< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

45/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الطهارة/التيمم /موارد الفحص

ثم ان المراد بعدم الوجدان في الآية الكريمة اما عدم أتمكن من استعمال الماء، وهو لا يتحقق الا بعد الفحص واليأس وعدم الاضطرار.

واما ان يراد به عدم العثور عليه، ولكن بقرينة إضطرارية يراد به عدم الوجود المقدور، كما هو المتعارف كثيراً في استعمال هذا الأسلوب، وعليه لا يتحقق الا بعد الفحص.

فالفحص في الجملة مأخوذ في موضوع تشريع التيمم، ويشهد له جملة من النصوص الواردة في موارد مختلفة:

منها: صحيح صفوان قال: "سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء، فوجد بقدر ما يتوضأ به بمأة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها، أيشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال: لا بل يشتري"[1]

منها: خبر الحسين بن ابي طلحة قال: "سألت عبدا صالحا عليه السلام عن قول الله عز وجل: (أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا) ما حد ذلك؟ قال: فإن لم تجدوا بشراء وبغير شراء قلت: إن وجد قدر وضوء بمأة ألف أو بألف وكم بلغ؟ قال ذلك على قدر جدته"[2] .

منها: خبر ابي أيوب المروي في تفسير العياشي: "اذا رأى الماء وكان يقدر عليه ينتقض تيممّه"[3] ، وغير ذلك من الاخبار.

فإن المستفاد من مجموعها:

أولا: كون المراد من عدم الوجدان عدم الوجود المقدور مقابل الوجود المقدور الذي يكون تحت قدرته، لا مطلق الوقوف عليه كوجدان الضالة كما يحكى عن بعض المفسرين فيكون المراد عدم الوجود المقدور لا نفس عدم القدرة، والا فان حمل الوجدان على معنى القدرة خلاف الظاهر، كما هو واضح، وعليه فمع الشك يجب الاحتياط لقاعدة الاشتغال.

وان استشكل بعضهم بأن القدرة على الطهارة المائية شرط في تعلق التكليف بها، فاذا لم تحرز القدرة فلا تجب الطهارة المائية لأصالة البراءة فتتعيّن الترابية.

ويرد عليه أولا: ان اصل البراءة عن التكليف لا يجري في احراز العجز في المائية الذي هو شرط في صحة الترابية.

ثانياً: ان القدرة على امتثال التكاليف من الشرائط العقلية التي لا يرجع عند الشك فيها الى البراءة كما ثبت في الأصول، فحينئذٍ لابد في مقام الشك السعي في مقدمات الامتثال حتى يتبين العجز او يتحقق الامتثال.

وثالثاً: ان الشك في وجود الماء قبل الفحص عنه شك في الوجود الخاص فيشك في مشروعية التيمم فلا يجتزأ به عند العقل، بخلاف ما لو شك في الوجود بعد الفحص وعدم العثور عليه وعدم التمكن منه فانه حينئذ يحرز عدم الوجود الخاص فيتحقق المشروعية.

ومن اجل ذلك كله قال كثير من الفقهاء بأن وجوب الفحص وطلب الماء شرط لجواز التيمم، وقال في جامع المقاصد "لا ريب أن طلب الماء شرط لجواز التيمم، لظاهر قوله تعالى ﴿فَلَم تَجِدوا ماءً فَتَيَمَّموا﴾ وعدم الوجدان انما يكون بعد الطلب" وقد عرفت أنّ قرينة وروده مورد الاضطرار هي التي اوجبت الفحص، والا فعدم الوجدان يصدق بمجرد عدم الاستيلاء عليه وان احتمل وجوده والعثور عليه مع الطلب.

ومن جميع ذلك يظهر ضعف مقالة المحقق الاردبيلي (قده) من استحباب الطلب، مستدلاً بالأخبار التي يأتي ذكرها، النافية لوجوب الطلب والفحص. فأنها لا تصلح لمعارضة الاخبار والأدلة

التي تدل على وجوب الفحص ولا بجدية إطلاقات طهورية التراب وبدليته من الماء بعد وضوح كونه بدلاً إضطرارياً لا تتحقق شرعيته الا عند تحقق الضرورة.

 

الى اليأس (1) اذا كان في الحضر (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واما ما ذكره بعضهم من أن المراد من عدم الوجدان صرف عدم الوجود، وهو بصدق بعدمه ولو قبل الفحص فهو مردود: لأنّه مع احتمال الظفر عليه حسب الفحص المتعارف لا يصدق عدم الوجدان لا عرفاً ولا شرعاً، بل ولا عقلاً، فان المراد به عدمه في موارد احتمال وجوده لا عدمه عنده فقط وذلك لا يتحقق الا بالفحص.

وكيف كان فان وجوب الفحص ليس نفسياً ولا غيرياً حتى يكون شرطاً لصحة التيمم، وانما هو طريقي عقلي محض، إذ المناط كله على مصادفة الترابية لفقد الماء واقعاً، كما ستعرف في المسائل الاتية، فالمقام نظير وجوب التعلم في سائر الاحكام، والفحص عن موضوعات سائر التكاليف.

1_ لا اشكال في أنّ اليأس ليس حجة شرعية، وانما تسالم الفقهاء عليه من أنه الأصل في كل فحص أن يكون الى اليأس، الذي هو عبارة أخرى عن العجز العرفي عن التمكن عن امتثال التكليف الا ان يدل دليل على الخلاف من دليل شرعي، او حرج او خوف او ضيق وقت ونحو ذلك.

ولا اختصاص له بالحضر بل هو شامل لجميع موارد احتمال وجود الماء، بل هو شامل لكل الموارد التي لا يتيسر العلم فيها غالباً الا بالفحص حتى يحصل اليأس العادي.

2_ ذكر آنفاً من أنّ مقتضى القاعدة وجوب الفحص مطلقاً حتى اليأس عن الظفر به، ولا دليل على التخصيص بالحضر وغيره، كما هو مقتضى اطلاق معاقد الاجماع على وجوب الطلب التي ليست مختصة بالسفر، بل هي شاملة لجميع الأحوال. نعم، التخصيص بالغلوة والغلوتين يختص بالطلب في الأرض اما الطلب في غيرها كالقافلة والرحل فلا حدّ له الا اليأس.

وبالجملة ان التحديد الاتي يختص بطلب المسافر الماء عند احتماله في الأرض اما اذا احتمل وجوده في غيرها من جار او رفقة او غيرها فيجب الطلب الى ان يحصل اليأس. وسيأتي بقية الكلام.

والمتحصل انه يجب الطلب الى ان يعلم بعدم القدرة على الماء او ييأس منه، او يحصل حرج او ضرر عليه، فاذا لم يحصل شيء من الأمور المذكورة وجب الطلب الى ان يحصل له عنوان عدم الوجدان عرفاً فيشرع له التيمم حينئذٍ على التفصيل الاتي.


[3] نفس المصدر، باب19، ح6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo