< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

42/02/23

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: - نظام الامضاء والارشاد والتشريع - ( حرمة الغيبة ) - المسألة التاسعة - المكاسب المحرمة.

مرَّ بنا أنَّ حرمة الغيبة هل هي حرمة تأسيسية مبتدأة أو هي حرمة ارشادية لحرمات إيذاء المؤمن وظلمه واهانته وتعييبه والأدلة الواردة في حرمة الغيبة هي ارشاد إلى تلك الحرمات، وهذا احتمال ثاني، يوجد احتمال ثالث مرَّ بنا أنها ممزوجة بين كونها تأسيسية تأصيلية وبضميمة تحريمات أصلية سابقة، وهو الأصح ما سنلاحظ، ولكن كان الحديث عن المائز بين الامضاء والارشاد ، فما هو المائز بين الارشاد والامضاء وربما في جملة من الكلمات في عصرنا يحصل خلط بين الامضاء والارشاد، فالامضاء يعني يوجد اصطلاح التأسيس والامضاء والارشاد وهلم جرا، التأسيس والامضاء كلا النمطين مولوي، فهو جعل واعتبار مولوي، والارشاد كما مر بنا في بحوث سابقة ليس فيه جعل وتشريع، المرشد إليه مجعول مشرّع مولوياً فهذا بحث آخر أما نفس الارشاد ليس فيه جعل مولوي، والارشاد قد يكون بالإخبار أو بالإنشاء فيوجد أمر ارشادي ويوجد اخبار إرشادين يعني ينقسم الارشاد إلى إخبار وإنشاء، فحينما يقولون الارشاد يتضمن الانشاء لا يريدون من ذلك أنه جعل وتشريع، وحينما يقال إنشاء الأمر الارشادي وإنشاء النهي الارشادي فهذا الانشاء ليس جعلاً تشريعياً وإنما هو ينشئ من باب الانشاء بداعي الارشاد لا بداعي المولوية، فهو يأمر بداعي الارشاد والنصح والنصيحة لا بداعي المولوية، فالإرشاد ليس فيه جعل وتشريع وإنما المرشد إليه فذاك أمر آخر فإنَّ المرشد إليه أجتبي عن المرشَد وهو الارشاد فالمرشد إليه له جعل مستقل بحيال نفسه، يعني من مقامات الباري تعالى تارة الوهية أو ولي ﴿ إنما وليكم الله ﴾ هذا مقام غير مقام آمنوا بالله ورسوله وإلوهية الله تعالى، فمن أحد مقامات الباري أنه مرشد ومعلم والمعلم ومقام التعليم هو مقام ارشاد، وطبعاً معلّم وحياني، من أحد مقامات النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليت للأسف لم يبحثها المتكلمين أو المفسّرين بحثاً مفصلاً مقام أنَّ النبي معلم، وحسب تعبير علماء الامامية المعلم الأول ليس ارسطو أو افلاطون بل المعلم الأول هو النبي والمعلم الثاني هو أمير المؤمنين عليهما الصلاة والسلام فهو معلم وحياني، ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب الحكمة ﴾، ويزكيهم يعني مربي فمربي هو أحد مقامات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويتلوا عليهم آياته يعني يعلم الناس حتى ابتدائيات الوحي، فهو يتلو عليهم آياته ويزكيهم ثم ﴿ ويعلمهم الكتاب الحكمة ﴾ فأحد المقامات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه معلم، ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ﴾ فهم المعلمون، وتوجد بيانات كثيرة في القرآن الكريم أن الذين يحضرون عند النبي منهم أولو العلم يعني أمر المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين، إذا خرجوا منك قالوا كذا أو ﴿ وقال الذين أوتوا العلم ﴾ فالقرآن الكريم يصف بعض من حضر عند الني هم من الذين اوتوا العلم الاصطفائي اللدني وهم اهل بيته، فعلى كلٍّ الباري تعالى ثم رسوله وأوصياء الرسول أحد مقاماتهم المعلّمية، هذا المعلم أي حجية فيه؟ إن المعلم يحدق العلم لدى المتعلم فتكون الحجية من جهة العلم لا من جهة مثلاً المنجزية والمعذرية والمولوية العقوبة وغير ذلك وإنما من جهة العلم، وهذا باب مهم في بحوث المعارف وحتى في بحوث افقه مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحتى الخطاب لله عزّ وجل مع الأمم المختلفة فهو لا يخاطبهم بما هو ولي وشديد العقاب وإنما يخاطبهم أنه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا يعني بحثاً عليماً وحوراً علمياًن فالكثير مما في القرآن الكريم من الله تعالى مع العباد هو خطاب علمي بما هو معلم هذا يعبرون عنه بالإرشاد إلى البرهان وإلى الدليل، فالحجية هي في المرشد إليه وليس نفس الارشاد، وهذا بحث لطيف، وهو أنَّ الخوض في الروايات سواء كان في العلم الدينية في العقائد وفي غيرها ليس من الضروري أن يكون تعبداً مولوياً، وإنما من باب الحوار العلمي، وهل الروايات هي من باب الحوار العلمي؟! طبعاً فأنت تستعرض أقوال العلماء في كل علم فهذا ليس من باب التعبد بأقوال العلماء وإنما من باب الأفق العلمي فالله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله عنده افق علمي وحياني فهو ارشاد، ولماذا يراجع أي علم علماء علم معين؟ أليس للاسترشاد العلمي فإنَّ هذا لا يشك فيه أحد، وهذا ليس من باب المولوية فما بال الروايات الضعيفة، ولذلك هذه عقلية غير أصولية يقول أنت إذا راجعت الروايات الضعيفة تصي اخبارياً، بل بالعكس أنت أيها القائل اخباري لأنك تعتمد فقط على الصدور والحال أنَّ الاسترشاد العلمي لا يتطلب سنداً وصدراً، الآن عالم الفقه حينما يراجع علماء الفقه هل هو يقلدهم؟ كلا، وهل لهم مولوية؟ كلا، ولكن لماذا يراجع كلماتهم؟ لأجل الاسترشاد يعني حصول العلم، كذلك المفسر يراجع كلمات المفسرين فهل يحرم عليه مراجعة كلمات المفسرين فهل إذا راجع المفسّر كلمات المفسرين أو راجع الفقيه كلمات الفقهاء يكون قد قلدهم؟!! كلا وليس هو اخباري وإنما هو استرشاد فالرجوع إلى الروايات الضعيفة هو من هذا الباب فلعله توجد نكتة علمية نلتفت إليها من خلال الروايات الضعيفة، وهذه أحد ثمرات الروايات الضعيفة وهي ثمرة صناعية أصولية فالتمشدق بأنني أصولي ولا اعتمد على الأخبار الضعيفة هو تمشدق جهول في عين الجهالة لأنَّ الاسترشاد شيء آخر غير الحجية الظنية المولوية، طبعاً هذا مشهور علمائنا ملتفتون إليه ولكن نحن نعيش في آونة أزف فيها العلم وارتحل وهذه النكات موجودة في علم الأصول هي الآن منسية ومغفولة باسم تمشدق الصول والأصولية.

فالمقصود هذا المطلب، وهو أنه ليس من الضروري الرجوع إلى الله من باب اللجية المولوية فحتى الآيات ليس من الضروري أن ترجع إليه من باب الحجية المولوية وإنما تسترشد علمياً، الآن في علم الكلام هل إذا رجعنا إلى القرآن الكريم في التوحيد فأولاً ثبت العرش ثم انقش، فنحن نرجع في التوحيد إلى القرآن بأيّ معنى؟ تسترشده علمياً وأنَّ أدلة التوحيد ما هي وأدلة رسالة الرسول ما هي وأدلة رسالة الرسول ما هي، فهي استرشاد، وهذه نكتة صناعية لطيفة، فالمشكلة هي عدم الحذلقة الصناعية، فباسم الأصول يترك التدقيق الصناعي، وهي آفة وأزمة علمية كبيرة، الآن حينما علماؤنا الأعلام حينما يقولون لا تقليد في العقائد فهل هذا معناه أنَّ المؤمن من عموم المؤمنين هل من المعقول أن يترك كلمات العلماء؟! إنَّ هذا ليس معقولاً، لأنَّ نفس علماء الكلام يستقوي بعضهم ببعض لا من باب التقليد وإنما من باب الاسترشاد، فكيف بمن هو ليس بعالم هل يطلق العلماء فإنَّ هذا الطلاق غير جائز والشرائط غير صحيحة ليس بالضرورة ن يكون تقليداً ولكن من باب الاسترشاد هم العلماء يسترشد بعضهم ببعض، بالله عليك هل رأيت عالماً يكتب كتاباً علمياً لا يسترشد فيه بمن قبله أو من عاصره من العلماء فهل يقولون عليه أنهم عالم وإنما يقولون هذا جهل، فالعالم يرجع إلى العلماء الذين قبه وهو يرجع ليس تقليداً وإنما استرشاداً فإنَّ الاسترشاد باب واسع، كيف أنت تتصور بأنَّ العوام لا يجوز له التقليد يعني يترك العلماء؟!! وكيف هو يترك العلماء بل العالم لا يمكنه أن يترك العلماء بكيف بك بغير العالم، ولكن هذا ليس تقليداً وإنما من باب الاسترشاد، فدققوا هذه كلها نظم صناعية تفسر لنا مباحث دينية كثيرة ومسائل دينية كثيرة في علم الكلام وعلم الفقه وغير ذلك، ألم يقول العلماء إنَّ المكلف إما أن يجتهد أو يقلد أو يحتاط؟! بالدقة الاحتياط هو استرشاد، والاحتياط هو فراغ الذمة بشكلٍ يقيني ولو اجمالاً، فهو يرى كلمات العماء فيسترشد منها الطريقة الجامعة الاحتياطية، نعم هو ليس بملزم انه يقلد ولكن هذا لا يعني أنه يترك العلماء بل العماء نفسه لا يمكن أن يترك بعضهم بعضاً فكيف بالعامي؟!!، إذاً باب الاسترشاد هو باب وسيع وعظيم مع أنه ليس بحجية وليس بمولوية ولكن باب واسع، وقد سألت أستاذنا السيد الروحاني كنت أسأله مراراً مثلاً في جلسة استفتاء يقول انظروا إلى الفقه الرضوي ماذا يقول في هذه المسألة ونحن نقول له سيدنا هل صدوره تام عندك، فقال كلا ولكن لماذا تصر على الرجوع إليه فقال أصلاً المضمون الموجود في الفقه الرضوي هو نوع من علاج الجمع لطوائف الروايات، فلا أقل يصير عندنا احتمال كيفية الجمع وهذا يسمونه استرشاد، إذا من قال لك أيها الباحث الحصيف أن الرجوع إلى الروايات فقط إذا كانت معتبرة، كلا بل هي ليست معتبرة صدوراً ولكنك ملزم بالرجوع إليها من باب الاسترشاد فهي قد تثير لك احتمال أو قرينة وهلم جرا، وربما علماء الأصول ذكروا ذلك وأنا اتعجب بمن يتمشدق بالأصول ولا يدري ما هو موجود في الدورات الأصولية المطولة، نفس علماؤا لول ذكروا خمسة عشر فائدة صناعية ملزمة للخبر الضعيف أحدها الاسترشاد، فهذا بناءه أنَّ الرجوع إلى الأخبار بشكل أعمى؟!! ولكن من قال إنَّ الرجوع هو بشكل أعمى، الآن هل عالم يرجع إلى عالم آخر مع أن قول العالم ليس بحجة في حق العالم ليس بحجة ولكن ليس بحجة لا يعني أنه لا يرجع إليه وغما رجوع استرشاد ومن قال إنَّ الرجوع كله رجوع تقليد أو رجوع حجية؟!! قاول العامل في حق العالم الآخر لا اجتهاد ولا تقليد وإنما هو استرشاد، بناءه أن الحجية تنحصر بحجية مولوية كلا فإن افق الحجية واسع، وهذه طامة، فمثلاً يقول قائل تعال لخص البحار أو غيره، فواقعاً هذه طامة، لأنه جهل علمي كبير، أو تعال أرم كل كتب الفقه في البحر فهل يقول عاقل بهذا وهل سمعتم بعاقل يقول ارموا بكتب الفقه للقرون السابقة في البحر، إنَّ هذا جاهل ينادي بهذا النداء؟ قطعاً هو جاهل فكيف تريد أن ترمي كتب التراث في البحر بل عليك أن ترمي نفسك في البحر، فأيّ تلخيص وأي عناوين جهولة هذه، فصراحة توجد أزمة علمية، وأنت سمعت أن كتب التفسير ارمها في البحر لأنه لا يريد أن يقلد والحال أنه هذا غير صحيح بل الرجوع إليها من باب الاسترشاد والاسترشاد باب واسع لا ربط له بالحجية المولوية وغيرها، كافة الأصوليين في عصرنا المتأخر يقولون مثلاً بأن قول اللغوي ليس بحجة ولكن مع ذلك يلزم أن نرجع إليه وكذلك الخبر الضعيف وذلك من باب الاسترشاد لتحصيل العلم، أحد الباحثين جزاه الله خيراً طبع جزء عمَّ ذيّله بروايات استاذ أو اثنين من الحوزة قالوا إنَّ هذا اخباري فكيف يطبع الروايات، وهذا عجيب، فهل إذا قال: قال السدي أو غير لا يوجد مانع أما إذا جاء برواية ضعيفة قالوا عنه أنه اخباري أو منهج منحرف؟!! إنَّ هذا أمر عجيب، فهل الرجوع إلى قول السد ومجاهد ليس انحرافاً ولكن الرجوع إلى الروايات الضعيفة انحراف؟!! فهو لم يرجع إلى الروايات الضعيفة كاعتماد مولوية وإنما استرشاد، أنت تسترشد بالدس ومجاهد وهذه الزمرة لا يوجد عليك إشكال وتستشكل عليه بأن يرجع إلى الروايات الضعيفة كاسترشاد في المنهج التفسيري؟!! أين نعيش فتعال إذاً احذف الروايات الضعيفة أو احرقها، بل عليك أن تحرق نفسك قبل أن تحرق الروايات، فأنت لا يوجد عندك علم، من قال إنَّ المنهج الاصولي يدعوك إلى أن تتلف التراث، من قال لك أنَّ النهج الأصولي يدعوك إلى أن تتلف التراث بل عليك ان تلف عقلك اولاً أو تصحح عقلك أولاً، فليس الرجوع إل الروايات دوماً على الحجية المولوية وإنما من باب الاسترشاد، فأنت لا تعرف باب الاسترشاد، بل الأصوليون في الكثير من الموارد مثل قول اللغوي ليس حجة عندهم مولوي ولا غير ذلك فهو ليس مسند وهو مراسيل ولكن مع ذلك من باب الاسترشاد وتحصيل تراكم الاحتمالات يحصل العلم فالاستشراد هو لحصول العلم، ومر بنا مقام المعلم لله تعالى ومقام المعلم لرسول الله صلى الله عليه وآله، هذه بحوث بديهية، والأنكى أنه يتمشدق براية علم الأصول فأيَّ فهم لعلم الأصول أنت تهدي به؟!! فإذاً يوجد تغيب لمنظومة عليمة في علم الأصول باسم علم الأول ليس أكثر.

إذاً الارشاد أوليس كل علماء الامامية علماء الأصول أنهم اجمعوا على أه يجب الفحص قبل الاستنتاج ولا يكفي أن تستدل بأدلة معتبرة خاصة أو عامة بل لابد ان تفحص زادة عن وذلك والفحص لأجل ماذا؟ إنه لأجل تحصيل الواقع ولأجل العلم، فإذا انبثق لدى الفقيه ولدى المجتهد احتمال ليس بحجة في مقابل حج بيده الآن من دليل خاص أو عموم هو بيده بالفعل، ولكن في قبال هذه الأدلة المعتبرة التي هي حجة ومقولبة يوجد احتمال عقلائي مخالف لهذه الأدلة فهل يلزم بالفحص أو لا؟ إنه يلزم بالفحص، لأنه ما أن يستتم الفحص في الاستدلال ليس له الركون إلى الأدلة التي وقف عليها ويكونن معذوراً وتام النصاب مع أنه يوجد احتمال في قباله والحال أنَّ الاحتمال في نسه ليس بحجة ولكن هذه طبيعة الفحص، لأن طبيعة الأدلة منظومية، لأنَّ هذا الاحتمال قد يوصلك إلى العلم مخالف لهذه الحجج الظنية، وإذا لم يكن مخالفاً بنحو المباينة فقد يكون بنحو التخصيص والتقييد وبنحو انقلاب النسبة ووارد ومورود وحاكم ومحكوم، فلا تقل ما فائدة الأخبار الضعيفة، فعليك أن تذهب وتقرأ الكتب الأصولية كالقوانين والفصول والكتب الأخرى المطولة في الأصول، فإذا لم تقرأها فسوف تصير أزمة والحال أنَّهم ذكروا كل هذه الأمور في تلك الكتب.

فإذاً الارشاد سنخه صحيح ليسح حجية مولوية ولكن ملاحظته والتتبع في مجاله ملزم، ولذلك القرآن الكريم يقول ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ هذه من الآيات في حجية خبر الواحد، ولم يقل يحرم عليكم التبين، والتبين هو الفحص فهل هكذا منطق القرآن الكريم؟ كلا، فمع أنَّ الخبر ضعيف مسلَّم الضعف لأنه جاء به الفاسق ولكن مع ذلك القرآن الكريم يقول انت ملزم بالفحص، وهذا أدنى أثر يذكره القرآن الكريم للخبر الضعيف، وهذا تابت بنص القرآن، وأنت إذا أردت أن تستدل بحجية خبر العادل فحجية خبر العادل لم تكن منصوصة في هذه الآية الكريمة منطوقاً وإنما هو منصوصة بالمفهوم أما المنطوق في القرآن الكريم يقول إنَّ الخبر الضعيف له أثر، نعم هو ليس بحجة في نفسه ولكنه يلزمك بالفحص ولابد أن تتصفّح في مضمونه، ﴿ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾، فهذا نصَّ القرآن الكريم، وهذا هو أحد معاني حرمة الردّ، أنه أجمع علماء الامامية كافة من اخباريين واصوليين ان الأخيار حتى الضعيفة يحرم ردّها، فإذا كانت ليست حجة فما الثمرة فيها؟ عن الثمرة فيها هي لزوم الفحص، كفى بها أن تحدث لك احتمال، وهذا مبحث صناعي متفق عليه الآن الجو العلمي ناسٍ له، يقولون تعال صفِّ الأخبار فأيّ كلام هذا فأنت تصطدم مع ضروريات من مذهب الامامية أجمع عليها الأصوليون فانت لا اخباري ولا أصولي فأيّ منهج تأخذه؟!! هذه أمور عجيبة غريبة من حالات علمية أو لا علمية.

فإذاً الارشاد صحيح ولكن باب واسع، أقوال العلماء هي من باب الارشاد، لماذا يستعين العلماء بعضهم بجهود بعضهم الآخر فهذا ليس من باب التقليد ولا من باب أنَّ هذا العالم يعتبر ذلك العالم معصوماً لا يخطئ، فإنَّ أكثر الناس بصيرة ببعضهم البعض هم العلماء فلا يتوهمون أن أحدهم معصوم، فهم يعلمون بأنَّ هذه ليست عصمة ولكن لا يستغني بعضهم عن بعض، لأنَّها هذه جهود استرشاد، ( من استبد برأيه هلك ) فهذا ارشدنا للنور، يعني أنه استعان بتحصيل العلم أي بالإرشاد.

فإذاً الارشاد ليس فيه مولوية ليس فيه جعل ولكنه ملزِم أي منطق لزوم الفحص، العقائد ليس فيها تقليد وعوام المؤمنين لا يقلدون في العقائد ولكن هذا لا يعني أنهم يتركون العلماء، فإنَّ الذي يبث فيهم أن يتركون العماء هذه دعوة غواية، بل هو العالم لا يستغني عن العلماء، ولو كان أعلم العلماء فهو لا يستطيع أن يستغني عن بقية العلماء، لأنَّه يستعين بهم بالمعلومات والجهود، نعم ينتقي منها الصحيح ويميز الصحيح من غيره وهلم جرا، فكيف إذاً بعموم عوام المؤمنين الذين ليس لديهم تخصّص فهل يستطيعون أن يتركوا العلماء؟!! كلا فإنَّ هذا غير صحيح، بل بالعكس، فعدم التقليد لعوام المؤمنين أو غير عوام المؤمنين - أي المؤمنين - عدم جواز التقليد في العقائد يكلّف المؤمن بمزيد من الجهد، أما لو كان تقليداً رجع إلى واحد وكان الله غفوراً رحيماً، أما حينما يكون التقليد غير وارد فهنا يجب أن يجمع بين كلمات العلماء والاستدلالات وغير ذلك وليس في كل التفاصيل فلا أقل في الأمور الضرورية في العقائد، وهذا هو معنى أنَّ العموم العامي من عموم المؤمنين يجوز عليه أن لا يقلد، يعني يجب عليه أن يقوم بتحرّي شيء من الاجتهاد والاسترشاد هو هذا معناه، لا أنه يطلق العلماء ويتركهم فإن هذه دعوة غواية وليست دعوة هداية، وتوجد عبارة لطيفة عند السيد الخوئي في قضية تقليد الميت قال لو بنى على تقليد الميت وضم معها الأعلمية إذاً صار مثلاً ًحد العلماء إماماً ثالث عشر وهذا ليس بصحيح، ومقصوده هو هذا المطلب وهو أنَّ طبيعة الرجوع إلى مجموع العلماء وليس إلى عالم واحد بل لابد من الاسترشاد بمجموع العلماء وسيأتي كلامه في بحث الأعلمية والمقصود هو هذه النكتة نفسها.

فصحيح أنَّ عموم المؤمن لا يقلد في العقائد ولكنه ملزم بالاسترشاد بالعلماء، العالم ملزم بأن يسترشد بالعلماء فكيف بغير العالم؟!!، نعم لا يجوز له التقليد ولا يجوز له التبيعة العمياء ولكنه ملزم بالاسترشاد ببقية العلماء، الرجوع إلى الخبر الضعيف بمفرده لا يصح لأنه ليس بحجة استقلالية ولكن أنت ملزم بأن تسترشد بالأخبار الضعيفة، أما كيف تسترشد بها؟ يعني تستحصل العلم منها، قول اللغويين ليس بحجة فلا يصح أن تعوّل عليه بمفرده ولكن أنت ملزم بالاستفادة منه، ونفس صاحب الكفاية يذكر في الكفاية أنَّ قول اللغويين ليس بحجة ولكن الرجوع إليهم ملزم وذلك من باب الاسترشاد وتحصيل العلم بتراكم القرائن والاحتمالات، فباب الاسترشاد بابٌ عظيم، هذ الشخص سمع كلاماً واحداً وبنى عليه كل علم الأصول ولكن هذا غير صحيح فمتى عرفت الأصول وأيّ اجتهاد التفت إليه، ألف باب وباب في علم الأصول وألف طريق وطريق في علم الأصول.

إذاً باب الارشاد ليس مولوية ولكنه ملزم، والكثير من الأبواب ليست مولوية وإنا هي ارشادية ولكن فيها إلزام، مثل بحث التقليد في العقائد، وهذه نكتة مهمة، وهذا ليس في العقائد فقط وإنما المجتهد أو العالم في العقائد يسترشد بعلماء العقائد الفقيه في الفقه يسترشد بأقوال الفقهاء، العلامة الحلي وكاشف اللثام وصاحب الجواهر ومنقول شفاهاً عن السيد أبو الحسن الأصفهاني والسيد البروجردي والكثير من الكبار يقولون إنَّ الفقيه الذي لا يراجع كلمات الفقهاء يوجد خلل في فقاهته واجتهاده وتصديه للمرجعية، وهذا ما ذكره العلامة الحلي في وصيته لابنه، وهي مطبوعة كتابه القواعد، وكاشف اللثام حينما يشرح الوصية هو أيضاً يعقب بشيء طويل، وصاحب الجواهر في عدّة مواضع من الجواهر ذكر ذلك، فكل هؤلاء العلماء يقولون إنَّ الفقه الذي لا يسترشد بأقوال العلماء يوجد خلل في فقاهته وعلميته وفتواه حتى لنفسه وأنه لا يصح أن يعمل بفتواه حتى لنفسه، لأنَّ هذا اجتهاد ناقص وخلّ، وهل هذا يعني انه يقلهم؟ كلا إنه لا يقلدهم وإنما الاسترشاد مهم في الكثير من الامور، فهكذا إذا كان شأن العلماء فيما بيهم مع أنه لا توجد حجية مولوية في كلماتهم ولا غير ذلك ولكن من باب الاسترشاد فكيف الحال إذاً في باب الروايات الضعيفة؟!! إنَّ هذه مشكلة مثل هكذا نوم علمي عميق مشكلة كبيرة، فباب الاسترشاد باب عظيم، وهو غير الامضاء الذي مرَّ بنا أمس، فإنَّ الامضاء مولوي، فلاحظ هذه مناهج في البحث الأصولي يجب أن تتبلور، وإلا فالباحث سوف يضيع عنده المسير أو المشية والرويّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo