< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الدم.

اجمالاً مسألة عذرة الانسان أو العذرة بقول مطلق الصحيح هو ما ذهب اليه متأخري الأعصار والشيخ الأنصاري معنى كلامه هنا سياقاً مع ظاهر الكلمات في العذرة يقبل كما سيأتي في الميتة أن المشهور حتى القدماء لم يفهموا من الروايات الخاصة الواردة في الأعيان النجسة واحدة واحدة منها لم يفهموا من تلك الأدلة الاطلاق في حرمة البيع والاطلاق في حرمة الانتفاع وإنما ذلك مخصوص بالمنافع المحرمة أو العين التي ليس لها منافا محللة ووأما إذا فرض لها منافع محللة ولا تصطدم بالمحرمة تكون مثلاً على تقدير آخر فلم يشكل الدماء في الانتفاع المحلل من جهة ولم يشكلوا في البيع من جهة وإن كان في جملة من كلمات المتقدمين اطلاق حرمة البيع أو اطلاق حرمة الانتفاع لكنها محمولة على الجهة المحرمة لا الاطلاق في كل الجهات ، هذا تمام الكلام في العذرة ، ولذلك حمل النهي فيها ولذلك هي قابلة للتصور أن تستلزم تقاطع بين الجهة المحللة والجهة المحرمة ، الجهة المحرمة يوجد عندنا أن البيئة يجب أن لا تتلوث بيئة الثياب أو بيئة الأكل والشرب والبدن يعني إذا كانت تؤدي إلى اهمال مثل الذين يعملون في تصفية أو تصريف المياه الثقيلة يجب عليهم أن يتوقّون أما إذا كان بنحو يصير إهمال حتى أكله أو شربه حتى لو كان من حيث لا يشعر ، فإذا كان بسبب الاهمال يؤاخذ عليه حتى صلاته ، وحينئذٍ حتى اجارته وشغله يصير فيه إشكال لأنه لم يعزل الجهة المحرمة عن الجهة المحللة ، أما إذا نفترض على جانب الجهة المحللة حملت هذه النواهي المطلقة على هذا الجانب إما أن الجهة المحرمة تسبب تلوثاً للبيئة وما شابه ذلك أما إذا فرض عزلها فلم يأخذ المشهور بالاطلاق لا سيما متأخري الاعصار.

أما العنوان الاخر الذي يعنونه الشيخ الأنصاري هو بحث الدم:- والكلام في الدم النجس الذي هو من الأعيان النجاسة ﴿ حرم عليكم الدم ﴾ ، مرّ بنا سابقاً أنَّ اسناد الحرمة في الآية الكريمة أو في الروايات إلى الدم أو إلى غير الدم اسناد استظهر منه المشهور.

والظاهر أنه بقي عندنا قاعدة الخبائث ، فنحن قد دخلنا فيها ولكن لم نكملها ، وقبل أن ندخل في بحث الدم ، لأنَّ الدم أيضاً استدل له بنفس الاستدلال ، فإنَّ تحريمه من جهة تحريم الدم وتحريمه من جهة ﴿ ويحرم عليهم الخبائث ﴾.

مرّ بنا أنَّ القول الآخر وربما استعرضنا ثلاث أقوال في قاعدة ﴿ ويحرّم عليهم الخبائث ﴾ القول الثالث وهو للسيد الخوئي بأن هذا إشارة إلى المحرمات الشرعية وليس تحريماً زائداً أو تحريم اصلي ، مثل ﴿ أطيعوا الله ﴾ فإنه عنوان ارشادي إلى نفس الأوامر الموجودة ، فهنا ﴿ ويحرم عليهم الخبائث ﴾ ، يعني اجتنبوا المحرمات فليس تحريماً تأسيسياً هكذا ربما في جلمة من كلمات السيد الخوئي بنى عليها.

وهذا مثاله قلنا هذه الشبهة ترد حتى في قاعدة حسن العدل وقبح الظلم.

ولكن الصحيح:- إنَّ ﴿ ويحرم عليهم الخبائث ﴾ الخبث في اللغة المؤذي أو الكريه ، وبالتالي الذي تتنفر منه الطباع الذي ذكروه مقابل للمؤذي و الكريه ، الآن الطبائع مختلفة هذا صحيح من طبعٍ إلى كطبع ولا يوجد عندنا مانع أن تتعدد القضية الحقيقية بتعدد ترتفع مع ارتفاع موضوعها وتنوجد مع انوجاده ، الأصل ليس كما ذكره بحر العلوم أنَّ الطبائع العرب فقط أو الجزيرة العربية الذي هم مخاطبون كلا بل كل طبع بحسبه ، الطبع الذي يعيش في مناطق صحراوية شكل والطبع الذي يعيش في مناطق أخرى شكل آخر ، فإذا كان هو ما يؤذي الطبع أو منفّر أو كريه الأصل الأولي في القضايا الشرعية أنها قضايا حقيقية تعليقية معلقة على موضوعها انوجد موضوعها تنوجد وإن ارتفع ترتفع ولا يوجد تناقض ، مثلاً الطبع حسب الطب القديم الطبع البلغمي يناسبه شيء معين والطبع السوداوي يناسبه شيء هذا - حسب اصطلاحاتهم - ، المؤذي والمضر كيف يكون مضراً ، المضر حرام ولكن المضر يختلف من طبع إلى طبع ، فبالتالي طبيعة القضايا الحقيقية أنها تدور مدار معلق على الموضوع وهذا لا مانع منه ، فالشيء قد يكون حرام بالنسبة لشخص وليس بحرام لشخص آخر وما المانع من ذلك ، هو في الشريعة إذاً حرام أو ليس بحرام ؟ يقول:- نعم هو للمضر حرام ولغير المضر ليس بحرام حسب الطباع.

ومن باب المثال:- الفلفل الحار في المناطق الرطبة ضروري ، أما في المناطق الجافة فهو خطر وتنفر منه الطباع ، ولا يوجد استبعاد أنَّ هذا في هذه الموارد ، فيصير مثل الخبث ، وفي الموارد الأخرى يصير مفيداً ونافعاً وما المانع من ذلك ، ومثل الأكل الشتوي والصيفي ، الأكل الشتوي حار الآن مثل روسيا توجد مناطق أخرى تحت الصفر ثلاثين أو أربعين درجة يأكلون الشحم ، أما أنك تعطي الشحم لشخص يعيش في مناطق حارة فهذا تنفر من الطباع ، يعني هذه الكمية يصير نوع خبث في الأكل.

يعني نستطيع أن نقول بعبارة أخرى:- إذا حملنا عنوان الخبث كعنوان وصفي يمكن حينئذٍ كاعتباره قضية حقيقية ، ولم نأخذ عنوان الخبث كعنوان مشير إلى أنواع ، الكثير من الاشكال ربما قرر في هذه الآية الشريفة أنهم جعلوا عنوان الخبث عنواناً مشيراً إلى عناوين نوعية معينة الدم خبث وغير ذلك خبث كلا بل يمكن تصوير أن بعض العناوين النوعية ملازمة للخبث دائماً مثل الدم ومثل النجاسات ، النجاسات اصلاً لامعنى النجس عند الشارع ليس فقط مبطليتها للصلاة وحرمة الأكل والشرب أصلاً حرمة الاكل والشرب هي بلحاظ خباثته ، خبث تعبّدي ، تعبد الشارع في كل طبيعة هذا النوع أما الخبث في موارد أخرى تستخبثه الطباع يمكن ان يكون عنواناً وصفياً ولا مانع من ذلك فهو ليس عنواناً نوعياً مشيراً ، يعني شيء معيّن ليس دائمتاً هو خبث بل في فروض وتقديرات عينة يصير خبثياً وفي فروض اخرى يصير طيباً تستطيبه النفي ، فالأصل الأولي إذاً في عنوان الخبث يمكن أن يكون مشيراً إلى عناوين نوعية ولو تعبدية بتعد من الشارع ويبقى اطلاقه عنوان وصفي ولا مانع من ذلك ، والعنوان الوصفي ليس شيئاً غريباً ، فهو تارة يصير خبثاً وتارة لا يصير خبثاً وما المانع من ذلك هذا جانب من تقريب وتقرير الآية الكريمة عليه ، وبالتالي الوصف اللغوي المذكور لعنوان الخبث مقارن للضر فهو مؤذي يعني ضرر ، كريه تستكرهه الطباع فيقال هذا نفس الشيء ، فهو يقارب العنوان الصوفي ، وإذا كان عنواناً وصفياً صدقه تارة ارتفاعه تارة أخرى شيء ليس فيه مانع ، نعم من نمط خاص .

شبيه إلى ذلك المكيل والموزون والمعدود ، والمثلي والقيمي ، فإنه يوجد سجال مالي في باب المعاملات بين الفقهاء أنه كيف يكون شيء في بلد مكيل وموزون إذا بيع يشترط فيه شرائط المكيل والموزون من عدم الربوية وغير ذلك ، نفس هذا الشيء إذا بريع في بلد آخر لم يكن مكيلاً أو موزوناً وإنما يكون معدودا وإذا كان معدوداً فالفقهاء لا يرون الحرمة ويرتبون آثار المعدود عليه وهي تختلف عن آثار الموزون إلا القلة من فقهاء الامامية ، هو هذا يتبع في الكيل والوزن في الجزية العربية التي هي مورد صدور النص أو غير ذلك ؟ الكلام هو الكلام والصحيح أن الكيل والوزن والعدد أو غيرها من وحدات التعيين والتحديد هذه تتبع إلى الأعراض المالية للعقلاء ، ففي هذا البلد وفرة هذا المتاع يكفيهم الكيل لكونه محدداً ولكن في بلد آخر يقل فيكون بالوزن لأن الوزن أكثر دقة من الكيل وفي بلد آخر متوفر بوفرة جداً فيكتفون بالعدد ، أو حدة أخرى أسهل من العدد ومن الكيل والوزن قد يجعلون له ولا يوجد مانع من ذلك ، لأن الأغراض المالية بحسب بيئة المعاملات تختلف ، نحن لسنا مجبورين كما أصرّ عليه القدماء بأنه إما أن نجعل الكيل في زمن النص أو الكيل في زمن البيع أو بلحاظ الأرض أو المتوسط بين ذه الأمور ، كلا بل هي شبيه القضايا الحقيقية وهذه القضايا الحقيقية تحق العنوان كيلي وزني عددي خبثي وغير ذلك هذه العناوين تتبع الظروف البيئية التكوينية وأغراض العقلاء وتشخيصهم وما شابه ذلك وهذا قابل للتصوير ، فإذا جاء تعبد معين كالنجاسات ، لأنَّ الشارع اعتبرها مطلقاً خبث فهنا لا بأس ، المسوخات مطلقاً حرام عند الشراع فلا يمكن أن نقول لطبع معين تعال استطيب المحرمات كأكل الكلاب أو المسوخات فهذا الشارع منع منه جعله من الأكل والشرب هن الخبائث مطلقاً حتى لو استطابه مزاج بشر هنا تعبداً الشارع يقول لك حرام ، وفعلاً الآن توجد تقارير دولية تقول أنَّ الكثير من الأمراض ناشئة من هذه الأمور مثل مرض ( سارس ) وهو مرض يصيب الرئة عرفوا أن سببه من أكلٍ ميعن من الخبائث عند الصينيين ، وكذلك الايدز فهم لم يعترفوا به علنا ولكن توجد تقارير خفية ولكنها تنشر بين الحين والآخر أيضاً كذلك ، وبغض النظر عن هذه التقارير وإنما تعبد الشارع فإنَّ دين الله لا يصاب بالعقول ، ربما الآن أمراض كثيرة لا يكتشفها البشر ولكنهم سوف يكتشفونها بعد آلاف السنين ، ففي موارد التعبد الشرعي نعم في الكيل في الموزون مثل الحقيقة الشرعية العنوان ثابت دائماً ، أما إذا لم تكن هناك حقيقة شرعية ثابتة فالأصل في العناوين هو ما قرروه في علم الأصول وهو انه قضية حقيقية انطبق العنوان انطبق وإن ارتفع يرتفع والأصل في المعاني أن تكون معاني تكوينية ولغوية وليست حقائق شرعية إلا أن يثبت التعبد ،.

هذا جمل تنقيح البحث في آية الخبائث كقاعدة شرعية ، وهو أنه لا يوجد تضارب مع مراعاة هذا التوفيق في الجهات الصناعية في مفاد الآية الكريمة ، هذا تمام الكلام في هذا البحث.

والشيخ طبعاً ذكر أنَّ الخبث في الروث من جهة أكله لا يعني حرمة التسميد به فإنه خبث من جهة الأكل لا من جهة أخرى فالآية الكريمة لا تدل على بطلان ابتياع الروث الطاهرة أو غير الطاهرة لأجل التسميد مثلاً التي هي جهة محللة والمفروض أنَّ الأدلة الخاصة الواردة ليست هي تعبد خاص خارجة عن القواعد العامة التي مرّت بنا مراراً.

بحث مسألة الدم النجس:- والكلام هو الكلام ، ثم بعد ذلك يأتي الدم الطاهر ، طبعاً يشترك الدم النجس مع الدم الطاهر في حرمة الأكل فسواء كان الدم طاهراً أم نجساً يحرم شربه وأكله سواء عند المشهور مما له نفس سائلة أو مما ليس له نفس سائلة ، مثلاً ما له نفس سائلة كالذبيحة الدم الذي يتخلف فيها طاهر ولكن لو جمع هذا الدم في كاس يحرم شربه مثل دم الطحال ، لأنَّ الدم محرّم أكله وهو من طقوس عبادات الشياطين وله صلة بالأبالسة والشياطين فسواء كان طاهراً او نجساً مما له نفس سائلة أو مما ليس له نفس سائلة حتى مما ليس له نفس سائلة كالسمك أو الحية لو كان يجمع الدم منها في كأس ويشربه الانسان فهذا لا يجوز لأنَّ الدم حرام ، لذلك بنى المشهور على أنَّ الدم حرام ليس فقط المتخلف في الذبيحة بل حتى دم السمك فإنه إذا صدق عليه أنه دم فحرمة الدم تشمله ، الآن توجد وجبة جديدة جاءت بالسؤال انتشر في الغرب هل حدق السمك يجوز أو لا يجوز ؟ فظاهر كلمات المشهور - يعني قيل هكذا - ، وأنا لا أريد الدخول في هذا البحث ولكن إما من باب تشخيص العناوين باعتبار أنَّ المشهور يستثنون الحدق من محرمات الذبيحة والحدق هو سواد العين وليس البياض - الشحم - ، فالحدق في الذبيحة منصوص على تحريمه والأكثر بنى على تحريمه فهل يشمل حدق السمك أو لا ؟ الصحيح أنه يشمله ، وتوجد لذلك نكات عديدة.

فالمقصود بالنسبة إلى الدم فإنَّ الدم من جهة حرمة الأكل مطلقاً هو حرام ، فالمشهور عند القدماء هو هذا ، وهو الصحيح ، وقد ذكرنا عدة مرات أنه من نفس لفظ الآية ﴿ حرم عليكم الدم ﴾ استفادوا عدّة أحكام تكليفية ووضعية ، فالبيع حرام ، والثمن حرام ، والأكل حرام ، والمساورة مع الدم حرام يعني يبطل الصلاة ، فعدة أحكام موجودة وقد ذكرها حتى العلامة الحلي في منتهى المطلب وغيره إنه عمدة أدلة المشهور هكذا ﴿ حرم عليكم الدم ولحم الخنزير ما أهل به لغير الله ﴾ وحتى في اجتناب الخمر استفادوا النجاسة من الآية الكريمة ، فالمقصود أنه جملة من الأحكام الوضعية والتكليفية المشهور استفادوها من جملة واحدة وهي ﴿ حرم عليكم الدم ﴾ أو ( الميتة ) ، هل هذا استعمال للفظ في أكثر من معنى أو أنه لم يرتبط باستعمال اللفظ في اكثر من معنى؟ إنه لا يرتبط في استعمال اللفظ في اكثر من معنى ، وقد شرح الشيخ الأنصاري ذلك في المكاسب ، لأنه في الحقيقة أن ﴿ حرم عليكم الدم ﴾ ظاهر اللفظ أنه جملة واحة ولكن بالدقة هو ليس جملة واحدة وإنما جمل متعددة ، وأين هذه الجمل ؟ يقول الشيخ الأنصاري:- ذلك بتقدير حرم عليكم أكل الميتة حرّم عليكم بيع الميتة حرّم عليكم مساورة الميتة ، فهو يقول تقدّر الافعال المناسبة المتداولة عرفاً ، فهنا الاسناد ليس إلى فعل واحد بل كل الأفعال البارزة في التداول العرفي يسند إليها الحرمة فبالتالي لا تكون بمثابة جملة واحدة ، فهذا لا يرتبط باستعمال لفظ في اكثر من معنى ، استعمال اللفظ في أكثر من معنى يعني لفظة واحدة تستعملها في أكثر من معنى وهنا لا توجد لفظة واحدة ، مثل أن أقول لك بعتك السيارة والكتاب والطاولة فهذا إسناد واحد ولكنه جمل متعددة وليس جملة واحدة ، هنا أيضاً كذلك ، فحينما يقال حرّم الدم أو حرّم الميتة فهو اسناد واحد صورةً ولكنه مثل بعتك الكتاب والطاولة والصندوق ، يعني هي جمل اسندت بفعل واحد.

فإذاً حرّمت الميتة ليس متوقفاً في الاستدلال الذي ذكره القدماء على استعمال اللفظ في اكثر من معنى بل أصلاً هو عدة جمل وعدة اسنادات . هذه نكتة لطيفة قررها المتقدمون.

حينئذٍ هنا هل نستفيد من حرمة الدم بيعة وثمنه وغير ذلك أن حرمة بيعه مطلقة أو لا ؟ ، فلاحظ أنَّ الآية الكريمة هي من محكمات القرآن ، حرمة الدم ليس من شريعة سيد الأنبياء فقط ، بل حرمة الدم والميتة والربا هذه يعتبرونها أصول المحرمات ، ﴿ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا يكون دماً مسفوحاً ....﴾ ، فهذا أصول المحرمات ، وأصول المحرمات هو من الدين وليس من الشريعة ، والذي هو من الدين بعث به جميع الأنبياء ، لأنَّ الدين لا ينسخ أما الشرائع فتنسخ ، فهذه حرمة الميتة التي هي من الدين والميتة أيضاً كذا وهلم جرا ، ولكن مع ذلك الفقهاء قالوا بأنَّ هذه الحرمة ليست مطلقة وإن كانت من أصل الدين وإن كانت من محكمات القرآن ، بل هي محمولة على القواعد الأحكم منها ، والقواعد هي أنه إذا كانت هناك منفعة محرمة فهي حرام ، فإنَّ الدم متى يحرّم ؟ إنه يحرم إذا شرب أو أُكِل ، أما الاستفادة منه في الأصباغ أو التسميد أو الاستفادة منه في أمورٍ أخرى فما المانع في ذلك ؟!! ، الآن البشر في تطورهم وحتى في القديم إن لم ينتشر في كل البلدان لكن يستفاد منه في امور كثيرة لا ترتبط بالنجاسة والطهارة ولا الأكل والشرب فما المانع من ذلك ؟!! ، لذلك بنى الكثير من متأخري الأعصار أيضاً الكلام هو الكلام ، فإنه مع أنَّ النصوص قرآنية في الم لكنهم بنوا على جواز البيع وجواز الانتفاع في الجهات المحللة وخصصوا هذه الأدلة الواردة في الحرمة في المنافع المحرمة وهي الأكل والشرب . هذا تمام الكلام في الدم.

أما حرمة الخبائث:- فالكلام فيها هو الكلام ، وقد تقدم فهي محمولة على مورد الأكل والشرب لا على الانتفاعات الأخرى المحللة.

أما الدم الطاهر:- فبطريق أوضح وأجلى وإن حرم أكله ولكنه لا تحرم الاستفادة منه في الجهات المحللة.

ندخل في المسألة اللاحقة:- وهي مسالة المني.

المني أيضاً هو عين نجسة ، فإذا كان عيناً نجسة لا مالية لها ولا غير ذلك ، وهنا الأعلام من طبقات مختلفة قالوا إنه يمكن تصوير المالية بالتفافة معاملية ، طبعاً المني قبل التلقيح يسمى عسيل الفحل أما بعد التلقيح يسمى الملاقيح هذا في الحيوانات وليس في الإنسان ، أما بعد استقراره في الرحم فهو عين نجسة فكيف يمكن المعاوضة عليه ؟

هنا توجد تخريجة عند الفقهاء:- وهي أنَّ العوض ليس على المني ، وإنما العوض على استئجار الفحل ، فإنَّ استئجاره كمنفعة هي محللة كصناعة أو تجارة أو استثمار ، فبالتالي هذه نفسها تجارة محللة ، فالإجارة تكون على الفحل وليس على المني.

وهذا تخريج آخر غير أن نقول إنَّ المني له منفعة محللة فإننا لا نحتاج إلى أن نقول المني له منفعة محللة ، بل قل إنَّ نفس الذكر من الحيوان هذه منفعة من منافعه وهو أن يقذف منيه أو أنه الفساد - والفساد يعني المقاربة بين الذكر والأنثى من الحيوانات - هي منفعة محللة ومرغوبة فيصير العوض عليها.

وهذه تخريجة لطيفة وهي أنَّ بعض الأشياء إن لم تكن لها مالية فما يصاحبها من أعيان تكون هذه منفعة لها فهي بهذا اللحاظ تكون ذات مالية ، وهذا أيضاً تخريج وفذلكة أخرى . هذا هو الكلام في المني وليس فيه شيء زائد.

وأذكر رواية في الدم نسيت أن أذكرها:- وهي رواية أبو يحيى الواسطي ، وهي مذكورة في أبواب الذبيحة وقد ذكرها الشيخ والأعلام ، وهذه الرواية ليس فيها شيء زائد وهي:- ( نهى أمير المؤمنين عليه السلام في سوق القصابين عن الطحال والدم ) ، طبعاً الدم بيعه بلحاظ الأكل والشرب ، وسبحان الله لازالت بعض شعوب تأكل الدم ، فالمغول إلى الآن أفضل أكلة عندهم أنهم يجرشون اللحم بالدم ويأكلونه ، فهو في ظاهر الحال يعطي القوة ولكن في الحقيقة هي سموم ، أو يطبخ اللحم بالدم ، هذه المنافع محرمة ، فهذا النهي الوارد في المرفوع في مستثنيات الذبيحة في أبواب الذبح في كتاب الوسائل الكلام هو الكلام ، فهي محمولة على هذا المطلب.

العنوان الآخر الذي ذكره الشيخ الأنصاري:- هو بيع الميتة.

فهل هو جائز أو حرام ؟

اطلاق كلمات المتقدمين على حرمة بيع الميتة مثل أكل الميتة ومنافعها فهي محرّمة سواء كانت ميتة ما له نفس سائلة فهذا واضح فإنها نجسة ، وقد يكون الشيء له نجاسات عديدة والعياذ بالله مثل الكلب فهو كلب وهو ميتة وهو له نفس سائلة ، فمن جهات عديدة تصير نجاسته ، أو ممسوخ ، أو جلاّل ، أو غير ذلك ، فعلى أي تقدير نجاسة الميتة مما له نفس سائلة مسلّمة ، أما ما ليس له نفس سائلة فهو طاهر وليس بنجس ولكنه مانع من موانع الصلاة ، والقدر المتيقن من كلمات المشهور في الميتة المنع عن بيع الميتة مطلقاً ، هنا الشيخ الأنصاري يتتبع كلمات القدماء كلمة بعد كلمة وقول بعد قول ، وهذا الذي يذكره الشيخ الأنصاري في الميتة هنا ليس خاصاً بالميتة بل في كل الأعيان النجسة كما مرّ بنا ، وإلا اتفاقا الأدلة الواردة في الميتة في كتاب الوسائل نصوص المنع والنهي فيها اكثر من الأعيان النجسة الأخرى وهذه نكت مهمة ، النصوص الخاصة في الميتة التي سنقرأها غداً أكثر من النصوص الواردة في الأعيان النجسة الأخرى يعني في النهي عن بيعها وتناولها ، هذه الميتة التي فيها نصوص أكثر قرآنياً وروائياً والشيخ يثبت أنَّ المشهور وإن أطلقوا إلا أنَّ في كلماتهم قيود على أنَّ حرمة البيع هي بلحاظ المنافع المحرّمة وعدم المالية هو بلحاظ المنافع المحرمة لا بلحاظ المنافع المحللة ، فإذا كان الحال كذلك في النصوص الوافرة في الميتة فكيف بك بالأعيان النجسة القليلة النصوص ، لذلك بعض الأعلام من المعاصرين من كثيري التتبع - ونعم التتبع - ذكر أن هذا الذي نذكره في الميتة هو بطريق أولى في البقية حتى وإن أطلقوا كلماتهم ، لأنه هنا النصوص وافرة في المنع وهي مطلقة لكنها حملت على المنفعة المحرمة فكيف بك في النصوص الأخرى ؟!!

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo