< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الدهن المتنجس.

ويوجد وجه آخر أيضاً استدل به الشيخ الأنصاري:- وهو أنَّ التغرير الذي هو الصورة الثالثة حيث مرّ بنا أنَّ الشيخ يفترض أربع صور ، أنَّ فعل الأول يلجئ الثاني على الفعل ، ففعل الأول يسبّب صدور الفعل من الغير الجاهل ، الصورة الثالثة أنَّ فعل الغير شرط لصدور فعل الغير المحرّم ، والصورة الرابعة أنَّ فعل الأول يمكن أن يكون ممانعاً عن فعل الغير وليس بشرط ، فقاعدة التغرير هي في الحقيقة في الصورة الثالثة كما مرّ بنا أنه يبيع أو يعطيه أو يهيده الدهن المتنجّس أو النجس من دون أن يعلمه ، فبالتالي حصول الغير على هذا الدهن النجس شرط في ارتكاب الغير لأكل المتنجّس أو أكل النجس وليس علّة وليس سبباً ، لأنَّ الأكل إرادي للغير وإن كان جاهلاً ، ففعل الأول ليس سبباً كاملاً لأكل الغير وإنما هو شرط ، فلولا هذا الشرط لما حصل أكل الغير لهذا النجس أو المتنجّس ، هذا مع جهل الغير ، أما مع علم الغير فسيأتي في المسائل اللاحقة.

وليس هو إلا الاكراه ، فالسبب لا يختص بالإكراه وإنما أحد أمثلته الاكراه ، وحتى قد يتصوّر الاكراه مع جهل الغير ، فمع ذلك لا يختص بالإكراه ، بل السبب أعم.

فالمهم أنَّ الشيخ يقول إنَّ أدلة التسبيب للحرام إذاً هي تشمل الشرط ، وطبعاً هي تشمل الشرط في أيّ صورة ؟ هو الشيخ نفسه لا يقبل أنَّ أدلة التسبيب للحرام تشمل أدلة الشرط مع علم الغير ، مثلاً بيع الخمر على من يصنعه خمراً الشيخ الأنصاري لا يقبل هناك ، وسيأتي أنه عنده تفصيل وفي جملة من الصور لا يقبل أنَّ هذا تسبب للحرام ، أما إذا كان الغير جاهلاً فنعم هو يقبل به.

ودعونا نوضح هذا المطلب أكثر:- مرّ أن أحد الأدلة العمدة في قاعدة ، فإذاً توجد عندنا أربعة صورة ، صورة الإلجاء على الحرام وهي الصورة الأولى والصورة الثانية التسبيب إلى الحرام والصورة الثالثة شرط للحرام ، والصورة الرابعة الممانعة.

يعني بعبارة أخرى:- الشيخ الأنصاري يقول الآن فعل الحرام تارة الإنسان هو يقوم به ويأتي به مباشرة فهذه غير الأربع صور وإنما هي صورة قبل الأربع صور ، فالإنسان هو بنفسه يأتي بالحرام سواء شرب الخمر أو صنعه أو أكل الدهن المتنجّس أو شربه فهو يقوم بالفعل فعلاً فهذا واضح أنه حرام ﴿ حرم عليكم الخبائث ﴾ ، فهذا قسمٌ قبل الأربعة ، ونفس هذا الدليل الدال على حرمة ارتكاب الحرام كشرب الخمر وصنعه وأكل المتنجّس أو الفحشاء لا سمح الله وبقية المحرّمات نفس أدلة المحرّمات الدالة على أنَّ المباشر للحرام حرام عليه أن يرتكبه الأعلام يقرّبون أنَّ هذه الأدلة هي تدل أيضاً على حرمة التسبيب للحرام والإلجاء للحرام ، فهي تدل على حرمة القسم الأول والثاني ، يعني الدليل الذي يدل على حرمة شرب الخمر بنفسه يدل على حرمة إشراب الخمر إلجاءً للغير أو تسبيباً، والدليل الذي يدل على حرمة ارتكاب الفواحش مباشرة نفسه يدل على أنَّ إلجاء الغير حرام أيضاً ، وكلامنا الآن ليس في مباشرة الغير بل نفس الدليل يدل دلالة أخرى أيضاً على حرمة إلجاء الغير إلى الحرام أو تسبيب صدور فعل الحرام من الغير ، هذا هو المدّعى عند المشهور ، وإذا لم يكن مشهوراً فهو أشهر ، والأشهر أقل دائرةً من المشهور ، والمشهور يعني شهرة مطبقة ، والأشهر يعني توجد شهرتان ، ولذلك المشهور أقوى من الأشهر ، فإنَّ الأشهر في مقابل شهرة أخرى أقل منه ، أما المشهور فهو مقابل الندرة ، وهذا مصطلح فقهي عند الأعلام ، فالمشهور أو الأشهر عندهم هكذا تقريب وهو أنَّ الدليل الذي يدل على حرمة الفعل مباشرة هذا الدليل بدون قرائن خاصة سواء مثبتة أو نافي فهذا بحث أخر ، بل نفس دليل النفي مثلاً هو بنفسه يدل على أنك أيها المكلف كما أنت لا ترتكبه مباشرة لا تسبب لارتكاب الغير له مباشرةً ، المباشرة من الغير ولكنك أنت السبب القوى ، أو أن تكون أنت مُلجِئاً له ، فإذاً كأنما حرمة الخمر مفسدتها ليست قائمة بالمباشرة فقط ، فالشارع يحرّم ويبغض شرب الخمر أو بقية المحرّمات سواء صدرت من الإنسان مباشرةً هو تلوث بها أو سبب تلوث الغير بها ، فكأنما صيغة النهي ( لا تشرب الخمر ) ( لا تفعل الفاحش ) أو غير ذلك هذ الصيغة هي فيها مفادان نهي عن النسبة الفاعلية المباشرة ونهي عن النسبة الفاعلية التسبيبية، هذا تقرباً إذا لم المشهور نقول الأشهر بنوا على.

وهذا صحيح لالة المبغوضية وقد قرّبناه قبل كم يوم ، وأحد تقريباته سهل وهو أنَّ الجاهل بالتالي حتى جهله إنما يرفع التنجيز لا أنه يرفع الحرمة الفعلية في حقه وإنما هو في حقه حرام ولكنه جاهل عنها فتسبيب الإنسان للحرام والمبغوض من لشارع مبغوض من قبل الشارع ، فنفس دليل مبغوضيته المباشرية هي بنفسها دليل مبغوضية تسبيبه ، إلا أن يدل دليل على عدم ذلك ، الآن هذا في الحرمة.

وهذا بخلاف الوجوب ، فالآن هذا في الحرمة وليس في الوجوب ، في الوجوب مثلاً ﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس ﴾ يعني مباشرة يدل على أنه مباشرة قم بالصلاة أما نفسه يدل على أنه سبب صدور الصلاة من الغير فلا ، إلا أن يأتي دليل ويقول ( مروا أولادكم بالصلاة ) ، ﴿ قوا أنفسكم وأهليكم ﴾ وإلا نفس ﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس ﴾ و ﴿ لله على الناس حج البيت ﴾ و ( احجج غيرك ) فلا يوجد دليل ، وهذه بحوث مهمة وقد ذكروها في الأصول وإن كانت مرتبطة بالصناعة الفقهية.

ومن باب الفائدة:- ولو أنا لا نريد أن نوسع البحث ونشتته ولكن توجد فائدة جيدة ذكرها النائيني في مبحث التعبيد والتوصلي في أجود التقريرات وإمكانكم مراجعتها: أيضاً يوجد بحث عند الأعلام الآن حينما الشارع يقول ﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس ﴾ فإذا عجزت هل تُنيب غيرك مباشرةً ، فهل يوجد نطاق لهذا الدليل أو لا ؟ فلاحظ هذه حيثية ثالثة ، ﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس ﴾ أو ﴿ ولله على الناس حج البيت ﴾ يعني مباشرةً هل يشمل النيابة عن نفسك إن عجزت أو لا ؟ ، هذا قد بحثه الأصوليون ونحن لا نريد أن نثيره ، فالمقصود أنَّ الأصوليون والفقهاء بحثوا أنَّ صيغة النهي أو صيغة الأمر كم حيثية فيها ، وهذا بحث مهم ، مباشرية ، تسبيبية ، نيابية ، فهذا بحث مهم ، النيابية خارجة عن محلّ بحثنا ، المهم التسبيبية في النهي مسلّمة أما في الوجوب فهي ليست مسلّمة ، فإنه إذا أوجب عليك الصلاة لا أنَّ معنى ذلك أنه وجب عليك أن تسبّب صدور الصلاة من الغير ، كلا هذا لا يفيد ، ولكن في الحرمة قبلوا بهذا التقرير ، إذا حرم عليه وزجرك عن الحرام يعني يزجرك عن الإلجاء ويزجرك عن التسبيب للآخر ، فهذا تام ، والشيخ الأنصاري يقول إنَّ أدلة التسبيب في الحرام أيضاً تشمل الصورة الثالثة - وهي الشرط - إذا كان الطرف جاهلاً لا ما إذا كان الطرف عالماً.

ولماذا فصّل الشيخ وجماعة ؟ ، يعني ليست أدلة التسبيب تفيد الصورة الثالثة مطلقاً وإنما فقط تفيد الصورة الثالثة إذا كان الطرف جاهلاً ؟ لأنه إذا كان جاهلاً تصير إرادته منقوصة لأنه جاهل بالموضوع فيكون فعل الأوّل أقوى وبمثابة التسبيب ويلحق بالتسبيب ، وهذا صحيح والتقريب تام ، وإن كان التسبيب اصطلاحاً هناك تعاقب المسبّب للسبب وهنا ليس من المعلوم أنه يتعاقب ، لأنَّ هذا قد يريد وقد لا يريد ولكن هو بمثابة التسبيب لأنه أقوى ، فهذا الوجه أيضاً لا بأس به إجمالاً ، بخلاف ما إذا كان الغير عالماً ، فهنا ليس تسبيباً في الصورة الثالثة ، أنا اعطيه عنباً الآن هوي ذهب ويصنعه خمر فهذا بحث آخر ، فهو يعلم أنه عنب ، أو أنا أعطيه خشباً من نوع خاص يصلح للآلات الموسيقية وهو يريد أن يصنع منه آلات موسيقية فها بحث آخر فهو يستطيع أن يصنع منه غير الآلات الموسيقية ، فمع علم الغير لا يكون سبب من الأول وإنما يكون شرط إعدادي ، أعددت له الشرط - الأرضية - ، فإذاً الشيخ يفصّل وسيأتي علم الغير في المسائل اللاحقة وفيها تعقيد كثير ، فإذاً أدلة التسبيب عند الشيخ مع جهل الغير في الصورة الثالثة تشمل الشرط.

لتقسيم الصور حتى لا نساها مرّ بنا الآن في صورة الفعل المباشر قبل الصور الأربع ، والصورة الرابعة هي الممانعة ، وهي لم ندخل فيها بعدُ ، ما الفرق بين هذه الصورة الرابعة الممانعة مع موارد قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

فرقها واضح ، فإنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صورة أخرى غير الأربع ، بل هي ما بعد الأربع ، فتوجد عندنا صورة ما قبل الربع التي هي فعل المباشر ثم الصور الأربع في فعل الغير بهذه التقسيمات الأربع ، أما صورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعلٌ ما وراء الصور الأربع ، لأنه في موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الغير يعلم ، فهي منجّزة فإذا لم تكن منجّزة فليس نهياً عن منكر ، أما أنه تـأتي قواعد أخرى فهذا بحث آخر ، إذا كان الغير عالماً وليس لي دور لا شرط ولا غيره يصير من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يعني بعبارة أخرى ست صور أربع منها جاهل والأولى فعل الإنسان مباشرة ، والصورة السادسة فعل الغير بلا دخلٍ لي أنا فيه إلا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع علم الغير ، والشيخ أقحم هذه التقسيمات هنا في المقام حتى لا نخلط بين القواعد ونلتفت إلى الفرق ، موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارجة عن الأربع صور ، ولماذا هي خارجة ؟ لأنه في موارد الأمر بالمعروف وهي عن المنكر أنت لا دخالة لك في المنكر لأنه إذا كانت لك دخالة في المنكر فكيف تنهى عن المنكر ؟!! ، فهذه الصور الأربع مع جهل الغير أنت لك دخالة ، أما موارد ألمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي صورة سادسة غير الأربع صور المتوسطة ، فإذاً في الصورة الثالثة من الصور الأربع وهو أنَّ الأول له شرطية في فعل الغير مع جهل الغير الشيخ يقول أدلة التسبيب تشمل ، وكلامه متين ، لأنه بالتالي جهل الغير يضعف إرادته ، يعبرون وهذا من المباحث اللطيفة في علم الأصول وعلم الأخلاق وعلم الفقه وعلم العقائد بحثٌ واحد إرادة الجاهل إرادة منقوصة . نعم هذا هو الوجه الآخر استدل به الشيخ ومرّ بنا أنه تام.

أيضاً توجد أدلة أخرى استدل بها أعلام آخرون غير ما استدل به الشيخ:- نصوص وردت أيضاً في منع اطعام النجس للغير وإن كان جاهلاً كالضيف وغيره ، والنصوص تامة ، أيضاً وردت نصوص تامة في إعارة الثوب للغير ، تارة ثوب نجس تعيره وأنت تعلم فهنا تعلمه ، وتارة أنت لا تعلم حينما أعرته إليه ولكن علمت بعد ذلك أنه نجس أو تعلم أنه طرأت عليه النجاسة فهنا لا يجب عليك إخبار الغير ، أما إذا أنت تعيره وهو نجس وتعلم أنه نجس وتعلم أنه سيصلي فيه فيلزم أن تخبره ، فلاحظ هذا أيضاً من موارد قاعدة التغرير لم يذكرها الشيخ الأنصاري ، وأيضاً توجد روايات أخرى.

يعني بعبارة أخرى:- إنَّ قاعدة التغرير التي هي في الصورة الثالثة وهي مع جهل الغير هذا هو موضوع قاعدة التغرير إذا فتشنا عنها في الأبواب سنرى روايات متعددة إن لم يصدق التسبيب والإلجاء ، قاعدة التغرير في الحرام للجاهل بأن يرتكب الحرام من دون أن يعلم قاعدة مقررة في ابواب عديدة وعامة تتصيّد من موارد خاصة.

تلك الروايات وإلا بيع المتنجس على من يستحله أيضاً متعارضة أيضاً موجودة.

طبعاً كما مرّ بنا المبحث في المقام مرتبط في تطبيقه على كل الموارد مرتبط بقواعد أخرى كي يكون صداقاً لبحثنا ، مثلاً هذا المثال الذي أتيت به أهل الذمة كونه من مصاديق ما نحن فيه متوقف أوّلاً على قاعدة إذا تمت يصير من مصاديق ما نحن وإذا لم تتم فلا يصير من مصاديق ما نحن فيه وهو هل الكفار مكلفو بالفروع أم لا ، إذا بنينا على أنهم مكلفون بالفروع حينئذٍ يصير من مصاديق ما نحن فيه ويمكن أن يستدل له مثلاً بالمعاضة لما نحن فيه ، أما إذا قيل بأن الكفار ليسوا مكلفين بالفروع فلا يصير معارضاً لما نحن فيه ، ونحن وإن بنينا على أنَّ الكفار مكلفون بالفروع مطلقاً لكن مع ذلك توجد خصوصية هنا ، فإنه يوجد فرق بين النجس والتنجس فقد نلتزم في بعض المحرمات لبعض الدرجات الشارع يسوّغ فعل الأول إلى الغير بنحو الشرط مثل المتنجس لأهل الذمَّة الذين هم لا يبالون أو للصبيان كما يقال لا مانع أن يقال هناك إنه بهذه الدرجة الشارع أَذِنَ فيها أو استثناها هذا على فرض أننا لم نبنِ على التعارض في تلك الموارد وتلك الأمثلة ، إجمالاً إذاً هناك نصوص عديدة ، القاعدة الأولية ، كيف أنَّ القاعدة الأولية في التسبيب أن صيغة النهي أو الحرام دال على حرمة التسبيب إلا أن تقوم قران خاصة فهذا بحث آخر ، أما إذا لم تقم قرائن خاصة نبني على القاعدة ، فنحن لسنا في صدد عدم الاستثناءات ، ولكن هذه الاستثناءات ليست صالحة لأن تهدم القاعدة العامة المتصيدة فإن الكلام في هذا.

بعد ذلك الشيخ يذكر بالنسبة إلى الممانعة:- والممانعة لا دليل عليها إذا كان الغير جاهلاً ، ومفروضٌ أنه جاهل وفعل الأول ليس سبباً ولا إلجاءً ولا شرطاً ولكن استطيع أن أمانعه ، فالممانعة إذا لم تكن تدخله تحت الأمر المعروف والنهي عن المنكر غير لازمة إلا إذا كان الغرض عند الشارع مهم كالدماء والأعراض أو الأموال الخطيرة والنظم العام هناك الممانعة واجبة لا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنما من باب قاعدة أخرى تذكر في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلاحظ هذه كم قاعدة ، كثرة القواعد مع كثرة الموضوعات ، توجد عندنا قاعدة دفع المنكر وليس رفع المنكر ، الآن النهي عن المنكر هو رفع للمنكر ، النهي عن المنكر اصطلاحاً هو رفع للمنكر ، الأمر بالمعروف هو رفع للمعصية ، لأنه مخالف ومقصر في أداء الواجب فأرفه عنه المخالفة والتقصير ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدقة العقلية هو رفع ، أرى أنَّ الصلاة واجبة عليه من أول الوقت إلى آخر الوقت لم يصل فأقول له قم صلِّ وهو يعلم فأرفع لمخالفة ، أو في الطرف الآخر في المعصية النهي ، فباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعبر عنه بالدّقة العقلية قاعدة رفع.

وتوجد قاعدة أخرى مهمة تذكر في نفس باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومسامحةً قد يطلق عليها بعض الأعلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن بالدقة هي ليست كذلك ، وإنما يعبر عنها كثير من الفقهاء بالدّقة قاعدة دفع المنكر ، فهو قبل أن يحدث أدفعه ، أو في المعروف عملية إيجاد المعروف ، دفع المنكر أو ايجاد المعروف ، هذه قاعدة أخرى ، هذه قاعدة ايجاد المعروف أو دفع المنكر هذه قاعدة أخرى ومتى تجب هذه القاعدة ؟ إذا كان المنكر ذا أهمية عند الشارع فضلاً إذا كان بلغ الأهمية ، أيضاً إيجاد الواجب إذا كان المعروف ذو أهمية أو بالغ الأهمية ليس فقط الأمر بالمعروف لازم بل اللازم هو إيجاد المعروف ، فإذاً هناك قاعدتان قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقاعدة دفع المنكر.

فهذه قواعد لا نخلط بينها ، لذلك مكثت أياماً في تحديد الموضوع لأنه مهم ، ليس الموضوع الشبهة الموضوعية وإنما الموضوع الكلّي الشبهة الحكمية ، وأكثر الاشتباهات تصير في التباس قاعدة في مورد قاعدة هو للاشتباه في الموضوعات الكلية للقواعد او المسائل لشبهة حكمية ولكن لبُعد الموضوع ، دفع المنكر قاعدة حتى لو كان غير الجاهل مثلاً وطئ حرام فهذا يلزم أن أنبهه لأنَّ البعض لا يعلمون فهنا يلزم أن أنبهه ،كأن كان العقد فاسداً وهم يعتقدون أنه صحيح فهنا يلزم أن أنبههم أو سفك دم أو مال خطير أو من هذا القبيل ، في موارد التي فيها المنكر له أهمية فضلاً عن بالغ الأهمية قاعدة دفع المنكر تأتي ، حتى لو كان الطرف جاهلاً ، كذلك لو كان المعروف ذو أهمية ، فإذاً في الصورة الرابعة لا يسلّم الشيخ لا هي من باب الأمر بالمعروف والأمر بالمنكر مع فرض جهل الغير ولا هي من باب دفع المنكر دائماً وإنما في بعض الموارد إذا كان ذو أهمية.

هذا تمام الكلام في الصور الأربع عند الشيخ ، والأدلة تامة لا بأس بها كما ذكرنا ، وذكرنا وجوهاً أخرى غير التي ذكرها الشيخ.

الآن أصل المسألة التي كنّا فيها كمثال ، وإن كانت المسألة مخصوصة وموردها مخصوص بأدلة خاصة ولكن الفقهاء تعاملوا معها تعامل مثال بيع المتنجس والنجس للمنافع المحللة ، وذكر الشيخ أربع جهات ، الأوّلى التي ذكرها الشيخ هي أن يبيعه ليستصبح به ، وليستصبح مرّ أنه بحث وضعي يعني يبيعه بمالية المتنجس ولا يبيعه بمالية الطاهر وإلا البيع يكون باطلاً ، فهذه الجهة الأولى وضعية ، أما الجهة الثانية التي فرغنا منها للتو أي قاعدة الغرور التي هي حكم تكليفي هل تعلم الغير أو لا ؟ ، والجهة الثالثة التي يثيرها الشيخ الأنصاري أنه في الروايات هنا في الدهن المتنجس أو الدهن النجس مثل إليات الغنم إذا قطعت فتصير ميتة تصير عين النجس ، هذا عينٌ نجس طارئ ، فتوجد عندنا نجاسات عينية نجاستها طارئة ولكنه بهذه الطريق أي بالموت ، وتوجد نجاسات عينية ذاتية مثل الكلب أو الخنزير ، وهذا ذكروه في باب الطهارة والنجاسة ، الجهة الثالثة التي يثيرها الشيخ انه في الروايات قُيِّد الاستصباح بأن يكون تحت السماء لا تحت السقف ، فهل هذا القيد والشرط شرطٌ لحلية المنافع المحللة أم أنَّ هذا القيد ليس قيداً ؟ جماعة من الأعلام قالوا هذا ليس بقيد لأن تنجيس السقف ليس بحرام ، بل لا نسلّم تنجيس السقف فإنه إذا تبدل الدهن النجس إلى بخار فدهنية السقف لم تكن نجسة ولو سلمنا أنها نجسة فتنجيس السقف ليست حرام لأنها ليست محل ابتلاء فبأيّ دليل يكون تنجيس السقف حرام ؟!! فجماعة من الأعلام قالوا بأنَّ هذا القيد ليس بلازم وإنما هو ارشادي أو ما شابه ذلك ، بينما البعض الآخر قالوا بأنَّ هذا القيد هو قيد وهو الاستصباح تحت السماء ، وهذا البحث وإن كان ظاهره بحث في خصوص الده المتنجس أو الدهن النجس ولكن بالدقة هو بحث عام أن المنافع المحللة مقيدة بقيود أو لا أنَّ المنافع المحللة يجب أن ينص عليها كي يستفاد من لاعين المتنجسة أو العين النجسة أم لا ؟

فالبحث في الحقيقة يقع في هذا المضمار وهذا المجال ، يعني بعبارة أخرى أنَّ هذا البحث مرتبط بأنَّ مقدار المنافع المحللة التي يسوغ استعمال المتنجس أو النجس فيها هل لابد أن تكون منصوصة أم لا ؟ ، يعني ندخل شيئاً فشيئاً بتقديم الجهة الرابعة ولكنها جهة ثالثة ، وإن شاء الله تعالى يقع الكلام في ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo