< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/07/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

الروايات الواردة في حرمة الرشوة ومر بنا ان مفاد الآيات فيه تعميم من جهة وفيه تضييق من جهة أخرى ولكن هذه التضيق من جهة لا يقيد الدلة العامة لأن المثبتين لا يقيد الخاص العام إلا إذا كان بلياً أما الاستغراقي فلا يقيد، أما الروايات: -

وهذه الرواية الأولى في الباب الخامس من أبواب ما يكتسب به طبعا انما نخوض في الروايات يعني لا بد أن يكون همنا في البحث لعدة زواية حرم هل الرشوة حرام مخصوصة بالقضاء أو تعمد والي مطلق السلطات الرسمية أو تعم حتى السلطات الدينية حتى لو كانت ليست رسمية حكومية أو تعم مطلق الولايات ولو كانت في القطاع الخاص إذا كان الهدف منها ازالة حق أو اقامة باطل هذه زاوية مهمة يجب ان ننقحها في الروايات يعني هذه الزاوية يجب أن تكون مدّ نظر ومحطّ نظر لدينا في التعرف على الروايات، ثم هل الموضوع للحرمة هو خصوص الرشوة أو ما يعم كما في الآيات حيث مر بنا أن موضوع الحرمة أعم:-

الرواية الأولى:- والتي هي من أهم الروايات وهناك رأيت كثيرة أخرى، هذه الرواية الأولى فيها نمط دلالة أشهر القولين خصوها بالرشوة في مقام القضاء، ولكن التدبر كما مرت بنا الاشارة إليه أن التدبر فيها بالعكس لا يخصص دلالتها بخصوص القضاء، بل بالعكس فيها دلالة على أنَّ الرشوة حرام مطلقاً ولكن في القضاء الحرمة أشد، وهذا أين من أن نقول الرواية مختصة ومقتصرة على حرمة الرشوة في القضاء فقط، لاحظوا هذه صحيحة عمار بن مروان قال:- ( سألت أبا جعفر عن الغلول )، وقد مر بنا أن الغلول هو الأخذ خيانةً خفية من بيت المال فهذا يسمى غلولاً، فالأخذ من الأموال العامة خفية فمال عام قيد أول وخيانة قيد ثاني وخفاءً قيد ثالث فيسمى قيود، فتوجد ثلاث قيود في معنى الغلول، ( فقال:- كل شيء غلَّ من الامام فهو سحت ) يعني حرام وعار على آخذه، وهذه أيضاً قاعدة في حرمة الأموال فإنَّ الأموال التي تكتسب من الغلول حرام، وطبعاً هذه القاعدة مذكورة الآن في البين، وهي قاعدة مستقلة في نفسها ودالة على حرمة الغلول من اسباب حرمة المال وقد اشير إليها في الآيات الكريمة، فتوجد في الآيات عندنا حرمة أكل المال بالباطل وقاعدة الادلاء بالمال إلى الحكّام وهي قاعدة ثانية ولا تعانوا على الاثم والعدوان قاعدة ثالثة وأكالون للسحت قاعدة رابعة ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً واذل يهو الابتزاز لتغيير أحكام الله قاعدة خامسة، ففي الآيات مرّت بنا عدّة قواعد وهذه القواعد تتصادق أو تنطبق في مورد الرشوة، وقد مرّت بنا الاشارة إلى هذا البحث، نفس قاعدة السحت قاعدة مستقلة والسحت غير الغلول، فلاحظ أنَّ هذه القواعد المرفوض تنقيحها ولبة وجوهر المسألة هو هذا، وليس قصة مسألة وإنما قصصية كيف يفكك الانسان بين القواعد وكيف يلتفت إلى المناسبة والعلاقة بين القواعد الفقهية فإنَّ هذا هو المهم، فقاعدة السحت نقّحها القدماء بشكلٍ جيد ولكن متأخري الأعصار ذكروا السحت ولكنهم ذكروه من باب طراً للباب يعني ذكروه مثل حرمة الغصب، كلا بل السحت غير الغصب، ومرّ بنا الغلول، كما مرّ بنا السحت ونعيد تعري فالسحت لأنه سيأتي تعريفه في الروايات، السحت قاعدة يعني المشرّع في دين الله الله ورسوله والأئمة الشارع المقدس من المراتب الثلاثة حرم جملة من مصادر المال أو الكسب، فلاحظ الآن هذه القواعد الخمس أو الست التي مرت بنا هي قواعد منع عنها دين الاسلام في التعامل المالي أو الاستثماري أو الاقتصادي في دين الاسلام غير الربا وغير القمار وغير الاحتكار فهه كلها غدد سرطانية ومحرمات في عالم المال منع عنها الشارع وهي تثبت معجزتها الآن في سلامة الحياة المالية، حياة مالية في مقابل ممات مالي وركود مالي وموت الاقتصاد وموت التجارة وواقعا الأمر هكذا، فقاعدة السحت ما هي وهي غير الغلول؟ قاعدة السحت هي عبارة عن الأموال التي تجتنى من معاوضات منع عنها الشارع من مصادر منع عنها الشارع إلا أنَّ المتعاقدين رغم منع الشرع يريدان أن يتراضيا بها كعقد اجتماعي وميثاق دولي وميثاق أمم متحدة ولكن الشارع يقول سواء كان ميثاق اجتماعي أو ميثاق دولي او ميثاق أمم متحدة أنا أردع عن هذا المال والتعاطي بهذا المال، فهو عندكم ليس خاصاً وإنما عندكم عقد اجتماعي نظرية جاكروسو وغير ذلك ولكن هذا ليس غير صحيح عندي وهو سحت فلا تفعلوه، فهو يسحتكم يعني يستأصل اقتصادكم ويستأصل سعادتكم ومجمعاتكم في الدنيا قبل الآخرة فلا تفعلوا هذه القضايا فكما أنه توجد عقوبة دنيوية عليكم وكذلك توجد عقوبة أخروية، وهذه يسمونها قاعدة السحت، هنا لا يصح من الفقهاء أن يستدلوا بقاعدة الغصب لأن المتعاقدين لم يأبياً وإنما رغم ذلك يقولان نحن راضيان وحتى لو قلت له إنَّ الشارع لم يرضَ بنقل مالك إلى ذاك الشخص ولكن مع ذلك يقول أنا راضٍ بالتصرف فهنا أنت أيها الفقيه بأي منطق تريد أن تردعه فهل تردعه بقاعدة الغصب؟!! كلا فإنَّ هذا ليس مغصوباً وإنما هما متراضيان على كل تقدير فماذا تريد أكثر من هذا أليس الربا حرام ولا ينقل العوضان أليس القمار حرام وغير ذلك ولكن رغم ذلك راضون فماذا تريد بعد ذلك، فهنا أنت لا تستطع أن تستدل له بحرمة الغصب وإنما تستدل له بقاعدة السحت، السحت أواع كثيرة، وقد ذكرنا ان جملة من الأعلام في هذا العصر وقد أصدروا كتبا في البنوك وغير ذلك وقالوا إنه مع التراضي لا شيء، والحال أنه هذا غير صحيح فإنَّ الشارع يردع عنه، وقد ذكرنا هذا المطلب عن الشيخ العراقي والنائيني في بحث الصحيح والأعم، يعني نفس المكاسب المحرمة ذكرنا حوالة على الصحيح والأعم، فلسفة الانشاء يصحح ويفسد لا أنه إذا أردتم أن تتقيدوا بدولة دينية وإنا رغماً عنكم تقيَّدوا فإن لم يصلحكم الرادع الديني سيصلحكم الرادع الوبائي والبلاءات المختلفة، فإنه يسحتكم ويستأصلكم، فبالتالي هذا أنتم مجبورين عليه لا أنكم تقبلون أو لا وبينكم توافقات تحدث أو لا تحدث وإنما أنا الشارع السماوي الالهي ألزمكم بهذا فهذا اسمه سحت، فهنا لا يستطيع المعاملان أن يقولا نحن متراضيان فيقال لهما أننتما حتى لو كنتما متراضيان ولكن الشارع قال إنَّ هذا سحت وهذا مال يوجب الاستئصال ويوجب النار ويجب العذاب ويوجب العقوبة ويجب اموراً كثيرة والشارع يسميه سحتاً ( السحت أنواع كثيرة )[1] وهذه قاعدة أخرى مستقلة غير الغلول وغير الرشوة، فهذه القواعد يلزم أن نلفت إليها وهي تتصادق في بحثنا المفروض، فالرواية الأولى هي:- ( قال سألت أبا جعفر عن الغلول، فقال:- كل شيء غلَّ من الامام فهو سحت ) والمراد من الامام هنا هو المال الذي وريته للإمام فبيت مال المسلمين للإمام والانفال التي هي ليست من بيت مال المسلمين هي للإمام والخمس للإمام والنفط أيضاً للإمام والثروات المعدنية هي للإمام أيضاً والثروات المعدنية هي للإمام عليه السلام، وهذه القضايا موجودة كالفيء والأنفال بنص الآية الكريمة أنها لله وللرسول، ( ما أفاء الله على رسوله فهو لله ولرسوله ولذي القربى )، هذا ( كل شيء غل من الامام )، هذه هي الأموال العامة وبتعبير اللغة الوضعية الحديثة ملك الدولة وملك الشعب، ( كل شيء غل من الامام فهو سحت )، فلاحظ أن غلَّ وسحت فهاتان قاعدتان ذكرهما الامام عليه السلام، فغلَّ يعني أسباب التملك خيانة، وكما مرّ خفاء مال عام فهذا غلول، وسحت هو أن تتبنى تملكه فهذا سحت من جانب آخر، ولا مانع من وجود قاعدتين أحداهما موضوع للقاعدة الأخرى مثل حرمة الربا يصير موضوعاً للسحت فإن هذا لا مانع منه، وأصلاً السحت هو هذا، فإنَّ السحت هو أنه بعد منع الشارع في رتبة سابقة عن شيء أنت تريد أن تتراضى عليه الآن هذا الراشي قال أنا راضٍ ولكن حتى لو كنت راضياً ولكن اشرع جعله سحتاً ولا يخرج من السحت، ( كل شيء غلَّ من الامام فهو سحت وأكل مال اليتيم وشبهه سحت والسحت أنواع كثيرة منها أجور الفواجر )[2] فالزنا محرم فالاجارة على الحرام حرام، ولماذا الشارع يحرم أجرة البغي؟ لكي يقول إنه حتى لو كان الزاني راضياً فهذا العقد ليس بصحيح شرعاً، فالشارع يقول للداعرة إنَّ هذا المال سحت رضي المالك أو لم يرض، لأن هذه حرمة ليست مالكية وإنما هي حرمة شرعية، فغنها لو كانت مالكية لارتفعت بالإذن، وهذا ما لم يلتفت إليه جملة من المعاصرين فإنَّ هذه حرمة من مالك الملوك وليس من المالك الفردي فلا تتعاطاه، وإلا فالزاني قد قضى وطراً وهو راضٍ في أنَّ تتصرف الداعرة في ماله ولكنها لا تتملكه وهو حرام عليها وهو سحت ودناءة ونار، فهذا نجس ولا يؤكل فهو مال نجس يعني إذا حرمة المال ليس من جهة إّن المالك فقط، ونذكر مثالاً آخر لأنه صار تشابه في البحث في جملة من تنقيح المطالب في بحوث هذا العصر وهو قضية النظر إلى الأجنبية فجملة من متأخري الأعصار قالوا إنَّ المكشفة فعورة الكذا كعورة الحيوان، حتى عورتها فإذاً لا يحرم النظر ولكن على الانسان التعفف، ولكن هذا غير صحيح، فإنَّ هذه الرواية صحيحة السند ولكن مفادها شيء آخر وليس مفادها هو هذا لا أنَّ مفادها هو عورتها وغير عورتها يجوز لك النظر إليها والعكس كذلك بالنسبة إلى نظر المرأة إلى الرجل، كلا فإنَّ المراد ليس هذا وأنه لا حرمة لها وإنما حرمة النظر نوعان حرمة حقّية مالكية وحرمة إلهية حق الله وليس حق الناس، فحرمة النظر نوعان، مثل حقوق الناس وتوجد حقوق الله تعالى، في بحث النكاح أو النظر أيضاً يوجد حقان حق الله وحق الناس، وما هي الثمرة في ذلك ما هو الفرق بينهما؟ للأسف لم ينقح هذا الآن ولكن القدماء كانوا ملتفتون إليه أما متأخري الأعصار غفلوا عن، فالمقصود أنه في النظرة الأولى هي لك حسب تعبير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يعني إنَّ هذا من حقوقك النظر لأن النظر جوال فالمرأة لاتي لا تراعي نفسها وقعت النظرة الأولى مني عليها فهذا بحث آخر، فهي لم تحترم نفسها وأنا أمشي في طريق أو مكان عام وهي لم تراعِ حرمة نفسها فوقع نظري عليها فهذه هي النظرة الأولى أما النظرة الثانية فيه عليك وعليه فهي حق الله وليس حق الناس، وفي المؤمنة حتى النظرة الأولى ليست لك ايها المؤمن لنها محترمة وهي غافلة كما لو أظهرت شعرها وتعتقد أن لا أحد يراها في حج أو في زيارة مثلاً فهنا لا يجوز لي حتى النظرة الأولى لأنها محترمة، أو انكشف شعرها أو غير ذلك وهي لا تدري، فمادام هي مؤمنة مسلمة محترمة عفيفة فلا يجوز لك أن تنظر إليها، بخلاف المكشفة التي لا تبالي ولا عفة لها فهذه إذا أنا نظرت إليها في الطريق واحتمل بل كنت أعلم أن نظري سوف يقع عليها بالنظرة الأولى فهذه النظرة لك وليست عليك ولكن في النظرة الثانية فهي عليك سواء كانت للعفيفة او لغير العفيفة فلا يصير أن تملأ نظرك فإن ذلك ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ... ذلك أطهر لهم )، فإنَّ هذا حق الله وليس من جهة حقك، فهذا عدم الفرز عند الأعلام في العصر المتأخر في هذا البحث سبب خللاً، وهنا في بحث الأموال الأمر هكذا ايضاً فيوجد حق الله ويجد حق الناس، حق الناس نعم لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه أما حق الله فحتى لو أذن المالك ألف إذن فهو لا يحل لأنَّ هذا حق الله تعالى فحيما قال لك الربا حرام فهو حرام أو الاحتكار حرام فهو حرام أو دولة مدنية حرام فهذا حرام حتى لو توفقتم وحتى لو صوّتم وحتى لو كانت إرادة الشعب فإنَّ إرادة الله فوق إرادة الناس، فهو يقول لك لا تصنع الخم ولا تعمل بالربا ولا تزنون ولا فعلوا كذا فهذه ثوابت ضروريات الدين وليس فيها اختلاف بين المسلمين فلا تفعلوها وإلا سوف يصيبكم وباء واستئصال وألف بلاء فإن هذا حق الله وحق الله أنت لا تستطيع أن تخوا في جانبه، فلاحظ أن هذا حتى على صعيد الفقه السياسي صار خلطاً في التنقيح الفقهي وحت على صعيد الفقه المالي وفقه الاقتصاد وفقه النكاح وفقه العلاقة بين الجنسين، فإنه يوجد حق الله ويجد حق الناس فلا نخلط بينهما، حق الناس شورى ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾[3] فهذا أمرهم وليس أمر الله أما أمر الله فهو شيء آخر، وأمر الله فوق أمرهم، فلا نخلط بين أمرهم وبين أمر الله وبين حقهم وحق الله، فبينكم إذا وسع الحق بينكم فنعم تشاوروا وغير ذلك لا أنه تقول إن حق الله هو عقد اجتماعي فلا هذا ولا ذاك وإنما هذا هو حق الله وارادته ( إن الحكم إلا لله )، فالله فعال لما يريد، فلا نخلط لا في باب الفقه السياسي ولا الفقه المالي ولا الفقه ألسري ولا الفقه القضائي ولا غير ذلك، ونفس البحث أيضاً صار فيه خلط عند الأعلام، يعني متأخري الأعصار بين قاضي التحكيم والقاضي المنصوب، السيد الخوئي يقول أصلاً القاضي المنصوب ليس بموجود وإنما هذا كله قاضي التحكيم توافقياً وليس منصوباً، ولكن نقول إنه حتى قاضي التحكيم لابد من نصب من قبل الشارع غاية الأمر ما هو الفارق فنحن لا نردي الدخول فيه فيوجد حق الناس ويوجد حق القضاء فأصل السلطة هو السلطة الله ، فهذه النكات يلزم أن نلتفت إليها، فالسحت عبارة عن مال محرم وإن رضي المالك افرجي وإن رضيت الدولة ولكن هذا لا يجوز، كالقمار فهو لا يجوز وإن رضي الطرف الآخر، وكذلك الزنا لا يجوز المعاوضة عليه وإن رضي الطرف الآخر ولم يكن حقاً مالكياً ولكنه سحت إلهي، فقاعدة السحت مباينة لقاعدة الغصب، قاعدة الغصب وحرمة المغصوب ولا يحل مال امرئ إلا بطيبة نفسه هذه قاعدة لحرمة حق الناس أما السحت فهي قاعدة حرمة حق الله، فلا نخلط بين هذين المطلبين وهذه نكت نفيسة مهمة جداً أكد عليها القدماء وصار مغفول عنها في العصر المتأخر، وهذا البحث حساس في كل الفقه، فهو لا ربط له بإرادة الناس أذنوا أو لم يأذنوا كرهوا أو أحبوا فإنَّ هذا هو حكم الله فإنه سحت، هذا في باب المال أما في باب النكاح فهو شيء آخر لك وعليك، وفي باب القضاء تعبير آخر حق الله وحق الناس، وفي باب آخر تعبير آخر وهلم جرا، فهذا يلزم ان نلتفت إليه هذه بحوث مهمة جداًن وللأسف أنه حتى في التنظير الفكري العصير على الصعد الثقافي صار خلطاً فيجب التنبيه على هذه النكات، يقول هي حرّة وهي تأذن لي أن أباشرها ولكن نقول هل القضية أنها تأذن لك وتأذن لها فإنَّ القضية ليست هي حق الناس، بل الأصل هو حق الله، فهو يأتي لكم بحجاب من نساء، لا أنه يأتي لكم فقط بحجاب فيزيائي وإنما يأتي لكم بحجاب روحي أخلاقي عفافي وهلم جرا، فالحرية أولاً هي لله تعالى قبل أن تكون لعبد الله، ( فقال:- لم شيء غُلَّ من الامام فهو سحت وأكل مال اليتيم وشبهه سحت والسحت أنواع كثيرة منها أجور الفواجر وثمن الخمر )، وإلا كل هذه الموارد أصحابها راضون، فالمشتري للخمر هو راضٍ قطعاً ولكن الشارع يقول إنَّ هذا حرام فلا تتقاضاه، فهذه ليست حرمة مالكية وإنما هي حرمة إلهية فلا ترتفع، ( وثمن الخرم والنبذ والمسكر والربا بعد البينة كل هذا سحت فأما الرشا في الحكم فإن ذلك الكفر بالله العظيم جل اسمه وبرسوله صلى الله عليه وآله )[4] ، فهنا لاحظ أنَّ هذه الرواية عند الكل هي أحد الروايات العمدة في الباب فلاحظ كيف هو لسانها فلسانها لا أنَّ الرشوة هي حلال إلا في القضاء في الحكم فهي حرام، كلا فإنَّ لسانها ليس هكذا، مع أنَّ الكثير فسّرها بهذا التفسير، ولكن حينما ندقق نجد أنها ليست بهذا الصدد، لأنها حينما قيدت الرشا في الحكم فقد صعّدت من الحرمة، فمن حرمة السحت صارت حرمة عقائدية وحرمة هوية دينية وهذا ليس معناه أنَّ الرشوة من دون هذا القيد هي ليست سحتاً، وإنما لأنَّ الرشوة مفروغ عنها وأنها منبوذة وسحت ففي خصوص القضاء والحكم صعّد الحرمة فبالعكس الرواية تدل على مطلق حرمة وسحتية الرشوة غاية الأمر أنه في الحكم تكو أشد وهذه نكتة أولى في ذيل هذه الرواية، وهي أن الرواية ليست في صدد تضييق حرمة الرشوة بل إنَّ الرشوة في القضاء حرمتها أشد لأنها حرمة هوية جدين وسنبين لماذا؟، والنقطة الثانية في ذيل الرواية غير النقاط التي ذكرناها في صدر الرواية هي أنَّه هل أنَّ هذه الرشوة التي تحرمها الرواية بالدلالة الالتزامية والمفروغ عنها بالأولوية وبالفحوى وبالسياق من شئت فعبر فهل الرشوة المحرمة في هذه الرواية هي مطلق الرشوة حتى لو كانت لإقامة الحق وإزالة الباطل أو لخصوص إزالة الحق وإقامة الباطل، فهل هي تختص بالباطل أما الرشوة في الحق فهل تشملها أيضاً؟ إنَّ استفادة الحرمة فيها خفاء، فأولاً نعطي نتيجة النقطة الأولى وهي أنه ليس خصوص الرشوة في الحكم وإنما الرشوة مطلقاً بالدلالة الالتزامية، والنقطة الثانية إنَّ هذه الدلالة الالتزامية هل تفيد حرمة الشروة مطلقاً أو الرشوة الباطلة ولو في غير الحكم؟ إنَّ استفادة حرمة مطلق الرشوة فيها خفاء إلا أن نأتي بشواهد، يعني كما قال الطريحي الأديب المفسر الفقيه المؤرخ الرجالي أنَّ الرشوة تنصرف إلى ما تكون لغرض الباطل يعني ازالة الحق وإقامة الباطل أما إقامة حق وازالة باطل فهذه الرواية لا نستفيد منها السحت، بدليل أنه للباطل نفس المعاملة باطلة فهي قرينة على اختصاص الرشوة المحرمة أنها للباطل فنفس المعاملة حرام، السحت هي قاعدة مرت بنا لإبطال المعاملة أو لما بعد المعاملة؟ طبعاً السحت قاعدة لمما بعد المعاملة المحرمة لا لإبطال نفس المعاملة المحرمة، فهنا ( الرشوة سحت ) متى تكون الرشوة سحت؟ إذا كانت للباطل، أما إذا كانت لإقامة الحق فبتعبير الكثير من الفقهاء كالمحقق الحلي إلى السد الخوئي قالوا إنَّ هذه على القاعدة الرشوة صحيحة في غير الباطل لأنه عمل محترم ولا مانع منه إلا من زاوية معينة.

إذاً لو كنا نحن وهذه الرواية فالمواد التي فيها الرشوة بالأدلة الأولية حرام إذا كانت للباطل هذه الرشوة سحت حرام وتشتد في القضاء، أما إذا كانت الرشوة هي ليست في الباطل فلا، نعم في صورة كون الرشوة للحق أيضاً باطلة وهي ما إذا كان مسؤولاً حكومياً أو قضائياً فالقضاء واجب عليه والخدمة الحكومية واجبة عليه سواء كانت حكومة شرعية أو وضعية ويتقاضى عليها مالاً من المراجع فهذا حرام عليه، لأنَّ المفروض أنه يبذل هذا العمل مجاناً ولكنه يأخذ المال عليه فهذا حرام عليه، إذاً هنا الرشوة على الآخذ كما قال المشهور هي حرام وإن لم تكن على المعطي ليست بحرام لأنه يستنقذ حقه، أما على الآخذ فهي حرام وسحت أو هي حرام فقط؟ أولاً المعاملة باطلة بالنسبة إليه لأنَّ الفروض أنه يبذل الخدمة مجاناً، ومن جهة أخرى الآخذ سحت عليه فهنا توجد حرمتان حرمة لأنه لم يبذل الخدمة مجانية وحرمة ثانية لأجل أنه أكل مال الغير، إذاً هذه الرواية لماذا نحن ركزنا عليها؟ لأن هذا السبك من الدلالة، فهذه الرواية متكرر في عدة روايات، فإذا هندس الباحث الدلالة هنا فسوف تنحل هناك، فلا نستعجل بل نبقى مع هذه الرواية وكيف الدلالة وما هي نكاتها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo