< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة التاسعة ( حرمة السب ) - المكاسب المحرمة.

كان الكلام في أنَّ الأخوة ذات درجات وأن آثار الأخوة تختلف بحسب درجات الأخوة، فالموالاة والمودة كما قرر صاحب الحدائق ووافقه عليه الشيخ الأنصاري كثيرون هي مترتبة على الأخوة الايمانية وليست على الأخوة النسبية أو الأخوة بحسب ظاهر الاسلام أو ما شابه ذلك وسيأتي باعتبار أن الموالاة الدينية في الأصل مترتبة على الايمان نعم ظاهر الاسلام قد توجد فيه توافقات بحسب ما هو مقرر في ظاهر الاسلام ولكن هذا ليس بقول مطلق عندهم.

ولذلك في الآية الكريمة ( ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو اعجبتكم أولئك يدعون إلى النار ) فالزواج شيء والمودة شيء آخر فالمودة في الأصل هي الايمان فالمولاة هو الايمان، ( ولي لمن والاكم ) فهو بهذا المعنى، نعم هناك كما مر بنا في الآية الركيمة ( وصاحبهما في الدينا معروفاً )، فإنَّ الصحبة بالمعروف والتعايش بالمعروف أمر آخر، ( لا ينهاكم أن تبروهم وتقسطوا إليهم )، فالبر والقسط شيء وعدم نكث العهود شيء وبين الموالاة والمودة، فإنَّ المودة مثلاً يترتب عليها الكثير من آثار المولاة والمودة، ولكن هذه الأمور كما قرر صاحب الحدائق هي مترتبة على الأخوة الايمانية، وهذه نكتة مهمة نفيسة.

ولا بأس أن نذكر بعض كلمات الأعلام ثم نذهب إلى الروايات: -

فيمكن التعبير عن الاحترام الحرمة للطف الآخر بحسب طبقات العناوين ودرجاتها كما مر بنا يمكن أن يعبر عنه بالحقوق أيضاً، الحقوق المتبادلة، يعني بحسب القانون الوضعي العصري الحديث يعبر عنه بالحقوق المتبادلة، وجملة من هذه الأمور نحن قد استعرضناها ولكن نكررها الآن، فصاحب الرياض ذكر - ولعلنا نقلناها ولكن ليس بنحو التفصيل - أن الهتك والاهانة للفاسق هي درجات ولابد من تناسب مستواهما مع درجة سوقط الحرمة يعني كما مر أنه حتى فيمن نفيت عنه الحرمة فهذا النفي ليس نفياً مطلقاً، فيجب التدقيق صناعياً قالبياً في درجات الحرمة ولا درجات الساقطة من الحرمة فهي ليست سقوط مطلق ولا تقرر مطلق وغنما هي أمور نسبية كما افاد صاحب الرياض.

وأيضاً أشار الأعلام إلى أنه قد يكون هناك تعارض بين مراعاة حقوق الطرف الآخر والحق العام مثلاً طرف صاحب بدعة وضلالة فهنا الحق العام جانب والحق الخاص جانب آخر وسيأتي بحث هذا مفصلاً.

وأيضاً توجد نكتة أخرى أثارها الأعلام سنستعرضها في طي الروايات والأدلة:- وهي أنهم قالوا إنَّ الفاسق المتجاهر بالفسق تسقط منه جملة من درجات الاحترام، فإذاً التقييد بالمتجاهر نفس الفسق بما هو إن لم يبرز إلى العلن لا يسقط الحرمة والاحترام، وهذه نكتة مهمة، فكما يقولون إنَّ خفاء حتى الفسق وما شابه ذلك وعدم بروزه في الظاهر يقرر له درجة من الحرمة والاحترام ولذلك سيأتي في الروايات حتى في الغيبة وما شابه ذلك إذا كان قد راعى هذا الشخص قد راعى الظاهر وإن كان في الواقع هو فاسق ويرتكب الكبائر فإذا راعى الظاهر فحينئذٍ لا يجوز هتك حرمته إذا لم تكن بارزة، وهذه نكتة مهمة وهي أن نفس صيانة الظاهر لها حرمة، لا أنه فقط بحس بالوقاع كلا بل الظاهر له دور مهم فصيانة الظاهر لها اثر، ولربما هذه من الكثير من المؤمنين بوجه أو بآخر علم بأن فلاناً فاسقاً ولكنه صائن لظاهره فهذا لا يسوّغ حينئذٍ اسقاط حرمته أو ما شابه ذلك لأن نفس صيانة الظاهر ورعاية الظاهر لها درجة مهمة، ولذلك سيأتي في موثقة سماعة:- ( من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته وكملت مروّته وظهر عدله ووجب أخوته )، يعني بغض النظر عن الواقع له كيف هو، يعني نفس صيانة الظاهر يوجب له حرمة ، ولذلك الوارد في الروايات أنه إذا جاهر الفاسق بفسقة فلا حرمة لهولا غيبة، يعني نفس عملية بروز الظاهر للسطح، وهذا البحث مهم أيضاً وهو أن الظاهر له دور كبير عند الشارع، لأن الظاهر إذا روعي وقام بصيانته فهذا نوع من الطهارة لبة الظاهرة العامة في المجتمع، ولذلك الحدود لا تثبت إلا بشهود أو بما شابه لأنه قبل بروزها إلى العلن هي بالتالي يكون المرتكب لهذه الكبائر قد قام بصيانة الظاهر، فنفس صيانة الظاهر هو أمر له موضوعية في أبواب فقهية عديدة، وهذه نكتة مهمة في بحث الاحترام والحرمة، فما يقال من أنه بالتالي هو يرتكب هذا الشيء ولكن نقول إنه يوجد فرق كبير، لأن هذا إذا ارتكب ذلك في العلن وبرز إلى العلن فهذا مثل عدوى المرض فهو يلوث البيئة العامة، فقضية الظاهر أمر مهم يجب الالتفات إليه في بحث الحرمة والاحترام.

نعم في رواية هارون بن الجهم قال ( إذا جاهر الفاسق )، فهنا قال ( جاهر ) يعني هذا نوع هتك آخر غير اصل الفسق فالمجاهرة بالفسق هي بنفسها نوع من المخالفة الشنيعة جداً، مثلاً رواية علي القماط عن الصادق عليه السلام ( فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً ولم يشهد عليه عندك شاهدان فهو من أهل العدالة )، وهذه الرواية البعض استظهر منها أن العدالة هي المصونية وصيانة الظاهر وليس الواقع، لأنه يوجد لغط علمي كبير أنَّ العدالة المأخوذة في أبواب فقهية كثيرة هب هي واقع عدم ارتكاب المعاصي الكبائر أم هي عدم ارتكابها في العلن، وما الثمرة في ذلك؟ الآن يأتي شاهدان عادلان شهدا الطلاق وبعد ذلك علم بأن أحدهما يرتكب الكبيرة في الواقع ولكن علم لا بمعنى أنه برز وإنما لازال هو يقوم بصيانة ظاهره فهل هذا الطلاق باطل أو هو صحيح باعتبار أنَّ الطلاق تشترط فيه عدال الشهود، أو حتى الشهود في الحدود مثلاً يشهد أربعة عدول أو شاهدان عادلان فما المقصود من العدالة؟ إنَّ هذا محل لغط بين الأعلام، ولعله ربما يقال إنَّ المشهور أن العدالة هي عدم ارتكاب الكبيرة في الواقع لا أنها عدم ارتكاب الكبيرة في العلن، ولكن هذا محل خلاف من قبل الأعلام، فهل هذه العدالة مرتبة واحدة أو هي مراتب بأن يقال مثلا العدالة في القاضي أو في المفتي أو في الوالي تختلف عن العدالة في إمام الجماعة كما يبني عليه السيد الخوئي وكثيرون أن إمام الجماعة يكفي في احراز عدالته - وليس عدالته وإنما احراز عدالته - حسن الظاهر، وهل هذا الكلام في الاحراز أو في العادلة؟ إنَّ هذا محل كلام، فهو يقول يكفي في احراز عدالة إمام الجماعة أدنى ظن وأي منشأ للظن لا يحتاج إلى بينة وشاهدين عادلين وإنما أي درجة من الظن، والبعض قال إن هذا ليس تخفيف في الاحراز إنما أصلاً العدالة في إما الجماعي هي بهذا المقدار ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك، يعني أنه في الظاهر بأدنى ظن فيه عدالة فهذا ليس حسن الظهر وإنما هو أدنى من حسن الظاهر.

وفي الحقيقة هناك اختلاف بين الأعلام أن العدالة في كل الأبواب هي معنىً واحد كما هو المشهور أو أنَّ العدالة في الأبواب تختلف درجاتها، وهذه الرواية ظاهرها أنَّ العدالة هي عدم ارتكاب الكبيرة أو الذنب بحسب البيئة الظاهرة لا أنه عدم ارتكاب الذنب في الواقع.

وهي رواية علقمة حيث قال:- ( قال:- يا علقمة كل من كان على فطرة الاسلام جازت شهادته، قلت له:- تقبل شهادة المقترف للذنوب؟ قال:- يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادات الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم لأنه هم المعصومون دون سائر الخلق فمن لم تره بعينك يقترف ذنباً ولم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل الدالة والستر )، لا أنه عليه السلام يقول ( احرزت عدالته )، وهذا تفسير لأحد مراتب العدالة في الأبواب الفقهي وهي بمعنى الستر بمعنى المصونية وصيانة الظاهر، وإذا تقرر هذا المعنى فسوف يحل مشاكل كثيرة في الأبواب الفقهية كقضية الطلاق وغيرها، لا أنه العدالة في كل الأبواب وإنما لا أقل في مثل هذه الأبواب في الشروط وفي الطلاق، ( وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنباً وإن اغتابه بما فيه فه خارج عن ولاية الله عزّ وجل )، يعني إذا عمل بهذه الرواية في مقابل بقية الروايات، ( فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً ولم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة والستر ) لا أنه احرزت عدالته، ( والستر )، يعني أنَّ العدالة بمعنى الستر يعني مصونية الظاهر، ( وشهادته مقبولة ) لا أنها في الظاهر، فلو كان يعمل بهذه الرواية فسوف يسبب حلاً إشكالات كثيرة في الأبواب الفقهية، فعلى أي حال ولو أن بحثنا الآن ليس في العدالة ولكن يترتب عليه أنَّ الحقوق هي بحسب الظاهر لا بحسب الواقع.

أما قضية حلق اللحية فهذا يعتمد على المبنى في حلق اللحية فإن كان يبني على الحرمة فنعم، والسيد الخوئي يقول نحن وإن لم نبن على الحرمة وإنما نبني على الاحتياط الوجوبي ولكن حالق اللحية يعدّ فاسقاً في العلن لأنه لم يراعِ الاحتياط اللزومي، اما انه قلّد آخر يقول بالجواز فهذا بحث آخر أما إذا أخل من الاحتياط اللزومي فعنده نوع من الفسق.

ونذهب إلى أبواب جهاد النفس لنقرأ جملة من هذه الروايات في هذا المال من الباب السبعون إلى الباب الرابع والسبعون: -

باب تحريم السفه ولكن الانسان ممن يتقى شرَّه: - والسفه يكون في اللسان وغيره، وهذه الروايات الواردة في خصوص السفه أو البذاءة واضحة في أنه حق الله قبل أن يكون حق الناس، يعني لا أن حق الناس غير موجود، كلا بل هو مقرر ولكنه حق الله وحق الناس: -

الرواية الأولى: - وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن موسى: - ( في رجلين يتسابان، فقال:- البادي منهما أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه مالم يتعدى المظلوم )، وطبعاً السب درجات ومادة السب أيضاً مختلفة فتارة مثلبة دينية وتارة مثلبة دنيوية فأنواع السب تختلف ولا أنه واحد وكذلك درجاته، فجملة منه يتصل بالبذاءة والبذاءة حرمتها حق الله فحرمة البذاء هي من حق الله تعالى.

الرواية الثانية: - وهي صحيحة الحلبي وهي في نفس الباب وهو الباب السبعون من ابواب جهاد النفس عن ابي عبد الله عليه السلام قال: - ( لا تسفهوا فإن أئمتكم ليسوا بسفهاء ) يعني في اللسان، وقال أبو عبد الله عليه السلام ( من كافأ السفيه بالسفه فقد رضي بمثل ما أتي أليه حيث احتذى مثاله )، وهذا واضح في أنه حق الله تعالى، فإذا وصل السب إلى البذاءة في اللسان فهذا ليس فقط حق الطرف بل هو أيضاً حق الله تعالى، مثلا ( لا يدخل الجنة بذيء ) فهذا لا ربط له بحق الطرف الآخر وإنما نفس البذاءة في اللسان هي حق الله.

الرواية الثالثة: - وهي مرفوعة عن أمير المؤمنين عليه السلام: - ( لا يكون السفع والغرّة في قلب العالم )، وهذه الرواية قد تكون من باب لسان كمال.

الرواية الرابعة: - عن أبي عبد الله عليه السلام: - ( إنَّ السفه خلق لئيم يستطيل على من دونه ويخضع لمن فوقه )، وهذا أعم من الحرمة.

الرواية الخامسة: - وهي موثقة ابي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: - ( أنَّ النبي صلى الله عليه وآله قال:- إنَّ من شرّ عباد الله من تكره مجالسته لفحشه )، فهنا الشر ليس بمعنى الكراهة وإنما بمعنى الحرمة.

الرواية السادسة: - وهي معتبرة تقريباً وهي رواية العيص عن أبي عبد الله عليه السلام: - ( إنَّ أبغض خلق الله عبد أتقى الناس لسانه )، فهنا المقصود ليس خصوص الكراهة وبالتالي هذا تركيز على حق الله تعالى.

الرواية السابعة: - ( شرُّ الناس يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرّهم ) فشر الناس يوم القيامة يذهبون إلى جهنم لا أنهم يذهبون إلى الجنة فلاح هذا التركيب ( شر الناس يوم القيامة ) فإن مآلهم النار وليس الجنة، فإذاً هي تدل على الحرمة.

الرواية الثامنة: - وهي معتبرة السكون عن ابي عبد الله عليه السلام: - ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم )، وهذه نفس الرواة المتقدمة.

الرواية التاسعة: - وهي صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه السلام: - ( من خاف الناس لسانه فهو في النار )، يعني أن لسانه لسان بذاء أو انه سليط اللسان أو غير ذلك ، يعين هذا حق الله.

والخلاصة: - إنَّ هذا الباب يدل على أنَّ حرمة البذاء ليست فقط هي من حق الناس وإنما هي من حق الله تعالى أيضاً وأنه من الكبائر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo