< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة السادسة من النوع الرابع ( السحر ) - المكاسب المحرمة.

كان الكلام في تعريف التنجيم وفرقه عن بعض العناوين الأخرى المشابهة له، ومرّ أنه في مسألة التنجيم عدة جهات، ومر أنه هناك مساحة مسلمة من الحرمة في التنجيم ومساحة مسلمة أخرى من الحلية في التنجيم ومساحة ثالثة مختلف فبيها من التنجيم هل هي حلال أو حرام او مكروه أو شبهة، هذا سيوافينا في أقوال الأعلام والأدلة، ولكن قبل الدخول في ذلك بعد ما مضى من تعريف التنجيم يلزمنا الالتفات إلى نكتة صناعية في بحوث الفقه التي كانت في آخر الجلسة السابقة حيث استعرضنا بدايتها.

وقبل أن نواصل النقطة ونبسطها نذكر فائدة في ملكة الفقاهة - وليس مكلة الاجتهاد -: - وهي أنه ما هو قوام فقاهة الفقيه وما هو قوام ملكة الاجتهاد؟ مكلة الاجتهاد مرتبتها دون مرتبة ملكة الفقاهة ولذلك الفقيه اعلى رتبة من المجتهد، تعبير السيد الخوئي عن الميرزا علي القاضي يقول هو مجتهد وليس بفقيه، بينما السيد أحمد الكربلائي النجفي الذي كان ربما في رتبة الكمباني أستاذ السيد الخوئي وربما في رتبة أستاذه السيد القاضي يمتدحه السيد الخوئي أنه لم يكن عارفاً ومجتهداً فقط وإنما كان عارفاً وفقيها لذلك توصياته أقرب إلى الشريعة والتمسك بها وهدي الشريعة والدين من توصيات الميرزا علي القاضي، هذا كلام السيد الخوئي ذكره للخواص من تلاميذه، ففرق بين مرتبة الفقاهة ومرتبة الاجتهاد، مثلا العلامة الطباطبائي مجتهد في الفروع ولكنه لم يكن فقيهاً في الفروع نعم هو فقيه في المعارف وليس مجتهداً فقط وكذلك في التفسير هو فقيه وكذلك في علم الكلام فقيه ولكنه في الفروع مجتهد وليس فقيهاً، وربما تجد فقيهاً في الفروع وليس فقيهاً في التفسير وإنما قد يكون مجتهداً في التفسير ومجتهداً متجزئاً في علم الكلام والمعارف، لأنَّ العلوم الدينية مراتب، فيوجد مجتهد متجزئ ويوجد مجتهد مطلق ويوجد فقيه وأسطوانة من أساطين هذا العلم هذه كلها مراتب في العلم فيجب أن نميز بين بعضها البعض، وكذلك الحال في الرجال فأنَّ عالماً من العلماء مجتهد متجزئ في الرجال وليس مجتهداً مطلقاً في الرجال وقد يكون فقيهاً متضلعاً في الرجال، فكل هذا موجود، فهذه درجات لا أنه إذا حاز قصب السبق في علم من العلوم الدينية نظن أنه الأسبق في كل العلوم الدينية، كلا وإنما غالباً لا يكون الأمر هكذا إلا نادراً لذلك حينما ذكرت أن الاغا بزرك الطهراني أنه هو الأعلم الرجال في زمانه وإلى يومنا هذا يعني هذا كلام كبار فحول أدركناهم من علماء النجف وقد توفوا بأجمعهم، فالأغا بزرك الطهراني في قضية التب وقضية المفردات الرجالية كان غولاً اخطبوطي في ذلك ولكن العيب في كتابه أنك لا تحصل الترجمة في مكان واحد وإنما بالفحص تحصل عن مفردة واحدة روائية أو كتاب واحد كلامه النهائي، مثلاً كتاب منتخب الطريحي أردت أن أرى ما هو رأي الأغا بزرك الطهراني حول كتاب منتخب الطريحي فوجدت عنده ربما أكثر من ألف مورد إذا لم أكن مشتبهاً وحاولت أن استقصي ماءتي مورد وكتبت وجيزاً حول منتخب الطريحي، فمن الصعب السيطرة على هذه الموارد وتجمعها، هذه فوائد ونكات ذكرها الاغا بزرك الطهراني في الذريعة وليس في غيرها فمن الصعب جمعها، نعم هو متفوق ولكن العيب أنه المراجعة إلى كتابه صعب، ولكن هذه الصعوبة إذا استطاع الباحث أن يتخطاها فسوف سكون كتابه بحر متلاطم في الرجال وفي اعتبار الكتب، ولو قلت إن معجم رجال السيد الخوئي رأيه حول كتاب تحف العقول ما هو كذا فأقول لك إن هذا ليس بصحيح بل عليك أن ترجع إلى من هو أعلم في هذا الجانب وهو الاغا بزرك، في علم الرجال رأيت السيد الخوئي في معجم الرجال يتكلم في ثلاث موارد عن الاغا بزرك وكأنما ينظر إلى قمة في هذا التخصص، فهو يعظم ويجل الأغا بزرك الطهراني في هذا التخصص، فهذه نكتة مهمة وهي أنَّ قوام ملكة الفقاهة شيء وقوام ملكة الاجتهاد شيء آخر وفي العلوم الدينين القضية متعددة.

وهناك نقطة أخرى في هذا المجال يجب أن نلتفت إليها: - وهي نقطة منهجية، هي من أسرار الصناعة وهي مهمة فيفقه الفروع، وهي عملية تصفح المعنى اللغوي أو الاصطلاحي لموضوع المسألة، فإن هذا وإن كان سهلاً ولكن يلزم التريث فيه من قبل الباحث فإنه يعطيك آفاق وقوة في البحث في الدلة للمسألة عجيب، شيء من التريث مهم جداً ففكا أنهم يقولون إن مضغ الطعام أكثر فائدة للجسم من الأكل بسرعة نفس الكلام هنا فأنت حينما تتروى بموضوع المسألة وتتدبر فيه وأنه ما هو المعنى اللغوي في المسألة أو المعنى الاصطلاحي فهذا يعبد لك الطريق بصورة عجيبة مع أنها مسألة سهله ولكنها مهمة جداً في يقظة الاستدلال ونباهة الاستدلال ونكات الاستدلال فهي تقيك من الاشتباهات والخطاء الشيء الكثير.

نعود إلى النقطة التي كنا فيها والتي لم نبسطها وهي منهجية أيضاً:- وهي صناعية في الفقه وهي أنَّ الأصل الغالب في الأحكام الشرعية المرتبطة بالعقيدة هي أحكام شرعية من علم الكلام وليس من علم فقه الفروع ولكن القليل منها رغم أنه حكم شرعي مرتبط بالعمل إلا أنه من علم الكلام، ولكن بعض الأحكام الشرعية المرتبطة بالاعتقاد هي ليس من علم الكلام وإنما هي من علم الفقه، يعني أنَّ الحكم الشرعي فيها فقهي مع أنها مرتبطة بالاعتقاد، فهذا استثناء، فالأحكام الشرعية المرتبطة بالاعتقاد - بعمل القلب - غالباً هي من علم الكلام ومن العقيدة ومن الدين ما شئت فعبر، فكل هذا صحيح ولكن القليل منها أحكام شرعية مرتبطة بالاعتقاد ولكن الحكم الشرعي ليس اعتقادياً وليس من علم الكلام وإنما هي من فقه الفروع، أما هي الضابطة التي ذكرها الأعلام في ذلك ؟ سنذكرها فيما بعد، وهذا قد ذكره الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية والنائيني والسيد الخوئي والكمباني في أواخر تنبيهات الانسداد.

الضابطة الثانية هي أنَّ غالب الأحكام الشرعية المرتبطة بعمل البدن هي أحكام فقهية فرعية شرعية إلا القليل من الأحكام الشرعية المرتبطة بعمل البدن ليست أحكاماً فقهية وإنما هي أحكام عقائدية من الدين، أي بالعكس، وقد بين هذا الأعلام في تنبيهات الانسداد، والرسائل للشيخ الأنصاري يوجد له شرح مبسوط من قبل أحد تلاميذه وهو بحر الفوائد للاشتياني وهو شبيه بالذريعة للسيد المرتضى، ففيه قواعد في علوم التفسير وفيه قواعد كلامية ورجالية وواقعاً هو اسم على مسمَّى والكثير من الفحول استفادوا منه نكات كثيرة في علوم كثيرة، لأنَّ طبيعة أصول الفقه أنه منطق العلوم الدينية يأتي في بحث القراءات ويأتي في بحث النسخ ويأتي في بحث العقائد فهذا بحر الفوائد اسم على مسمى لا يفوتنكم للتوسع في المصادر وهو يذكر فيه مصادر كثيرة، وفي هذا البحث الآن توسعه فيه دسم وجيد جداً.

فإذاً الضابطة الأولى هي أنَّ كل حكم شرعي ارتبط بفعل القلب والاعتقاد والاذعان فهو من الأحكام الشرعية من علم الكلام، ويرتبط بأصول الدين وهلم جرا إلا القليل من أحكام شرعية مرتبطة بفعل القلب والاعتقاد ولكن حكمها حكم فقهي فرعي، ولماذا هذا التشابه ولماذا هذا الاستثناء؟!

وأما الضابطة الثاني هي أن كل حكم شرعي مرتبط بالعمل البدني فهو حكم فقهي فرعي إلا القليل فمع أنَّ الاحكام الشرعية مرتبطة بالعمل إلا أنها من أصول الدين - من العقيدة -، ولماذا يأتي هذا الاستثناء؟ هذه هي النكتة وقد ذكرها الشيخ الأنصاري وبقية الاعلام وهنا تنفعنا جداً في بحث التنجيم، نميز بين هذه الأربعة أقسام فهما ضابطتان ولكنهما أربعة أقسام أو قسمان، فهنا في المقام أي في التنجيم مارس الأعلام تقسيم الصور بهذه الضوابط، وما هو تعريف الضابطة الأولى وما هو تعريف الضابطة الثانية؟ الضابطة الأولى مع استثنائها - حيث أنها قسمان وهما المستثنى والمستثنى منه - ضابطتها كما شرحها الأعلام في تنبيهات الانسداد قالوا إذا كان الاعتقاد أدلته ظنية معتبرة - وطبعاً هذا البحث أيضاً ذكروه في علم الأصول في موضع آخر وهو في تنبيهات حجية خبر الواحد كما ذكر الأعلام هذا البحث في كتاب الطهارة باب المطهرات الاسلام الفرق بين الظن واليقين والضروري وايضا ذكروه في باب النجاسات الكفر ينجس والفرق بين الضروري والظني وهلم جرا وذكروا ذلك أيضاً في بحث المرتد وبحث المرتد تجونه في كتاب الطهارة موضوعاً أكثر من كتاب الحدو وهذه الشبهات الموجودة الآن حول قتل المرتد وأنه ما هو جوابه وما هو راد فقهاء الامامية من المرتد فهذا لا تحصل عليه في بحث المرتد وإنما تحصل عليه في بحث الاسلام مطهّر والكفر منجّس بحثه الفقهاء هنا أكثر حتى من المتكلمين فهذه مصادر لمن اراد المراجعة.

ودعونا ندخل في تعريف هذه الضابطة وهي أن كل حكم شرعي ارتبط بعمل القلب هو غالباً من العقائد وعلم الكلام واصول العقائد إلا القليل منها، وضابطة هذا الاستثناء قال العلمان المتقدمان فيما إذا كان دليل المعرفة الاعتقادية ظني معتبر فهنا من المحال أن يصير هذا الحكم من أصول الدين أو من ضروريات اليدين وإنما هذا الحكم ليس من علم الكلام وإنما يصير هذا الحكم الشرعي من فقه الفروع، مثلاً تفاصيل عالم الأظلة يقولون هذا حكمه يصير مثل حكم فقهي فرعي شرعي، يعني الذي يخالفه مع وجود الميزان عنده - مع وجود الدليل الظني - يفسق لا أنه يكون كافراً أو غير مؤمن وإنما هو فاسق إذا قام الدليل لديه، أما إذا لم يقم الدليل لديه يكون مشتبهاً، إذاً ضابطة الاستثناء في الضابطة الأولى وميزان الاستثناء في الضابطة الأولى أن يكون الدليل على الاعتقاد هو دليل ظني فإذاً كان دليلاً ظنياً فلا يمكن حينئذٍ أن يكون هذا الحكم الشرعي من أصول الدين وإن كان اعتقادياً معرفياً فلا يغرنك وإنما مادام دليله ظني معتبر فهو بمثابة حكم فقهي شرعي والمخالف له مع التنجيز يفسق لا أنه يكفر، وهذه نكتة هامة جداً ومؤثرة.

وقبل أن نخرج من هذه الضابطة نقول:- إنَّ القول بأنَّ كل ما اختلفت فيه المذاهب الاسلامية فهو اجتهاد ظني فأعوذ بالله هذه العبارة وهذه الضابطة كارثة التي يلهج بها دعاة التقريب والوحدة الاسلامية، طبعاً نحن ندعوا إلى عدم الفتنة الاسلامية ولكن ليس بهذا الترهّل أو الانفلات في الضوابط، وحتى الأطراف الأخرى لا يقبلونها، يقولون كل ما اختلفت فيه المذاهب الاسلامية فهو اجتهاد ظني، أعوذ بالله من هذا فإنَّ هذا الكلام غير صحيح، يعني معنى هذا أنَّ الأمور الضرورية في منهاج أهل البيت مثلاً هذه أحكامها فقهية فرعية اجتهادية ظنّية قد تخطي وقد تصيب؟!! إنَّ هذه مقولة كارثة وجهالة كبرى فيلزم الالتفات إلى هذه المطالب، نعم دليله ظني قد يخطئ ولكن هذا بحث آخر، أقول أنا أعتقد بإمامة أئمة أهل البيت ولكن أعتقد بهم لاجتهاد ظني قد يخطئ وقد يصيب، ومعنى أنه اجتهاد ظني يعين أنه لا سمح الله قد يكونوا في الواقع لا يكونوا أئمة وهذا لم يصر اعتقاداً وإنما صار فقهاً فرعياً، وهذا غير مقبول فإنَّ إمامة أهل البيت لا يمكن أن تصير اجتهاداً ظنياً، فالتفت إذاً القول بأن الدليل المعرفي الاعتقادي إذا دليله ظني لا يكون حينئذٍ من العقيدة وإنما يكون من الفروع، فهل إمامة أهل البيت هي من الفروع إنه هذا كارثة ، فلاحظ أنَّ هذه المباحث إذا لم يركز عليها الباحث فلا يجيدها في أبواب علم الكلام ولا في أبواب الفقه إلا في هذه المصادر التي ذكرتها لكم، والشهيد الثالث في حقائق الايمان أيضاً توسع ومراراً مرَّ بنا أنَّ المجلسي شرح هذا الكتاب في البحار لو يقوم الاخوة بجمع هذه الشروح المتوزعة لهذا الكتاب في البحار للمجلسي وتطبع معه فسوف يكون كتاباً جزلاً في حوار المذاهب الاسلامية، وهذا بحث لفقهاء فحول يؤسسون لك لا أنهم باحثون أو فضلاء يعطوك ضوابط ما أنزل الله بها من سلطان فإنَّ هذا ليس بصحيح، إذاً الضابطة صارت واضحة ذكرها هؤلاء الفحول وهي أن الاعتقاد إذا كان دليله قطعي مبدّه فهذا من الدين وليس من الفروع، ولا تقل غير ذلك، أما إذا كان دليله ظني فهو من الفروع وقل هو أمر اجتهادي واجتهادي يعني دليل ظني ولا تقل اجتهادي، الآن حتى الوهابية وحتى الزيدية وحتى الأباضية وحتى الأشعرية والماتريدية عندهم في مذهبهم وادعاءهم بانه توجد عندهم أدلة قطعية ولذلك تمذهبوا وإلا لو كانت ظنية لم يقولوا هذا الشيء ولذلك يعتبرون الاختلاف بين المالكي والشافعي والحنبلي اختلاف في الاجتهادات لأن الأدلة ظنية أما الاختلاف بين الشعري والمعتزل والماتريدي وغيرهم هذا لا يقولون هو في اجتهادات ظنية، الاختلاف في علم الكلام في المساحة المركزية - وليس كل مساحات - هذا اختلاف عقائدي مرتبط بالعقيدة، يعني كل يدعي الوصل بليلى ولكن هذا بحث آخر، فهم لا يدعون أنَّ أدلتهم ظنية وإلا لم يتمذهبوا عقيدةً فهذا بهذا اللحاظ ولذلك ضرورة كل مذاهب المسلمين أن أصول الإيمان تختلف عن أصول ظاهر الاسلام، ولا أحد يقول أصول ظاهر الاسلام هي أصول الدين ولا غير أبداً لا الوهابية ولا الزيدية ولا الأشعرية ولا الماتريدية ولا غيرهم، إذاً هذه المقولة التي يقول بها أصحاب التقريب وغيرهم مقولة خلاف ضرورة المسلمين كلهم فهم يخالفون كل مذاهب المسلمين وهي مذهبية جديدة ما أنزل الله بها من سلطان، فهم يدّعون أنَّ أصول الايمان هي أصول الاسلام وظهر الاسلام وهذا لم يقل به أحد بل الكل يستعيذ منها، وهذا اشتباه لا يغتفر، فهذه نكات يلزم الالتفات إليها وهي حساسة وخطيرة، وأصل هوية المذاهب الاسلامية كلها في هذه الضابطة ويه عاصرة جهود قرون كبار الأعلام حتى من المذاهب المختلفة، وهي أنَّ الحكم الشرعي المرتبط بفعل القلب غالبه من العقيدة ومن الدين لأنَّ غالبه دليل قطعي ضروري، ولكن القليل منه إذا كان دليله ظنياً يقبل الخطأ والاشتباه فهذا حكمه حكم الحكم فرعي، فهو مع أنه من الاعتقاد ولكنه بمثابة الحكم الفرعي وليس بمثابة الحكم العقائدي، وهذه نكتة مهمة ودسمة وخطيرة وتترتب عليها بحوث آثار وأسس وليس من السهل الالتفات إليها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo