< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

45/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الطهارة/التيمم /فصل في التيمم

فصل في التيمم ويسوغه العجز عن استعمال الماء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في التيمم

قسّم الفقهاء (قدهم) الطهارة تبعاً للأخبار الواردة عن المعصومين عليهم السلام الى قسمين: الطهارة المائية والطهارة الترابية، والمسماة بالتيمّم وفي الحديث: التراب احد الطهورين، وقد تقدم الكلام في القسم الأول على نحو التفصيل.

واما القسم الثاني: فقد قضت الضرورة الدينية بطهوريته لدى الضرورة في الجملة.

والاصل في تشريع التيمم الكتاب الكريم مثل قوله تبارك وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾[1]

وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[2]

والمستفاد من قوله تعالى: ﴿ما يريد الله ليجعل عليكم حرج﴾ الوارد في مقام الامتنان، بل من سياق الآيتين -بواسطة المناسبات المغروسة في الاذهان فضلاً عن الأدلة الخارجية- إطراد مشروعية التيمّم في سائر مواقع الضرورة، وعدم اختصاصها بالمورد المذكور في الآية الشريفة.

وتخصيص تلك الموارد بالذكر لأجل تحقق الضرورة فيها غالباً، والا فالمناط مطلق تعذّر استعمال الماء عقلاً او شرعاً، بل تعسّره ايضاً في الجملة، وسيأتي تفصيل ذلك ان شاء الله تعالى.

والسنة المتواترة التي منها: معتبرة أبان بن عثمان عن ابي عبد الله عليه السلام قال: "إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا صلى الله عليه وآله شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (إلى أن قال:) وجعل له الأرض مسجدا وطهورا"[3] .

ومنها: ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: "أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، و نصرت بالرعب، وأحل لي المغنم، وأعطيت جوامع الكلم، وأعطيت الشفاعة"[4] ، الى غير ذلك من الاخبار التي سنتعرّض لها في المباحث القادمة، ويعضدها اجماع المسلمين.

ثم ان الكلام في هذا الموضوع يقع في مقامات:

المقام الأول: في مسوغات التيمّم:

وقد اختلف الفقهاء (قدست اسرارهم) في بيان مسوغ التيمّم، ففي الشرائع "ما يصّح معه التيمم ضروب: عدم الماء، وعدم الوصلة اليه، والخوف" وفي القواعد: "مسوغاته يجمعها شيء واحد، وهو العجز عن استعمال الماء"، ثم ذكر ان أسباب العجز ثلاثة، وذكر الأمور الثلاثة المذكورة، ونحوه ما ذكره في التذكرة والمنتهى، وتبعه عليه جماعة منهم صاحب الجواهر، والمصنّف وغيرهما.

وقد اشكل عليها بأن موارد الحرج الذي يشرع معه التيمم ليست من العجز، وكذلك موارد الضرر الذي لا يحرم ارتكابه، مثل الضرر المالي او البدني اذا لم يمنع من ارتكابه العقلاء، كما يذكره المصنّف في المسوغ الخامس.

والصحيح ان لفظ العجز لم يرد في شيء من الأدلة، وانما المذكور فيها، قوله تعالى: "فلم تجدوا ماءً"، وقد أشرنا آنفاً بأن المراد منه عدم التمكن من استعمال الماء بقرينة ذكر المرض في نفس الآية الكريمة، وما ورد في الحديث "او يكون يخاف على نفسه من برد"[5] ، وانما ذكر لفظ العجز في كلمات بعض الفقهاء لبيان الجامع لتمام المسوغات التي يتناولونها بالتفصيل بعد ذلك.

ولكن يمكن توجيه ما ورد في عباراتهم، بأن للعجز مراتب متفاوتة كثيرة، سواء كانت عقلية ام شرعية ام عرفية، فيشمل موارد الحرج والضرر، وخوف الشين التي يشرع التيمم فيها، فلا اشكال حينئذٍ.

اما الآية الشريفة في سورتي النساء والمائدة التي تقدم ذكرهما فقد اختلف العلماء في تفسيرهما، بعد الاتفاق منهم بأن الخطاب فيها متوجه الى المحدث قطعاً، لأنها في مقام تشريع الطهارة بقرينة ذكر الحدث الأكبر، وقوله تعالى "او جاء أحدٌ منكم من الغائط".

الا ان الآيتين تختلفان من ناحيتين:

احدهما: أن آية النساء لم يرد فيها كلمة (منه) بخلاف آية المائدة حيث ورد فيها "فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه".

الثاني: ان ظاهر آية النساء فيه اجمال لأن جمع فيها أموراً أربعة عطف بعضها على بعض ب (او) المقتضية لا لاستقلال كل واحد منها في السببية، مع ان سببية أحد الاولين مشروطة بأحد الأخيرين.


[5] نفس المصدر، باب5، ح7.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo