي الكبائر الكبيرة التي لا يستتاب منها ولا يستغر لها ولا شافع في دفعها هي توجب الدخول في النار فهي في أصل الدخول في النار أما الخلود فهو أمر آخر، هذه هي ضابطة الكبيرة، ﴿ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ﴾، وتوجد آية أخرى عن الكبائر أيضاً وهي ﴿ .... ألا اللَّمم ﴾، فالمغفرة مشروطة باجتناب الكبائر فإذا لم يكن هناك اجتناب للكبائر ولم تكن شفاعة ولم تكن كذا فلا يوجد غفران وإنما يوجد عقاب يعني يوجد نار، أصلاً هذه الضابطة التي بينها ائمة أهل البيت عليهم السلام هم بينوها من نفس أصول القرآن الكريم ولم يلتفت إليها إلا أئمة اهل البيت وهذا أحد أعلام وقواعد علمهم اللدني البرهاني، وهو أنَّ معنى الكبيرة ما هو، وهي مستلة من هذه الأصول القرآنية التي أشار إليها أئمة أهل البيت عليهم السلام.

إجمالاً القبول في طاعات شاهده ودلالته ادخال الجنة أعم من الجزاء والبيرة هي التي تدخل النار وإن لم توجب الخلود، فهاتين الضابطتين يجب الالتفات إليهما، وفي الآية الكريمة ﴿ إنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ﴾، وعذاب يعني دخول النار.

وسنبدأ الدخول في الآية الكريمة ولو في الجهة اللاحقة ما هو معنى مفاد الآية الكريمة، بين أئمة أهل البيت عليهم السلام مصداقها هو الغيبة وكيف هو ولكن قبل الجلسة القادمة في اثارة مفاد هذه الآية الكريمة لا بأس أن نلتفت إلى الوعيد بالعذاب فإنها قالت ﴿ لهم عذاب أليم في الدينا والآخر ﴾، فالوعيد بالعذاب في الدنيا هل هذا ليس مؤشراً على الكبيرة، فما توعد عليه بالعذاب في القرآن الكريم سواء كان عذاب الدنيا أو عذاب البرزخ أو عذاب النار القيامة، جملة من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام في باب العلل للصدوق ذكر أنه مثلاً تداعيات حرمتها عذاب القبر أو عذاب الصراط أو عذاب البرزخ أو غير ذلك، فبالتالي العذاب الذي دون النار الكبرى هل يحقق الكبيرة أو لا يحققها؟ هذا تساؤل لا بأس أن ننقحه لأنه بالتالي الفقهاء يستدون على أنَّ أصل الوعيد بالعذاب أعم من النار الكبرى الأبدية أو دونه هذا يدل على أصل الحرمة وإنما الكلام فيما وراء ذلك وما يزيد على ذلك فهل يمكن أن تكون ضابطة الكبيرة ذلك أيضاً أو لا - أي ما توعد عليه بالنار -.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo