< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الخلل واحكامه
كان الكلام في الاستدلال على وجوب الباقي عند تعذر احد قيود المركب وقلنا قد استدل بالاستصحاب على وجوب الباقي واشكل على الاستصحاب بوجوه وقد تبين انها قابلة للنقاش واستصحاب وجوب الباقي صحيح لا اشكال فيه، وكذلك استدل بحديث الرفع في رفع الجزئية المشكوكة ويثبت وجوب الباقي بالأدلة الاولية ومن جملتها قاعدة الميسور فقد استدلوا بها على وجوب الباقي وقد ذكرت روايات للاستدلال بهذه القاعدة وهي تتلخص في ثلاث :-
الاولى النبوية المعروفة عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله فقال: يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا. فقال رجل: أفي كل عام؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ثم قال: ذروني ما تركتكم ولو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم وإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذ نهيتكم عن شيء فاجتنبوه [1]
الرواية الثانية : ما روي في كتاب عوالي اللئالي عن امير المؤمنين عليه السلام (الميسور لا يسقط بالمعسور)[2]
الرواية الثالثة : ايضا مروية بنفس العوالي عن امير المؤمنين عليه السلام (ما لا يدرك كله لا يترك كله)[3]، فقد نوقش في اسناد هذه الروايات بان الاولى عامية لم تنقل في كتبنا بل هي في كتب العامة ايضا غير نقية السند اما الروايات الاخرى فلم تكن معروفة عن القدماء حتى يكون هناك عمل للقدماء يجبر بها ضعف هذه الروايات، فالروايات من حيث السند ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها، ولكن ذهب اخرون الى ان هذه الروايات يمكن الاعتماد عليها اولا لكثرة نقلها في كتبنا وقد استدل بها وعمل بها ايضا فيمكن جبر سندها بكثرة روايتها في كتبنا مضافا الى ان هذه القاعدة ارتكازية لا نحتاج في تقريرها الى الشارع الاقدس بل يكفي عدم الردع عنها وقد ثبت التقرير بهذه الروايات فلا اشكال من هذه الجهة ايضا
الجهة الثانية : في دلالة هذه الروايات فان في الحديث الاول (اذا امرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم) فقد نوقش في دلالة هذا الحديث على قاعدة الميسور ووجوب الباقي :-
الاشكال الاول : قالوا ان هذه الرواية وردة بهذا المضمون انه لما امرهم بالحج سأله بعض الصحابة هل هو في كل عام فقال (لو قلت نعم لوجب ولو وجب لما فعلتم وما استطعتم وحينئذ لكفرتم) فأنها وردة في تطبيق الكلي على الفرد لا الكلي والجزئي فان قوله اذا امرتكم بشيء يعني باي واجب من الواجبات الكلية فاتوا منه ما استطعتم أي فرد منه وليس هو مرتبط بالكل والجزء ونحن كلامنا بالمركب الذي يتركب من اجزائه وشروطه اذا انتفى احد القيود و الرواية بقرينتها هل هو واجب في كل عام أي كلي وفرد ولا ربط له بالكل والجزء الذي هو موضوع كلامنا، فقد اجيب عن ذلك بان كلمة (الشيء) المتمحضه في العموم تشمل الكلي والفرد وتشمل الكل والجزء فلا فرق من هذه الناحية اذا امرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم فهي شاملة لكلا الموردين
الاشكال الثاني : قالوا ان كلمة (منه) من ظاهرة في التبعيض كما ان كلمة (ما) ظاهرة في الموصول الا اذا كانت قرينة صارفه تصرف (من) من التبعيض الى البيانية وتصرف (ما) من الموصولة الى الوقتية او تكون زائدة، وفي المقام قرينة موجودة تصرف كلمة (من) من التبعيضيه الى البيانية او تكون زائدة والقرينة هي سؤال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه واله في ان الحج واجب في كل عام فقال ص (اذا امرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم) ان هذا في الكلي والفردي وهما قرينة على اننا نصرف كلمة (من) عن ظهورها الى البيانية ونصرف كلمة (ما) من الموصولة الى الوقتية او نقول انها زائدة
والجواب عن ذلك : ان كلمة (من) التبعيضية لا تختص بالكل والجزء بل يجري في الكلي والفرد ايضا ولا موجب لصرفها عن ظهورها ومدلولها الى شيء اخر وقد تبين ان القرينة غير تامة في الاشكال الاول فكيف اذا كانت موجبة لصرف ظهور رفض ظاهر في رفع التبعيض وكذلك لا موجب لصرف كلمة (ما) الموصولة الى الوقتية فنقول معنى الحديث اذا امرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم يعني بعض الذي تستطيعون ولا قرينة لصرف الظهور، ولعل ما ذكره المحقق الاصفهاني من ان (من) لا تخرج عن التبعيضيه سواء كانت نسبة الشيء الى الفرد نسبة الكل الى الفرد او نسبة الكل الى الجزء فان الكلي ايضا له من العموم والشمول فان (من) ظاهرة في الاقتطاع واخراج الفرد سواء كانت نسبة هذا البعض نسبة اكل الى الفرد او نسبة الكل الى الجزء فان للكلي عموم وشمول يشمل الافراد فنقطع منه فردا وهو صحيح ومتين جدا
الاشكال الثالث : قالوا ان هذا الحديث يدل على ان السؤال هو الذي يغير الحكم وليست الاحكام مرتبطة بالمصالح والمفاسد (فإنكم لو سئلتم ذلك لوجب كل عام ولو وجب كل عام لما استطعتم وكفرتم) ومعناه ان سؤال السائلين هو الذي يغير الحكم مع ان المعروف عندنا الاحكام تابعة للمصالح والفاسد وسؤال السائلين لا يغير تلك المصالح والمفاسد وجعل تغير الاحكام بسؤال السائلين غريب
ويمكن الجواب عنه : ان هذا السؤال غريب باعتبار ان الاحكام صحيح انها تتبع المصالح والمفاسد ولكن هذا الحكم بالخصوص يتغير لأجل تعنت المعاندين والحاحهم على شيء ومثل هذا كثير بان الحكم يوضع عقاب للطرف الاخر كما ورد في سورة البقرة حيث انهم كانوا مأمورين بذبح بقرة لكن تعندهم اوجب التضيق عليهم عقاب لهم لانهم يسئلون ما لا يعنون وفي المقام كذلك، ويمكن ان نقول ان ملاك الاحكام محفوظ ولكن سؤال السائلين انما يجعل تغير الاحكام تبعا لتلك الملاكات ولا ضير في ذلك فان السؤال غريب ولا يمكن ان يقال
الاشكال الرابع : ان هذا الحديث اقصى ما يدل عليه انه جعل الكفر على عدم استطاعة الاتيان بالواجب مع ان عدم الاستطاعة مما يوجب سقوط التكليف لا انه يوجب الكفر
والجواب عن هذا : ان المراد من عدم الاستطاعة ليس عدم القدرة انما عدم الوفاء بهذا الواجب ويدل على هذا المعنى قرينة (فكفرتم) بترك هذا التكليف
الاشكال الخامس : ان اقصى ما يستفاد من هذا الحديث ان مع العجز ومع عدم القدرة انكم تأتون بالذي تتمكنون منه فانه شيء واثبات وجوب الباقي شيء اخر فان الحديث يدل مع العسر والحرج يسقط التكليف لكنه لا يدل على وجوب الباقي فانه شيء وما يدل عليه الحديث شيء اخر
الجواب عنه : ان عدم الاستطاعة سواء كان سببه العسر او الحرج او العجز فانه اذا اوجب سقوط ما لا يستطيع اتيانه فانه لا يوجب سقوط الامر بالنسبة الى الباقي فالأمر لا يسقط حينئذ فالحديث من هذه الجهة تام ولا اشكال بدلالته .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo