< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/01/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة تبييض الأموال _ النوع الثالث ( بيع ما لا منعة فيه )/ المكاسب المحرمة.

كان الكلام في قاعدة الاتجار بالمال الحرام أو ما يعرف في العصير الحديث بغسيل الأموال أو تبييض الأموال وانتفلنا إلى طائفة أخرى من الروايات وهي الواردة في الاتجار بمال اليتيم الباب الخامس والسبعون من أبواب ما يكتسب به من السوائل، ولفهم روايات هذا الباب كل هذه الطواف من الروايات مرتبطة بطوائف أخرى من الروايات لا يمكن فهمها وحجيتها بمفردها، هذا هو الفرق بين الحجية الفقهية وبين الحجية الروائية، حجية الراوي وحجية الرواية هي فقط طريق وسند، أما الحجية الفقهية أن تجعل مضمون الروايات منظومة واحدة وإلا فلا تعرف المراد الواقعي للشارع، حجية المتن والمتون وليس حجية السند والطريق، الدين لا يعرف في مسألة حتى من مسائلة بسند وطريق وإنما يعرف بالمتن، تعرف نسب المتن فإنَّ المتن له نسب وانتساب، نسبه أن تربطه علمياً وصناعياً بأبواب عديدة وإلا فسوف لا يظهر المراد منه، هذا هو الفقر بين حجية المتن التي يصول ويجول بها الشيخ المفيد فلاحظوا عباراته التي نقلها الشيخ الأنصاري في حجية خبر الواحد ويصرح الشيخ الأنصاري أنَّ هذا هو مبنى الصدوق، والحال أنَّ الصدوق المعروف أنَّ منهجه اخباري مثلاً والمفيد منهجه أصولي، فلاحظ أن مبناهم واحد وهو أصالة المتن وليس أصالة الطريق، وهكذا السيد المرتضى وابن زهرة وابن إدريس وكلّهم خلافا لمدرسة السيد أحمد بن طاووس، فإنَّ السيد أحمد بن طاووس كأنما أحيى حجية الراوي والرواية وغلّبها على حجية الفقه والفقيه، مع احترامنا العظيم للسيد أحمد بن طاووس ولكن المناقشة العلمية ضرورية، لأنَّ حياة العلم بها وإلا فسيموت العلم، والكلام هو الكلام مع منهج السيد الخوئي مع تعظيمنا له وجهوده وبركاته ولكن تبقى المناقشات العلمية على حالها لأنَّ هذا هو حياة العلم فإنَّ حياة العلم بالبحث والنقد وليس بالمعيّة والمعيّة، فلاحظ هذه الطائفة من الروايات أصلاً لا تستطيع أن تفهمها إلا أن تفهم باب الربا ما هو وباب المضاربة ما هو ثم نأتي نستطيع أن نفهمها.

فهذه الروايات ترتبط بأن المضاربة - كما مر - لها أربعة عناصر قوامية تختلف عن القرض الربوي، بحث البنوك والمصارف والربويات كيف تميز بينها وبين الاستثمار وهذه أحد معاجز الاسلام برهان اقتصادي، واقعاً الاسلام معجز والنبي معجز أئمة أهل البيت معجز فإنهم فصّلوا هذه البيانات، بحوث الربا وبحوث أخرى بخلاف الطواف الأخرى ولذلك استعانوا في البنوك الاسلامية بنصّ ما ألفه السيد محمد باقر الصدر والشيخ حسين الحلي والسيد الخوئي لأنه بُنى الشيعة وبنى أئمة أهل البيت متينة في هذا الجان، فلاحظ الشارع كيف عنده اعجاز علمي يقول لك إنَّ الماهية الاستثمارية الحقيقية في عالم التجارة والاقتصاد يختلف ماهوياً عن الربا، فإنَّ الربا هو دمّل مصّاصة للاقتصاد، فهي تكبّل الاقتصاد وتجمّده، وما هو الفرق الماهوي ؟ وهذا ليس بحثاً تعبّدياً محضاً وإنما هو نوع من البرهان بلغةٍ اقتصادية بلغة تجارية، أنَّ الحقيقة الماهوية الواقعية للاستثمار الذي يحيي التجارة يختلف ماهوياً جنسياً نوعياً عن الربا، ( قالوا إنما البيع مثل الربا) فكذّبهم الله تعالى فالبيع يحيي التجارة والاقتصاد أما الربا فيميته ويكبّله ( وأحل الله البيع وحرّم الربا )، ونفس هذه الآية الكريمة معجزة هي معجزة الاسلام الخالدة ومعجزة القرآن الكريم، لأنَّ المضاربة مرتبطة بالتجارة والبيوعات، ومرّ أنه في المضاربة أنَّ رأس المال مضمون، أما في القرض المال مضمون فإنَّ المقترض يضمن المال للمقرِض.

وأنا أعيد هذا لأنه بحث صعب، الآن في عالم المال اليوم حتى مجتهدين منا فضلاً عن فضلاء لم يستوعوا هذا الفرق الجوهري وهم فئة قليلة وإلا فالمشهور شهرة عظيمة عند علماء الامامية أنَّ الفرق الماهوي موجود، والبعض الذين خاضوا في التنظير الاقتصادي وهم مجتهدون ولم أقل مراجع فقهاء ولكن أقول مجتهدون لم يستطيعوا أن يهضموا الفرق، ومن الأمور التي أصر عليها السيد الخوئي ونعم الاصرار هو أنه قال إنَّ هذه الفروق ليست كمالية فهو يؤكد على ذلك في كتاب المضاربة من شرح العروة واصراره في محله، وهو أنَّ هذه الفروق بين المضاربة وبين القرض ليست فروقاً كمالية، وكمالية يعني ليست ركنية وإنما هي شروط مكمّلة مثلاً، كلا بل هي أعمدة أساسية في الفارق الماهوي بين المضاربة والقرض، وهذا بحث خطير جداً وثمين في كل بحوث المال والسوق هذا اليوم ما أن تشاهد ضمان فالتفت، وللضمان معانٍ عديدة، فهو أنواع وأقسام عديدة، وأنا لا أريد الدخول في التفاصيل وإنما أذكر اجماليات فهرسة لأنها ليست محل بحثنا ولكن هذه الاجماليات ضرورية أن المضاربة ليس فيها ضمان، والبعض أراد أن يجعل ضماناً معيناً بفذلكات وأنها صحيحة أو ليست بصحيحة فهذا بحث آخر ولا نريد الخوض فيها وستأتي، ولكنه فارق أساسي اجمالاً، المضاربة ليس فيها ضمان المال مع عدم التفريط ولكن في القرض ضمان أصل المال، فإذاً هذا فرق جوهري بين المضاربة والقروض سواء كانت ربوية أو غير ربوية.، هذا هو المشهور شهرة عظيمة عند علماء الامامية، هذا هو الفارق الأول بين المضاربة والقرض ربوياً كان أو غير ربوي.

الفارق الثاني: - أنه في المضاربة، وأنا اشرح هذا المطلب لأنها سنقرأ روايات عديدة فإذا لم نعرف هذه المعادلات فسوف لا نعرف المراد من الروايات لأنَّ هذه الروايات تشير خطوة خطوة إلى هذه المعادلات، الفارق الثاني هو أنه في المضاربة أيضاً غير مضمون، وهذا لم نذكره سابقاً، فلا يوجد ضمان في الربح فإن حصل الربح فبها إن لم يحصل فلا مشكلة، أما في القرض الربوي حتى الزيادة مضمونة، وهذا فارق خامس من الفوارق البنيوية، إذاً في المضاربة اسعَ وتاجر ولكن لعلك تحصل على الربح.

وهنا توجد وقفة قصيرة مهم مجهرية كي لا تضيع علينا المحاسبة وهي أنه ما الفرق بين المضاربة والشركة - الشركات -، ومن باب الشيء بالشيء يذكر عندنا كتيب جديد غير فقه المصارف فيه حلول بديلة عن الربا غير ما طرحه السيد الشهيد تماماً وغير ما طرحه الشيخ حسين الحلي تماماً وغي ما طرحه اليد الخوئي وغيرهم فهو شيء جديد، فهو تيب صغير ولكن في تخيلنا نافع وقد استعنّا بنفس متسالمات المشهور، هناك ذكرنا في بحث الشركة والمشاركة يعني هي مضاربة لأنه الآن في عالم المال لا يعبرون مضاربة وإنما يعبّرون شركات استثمارية فما الفرق بين الشركة والمضاربة وهل يوجد فرق أو لا يوجد فرق وهذه وقفة مهمة وفائدة مرتبطة بالبحث، من اهم الأمور في باب المعاملات وعي الباحث لماهية المعاملات ومباينة بعضها عن البعض الآخر ماهوياً، وهذه النكتة من سرّ المهنة في باب المعاملات، وحتى من اسرار الأعلمية في باب المعاملات ان هذا فقيه أو ليس بفقيه في باب المعاملات أو أنه أعلم أو غير أعلم هي عبارة عن السيطرة والتسلط القوي في التفرقة بين ماهيات المعاملات بعضها عن البعض الآخر وهذا سرّ عظيم، وكتاب الشرائع في هذا الباب عظيم، يعني حتى تدريس كتاب الشرائع الانسان يطالس هذه المعادلات ويغوص فيها، وقد كتب تلميذ الشيخ جعفر كاشف الغطاء يسمّونه الميرزا التنكابوني في قصص العلماء وهذا الكتاب مترجم إلى اللغة العربية الآن أنه سئل الشيخ جعفر أن كيف أصبحت بهذه القدرة في علم الفقه فهنا قال درّست الشرائع ثلاثمائة مرة - أو قل ثلاثين مرة - وليس من البعيد أن يأتي هذا من الشيخ جعفر، فلاحظ أنَّ نفس الممارسة تجعلك تميز بين ماهيات المعاملات وقوالب المعاملات، وهذا سرّ عظيم جداً في باب المعاملات، فلا ينغرّ الانسان بنفسه بأنه عرف هذا الباب أو ذاك، بل امتحن نفسك بالمقارنة في النتوءات فتلاحظ أنَّ فيها مبهمات إلى الآن وفيها أموراً معقدة إلى الآن، كيف أميز بين هذه الماهية المعاملية وبين تلك الماهية المعاملية، وهذا باب عظيم.

ما هو الفرق بين باب المضاربة والشركة؟ فهل يشترك المالكان في المالين أو ماذا؟ هذا بحث وهو بحث أسباب الشركة وليس محله الآن وإنما بحثنا فيما إذا كانا مالين مزجا وتوجر بهما فمحل البحث هنا وهو نوع خاص من الشركة وليس بحثنا في كل الشركة وأسبابها القهرية وغير القهرية وانواعها وأقسامها، كلا بل الكلام يقع في نوع خاص من الشركة، وهو مزج المالين والمتاجرة بهما، فهذا استثمار نظير المضاربة وما الفرق بين هذه الشركة بهذا المعنى والمضاربة؟ الآن يأتي الفرق وهذه هي معضلة التجارة، المضاربة ماهية بسية بمعنى ففيها وكالة وفيها تجارة وفيها اجارة، فالمضاربة فيها هذه الأمور الثلاثة، فعامل المضاربة وكيل صاحب المال، وأيضا فيها اجارة باعتبار أنَّ عامل المضاربة يبيع ويشتري وغير ذلك وكذلك فيها اجارة لأن هذا الوكيل لا يعمل عمل الموكّل مجاناً وإنما مقابل أجرة، فعامل المضاربة أجير ولكن أين أجرته؟ هذا بحث حساس ومن هنا أنا طرحت هذه الحلول الجديدة في هذا الكتيب لأني استخرجت من باب الاجارة مسلمات عند علماء الامامية ومن باب الوكالة وغير ذلك فالتفت إلى حلول المشهور لم يشيروا إليها والحال أنها حلولاً سهلة يعني هي مثل المعادلات الراضية وهذه الحلول ليست اجتهادية مختلف فيها وإنما هي حلول تسالمية، فهي مع أنها حلول جديدة ولكنها تسالمية لأن الكثير من الحلول الكل يقبلها ولكن هذه الحلول في هذا الكتيب هي بمقتضى القواعد تسالمية منها هذه القاعدة وهي أنَّ المضاربة ماهيتها الوكالة والتجارة والاجارة ثلاث ماهيات، هذه من خاصية باب المعاملات أن تتركب المعاوضات والمعاملات مع بعضها البعض، ويحسب لكل بعض وجزء أحكامه فإنَّ أحكام الاجارة تترتب وأحكام البيع تترتب أحكام الوكالة تترتب، فلاحظ كيف تمشي المعادلات وكيف تتنسق القواعد، هذه المعاملة الجديدة المركبة من قال تجري عليها أحكام الاجارة؟ نعم تجري عليها أحكان الاجارة، ومن قال تجري عليها أحكام الوكالة؟ نعم تجري عليها أحكام الوكالة، ومن قال تجري عيلها أحكام البيع؟ نعم تجري عليها أحكام البيع، أليس كان كلام في الاتّجار بالمال الحرام وأنَّ عامل المضاربة يعقد لنفسه وقد بحث الأعلام وهذا وبحثوا قواعد باب البيع أفتلاحظ ذلك كالسيد اليزدي ومحشي العروة وغيرهما كلها كان الكلام التجارة التي يوقعها عامل المضاربة.

إذاً المضاربة هي وكالة وبيع - يعني سيل من البيع - واجارة، وهنا يوجد مفتاح حل جيد وهو أنَّ هذه الاجارة هل اجرتها مضمونة أو غير مضمونة؟ إنها ليست مضمونة، فإن حصل ربح فله أجرة وإن لم يحصل ربح فلا أجرة له فإذاً عندنا في باب الاجارة يمكن ان تكون الأجرة غير مضمونة، فلاحظ هذه باب واسع ينفتح منه حلولاً عجيبة بديلة عن الربا، لذلك هذه الفتوى ذكرها كلهم في باب الاجارة في قسم من أقسام الاجارة، فالتفتوا إلى تداخل ماهيات المعاملات مع بعضها البعض وهذه من روائع الصور الصناعية.

إذاً المضاربة هذه هي ماهيتها، هذا هو التحليل، فالرواية هكذا لابد أن تحللها لا أن تأخذها بشكل اجمالي عفوي، إذاً المضاربة مركبة، وما هي الشركة والمشاركة؟ إن الشركة والمشاركة مرّت بنا وهي أقسام ولكن هذا النوع الذي نريد أن نميزه الآن عن المضاربة هو أيضاً نفس الشركة والماركة في الاستثمار الشركة الاستثمارية هو أيضاً انواع، وهذا ذكروه في باب المعاملات وهو مهم لمن يريد أن يميز بحوث الربا والمصارف عن الاستثمار يجب أن يتقن هذه المباحث، وما الذي ذكروه؟ قالوا إنه في الشركة الاستثمارية بدلاً من أن يكون عامل المضاربة ورأس مال واحداً يصيران مالين، ففي الشركة الاستثمارية بدلاً من أن يكون عامل مضاربة ورأس مال واحد لابد وأن يكون رأس مال للاثنين أو أكثر، يعني أنَّ الشركة الاستثمارية مركّبة من مضاربتين فأكثر.

نعيد لأنَّ هذا بحث ماهوي بنيوي إذا لم يتقنه الباحث فأصلاً يكون دخوله في بحث المصارف والربويات عبثاً: - الشركة الاستثمارية هي عبارة عن مضاربتين فأكثر بينما المضاربة هي مضاربة واحدة مع أنَّ المضاربة مركبة أما الشركة الاستثمارية مضاربتين على أقل تقدير فربما تصير أكثر.

إذاً الشركة الاستثمارية هي مضاربة مركّبة، فإذاً لا توجد بينونة تامة بين الشركة الاستثمارية والمضاربة، الشركة الاستثمارية مضاربة وزيادة والزيادة هي اشتراك المالين، وفيها بحوث الشركة لأنه يوجد فيها اشتراك المالين وتمازجهما.

إذاً الشركة الاستثمارية متقوّمة بمالين للاستثمار، فإن كان هناك عامل مضاربة أو اثنين أو عشرة فهذا أمر آخر، فلا نستعجل فللكلام تتمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo