< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة السادسة من النوع الرابع ( التنجيم ) - المكاسب المحرمة.

مرّ بنا خلاصة التفرقة بين الحرمة الشرعية العقائدية والحرمة الشرعية الفقهية الفرعية ومرَّ بنا أيضاً كلام الأعلام في أن الحرمة الشرعية العقائدية هي مراتب وليست مرتبة واحدة منها ما يوجب الخروج عن الاسلام ومنها ما يوجب الخروج عن الامان ومنها ما يوجب الخروج عن العدالة فتكون ضلالة ومنها لا يوجب الخروج عن العدالة وإن كان ضلالة معذر فيها ظنية، فالحرمة العقائدية مراتب وليست مرتبة واحدة، وهذا التقسيم للحرمة العقائدية للأسف مغفول عنه حتى عند الفلاسفة والمتكلمين إلى حدّ ما لأنَّ هذا هو بحث الفقيه ودوره، بعض المسائل كما مر لا هي فقيه محضة ولا هي كلامية محضة وإنما هي برزخية مثل بعض المسائل لا هي تفسيرية محضة ولا هي أصولية محضة، فكثيراً ما تقع مسائل برزخية بين العلوم وهذه المسائل يحصل فيها تواكل فكل علم يترك مسؤوليتها على الآخر وربما يصير تنقيحها غامضاً لهذا السبب، فالمقصود أنَّ هذه نكتة مهمة وهي أنَّ الكثير حتى من يخوض في الكلام أو الفلسفة أو التفسير أو العرفان أو مدارس المعارف المختلفة ليس كل باطل يوجب الخروج من الملَّة، يعني أقسام فإنه ليس تابع لنا وإنما هو تابع للدليل الشرعي، حتى الملة فإنه توجد عند الشرع ملَّة ظاهرية وملَّة واقعية، اسلام ظاهري واسلام واقعي، هذا الاسلام الظاهري والاسلام الواقعي الذي التزم به الفقهاء على اختلاف الأقوال وإلا المنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحكم عليهم ظاهراً بأنهم اسلام فالاسلام شيء واحد ولكن يحكم عليهم ظاهراً بأنهم مسلمين ولا أحد يشك في ذلك ، وما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام يتعاملون معهم بغير ذلك، فإذاً عندنا الباطل أو الكفر أو الحرمة العقائدية أو المخالفة العقائدية على أقسام وليس كله على قسم واحد، مثلا الآن الذي يرتد عن الايمان ولا يرتد عن الاسلام المجلسي صاحب البحار وأنا أمكث في هذه الأبحاث أكثر لأنها مصدر تشويش في أبحاث فقهية وأبواب فقهية وتصير خلافات بين المؤمنين وحتى في الوسط الخاص العلمي وهلم جرا وتصير تشنجات، فالذي ذكر الفقهاء يحسم هذه التشنجات ولكن بشرط الاطلاع عليه، فإذاً هناك أقسام، الآن جملة من الاخباريين وليس فقط الاخباريين فجملة من الاخباريين يرون أن المخالف لا يحكم عليه بالإسلام الظاهري وإنما ترتب عليه بعض أحكام الاسلام وهذا لم يختص به الاخباريين فقط وإنما الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي وابن البراج والحلبي وابن إدريس أيضاً يبنون هكذا فتوجد عندهم تقسيمات، فعندهم منحلاً للإسلام وعندهم المستضعف هو مسلم في الظاهر وهذه أقوال قد ذكرت حتى في أذهان الكبار ولا اقولها تبجحاً ولكن للأسف عدم مراجعة كتب القدماء يسبب هذه الغفلة فإنَّ القدماء ليس عندهم المخالف الذي يعلم السجال ليس عندهم يحكم عليه بالإسلام الظاهري وإنما يحكم عليه أنه منتحل للإسلام والمنتحل للإسلام يختلف عندهم عن ملل الكفر أو بالمعنى كفر الايمان ولكن لا يحكم عليه بالإسلام الظاهري، الاسلام الظاهري يحكم فقط على المستضعف، وهذا عند الشيخ المفيد وحتى الصدوق والمرتضى والطوسي وابن براج والحلبي وابن زهرة، فكل كتب القدماء الكلامية عندهم هذا ولا نريد الدخول في هذه التفاصيل الكثيرة ولكن عندهم حرمة دماؤهم وحرمة الأموال وحرمة الأعراض هذه موجودة للمنتحل، والمستضعف هكذا والمؤمن هكذا، فالمقصود أنا كنا في هذا الصدد وهو أن بحث الباطل أو المخالفة أو الضلال ليس درجة واحدة، فإذا صار اختلاف بين المؤمنين في قضية عقائدية أو غيرها فيلزم أن إلى نلتفت إلى أنَّ هذه القضية العقائدية من أي قسم.

المجلسي صاحب الباحر والميرزا القمي صاحب القوانين وربما النراقي أو غيرهم خلافاً للمشهور شهرة عظيمة أنَّ المرتد عن الايمان عندهم مرتد عن الاسلام، لكن المشهور شهرة عظيمة جداً بين علماء الامامية أن المرتد عن الايمان لا يحكم عليه أنه مرتد عن الاسلام وإنما هو إما منتحل أو اسلام ظاهري والمنتحل كأنما حكمه حكم الاسلام الظاهري، يعني القدماء لديهم تقسيمات ثلاثة أو أربعة أو أكثر ولكن لا يحكم عليه بأنه مرتد عن الاسلام فهذه خلافيات موجودة، هذا فيمن ارتد عن الامامة، وبعبارة أخرى الانكار تارةً يكون انكارا للضروريات وتارةً يكون انكاراً لأصول الدين وتارةً يكون الانكار للأساسيات، وهذه بحوث مفصلة، الآن المشهور شهرة عظيمة عن علماء الامامية وكأنما تبعاً للمذاهب الأخرى أنَّ المرتد الفطري عن الاسلام لا يستتاب وهذا هو المشهور وقد مشينا عليه سنيناً ولكن فحصنا قبل ثلاث أو أربع سنوات بمناسبة وهذه المسألة حاولت البقاء المكث فيها لسنين ومرات ولكن قبل ثلاث سنوات بمناسبة بحث الصلاة كررت البحث مرات فرأيت أن القدماء يفرّقون بين المنكر للأسس فهذا مرتد ملي لا يستتاب أما إذا ارتد عن الأساس الثالث وهو الايمان أو عن المعاد فهذا يستتاب أو لا أو ارتد عن الايمان بالجنة أو بالقرآن أو بالقبلة أو بوجوب الصلاة فها يستتاب، إذا شذ عن التوحيد أو النبوة فهذا نعم هو مرتد فطري لا يستتاب، والقدماء هذا بقوة موجود عندهم بينما المشهور ينقلون عنهم خطاً خلاف ذلك فقالوا إنَّ كل مرتد عن الاسلام فهو فطري لا يستتاب، هذه بحوث تحتاج إلى دقة وتتبع وتحليل، وكما ذكر كاشف اللثام أو غيره أنك لا تعتمد حتى على كاشف اللثام وإنما عليك الذهاب إلى المصدر وتلاحظه فقد تستظهر غير ما استظهره كاشف اللثام، وغير ما استظهر الجواهر أو الحدائق أو غيرهم وفعلاً الأمر هكذا مرات ذكرنا أنه يمكن استظهار غير ما استظهروه وواقع الكلام فيه شيء آخر، في مسألة ملح ابتلاء كثير في اللعان المحقق الحلي ستظهر من كلام الشيخ الطوسي شكلاً فصارت قاعدة فقالوا إنَّ الشيخ الطوسي فهم هكذا والروايات قالت هكذا، وبمناسبة وجه سؤال من القضاء في احد البلدان فقلت علي أن أتابعها لأنها ورطة حسب فتوى المشهور فكيف تنحل فتابعت كلام الشيخ الطوسي فلاحظت أنه أصلاً هذا ليس مبناه الذي استظهره المحقق الحلي وإنما بمناه شيء آخر فتصير القاعدة شيئاً آخر، والشيخ الطوسي شئنا أم أبينا أثر على مسار عقلية فقهاء الشيعة من حيث اللا شعور فإن الانسان في اللا شعور هو مقلد ولو كان مجتهداً ومحققاً فإذا لم يدقق فسوف يصير عمله ليس تحقيقاً وإنما يصير عمله تقليداً، فنحن التفتنا إلى أنَّ المرتد عن الشهادتين هذا فطري لا يستتاب أما إذا ارتد عن الأصل الثالث وهو الشهادة الثالثة أو عن المعاد أو عن وجوب الصلاة فهذا يستتاب، وفعلاً رأينا الأدلة تدل على كلام القدماء وليس على كلام المتأخرين فليس مطلقاً المرتد الفطري لا يستتاب وهذا فتح مهم، ولا تقل لي إني لا أتأثر بالأقوال فنقول لك أنت شئت أم أبيت سوف تتأثر، صحيح المفروض أنه لا يتأثر بالأقوال ولكن تلقائياً سو يستوحش حتى في فكره، ذاك الذي عقله شديد فهو لا يخشى الوحدة ولكن الغالب هكذا، وأتذكر كلام الوحد البهبهاني وصاحب الرياض ابن أخت الوحيد البهبهاني هذان العلمان قالا بأنَّ صحيحة علي بن مهزيار التعليم العلي فيها يقتضي الاتمام في لك مراقد المعصومين ولكن هذا خلاف المشهور ولم يقل به إلا اثنين من القدماء شاذّين المرتضى وبتن جميل بينما نحن وقفنا على كلام القدماء واكثرهم قائلون بعموم الإتمام في كل مراقد المعصومين عليهم السلام فعدم الاطلاق على الأقوال يجلع هاجس من الاستدلال فها يجب الالتفات إليه.

فالمقصود أنا نرجع إلى هذه البحوث في الارتداد نفس معنى الردة ما هو والذي حوله الآن لغط عالمي عصري وأنه لماذا تقتلون المرتد؟ أولاً نحن لا نقبل بأن يقتل وإنما يستتاب المرتد الفطري، ثم معنى المرتد ما هو وهنا توجد نكتة مهمة في معنى المرتد لو أنها تتحقق ليس للعقائد فقط وإنما لشي آخر، فهو مرتبط بقضية الجهاد الابتدائي ومرتبطة بقانون موجود في الدول الآن وهو أن الذي يزعزع الأمن الوطني يحكم عليه بالإعدام قد تابعت فوجدت ان المرتد هو هذا ل أنه فقط بدّل عقائده، هو سلوكاً عملاً ملتزم بالوضح الاجتماعي والسياسي فإن هذا ليس مرتداً وإنما هو مريض القلب أو مشوش أما هذا ما هو فهذا بحث عريض طويل، فإذاً التنقيح والتنقيب في المباحث يحتاج إلى تتبع وشرح صدر وسعة صدر، فلو تتبعت فسوف تجد أن المعاني شيء كثير آخر، وهذه نكتة مهمة، الآن هذه أقسام الكذا والاقرار وكذا واقعاً هو مبحث كؤود.

فإذاً ليس أن الانسان أن هذه عقيدة باطلة فهو مرتد أو غير ذلك، ولكن هناك ضابطة ذكرها السيد اليزدي وغيره من محشي العروة وغيره أن الشيء إذا كان خفياً ليس ارتداداً، هو المرتد الجلي يقولون إنه ليس مرتداً عن الاسلام أو إذا كان مرتداً يستتاب، إذا كان جلياً جداً، وإذا كان قطعياً وليس جلياً ليس ضرورياً، وحتى الضروريات ناقشها المتأخرين فإنه ليس كل إنكار ضروري يوجب الردّة، فهو ضال وباطل ولكن لا تتعامل معه أنه مرتد وتخرجه من الملة و الطائفة فهذا بحث آخر، وهذه نكتة مهمة وهي تخفيف التشنجات لا بمعنى تخفيف التخطئة العلمية الفكرية الهادئة كلا فإن هذه قائمة على قدم وساق ولكن من الخطأ أن تحصل تشنجات سياسية أو اجتماعية.

فإذاً الحرمة الأولى في التنجيم هي حرمة عقائدية أن يعتقد كما يعتقد الصابئة كما ينسب إلى الصابئة الآن فإنهم يؤمنون بالتنجيم بقوة ويؤمنون بالنجوم وأنها مؤثرة وأنها يتوسل بها ويتوجه بها وهكذا عبدة الشمس فهذا تأليه باطل وهلم جرا.

أما القسم الثاني من اعتقاد التنجيم أيضاً هو حرمته عقائدية، والقسم الثاني لا يقول بأنها مستقلة وإنما هي تؤثر والله تعالى يؤثر، وهذا شبيه لوثنين يقولون هي لها تسبيب والله تعالى له سبب، شبيه بعض المنطق المادي فإنَّ المادة لها دور والله تعالى له دور، وهذا البحث ليس فقط في التنجيم والكواكب وإنما حتى في الأسباب بالمادية يعني بني العلمانية والدينية، مثلاً يوجد هناك جانب في المدنية والتمدن أنه لا نصير كسالى ولا نصير طفيليين ولا نصير تواكليين ولا نصير عجزة كسالى فهذا صحيح، ففي وصية أمير المؤمنين عليه السلام ( اعمل لديناك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) هذا التوازن بين منطق الأسباب وبين سببية الله تعالى لكل شيء حلحلتها ليس بالسهل، يعني إذا قلت بأنَّ الله تعالى يستطيع أن يؤثر خمسين أو سبعين بالمائة أما أكثر من ذلك فلا يؤثر فإذا اعتقد الانسان هكذا فهذا شرك أيضاً، بينما إذا قلت عن الله تعالى يؤثر مائة بالمائة فهنا أين ذهبت الأسباب؟!! فهذا ( لا جبر ولا تفويض وإنما ارم بين أمرين )، هذه مسألة معقدة في تفسيرها، الكثير ربما يخصص نفي الجبر ونفي التفويض وأنه أمر بين أمرين فقط في أفعال الانسان، ولكن هذا ليس بصحيح وإنما هذا نفي الجبر ونفي التفويض في لك منظومة الخلقة حسب بيانات أهل البيت عليهم السلام، العرش هو المؤثر - لا الكواكب هي المؤثرة وإنما العرش هو المؤثر - أو جبرائيل أو ميكائيل أو اسرافيل أو اللوح أو القلم فحتى اللوح والقلم فهو قالوا جف القلم، والحال أن القلم ملك من الملائمة وأيضاً اللوح هو قلم من الملائكة كما أخطر بذلك أئمة أهل البيت عليهم ولكنه ملك أعظم من جبرائيل وأعظم من اسرافيل وأعظم من ميكائيل وهو حي لا يموت يوم القيامة، فاليهود قالوا جفَّ القلم ( قالوا يد الله مغلولة ) يعني جفَّ القلم ( غُلَّت أيدهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )[1] ، هنا يأتي قضية البداء وأنه ( ما عبد لله بشيء بأعظم من البداء ) و ( ما بعث الله نبياً إلا وأخذ عليه ان يقر بالبداء لله )، فلا يستطيع نبي على التغييرات التي يوجدها الله لا النبي يونس ولا النبي نوح ولا أي نبي من الأنبياء لأن لله تعالى البداء، وهذا ليس في وعد الله فإنَّ الله تعالى لا يخلف وعده وعهده ومن اصدق وأوفى من الله عهداً فالله لا ينكث العهد، ولكن إذا لم يدخل في العهد والوعد أخبر الله بشيء كما لو أخبر بوعيد او أخبر بقضاء وقدر ولكن لله عزَّ وجل أن يبدله وهو يبدله لا عن جهل وإنما من عظمة علم الله اللامتناهية، فهنا أن لا جبر ولا تفويض ليس فقط أفعال الانسان وليس فقط في أفعال الكواكب وإنما حتى في أفعال اللوح المحفوظ وحتى في أفعال جبرائيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل والعرش والكرسي وكل شيء، فقدرة الله ليست مغلولة وإنما له سلطة، فحينما نقول هي مبسوطة كثيراً ما نفسّر الجبر والاختيار بأنه جزء من الله وجزء من الخلوق نمزجها فتصير لا جبر ولا تفويض، وهذا غير صحيح، فإنَّ هذا هو جبر وتفويض وليس نفياً للجبر ليس نفياً للتفويض، فإذا ما هو نفي الجبر والتفويض؟ هو الاختيار، وهذه مسألة معقدة لا نريد الدخول فيها، ونذكر في جملة واحدة تصير ضابطةً مهمة أو ضابطتين، هذه الضابطتين هما قضيتان إذا مسكنا بهما فسوف لا تستعصي علينا بحوث الجبر والاختبار وإن كانت غامضة علينا وتبقى غامضة علينا ولكن لم تستعص ازاحة الشبهات فيها، فهما ضابطتان مهمتان وهي خلاصة أتعاب أعلام العلماء.

الضابطة الأولى وهي تكسر كل شبهة، ولا أقول هي ترفع الغموض عنّا ولكنها تكسر الشبهة، وهي ضابطة عظيمة جداً، وقد بينها أئمة أهل البيت عليهم السلام وقد بلورها الأعلام، وهي أنَّ القدرة والعلم إذا لم تسلب من المخلوق فليس بمجبر، فلو قيل لماذا فعل اله كذا؟، فبالتالي هل هو خلوق أو ليس بمخلوق وهل عنده علم وهل عنده قدرة فيقلو نعم هي موجودة عنده، فهو عنده قدرة فمادام ركن العلم وركن القدرة موجودة عند المخلوق فلا أحد يستطيع أن يستشكل ويقول إنَّ هذا مجبر بل هو مخير نعم الله اعطاه الاختيار وليكن ذلك ولكن المسؤول هو مادام يملك العلم والقدرة هذه ضابطة مهمة تزيح الكثير من الصعب من شبهات الجبر والتفويض، وهذه الضابطة تزيل شبة الجبر.

أما كيف ندفع شبهة التفويض؟ إنَّ نفي التفويض يتم بهذه الضابطة، وقد ذكرها أمير المؤمنين عليهم السلام في نهج البلاغة ( هو أقدرهم ) ، أي الله تعالى أقدر المخلوقات حتى أنه أقدر العرش وميكائيل واسرافيل وغيرهم، فهو أقدرهم وهو أقدر منهم فيما أقدرهم عليه، هو أكلمهم وهو أقدر منهم فيما أكملهم عليه، هو أعلمهم وهو أعلم منهم فيما أعلمهم عليه فإنَّ العلم فيه تفاوت، وحتى لو علم سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام مع ذلك الله أعلم من النبي فيما أعلمه به فلا يقاس علم الله تعالى بعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما كيف فهذا بحث آخر، لا يقايس علم الله بعلم النبي أما كيف فهذا بحث مفصّل، فإذا هو أقدرهم وهو أقدر منهم فيما أقدرهم عليه، وهو أعلمهم وهو أعلم منهم فيما أعلمهم به، هو أحياهم وهو أحيا من حياتهم فيما أحياهم عليه، كل الكمالات هي هكذا، وهذه الضابطة نفس أمير المؤمنين عليه السلام وبقية الأئمة عليهم السلام يشرحونها بشي أعمق لدفع التفويض، وهو أن الله تعالى في عطاياه هذا العطايا التي يعطيها لا تخرج منه إلى غيره فهو اكرم الأكرمين ولس بخيلاً ولكن كأنما صورة يتوهم المخلوق أنه بخيل، فالله لا يعطي شيئاً ينقص منه فإذا العطية التي يعطيها الله للمخلوق لا تنقص من خزائنه ولا يستقلها المخلوق ولا تنحسر عن الله تعالى، فإذاً هل هي صورة عطية أو ماذا وهل الله تعالى بخيل؟ إنه أكرم الأكرمين بل هذا هو أكرم الكرم هو هذا لأنه لو أعطاه مستلقة لفنيت وكلن مادام المدد منه فلا انقطاع له فكأنما أعطى كماله لغيره، فهذا شرح لهذا المطلب في نفي التفويض وهو أنه أصلاً طبيعة عطايا الله غير منفصلة عن الله تعالى وإنما هي قائمة به ومتجلية به فأين يوجد التفويض؟! إنه لا يوجد تفويض، حينئذٍ نفي التفويض هو هكذا ونفي الجبر ايضاً هكذا، فإذاً معنى الاختيار ليس هو الماركة بين المخلوق والخالق، فمعنى الاختيار ليس هو شيئاً من الجبر وشيئاً من التفويض نخلطه فيصير هو الاختيار، كلا بل الاختيار سنخاً هو مباين تماماً للتفويض، والاختيار سنخاً مباين تماماً للتفويض والجبر، فذاتاً هو أنَّ الله تعالى يعطي قدرةً وعلماً ويعطي كمالاً ولكن هذا العلم أو الكمال ليس قائماً بذاته وإنما هو قائم بالباري فأين الكفر؟!! إنه لا يوجد كفر، جبرائيل يصنع ولكن صنعه هو صنع الله وليس صنعه نفسه، العر أو اللوح أو القلم وذلك الكواكب أو المادة، والفلاسفة وقعوا في هذا الخطأ وهو أن النار لماذا لا تحرق، فإذا كانت النار عليه فلماذا لا تحرق؟ إنَّ معنى هذا أنَّ الاحراق هو أثر للنار وهو مدد من الله فإذا رفع الله تعالى هذا المدد فلا تكون النار محرقة، وما حسبه الفلاسفة أنه علل فهي ليست عللاً وإنما كلها إعداد والفاعل الوحيد الحقيقي والمفيض في كل منها هو الله تعالى أما البقية فكلها مجاري فيضه، ولا يوجد هناك شيء يقطع وينحسر من الله تعالى فإذاً لا يوجد شراكة، وهذا الكلام ليس فقط في الكواكب وإنما حتى إذا صرنا ماديين علانيين مدنيين وأنَّ المادة هي كل شيء فالله عز وجل قال ( ويوم حنين إذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغنِ عنكم من الله شيئاً ) [2] بينما في بدر ( نصركم الله وأنتم أذلة )، فأصلاً من الذي يتوقع ذلك فإنهم كذا فارس وانتم يوجد عندكم فارس واحد وعصي وغير ذلك ولا توجد عندهم سيوف، فأصلاً موازنة النصر ليست موجوداً أصلاً، فإذاً ليس كلها اسباب مادية وحتى هذه الأسباب المادية الله هو الذي يفيضها ولكن هذا لا يدعو إلى التكاسل والبلادة والطفيلية وإنما يقولوا أعيدوا ولكن أنت أيها المخلوق تقول أعيدوا أعيدوا وهذا عبارة عن صورة تستأهل فيها أنت فيض الله ( وما النصر إلا من عند الله ) مع أنه ( إن تنصروا الله ينصركم )[3] فهذا المنطق يأتي به القرآن الكريم ولا منافاة، لأنَّ معنى نفي الجبر ونفي التفويض، فلا تقل إنَّ الله يجبرك على النصر ولكن عليك ان تعدَّ القوة امام الأعداء فإذا لم تعدّ القوة فالله لا ينصر ولكن أعلم بأنك حينما تعدّ القوة امام الأداء فهي ليست منك وإنما هي من عند الله تعالى فالله يجري ذلك لأنك تستحق اجراء فيض النصر والظفر من فيض الله تعالى، فالمسألة تحتاج إلى تدبر، لأنَّ هذا الكلام ليس في الكوكب والنجوم فقط وإنما في كل شيء.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo