< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة التاسعة ( حرمة السب ) - المكاسب المحرمة.

كان الكلام في حرمة السب وأخواتها كحمة الغيبة وحرمة الهمز واللمز والبهتان والقذف أنَّ هذه الحرمات ذات جهات متعددة في الموضوع قيود الحكم أو في نفس الحكم أو في متعلق الحكم، فهي ذات جهات أو ذات درجات ومن القيود التي أخذت في موضوع الحكم الأخوّة، ومرَّ بنا أنَّ الأخوة درجات وليست درجة واحدة، آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والانصاري ولم يؤاخِ بينه وبين نفسه إلا علي بن أبي طالب، لأن الأخوة درجات من الذي يؤاخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالأخوّة درجات، آخى بين سلمان وأبي ذر وبين أبي بكر وعمر وهلم جرا واختص لنفسه بعلي، وقد قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدة مؤاخاة فلو كانت الأخوة عامة لماذا خصَّ لنفسه علياً؟!! فإذاً حتى المؤاخاة درجات، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يؤاخ سلمان ولا عمّار ولا غيرهما، فإذاً المؤاخاة فيها درجات، مع أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام بالمؤاخاة عدة مرات في المدينة وليست مرة واحدة، فالمؤاخاة درجات وليست درجة واحد، وقد مرَّ بنا هذا البحث وهو بحث فقهي وشيئاً فشيئاً يدخل في نفق عقائدي، فهذا من البحوث الفقهية باطنها عقائدي يوصلك إلى مبحث عقائدي وإلى بحر العقائد، فسفينة الفقه تغوص فيها فتوصلك إلى بحر العقائد، فإذاً الأخوة درجات وليست درجة واحدة.

وقبل ان نواصل مر بنا ان أصل هذه الحرمات كحرمة القذف وحرمة الغيبة وحرمة الهجاء وحرمة الهُجر وحرمة السبّ والهمز واللمز نابعة من احترام الطرف الآخر، وهذا قد مرَّ بنا ولكن يلزم أن نقولبه هو أنه ليس فقط الحرامات والاحترامات في الحرمة كحرمة الغيبة وحرمة والنميمة والاستهزاء وغير ذلك وإنما هذه ايضاً موجودة في الواجبات فإن جملة من الواجبات نابعة من احترام الطرف الآخر كتجهيز الميت كما هو واضح، وكذلك حرمة الدم وحرمة العرض أيضاً هي من الواجبات وهي نابعة من الاحترام، وقد مرَّ بنا أنَّ الاحترام درجات فأصل الانسان من دون عنوان مسقط للحرمة، فإنَّ أصل الانسان حسب بيان الوحي في الثقلين أنه له حرمة ﴿ ولقد كرمنا بني آدم ﴾[1] ، فلكونه بني آدم قد كرّم الآن تأتي عناوين تسقط هذا الاحترام والحرمة كما لو كان عدوانياً أو ظالماً فهذا بحث آخر ولكن هو في نفسه عنوانه يقتضي الحرمة فلو اسلم ازداد حرمة ولو آمن ازداد حرمة ولو يتقي يزدد حرمة أيضاً فإنَّ حرمة المتقين غير حرمة عموم المؤمنين، أو يكون ورعاً يزداد حرمة ويكون أهل يقين يكون أشد حرمة من المتقين وهلم جرا، فالحرمة درجات.

فإذاً في طرف الواجبات الحرمة ذات درجات أيضاً وليست درجة واحدة وليس فقط في طرف الحرمات وإنما من طرف الواجبات ايضاً هي نابعة من الحرمة والاحترام وه درجات، فلاحظ أنَّ قاعدة الحرمة والاحترام هي قاعدة عامة يعين هي مؤثرة وكلية إلى مجموعة وباقة من المحرمات وإلى مجموعة وباقة من الواجبات.

أما المطلب الذي لم نكمله في البحث السابق في الأخوة وأنها درجات هو أن الأخوّة يجب أنه توجد أخوة نسب فلا نخلط بينها وبين الأخّوة الأخرى، فتوجد اخوة ظاهر الاسلام يجب أن لا نخلط بينها وبين اخوة الايمان، وأخوة التقوى يجب أن لا نخلط بينها وبين أخوة الاسلام، وأخوة اليقين يجب أن لا نخلط بينها وبين اخوة الايمان وهلم جرا فالأخوة درجات، وكما مرَّ بنا أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يؤاخِ أحداً من المهاجرين ولا السابقين ولا الأولين ولا الأنصار إلا علياً عليه السلام فمعنى ذلك أن الأخوة درجات، نعم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول أخي النبي موسى وأخي النبي عيسى وأخي هارون وهذه أخوة في النوبة أما مؤاخاة فهو لم يؤاخ أحداً من عموم المهاجرين والأنصار إلا علي بن أبي طالب في منتدى إلهي وهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فالمسألة واضحة، أو أنه آخى بين منافق ومنافق وهذا موجود فهم بينهم مؤاخاة في النافق وقد آخى في الايمان والأبدال بينهم مؤاخاة، فإذاً المؤاخاة طبقات، ومؤاخاة المنافقين يعني في ظاهر الاسلام، ومن هذا القبيل الكثير، إذاً الاخاء درجات ولست درجة واحدة، ومر بنا انه في حديث يرويه الصدوق في الفقيه أن الاث والتوارث في حقبة معية من دولة ظهور صاحب العصر والزمان سيكون ليس على الأخوة النسبية وإنما يستبدل إلى الأخوة الروحية فالأرواح التي تآخت في عوالم سابقة الإرث بينهم، فيوجد رحم روح ورحم بدن، ولذلك أوّل أولي الأرحام في قوله تعالى ﴿ فاتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ﴾[2] فإنَّ أعظم رحم هو رحم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ بعض المؤمنين ليسوا بسادة لا أماً ولا أباً فكيف يكون النبي نسبهم؟ فإذاً هو الجدّ الروحي لهم ( يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة ) فالروح شيء آخر، ( شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا )، فنسب الروح غير نسب البدن أما من يجمع النسبين فهذا أعظم أما نس بالروح فهذا شيء آخر.

وقد يقول قائل: - هل أن هذا تمييع للبحث؟

ولكن نقول: - كلان بل لكي نلتفت إلى أنَّ قيد الأخوة المأخوذ في الموضوع أي نمط هو وأي درجة.

وجملة من الأعلام قالوا بأنَّ أخذ الأخوة كقيد كما في آية الحجرات ﴿ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ﴾[3] ، فلماذا أخذ قيد ( أخيه ) وما المراد بالأخوة هنا؟، أو ﴿ إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم ﴾[4] ، فأيّ أخوة التي أخذت في موضوع الاحترام؟ صاحب الحدائق وتبعه الشيخ الانصاري وصاحب المستمسك والكثير من الأعلام قال إنَّ الحرمة المأخوذة هنا هي أخوة الايمان وليست أخوة الاسلام، يعني مجموع الأحكام، فبعض الأحكام مثل حرمة القذف فهي لأصل النسب ( كلكم لآدم وآدم من تراب )، فإنَّ حرمة القذف اتفق فيها علماء الامامية على أنها حرمة عامة لكل إنسان ولو لم تواخيه في الاسلام فما دام اخيته في النسب لآدم يحرم القذف، فلاحظ أن بعض الأحكام أخوة الانسانية تكفي فيها، أما مجموع هذه المحرمات والاحترامات مأخوذ فيها أخوة الايمان، ومن أين تقول بذلك يا صاحب الحدائق؟، وطبعاً كلٌّ من أتى بعده قولب ونظّر ما يقوله بقالب معين في قابل المقدس الأردبيلي، فإنَّ المقدس الأردبيلي ادّعى أنها أخوة ظاهر الاسلام وليس أخوة واقع الاسلام وقد مرَّ بنا أنه توجد أخوة واقع الاسلام يعني المستضعف ما أخوة ظاهر الاسلام فيندرج فيها حتى المنافق، فيوجد فرق بين ظاهر الاسلام واقع الاسلام أو أخوة الايمان، والمقدس الأردبيلي قال إنَّ حرمة الغيبة هي لأخوة الاسلام وربما ظاهر كلامه أخوة ظاهر الاسلام إلا ما استثني في بعض الموارد، بينما صاحب الحدائق لم يقبل بهذا وإنما قال إنه لابد أن تكون اخوة الايمان لا واقع الاسلام ولا ظاهر الاسم وإنما أخوة الايمان، فأول درجات الاسلام المستضعف، وكيف تدعي ذلك يا صاحب الجواهر وبايّ دليل؟، طبعاً نفس التقريب الذي ذكره صاحب المدارك كما مرَّ ووافقه عليه الشيخ الأنصاري من جاء من بعده حتى في المستمسك وغيره وقد قولبوه في موارد عديدة بنفس القالب الذي ذكره، ومن الأمور التي وفق لها صاحب الحدائق كالشهيد الثاني هو أنَّ المسائل العقائدية الفقهية نقحها في كتب كثيرة مثل الشهيد الثاني فهو اقتفى أثر الشهيد الثاني، وقد مرَّ بنا كتاب حقائق الايمان للشهيد الثاني وهو كتاب فقهي عقائدي، فكل المسائل البرزخية بين العقائد والفقه وبحث أحكام الايمان نقحها الشهيد الثاني، وصاحب الحدائق عنده عدة كتب مثل الشهاب الثاقب في الناصب والدرر النجفية غير ذلك هذه الكتب نقّح فيها المسائل الفقهية العقائدية البرزخية، فهو في هذا الجانب عنده نوع من التضلع.

وما هي الشواهد التي استدل بها أن الأخوة هنا المراد بها أخوة الايمان؟

قال: - لأن جملة من المحرمات ليست عبارة عن احترام بسيط يسير وإنما ماهياتها عبارة عن موالاة ومحبة، وطبعاً الموالاة والحبة درجات، وطبعاً الكثير يخلط بين البر من جانب وبين المحبة والموالاة والمودة، وقد مرت بنا الآية الكريمة من سورة الحجرات ﴿ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادَّ الله ورسوله ﴾[5] ، أو أن هناك من المسلمين يشاقق ويحادد وهذا غير المنافقين ولكنه يشاقق ويحاد الله ورسوله فكيف تصير موادّه وهو من الذين حادّ الله ورسوله؟!!، ﴿ .. ولو كانوا آباءهم ﴾ [6] فلاحظ أنه حتى عنصر النسب ليس له دور هنا فسبحان مع أن القرآن الكريم يقول بصلة الرحم وحرمة قطيعة الرحم حتى مع الكفار لكن صلة الرحم شيء والموادة شيء آخر، فأي تفرقة يريدها القرآن الكريم ؟ لأنَّ صلة الرحم كما لو كان أبواه كافرين أو أرحامه من الطبقات الأخرى من الكفار أو من أهل البدع أو أهل الفسق والفجور فإن صلة الرحم والموادّة شيء آخر، وللأسف عدم التمييز بين هذه العناوين يوقع الكثير من الباحثين فضلاً عن عموم المؤمنين في خلط، وهذا في العناوين التي ترتبط بالأخلاق هي دائماً عناوين مغلقة مبهمة وتمييزها من صعب العناوين، وهذا مرَّ بنا مراراً، يعني أنَّ العناوين الأخلاقية وسيما التي ترتب عليها أحكام إلزامية وليست أحكاماً أخلاقية، فمن الكبائر هو موادّة الذين يحادّون الله ورسوله وليست من الصغائر، فالموادّة شيء والصلة شيء آخر فإن الموادّة تفتق عن الصلة، من جهة هما أبوين وليس معنى أنَّ صلة الوالدين وبرهما أن تذوب في أخطائهم أو في ضلالتهم، ﴿ ووصينا الانسان بوالديه ﴾ ولكن ﴿ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ﴾[7] ، فلم يقل حاربهما أو فصارعهما وإنما قال ﴿ وصاحبها في الدنيا معروفا ﴾، ولم يقل واددهما إذا كانا أهل ضلال، فهذه الدرجات يجب أن نعرفها، فغالبا حتى في البحث الفقهي هنا توجد مؤاخذة من قبل الكبار بعضهم على البعض أنه أنت خلطت بين العناوين، فإنَّ ﴿ وصاحبهما في الدنيا معروفاً ﴾[8] ليس معناه المواددة، أيها القلب افهم أن برّ الوالدين هو غير المواددة، هذا إذا كانا كافرين، أما إذا كانا مؤمنين فأنت تودهم من جهة الايمان أما هما الدين من جهة النسب والبدن فسندهما معرف، والآن ليس ببالي في القرآن الكريم تقول إنَّ وداد الأبوين بما هما أبوين، وإنما المودة كما يقول صاحب المدارك نبعها عين الايمان، وهي غير الصحبة بالمعروف، فصحبة المعروف هي تعايش بالمعروف وهي غير المودة، فرغم أنهما أبويه ولكنهما ضالين مبتدعين أو كان أهل فسق وفجور مثلاً، ففرق بين المودة وبين المصاحبة بالمعروف، فإنَّ هذه العناوين الفقهية الأخلاقية معقدة كثيراً والكثير من الخلط والالتباس يصير بسبب هذا، ومر بنا أنه ما الفرق بين سوء الظن والحذر، فإنَّ الكثير من المؤمنين يقول بما أنَّ الظن حرام فإذاً لنكون ساذجين، ولكن هذا غير صحيح، فإنه صحيح يقول لك لا تسيء الظن ولكنه لا يقول لك لا تحذر، أبداً القرآن الكريم والنبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم العترة عليهم السلام لا يقولون بأن الحذر مذموم، بل درجات الحذر غير مذمومة، فعليك أن تفكك بين الأمور لغةً، ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحذر الناس من الناس )، فهو لا يسيء الظن ولكنه يحذر، فكيف تفرق بين ملف الحذر وبين ملف سوء الظن، والمشكلة في المؤمنين ما أن يؤمر بعدم سوء الظن فهذا يعني أننا نضغط على زرّ النوم فنكون نياماً وساذجين وهذا خطأ، ولكن الحذر شيء آخر، فهذه مباحث غامضة وأنها موجودة على صعيد الفقه المجتمعي والفقه السياسي والفقه المذهبي وهلم جرا، فيوجد خلط فيها، يعني يؤاخذ الأعلام بعضهم على بعض في هذا الخلط، فمثلاً ﴿ ووصينا الانسان بوالديه ﴾ فهذه وصية ولكن هذا لا يعني أنك تودّهم إذا كانا كافرين مثلاً، وكما يقول صاحب الحدائق أنَّ الموالاة القلبية والمواددة نبعها الايمان ولس نبعها الأبوة والولادة، فمشؤها هو هذا، فالمقصود هو هاذ المطلب وهو ﴿ وبالوالدين احساناً ﴾، ﴿ وصاحبهما في الدنيا معروفاً ﴾ ولكن هذا لا يعني المودّة فإنَّ المودّة حرام ولكن المصاحبة بالمعروف واجبة، فكيف توفّق بين الحرام والواجب؟، وهذا على صعيد الأبوين وغيرهما، وأيضا هذا موجود في سورة البقرة ﴿ يود أحدهم لو يعمَّر ألف سنة ﴾ أي الحرص على الشيء، وهذا معنى من معاني المودَّة، فلاحظ أن هيام علي بن أبي طالب عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فتراه موجوداً في يوم الدار وفي ليلة المبيت وفي بدر وفي أحد وفي كل مكان، فلاحظ أنَّ هيام علي عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أزيد من حبّ علي لنفسه، وهيام أبي الفضل العبّاس بالحسين عليه السلام أزيد من حبّ العباس عليه السلام لنفسه، فكيف نفسّر هذا؟!، هذا يسمونه مودّة، فالمودّة شيء آخر.

فيقول صاحب الحدائق أو الشيخ الأنصاري أو صاحب المستمسك إنه حصل خلط عند المقدس الأردبيلي في مسألة ما نسميه بالتعايش الاسلامي أو التعايش والتعامل المذهبي فإنَّ المعروف أنَّ التعايش بالمعروف والمصاحبة بالمعروف أمرٌ، وهذا أصلا كثقافة توعوية غير واعية واضحة كما يقول الكبار فضلاً عن الفضلاء فضلاً عن عموم المتخصصين فضلاً عن عموم المؤمنين، يقولون إما أسود أو أبيض ولا توجد ألوان أخرى والحال أنه توجد ألوان، فهو يقول إما سالب أو موجب، ولكن نقول كلا بل لا يوجد سالب مطلق ولا يوجد موجب مطلق وإنما توجد درجات، ﴿ وصاحبهما في الدنيا معروفاً ﴾ يعني خلق كريم وليس الموادّة فإنَّ الموادة هي شيء آخر، ﴿ ووصينا الانسان بوالديه ﴾ فمع أنها وصية من الله عزّ وجل ولكن لو كانا كافرين أو فاسقين فلا تودّهما فإنه ﴿ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ﴾، فلاحظ أنَّ هذه الأمور لماذا يركز عليها الأعلام؟ لأنه يحصل فيها خلط، مثلاً ﴿ يا أيها الذين آمنوا إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدوّ لكم فاحذروهم ﴾ فهنا لم يقل فعادوهم ولم يقل فجازوهم وإنما قال فاحذروهم، وقد مرَّ بنا في زيارة عاشوراء ( عدو لمن عاداكم )، فإنَّ العداوة الإيمانية غير العداوة المادية، فلاحظ هذه هي أحكام العداوة، فإنه توجد عندنا أحكام الصداقات المحبات ويوجد عندنا أحكام العداوات، القرآن الكريم يقول إن العداوة التي تكون بسبب الدنيا وأخيك المقابل كان مؤمناً فلا تعاديه وإن عاداك على المال بل عليك أن تحذر، فهو يقول لك عليك أن تحذر منه لا أنه يقول لك صِر ساذجاً وإنما عليك أن لا تتلقى منه لدغة أخرى فإنَّ المؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين، ولكن لا تعاديه، فهناك فرق بين تحذر وبين أن تعادي، وهذا نظام اجتماعي عجيب يرسمه القرآن الكريم، وهو نفس هذا المبحث الذي نحن فيه.

إذاً صح بيان صاحب الدائق أن العداوة والولاء المطلق نبعه منشأه ومداره هو الايمان، ولاحظ الأئمة عليهم السلام بعض أعداءهم يعادونهم على المال فلا يعرون لهم أهمية، وقد أتى أحد عمال بين العباس لموسى بن جعفر بن أن طاف موسى بن جعفر وسعى وركب دابةً له فأتى واحد مرتزقة بني العباس ومسك بزمان الدابة وقال هي دابتي فنزل موسى بن جعفر عنها وقال له خذها، وقد أجابه بجواب وقال يا ابن رسول الله عندنا شاهد عليك فكست الامام عليه السلام، يعني هم عليهم السلام لا يُستفزّون لأجل نزاعٍ مالي.

فإذاً هناك فرق فإنَّ العداوة على المال والدنيا شيء والعداوة على الايمان شيء آخر، ومنطق زيارة عاشوراء حينما تقول ( عدو لمن عاداكم ) هذا من جهة الايمان غير العداوة من جهة المادة، ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم ﴾، فأزواجكم مضاف لكم ولكن الآية الكريمة قالت ( فاحذروهم ) ولم تقل فعادوهم ولم تقل اغضبوهم وإنما قالت بالعكس، فهي قالت عليك أن تريح القلب بأن تصفح وتعفو، فلا تجعله يحقد، لأنَّ هذه عداوة دنيوية فلا تجعلها عداوة دينية، فهذا نظام عجيب في هذه الأبحاث، فهي قالت بالحذر، والحذر غير العداوة وغير الحقد وغير البغضاء، ﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ﴾[9] ، فإنَّ الصفح أزيد من العفو ثم قالت ( وتغفروا ) فهذه ثلاث درجات، فإنَّ ( احذروا ) مطلق، ثم بعد ذلك ( تعفوا ) ثم بعد ذلك ( تصفحوا ) ثم بعد ذلك ( تغفروا )، أما الحذر فليس فيه استثناء فإنه موجود على طول الخط، وكما يقول صاحب الحدائق إذا لم نفكك بين هذه الأبحاث فسوف نقع في الخلط الذي وقع فيه المقدس الأردبيلي في هذه الأحكام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo