< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

الآية الثانية التي استدل بها الأعلام أو نقول الطائفة الثانية التي استدل بها الأعلام لتحريم الرشوة هي الآيات الناهية عن السحت والمحرّمة للسحت، فعنوان السحت خلافاً لما ربما يقرره جماعة من الأعلام أنَّ السحت أعم من الحرام والمكروه، بل المشهور أو الأشهر أنَّ السحت الأصل فيه الحرمة، ولدينا مقتضى القاعدة الألية وعموم أولي دال على حرمة السحت مطلقاً، وهي هذه الآيات الواردة في تحريم السحت، كالميسر حرّمه الله والربا حرّمه الله عز وجل، فهذه أموال ولكن الله عزّ وجل حرّمها، كذلك النهب حرمه الله والغصب حرّمه الله فهذه مصادر للتمويل حرمها الله تتالى كذلك السحت، فإنَّ السحت هو نمط منبع مالي محرم، فما هو السحت فإنه توجد قاعدة فقهية وهي أن السحت محرم فما هو هذا السحت؟ وما هي الآيات؟ توجد آية حينما تذم مجتمع بني إسرائيل هموماً ﴿سمّاعون للكذب أكّالون للسحت﴾[1] ، فهذا ذمٌّ وتقريعٌ عن الحرام، كذلك قوله تعالى في سورة أخرى ﴿لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم وأكلهم الحت﴾[2] ، فجعل السحت في مصاف الأموال المحرمة مثل ﴿لا تأكلوا أموال اليتامى﴾ ، أو غير ذلك فهنا أيضاً السحت كذلك، ﴿وترى كثيراً منهم يسارعون في الاثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ا كانوا يعملون﴾[3] ، فهذه موارد واضح فيها أن القرآن الكريم يحرّم التمويل الذي مصره السحت، وما هو السحت؟ لابد أن نخوض فيه لغوياً وغير ذلك، فالتقريب ينتج أنَّ الرشوة هي نوع من أنواع السحت وليس السحت ينحصر على الرشوة وإنما الرشوة هي أحد أنواع السحت، وإلا فقاعدة السحت تحريمها يتناول أنواع أخرى غير الرشوة، وما هو معنى السحت في اللغة سواء بحسب الغ وبحسب الروايات؟، أما أنه في موارد ثبت بالدليل أنه سحت ولكن مع ذلك ليس بمحرم وإنما مكروه شديد أو مكروه متوسط فهذا خرج بالدليل من الاستثناء وإلا الأصل في السحت أنه حرام فما هو معنى السحت؟ في كنز العرفان للسيوري يقول ( روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ السحت هو الرشوة في الحكم )، ولكن هذا ليس حصراً، ( وعن علي عليه السلام هو الرشوة في الحكم ومهر البغي )[4] وكذلك كسب الحجّام وعسيب الفحل - أي لقاح الثور للبقر -، ولو في ذهين الموردين التزموا بالكراهة وبعضهم التزم بالحرم فالقول مختلف في هذين الموردين كما مرّ بنا سابقاً في كس بالحجام أو فحل الضراب، وثمن الكلب من السحت ، وطبعاً الكلب ما له منفعة الذي هو له أربعة انواع فذاك ليس ثمنه سحتاً أما بقية انواع الكلب ككلب الزيمة أو لشيء آخر فهذا من السحت ويقولون إن ثمنه باطل، ( وثمن الخمر وثمن الميتة ) يعني نفس تحريم الخمر فيه عدة جهات منها تحريم شربة وتحريم صنعه ويوجد تحريم التعاوض عليه فإن عوضه وثمنه سحت حرام، فالتحريم في الحت عند هذه الآيات التي مرت قبل أن نلج في الموضوع أكثر فأكثر السحت تحريمه حسب هذه الآيات حرمة تكليفية ووضعية معاً وليست فقط تكليفية أو وضعية فقط، وهذا شبيه الربا ( أحل الله البيع ) حلية تكليفية ووضعية، ( وحرّم الربا ) تكليفية ووضعية تكليفية عقوبة ووضعية يعني فساد، ( وحرّم عليكم الميسر )، فهنا حرم الميسر تكليفاً فإنه يرتكب كبيرة من الكبائر وأيضاً هو حرام وضعاً، يعني لا يسبب تعاوضاً وإنما هذا التعاوض باطل، وأكثر المعاملات التي تسبب أزمات في الاقتصاد العالمي الآن سببها ربويات وقماريات وتمويهيات، فهي تدمر بلداناً، وهذه معجزة في التشريع القرآني والتشريع النبوي، وما بعث نبي إلا بهذا التحريم فكل الانبياء بعثوا تحريم هذا كتحريم الربا وتحريم القمار والتمويه والتحايل فإنَّ هذه الحرمات من أصول الحرمات يعني لم يبعث الله نبياً إلا بها، فحينما يقال تحريم الربا تدريجي لا أنه كان حلالاً، وإنما الشارع ساكت عنه لا أنه في الواقع ليس بحرام وإنما تدريجية الشريعة ليس أنَّ التشريع تدريجي وإنما التشريع موجود ولكن بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم للشريعة تدريجي، نعم توجد موارد تشريع تدريجي ثبوتاً وهذا لا ننفيه مثل النسخ وغيره ولكن في الكثير من الموارد هو تدريج في البيان وليس تدريجاً في التشريع، فهذه نكتة يلزم أن نلتفت إليها وهي أنَّ الحرمة التي هي في السحت هي حرمة تكليفية ووضعية معاً وليست فقط تكليفية، كما لا تنحصر بالوضعية، وإنما هي تكليفية ووضعية ، لذلك ( ثمن الخمر وثمن الميتة وحلوان الكاهن والاستعمال في المعصية وعن الصادق عليه السلام أن السحت أنواع كثيرة فأما الرشا في الحكم فهو الكفر بالله )، وأيضاً الروايات المحرّمة لعموم السحت كثيرة ومستفيضة، كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصايا النبي لأمير المؤمنين أوردها الصدوق في من لا يحضره الفقيه بأسانيد:- ( قال يا علي إنَّ القوم سيفتون بعدي بأموالهم ويمنون بدينهم على ربهم ويتمنون رحمته ويأمنون سطوته )، الأمن من مكر الله تعالى جعل من الكبائر، فالمهم أنَّ الأمن من مكر الله هو من الكبائر والحال أنا تغفل عنها، فالكثير من الكبائر مغفول عن مفهومها فضلاً عن الالتزام العملي التديني بها من قبل الكثير من أهل العلم وسببه أنه بحوث علمية حول هذه الكبائر بشكل تنظيري مفهومي ليس بموجود، أما كيف تنحل هذه المشكلة فهذا بحث آخر، إنها تنحل بالمدارسة العلمية ولكن لا توجد مدارسة عليمة وحتى في تدوين الفقهاء للأسف هذه البحوث ليست مبسوطة، وأنت لاحظ جملة من الكبائر المتسالم عليها نصوصاً وفتوى ليست مبحوثة، أو استطيع أن نعبر كما مرّ بنا سابقاً ولعله في العام الماضي أنَّ فقه القلوب فيه إلزاميات، وربما يعبر عنه بعلم الاخلاف أو يعبر عنه بعلم العرفان العملي النفساني، هذا علم نظن أنه كمال مستحب ومكرمة والحال أنه ليس هكذا وإنما جملة من دائرة هذا العلم والذي يعبر عن فقه الأرواح وفقه النفوس وفقه العرفان وفقه الأخلاق وفقه العرفان العملي ما شئت منه فعبر دائرة من إلزاميات، زيادة على ذلك توجد كبائر، فالهم أنه توجد إلزاميات وكبائر ولكن مغفول عنه تنظيراً فضلاً عن الالتزام به عملاً، وعل ح تعبير الشيخ بهجت رحمة الله عليه يقول ماذا نصنع وماذا نفعل؟!، وهذا صحيح فإنه ليس فقط مورد إلزاميات ومورد كبائر وإنما مغفول عنه في الوسط العلمي تنظيراً، ونحن لا نتكلم عن عموم الناس وإما نحن تنظيراً غافلين عنه، مثلاً الآن أحدها الأمن من مكر الله من الكبائر فما معنى الأمن من مكر الله وما هي ضابطته، والحال أننا تارة نبحث حلق اللحية وغير ذلك والحال أن هذا من الكبائر المسلّم أنها من الكبائر وليس من الصغائر وليس متردد فيه انه حرام أو لا وإنما حرام مبدّه وأنه أزيد ذلك فإنه من الكبائر أيضاً لم نازع فيه فقيه ولم ينازع فيه محدث، فما معنى الأمن من مكر الله؟ صراحة إنه مجهول عندنا وليس مجاملة، فهو يحتاج تفتيش البعد اللغوي والأقوال التي فيه وتحريره وما هو معناه، وكذلك سوء الظن بالله من الكبائر فما هو سوء الظن بالله فهل كل درجات السوء من الكبائر؟، وغير ذلك، فجملة في أبواب جهاد النفس في الوسائل الذي يرجعون إليه الفقهاء في تعيين الكبائر وإنما ذكروها كجدول اسماء ولكنها غير مبحوث في الفقه وهذه واقعاً ورطة، يعني عسى أن تقيض الجهود عند هذا الجيل، فهنا وصية النبي لأمير المؤمنين عليه السلام :- ( قال يا علي إن القوم سيفتون بعدي بأموالهم ويمنون بينهم على ربهم ويتنمون رحمته )، وكذلك العجب من المعاصي فإذا اشتد قد يصير من الكبائر، فما هو العجب وكيف نتلافاه؟، ( ويمنون بدينهم على ربهم ويتنمون رحمته ويأمنون سطوته ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية فيستحلون الخمر بالنبيذ )، يعني كأنما نوع التفاف على حرمة الخمر بأن يجعلون الخرم نبياً، والنبيذ عند العامة أكثرهم يستحلونه، لأنَّ الثاني كان يستحله فماذا يصنع؟ يقول إذا رأيت خمراً فلا تريقه وإنما اجعل عليه ماءً لتذهب عاديته - يعني حالة سكره - فهنا لا إشكال في ذلك أما السكران تماماً فهذا حرام أما نصف السكران أو ربع السكران فهذا لا مانع منه عندهم، فهم استحلوا الخمر بالنبيذ، وكذلك الفقّاع الموجود في الأسواق فهو أخفى وهو خمر استصغره الناس وهو يباع في أسواق أهل الايمان فضلاً عن أسواق أهل الاسلام باسم ماء الشعير الحلال ولكن هذا كذب وإنما كله فقّاع، ( والسحت بالهدية )، فبدلاً من أن يقول هذه سحت يلتف وإن يقول هذه هدية وليست عوضاً ولا مشارطة، ( والربا بالبيع )[5] ، فالمقصود ما هو السحت فهذه بعض التعاريف التي وردت في الروايات وستأتي روايات كثيرة في ذلك وأحد الأدلة الروائية لحرمة الرشوة هي الروايات الواردة في السحت التي ستأتي قراءتها، ولكن التحرير اللغوي الكثر ما هو؟ الخليل بن أحمد الفراهيدي الشيعي المعاصر للإمام زين العابدين عليه السلام في كتابه العين قال:- ( السحت كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار نحو ثمن الكلب وثمن الخمر وثمن الخنزير )، يعني هو ليس مالاً حراماً فقط فإن الربا أيضاً هو حرام وإما هو حرام ويقبح ذكره، فلو قلت لشخصٍ إنَّ مصادر هذا الشخص هو كذا فسوف يتأذى فهو حرام وهو قبيح أيضاً، وفي معجم مقايس اللغة ( المال السحت كل حرام يلزم أكله العار وسمي سحتاً لأنه لا بقاء له )[6] ، والراغب في مفرداته ( السحت القشر الذي يستأصل قال تعالى فيسحتكم بعذاب يقال سحته وأسحته ومنه السحت المحور الذي يلزم صاحبه العار وكأنه يسحت دينة ومروّته )[7] ، وقال ابن الأثير في النهاية ( وقالوا مال فلان سحت أي لا شيء على من استهلكه ودمه سحت أي على من سفكه ) يعني هدراً، ومال سحت يعني من أتلفه لا ضمان عليه لأنه لا حرمة له، ( والسحت الحرام الذي لا يحل كسبه من كسب حرام جامع يقال له سحت )[8] ، كل ما لا يحل كسبة لأنه يسحت بمروءة الانسان ويستأصلها، هذه جملة من أقوال اللغوين في السحت.

إجمالاً إذاً تأتي جملة من الروايات الصحيحة جعلت الرشوة من مصاديق السحت، فبالتالي هذه النصوص الآتية تدل على أنَّ أحد جهات وجوه تحريم الرشوة هو قاعدة حرمة السحت وبالتالي المعاوضة عليها باطلة وهو مال حرام تكليفاً ووضعاً لاسيما بالنسبة إلى الآخذ، وضابطتها أي مال لم يمضه الشارع انت تريد أن تبني عليه وتأكله هذا يكون سحتاً لأنه مال حرام، بالتالي حرمة تكليفية، في موارد عدم إمضاء الشارع أو نهي الشارع عن تلك المعاملات الأصل في ذلك النهي سيكون تكليفي ووضعي بلحاظ حرمة السحت حتى بهذا المعنى وسيأتي شرحه في بداية المكاسب المحرمة أنَّ الفساد للمعاوضة ليس مؤداه حرمة تكليفي وإنما فساد وضعي غاية الأمر أنَّ العوضين لا ينتقلان ولا يتصرف أحدهما في مال الغير من جهة حرمة مال الغير، أما هذه الآية الكريمة وهذه القاعدة تقول كلا وإنما هذه المعاملة التي لم يمضها الشارع وبالتالي المعاوضة حرام هذا العوض أكله يكون سحتاً تكليفاً ووضعاً فلا هو ملك لك وهو حرام تكليفاً فأكل مال الغير سحت ( أكّالون للسحت )، فبالتالي يصير بهذا اللحاظ، لأنَّ هذا الساحت الآكل للسحت يريد أن يبرر لنفسه أن هذه معاوضة وليست نهباً وغصباً، فإنَّ الغصب في فهم العرف هو النهب، أما إذا كانت معاضة فليست غصباً ولكن الشارع يقول نعم هي ليست غصباً ولكنها سحت فأنتم إذا لم تتقيدوا بالنظام التشريعي الحلال للمعاملات فأنتم أكالون للسحت، واحد الأعلام غفلة وكذلك جملة من الأعلام المعاصرين عندهم غفلة عن هذا وقد نبهما على هذا المطلب في بداية المكاسب المحرمة، حيث قال بعض الأعلام لو بنى المتعاوضان في الربا أو القمار أو أي شيء من المعاملات المحرمة فلو بنينا على أنَّ هذه حلية شرعية فهذه بدعة وحرام شرعاً، أما إذا كانا يعلمان أنه حرام شرعاً ولكنهما بنيا على التراضي بينهما وإذن أحدهما للآخر وتصالحا على ذلك وإن لم يكن صحيحاً من الشارع فجملة من الأعلام المعاصرين بنوا على صحة هذا الشيء.

ولكن هذا مبنى عجيب غريب، ولماذا؟ لأنَّ الشارع حينما ينهى عن أفعال معاملية يمارسها العرف فهم لا يمارسونها بما هم متشرعة وإنما هم يمارسونها باعتبار أنهم عرفهم ولكن الشارع يريد أن يتدخل في عرفهم فيقول لهم أصلحوا هذا العرف الفاسد، كالزنا مثلا يقف أمامه الشرع وهلم جرا في بعض الموارد التي يحرمها الشارع، فحينما يحرمها الشارع يعني أنه يريد أن يقف أما الأعراف الفاسدة لا أنه إذا استشرعتم وبنيتم على اشرع فهو حرام وأما ّغا لم تستشرعوا فتراضوا بينكم فإنَّ هذا غير صحيح، فإنَّ هذا معناه أنكم اخلقوا نظاماً اجتماعياً مدنياً في قبال النظام الشرعي وهذا ليس له معنى، بل أنت ملزم بأن تجعل النظام الديني فإن هذا جين الله فلا عبرة بالنظام المدني أما أنك تريد أن تترك الدين فهذا بحث آخر، أما أنك تجعل النظام المعاملي الروبي البني والنظام السياسي نظام مدني فهذا لا اعتبار له وإنما لابد أن يكون النظام دينياً، فالمقصود هنا أنَّ السحت هو هذا المعنى يعني أنَّ المعاملات التي لم يمضها الشارع لا تأكلوها حتى لو تراضيتم عليها فإن هذا سحت ( أكّالون للسحت )، ( لولا ينهاهم الربانيون )، والربانيون يعني العالم المخلص، فإنَّ العالم الخلص ينهى عن هذا الشيء ويعطي موقفاً أمام هذا الشيء فهو ينهى عن الربا والقمار وغير ذلك ولو بآليات، فالمقصود أنَّ ( أكالون للسحت ) يعني المعاملات التي لم يمضها الشارع لا تتبنوها باسم التراضي وباسم التصالح فإنَّ هذا غير صحيح فقد حرّمها الله وسوف تكون كل مصادركم من فساد، هذا هو معنى هذه القاعدة يعني ليس فقط فساد المعاوضة وإنما حتى أنكم كي لا تخلقون طريقاً بديلاً باسم التصالح وباسم التراضي باسم الإذن فإنَّ هذا غير صحيح فإنَّ الشارع يريد أن يقف أمام هذه المعاملات، فمحصّل هذه القاعدة هي هذه النكتة، والرشوة بلا شك لم يمضها الشارع بل نهى عنها فتصير سحتاً، هذا هو الوجه الثاني من الآيات الكريمة، وتوجد آيات أخرى وقواعد أخرى لتحريم الرشوة سنتناولها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo