< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: - اختلاف أنماط الجعل في الآثار - ( حرمة الغيبة ) - المسألة التاسعة - المكاسب المحرمة.

كان الكلام في حرمة الغيبة وأنها هل هي حرمة تأسيسية أو حرمة امضائية أو حرمة ارشادية، ومرَّ بنا معنى الارشادي وهو باب واسع ومهم وخطير، وأيضاً سنخ الجعل الامضائي، فإنَّ الجعل الامضائي هو جعل مولوي وليس جعلاً ارشادياً والخلط بين الارشاد والامضاء هذا بعيد عن الحقيقة والصواب تماماً، فالامضاء هو جعل مولوي طبق جعل عقلائي ولكن ليس معناه أن الشارع يجعل زمام الأمور بيد العقلاء، ولذلك غالباً في الجعل الامضائي هناك تهذيب وتشذيب من الشارع للجعل، مثلاً ﴿ أحل الله البيع ﴾، فهو أمضى البيع عند العقلاء ولكنه ( نهى النبي عن بيع الغرر )، أو ( نهى النبي عن بيع الكالئ بالكالئ ) وهلم جرا، فتوجد نواهٍ عديدة وردت عن النبي في البيع، كما أنه نهى النبي عن بيع المنابذة وعدة بيوعات نهى عنها كالملامسة وغير ذلك، فبعض البيوعات التي كانت مرسومة عقلائياً عند الجاهلية نهى النبي عنها، ولذلك يوجد تهذيب وتشذيب لا أنه إمضاء بقول مطلق، بل بالتالي الامضاء جعل مولوي مقنّن، بحيث المتبع هو الشارع لا المتبع هم العقلاء، الجعل الامضائي سنخاً يختلف عن الارشاد فإنَّ الارشاد شيء آخر، وهذا لابد من الالتفات إليه، وهناك ظاهر أخرى في التشريع يجب الالتفات إليها وهي مهمة، فإن التشريع قد يعبر عنه بأنه مبتدأ تأسيسي وبين تشريع ليس مبتدأً وإنما هو ارشاد ولكن بمعنى آخر، وبأيّ معنى؟ مثلاً قد ينشئ الشارع أمراً ونهياً خاصاً بعنوان وموضوع معين ولكن يأتي الفقهاء ويستظهرون ويفهمون من هذا الدليل الخاص أنه ارشاد ليس إلى العقلاء وإنما هو ارشاد إلى إنشاء سابق مولوي من الشارع، فهذا الإنشاء ليس مولوياً جديد، نعم هو ارشادي ولكنه لس ارشاداً للعقلاء أو لجعلهم، وإنما هو ارشاد لجعل مولوي سابق، ونمط من الأبواب أو الأدلة هي من هذا القبيل موجودة، فهذا ارشاد ولكن ليس ارشاداً إلى الحكم العقلائي وإنما إلى جعل مولوي سبق بحيث هذا الدليل الخاص لا يستفيدون منه أنه جعل جديد أو نقول جعل أساسي وإنما هو ارشاد لجعل سابق، هذه حالة، وهناك حالة أخرى وهي أن يأتي الدليل الخاص ويستفاد منه الجعل ولكنه أيضاً ليس جعلاً من رأس مبتدأ فهو جعل وفيه إنشاء مولوية جديدة ولكنه ليس جعلاً وإنشاءً من راس مبتدأ، بل هو مزيج من تفعيل جعل مولوي سابق ومزيد من الخصوصية في الجعل، ودعونا نمثل بمثال، فمثلاً التكبير ( الله أكبر ) وهو ذكر وعبادة، وعبادة ليست قولية فقط وإنما هي مقالة اعتقادية وأعظم من فسها في المسلمين قاطبة بل في البشر قاطبة لأنَّ الله أكبر موجودة في التوراة والانجيل أيضاً ، فهذه ( الله أكبر ) أئمة أهل البيت قالوا إن معناها أنه أكبر من أن يوصف لا أن يقال إنه أكبر من أن يقال ليس بمخلوق، فإذا فسّرت الله اكبر بأنه أكبر من غيره فبدلاً من ان يكون توحيداً يكون شركاً خفياً، وأكثر مفسري المسلمين يقولون عن معناها هو أن الله تعالى أكبر من كل شيء ولكن قال أئمة أهل البيت أنه إذا قلتم أنه أكبر من كل شيء فأنت قد اشركت من حيث لا تشعر، فإذا قلت معنى الله أكبر كما يذكر مفسّرو علماء المسلمين والنصارى أنه الله اكبر من كل شيء هذا التفسير هو شرك، أما كيف فهذا بحث عقلي، لأنك حينما تقول الله اكبر من كل شيء فقد حددت الباري وحينما تحدد الباري أنت لم تصب الباري وإما أصبت غيره، وهذا قد صعب على علماء المسلمين كيفية تصوره وأنه كيف إذا فرض أنَّ الله أكبر من كل شيء هذا شرك، وهذا غير الدقة العقلية الوحيانية لجعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ولولاها لا نتنبّه إلى ذلك، وحتى الفلاسفة فسورا هكذا بأن الله اكبر من كل شيء والحال أن هذا نفسه تحدي للباري وشرك، ولكن تأتي الدقة لجعفر بن محمد فيتنبهون لذلك، ونحن لا نريد الدخول في هذا لأنه من بحث العقائد، ولكن نريد أن نقول إنَّ ( الله أكبر ) مقال اعتقادي، يأتي الامام الصادق أو أمير المؤمنين عليهما السلام يقول لفهم ما هو معناه فإنَّ الله أكبر من أن يوصف ويصفه واصف، هذا هو التوحيد، فالتكبير مقالة اعتقادي هذا التكبير الذي هو في نفسه عبادة أخذه الله في جعل ثانٍ في الأذان فهو جعل التكبير في بداية الأذان وبداية الاقامة، والآن التكبير الذي هو في الأذان أليس جعلاً ثانياً؟ نعم هو جعل اثن ولكنه مزيج من الجعل الأول والجعل الثاني، وأيضاً التكبير أخذ في أول الصلاة وهو تكبير الاحرام للصلاة فيوقل الله أكبر وهو أخذ جزء الصلاة وحينما أخذ جزءاً في الصلاة أليس هذا جعلاً جديداً؟ نعم هو جعل جديد ولكنه يرتبط بالجعل الأصلي لالله أكبر، أصلاً أخذ جزء الصلاة كمقال اعتقادي فإن أغلب أجزاء الصلاة هي مقالات اعتقادية، يعني أن الصلاة عبارة عن انشودة عقائدية - وهذا لتوصيل المعنى - فالصلاة أشنودة عقائدية كيف يكون هذا في الجيش أو في مكان آخر يومياً يرددون نشيداً وطنياً، ولماذا؟ لأنه هوية وكمقالة وكرمز، فالصلاة - مع الاستسماح للصلاة - حقيقة من حقائقها أنها أناشيد اعتقادية تروّض فكر الانسان وقلبه وعلقه ورحه على هذه الحقائق، فهي أناشيد اعتقادية، فالتكبير الذي أخذ في الصلاة هو من الأصل مشرَّع ولكن أضيف عليه جعلاً ثانياً، كذلك التشهد، فإنَّ التشهد أخذ في الصلاة أصل التشهد ليس في الصلاة وإنما أصل التشهد هو في بداية الاسلام وبداية الايمان أول ما تريد أن تدخل الاسلام أو الايمان وقبل كل أبواب الدين قبل الصلاة وقبل العبادات الأخرى يلزم أن تعرف ماهية التشهد وهي ( أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأشهد أن علياً وآله حجج الله )، هذه الشهادات الثلاث جعلها سابق أخذ هذا لتشهد في الأذان كما يقول الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام وأخد في الاقامة وأخذ في الصلاة، لا أنَّ هذا التشهد شيء مبتدأ من رأس، ولا أنه ليس بجعلٍ جديد في الصلاة ،كلا بل هو جعل جديد ولكنه مزيج من الجعل القديم والجعل الجديد، وكذلك ذكر الركوع والسجود وهلم جرا، وكذلك أقوال الصلاة كسورة الحمد، فإنَّ سورة الحمد هي مجعولة كذكر وحياني قرآني قبل الصلاة لكنها أخذت من باب القرآن وجعلت في الصلاة، لا أنها جعلت ابتداءً من رأس في الصلاة بل جعلت قبل الصلاة في القرآن الكريم وكذلك السورة ايضاً، هذا يسمونه العل الثاني لا أنه ليس بجعل ولكن ليس أنه جعل من رأس مبتور ومقطوع عن الجعل الأول كلا بل هو نفسه الجعل الاول وزيادة، ولذلك نحن نصرّ على أنه في باب التشهد أنَّ التشهد حقيقة شرعية قبل الصلاة ولكنها أخذت في الأذان والاقامة للصلاة، والتشهد الصحيح الكامل هو الشهادات الثلاث، لا أنَّ التشهد في الصلاة شيء مبتكر جديد وجعل جديد مقطوع مستقل بمنأى عن الجعول السابقة، كلا بل الجعول السابقة هي حقيقة شرعية هذه الحقيقة الشرعية والجعل الأصلي أخذت بمزيد من الجعل في الصلاة، وشيئاً ما نذكر على هذا فإنه أمر مهم ، إذا يوجد عندنا في الجعل تارة هو مبتدأ من رأس، وتارة ارشاد لجعل سابق، وتارة الجعل موجود ولكنه مزيج من الجعل الجديد والجعل القديم المسبق، إذا ثلاث أنماط من الجعل وليس جعلاً واحداً أو أكثر من ذلك، ولماذا نميز هذه الأنماط الثلاثة أو الأكثر عن بعضها البعض؟ سببه واضح فإنه إذا كان الجعل مبتدأ من رأس فلا نعطف هذا الدليل في دلالته على دليل آخر أسبق منه، بل نحن وهذا الدليل بالخصوصيات التي فيه والقرائن التي فهي والمحددات والحدود التي فيه، لأنه مبتدأ من رأس، مثلاً يقول قائل ما ربط أحل الله البيع بوجوب الصلاة فإنَّ وجوب الصلاة باب وأحل الله بيع، وأن اقيموا الصلاة باب وأحل الله البيع باب آخر لا هذا يرجع إلى هذا ولا ذاك يرجع إلى ذاك إذا قارنا هذين البابين، أما إذا كان بين ﴿ أحل الله البيع ﴾ وبين ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فهذا يختلف، فإنّ ﴿ أحل الله البيع ﴾ و﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لهما ارتباط فإن ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أسبق من ﴿ أحل الله البيع ﴾ ، فـ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ اسبق من ( الصلح جائز ين المسلمين)، و﴿ أوفوا بالعقود ﴾ هو جنس للمعاملات الصحيحة، فيجب أن تلاحظ ارتباط ماهوي موجود بين ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ و ﴿ أحل الله البيع ﴾، وبين ﴿ أحل الله البيع ﴾ وبين ( الصلح جائز بين المسلمين ) و ( الشركة جائزة بين المسلمين )، فإذاً الجعل الشرعي والأدلة الشرعية تختلف فيما بين انماطها، نمط مبتدأ من رأس لا يعينه دليل آخر، ونمط ارشاد فهنا يلزم أن تلاحظ المرشد إليه، ونمط امضاء فلابد أن تلاحظ الممضى ما هو، ونمط جعل مزيج من الجعل القديم والجعل الجديد فـ﴿ أحل الله البيع ﴾ طبعاً لا يلغي ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ بل يضيف إليه شيئا آخر زيادة، التشهد إذا كان التشهد طبيعته عنه سقف أدنى وسقف أعلى، يعني عنده درجات، فالتشهد الذي يؤخذ في الصلاة لا يلغي ذاك التشهد وإنما يضيف إليه زيادة، أو يقرّ ما هو سابق لا أنه يتبدل حقيقة التشهد في الصلاة عن التشهد العام، فاستظهار أو قراءة أنَّ التشهد في الصلاة أو في الأذان أو في الاقامة غير التشهد الذي هو في مبتدأ الدين بوابة الدين هذه قراءة غير سديدة، واستنباط غير سديد بل هو نفسه أخذ لا أنه شيء جديد ولكن قد يضيف إليه الشرع شيئاً لا أنه يلغيه أو يمحو ماهيته كلا بل هو نفسه، ولكن ماهيته درجات فإنَّ أردت إسلاماً ظاهرياً فهو الشهادتان وإن أردت الاسلام الواقعي فهو الشهادات الثلاث، هو من الأول هكذا وهو نفسه أخذ في باب التشهد وباب الأذان والاقامة، وغفلة جملة من الأكابر عن هذا في جملة طبقات الأعلام فهذه غفلة وأنَّ العلم لا يحمي الغفلة وغنما يطالب باليقظة، فإذاً هذه نكتة مهمة وهي التعرف على أنماط الجعل.

وهنا نأتي إلى حرمة الغيبة فحرمة الغيبة هل حرمة مبتدأة من رأس؟ كلا، وهل هي ارشاد؟ كلا وستأتي الشواهد أنها ليست ارشاد، وهل هي إمضاء؟ كلا ليست إمضاءً لأنها في الأصل لها حدود ومحددات شرعية وإنما هي من النمط الرابع، وهذه الأنماط ليست أربعة فقط بل ربما تكون أكثر الآن من باب الاستقراء الناقص ذكرنا أربعة، مزيج من حرمة بخصوصها مع حرمة لاحقة.

ودعونا بدل التنظير الكثير نذهب إلى شواهد جزئية ميدانية في بحث الغيبة حتى لا يصير التنظير فيه اطالة كثيرة، ولو أنَّ التنظير لذيذ، لأنَّ عروق الاجتهاد والاستنباط بالتنظير، شواهد على أنَّ حرمة الغيبة هي من النمط الرابع وليس من الأول والثاني والثالث، وهي شواهد عديدة، ففي الروايات كما سنقرؤها ومن المهم أن نقرؤها حتى نعرف خصوصيات الدلالة في الروايات لأنها تفتح لنا وتنقح لنا البحث في جهات عديدة لأن الشيخ ربما ذكر سبع او ثمان جهات في حرمة الغيبة فإن شاء الله سنستعرض الروايات الخاصة ولا يقتصر البحث على الصناعيات الكلية، فذكر في الروايات كما سيأتي تعليل الحرمة تارة كما في الآية الركيمة المتقدمة ﴿ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً ﴾ هذا تعليل للحرمة، وفي جملة من الروايات الأخرى علل تحريم الغيبة بأنه اشاعة للفحشاء والآية الكريمة في سورة النور تقول ﴿ إن الذين يحبون أن تيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ﴾ وهذه الآية الكريمة ملحمة فأحد الأدلة التي ذكرت لتحريم الغيبة هي هذه الآية المباركة فهل الغيبة دوماً هكذا وهل اندراج الغيبة في اشاعة الفحشاء في الذين آمنوا اندراج تكويني أو اندراج تعبدي تنزيلي من الشارع أو ماذا؟، وما الفرق بين الاندراج التكويني والاندراج التنزيلي الاعتباري؟ الفرق باختصار هو ان الاندراج التكوين تترتب عليه كل الآثار الفقاع - ماء العشير - هذا الذي يبقى هذا ماء الشعير السريع بلا غليان وبلا ظهور زبد وفقه ينقع سويعات أو يوم من دون غليان سواء كان غليان بالنار او غليان بحرارة الهواء، فإذا لم يكن فيه غليان فهذا حلال، أما ما أن يصبح عليه زبد وفقاعات ولو قليلة فضلاً عن الكثيرة فهنا تبدل ماء الشعير إلى خمر استصغره الناس، فورد من الشارع أنَّ ماء الشعير ( خمر استصغره الناس )، وهنا مراد الشارع من قوله ( خمر ) هل هذا اندراج تكويني، وقد ذهب إلى ذلك جملة من الأعلام أو الكثير منهم إن لم يكن الأكثر، وجلمة أخرى منهم قالوا إنَّ المراد من ( خمر استصغره الناس ) هو تنزيل، فلاحظ حرمة الفقاع هل هي حرمة مبتدأة أو هي ارشادية أو امضائية؟ فإذا كان اندراجاً تكوينياً فسوف يصير ارشاداً لحرمة الخمر نفسها، فتترتب كل آثار الخمر عليه من النجاسة ومن الجلد ثمانين جلدة وغير ذلك، وإذا كان تزيلاً فهو اعتبار والاعتبار ليس هو مصداق تكويني وإنما الشارع هل أدرجه بلحاظ كل الآثار أو بعضها فهنا لابد من الفحص والتنقيب، وهذه نكتة مهمة وهي بحث فقهي صناعي مهم، وهي اندراج شيء في شيء هل هو اندراج تكويني أو اندراج تنزيلي اعتباري، وهذا بحث طويل لا نريد التوسع فيه أكثر، مثلاً ورد أن المحرم إذا ذبح الصيد أو اصطاد الصيد فالصيد ميتة، وميتة بأي معنى؟ يعني هل الاندراج تكويني فإذاً هي نجسة ولا يحل أكلها وغير ذلك، أما إذا كان تنزيلاً فعلل المراد أنه لا يحل أكلها لا أنها نجسة بل هي طاهرة، اختلف العلماء في ذلك بأن صيد المحرم ميتة بأي معنى، ومن هذا القبيل الاندراج موجود عندنا في الأدلة، هنا الآن حرمة الغيبة مندرجة في حرمة ﴿ إنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا أولئك لهم عذاب أليم ﴾، فهنا الفقهاء قالوا ماذا يعني فإنَّ الآية لم تقل إنَّ الذين يشيعون وولم تقل عن الذين أشاعوا وإنما قالت إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فالحرمة ترتبت على المحبة وهذا شبيه ﴿ ولا تقربوا الزنا ﴾ فحب الاشاعة هكذا يكون ذنبه فكيف بك بالإشاعة، فالآية الركيمة هي هكذا ﴿ إن الذين يحبون أن تشع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ﴾، فهل اندراج الغيبة في هذه الآية الكريمة إذا كان اندراج الغيبة في هذه الآية اندراجاً تكويناً فهذا يعني أنَّ الغيبة من الكبائر، لأنه توعد عليها بالعذاب وهذه جهة من الجهات التي أثارها الشيخ الأنصاري، فإذاً لها كل الآثار ومنها أنها تكون من الكبائر، وطبعاً هذا مبحث مستقل في نفسه سنعود إليه وهذه الآية الكريمة في محطة مهمة وهي مثل آية ﴿ ولا يغتب بعضكم بعضاً ﴾ هذه الآية الكريمة أيضاً هي محطة مهمة سنعود لها، وهذه جهة في الحرمة تختلف غير تلك الجهة.

وأيضاً من التعليلات الي ذكرت في الروايات لحرمة الغيبة ذكر أنه إيذاء للمؤمن، والإيذاء هو حكم وحرمة سابقة، وأيضاً ذكر في الروايات أنَّ الغيبة هي كشف لعوار المؤمن وحتى في روايات ستأتي أن الراوي يسأل أسفليه أو أسافله قال ليس حيث تذهب بل فيما هو أشد من عوار البدن هو عوار الروح أو النفس وهو أن تكشف مثلاً مثالب عليه في الصفات الأخلاقية أو الصفات النفسانية، واللطيف في بعض الروايات أنه إذا رصد المؤمن على المؤمن الآخر نقاط ضعفه ليحصيها عليه ليسقطه في أعين الناس بها فهذا الترصد قبل الاشاعة عليه وعيد من العذاب شديد، إذا كان يترصد بنية أنه يسقط المؤمن هلم جرا، نفس هذا محرم وكبيرة من المحرمات بغض النظر عن نفس الاشاعة، فعلى كلٍّ ذكرت في الروايات الكثير من جهات الحرمة مجموع هذه الشواهد أو التعليلات في الآيات والروايات لجهة الحرمة في الغيبة يستفاد منها أنها مجمع لمحرمات.

وهذه نكتة صناعية أخرى لا بأس أن نلتفت إليها ونستطيع أن نقول هي نمط خامس: - فيوجد نمط خامس من الزيج الذي ذكرناه فيما تقدم، وهو أن هناك حرمات متعددة سابقة أصلية ولكن موضوعاً ما يكون مجمع لتلك الأحكام، فلكونه يكون مجمع دائماً لتلك الأحكام جل الشارع له جعلاً خاصاً، ولماذا جعل له جعلاً خاصاً؟ لأنَّ هذا العنوان والموضوع ليس فقط تنزّلاً لحكم واحد أو اثنين أو ثلاثة وإنما لعدة أحكام تجتمع في هذا العنوان لولا الجعل الجديد من الشارع لما تنبّه المكلفون إلى خطورة هذا العنوان وأنه مجمع لأحكام عديدة، سواء كان في الوجوبات أو في المحرمات، فهو إما أن يكون مجمعاً لمحرمات فتشتد حرمته أو مجمع لوجوبات فيشتد وجوبه، وهذا النمط الخام من الجعل هو كثير في أبواب الفقه يجب الالتفات إليه، وكمثال ونختم الكلام وهو زيارة المعصومين عليه السلام واقامة العتبات الشريفة معمورة وعامرة بالعبادات وبالزوار وبالرواج الديني، ﴿ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ﴾ فنفس عمارة المسجد الحرام مهم، فإن نفس ﴿ وعمارة المسجد الحرام ﴾ هي ركن من أركان الدين، فهو لم يقل كالجهاد، فلا تجعلوا عمارة المسجد الحرام كعلي بن أبي طالب ﴿ كمن آمن بالله واليوم الآخر ﴾، و( من ) هو شخص، فعليّ هو ركن الأركان فلا تقايسوه ولكن بالتالي عمارة المسجد الحرام هي ركن من أركان الدين، فلاحظ الآن عمارة المسجد الحرام هل هي وجوب واحد أو هي مجمع لوجوبات؟ إنها مجمعٌ لوجوبات، وكذلك زيارة الأئمة عليهم السلام فصحيح أنَّ فيها بعد فردي وأنه مستحب وغير ذلك ولكن طبيعتها متضمنة منطوية على مجمع الوجوبات، هذا نمط مجمع الوجوبات وهو نمط خامس من الجعل يجب الالتفات إليه، ولا يتنافى مع الخصوصيات المستحبة، والبحث والكلام يطول فيه وسوف نتابعه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo