< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

45/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الطهارة/الميت /مسألة12

 

نعم له الرجوع عن إذنه بعد الوضع في القبر قبل أن يسد بالتراب، هذا إذا لم يكن الإذن في عقد لازم، وإلا ليس له الرجوع مطلقا

مسألة12: إذا خرج الميت - المدفون في ملك الغير بإذنه - بنبش نابش أو سيل أو سبع أو نحو ذلك لا يجب عليه الرضا والإذن بدفنه ثانيا في ذلك المكان، بل له الرجوع عن إذنه إلا إذا كان لازما عليه بعقد لازم (1)

مسألة13: إذا دفن في مكان مباح فخرج بأحد المذكورات لا يجب دفنه ثانيا في ذلك المكان، بل يجوز أن يدفن في مكان آخر (2) والأحوط الاستئذان من الولي في الدفن الثاني أيضا (3) نعم إذا كان عظما مجردا أو نحو ذلك لا يبعد عدم اعتبار إذنه (4) وإن كان أحوط مع إمكانه.

مسألة14: يكره إخفاء موت إنسان من أولاده وأقربائه إلا إذا كانت هناك جهة رجحان فيه (5)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1_ لقاعدة السلطنة، ولعموم ما دل على وجوب الوفاء بالعقود.

2_ لإطلاق أدلة الدفن، ويقتضيه الأصل ايضاً.

3_ لعموم ما دل على وجوب الاستئذان من الولي، ووجه التردد احتمال الانصراف عن الدفن الثاني لغرض حصول الاذن منه ابتداءً، نعم لو كان في الدفن الثاني خصوصية زائدة يحتاج الى الاذن حينئذٍ.

4_ لكون احتمال الانصراف عن هذه الصورة قوياً.

5_ لما ورد في خبر ابن سيابة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "لا تكتموا موت ميت من المؤمنين مات في غيبته لتعتد زوجته ويقسم ميراثه"[1] ، ولكنه محمول على الكراهة اجماعاً وربّما يحرم، وقد يستحب الكتمان لجهات خارجية.

مسألة15: من الأمكنة التي يستحب الدفن فيها ويجوز النقل إليها الحرم ومكة أرجح من سائر مواضعه. وفي بعض الأخبار أن الدفن في الحرم يوجب الأمن من الفزع الأكبر، وفي بعضها استحباب نقل الميت من عرفات إلى مكة المعظمة (1)

مسألة16: ينبغي للمؤمن إعداد قبر لنفسه، سواء كان في حال المرض أو الصحة، ويرجح أن يدخل قبره ويقرأ القرآن فيه (2)

مسألة17: يستحب بذل الأرض لدفن المؤمن (3) كما يستحب بذل الكفن له، وإن كان غنيا، ففي الخبر: " من كفن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة "

مسألة18: يستحب المباشرة لحفر قبر المؤمن، ففي الخبر: " من حفر لمؤمن قبرا كان كمن بوأه بيتا موافقا إلى يوم القيامة " (4)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1_ فإن مكة المكرمة من الحرم، وهي أقرب الى البيت الشريف، وقال السيد الوالد (قده): لم نجد لفظة مكة فيما تفحصنا في الاخبار عاجلاً.

2_ اقتداءً بالسلف الصالح الذي كان بعضهم يلتزم بذلك، وأنّه يوجب تذكر الاخرة، ويمكن أن يشمله إطلاق قوله تعالى ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾[2] ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾[3]

3_ تأسياً بإبراهيم الخليل عليه السلام وأمير المؤمنين عليه السلام كما في الخبرين ابي الجارود وعقبة بن علقمة وغيره[4]

4_ وفي خبر آخر عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال: "من احتفر لمسلم قبرا محتسبا حرمه الله على النار وبوأه بيتا من الجنة، وأورده حوضا فيه من الأباريق عدد نجوم السماء عرضه ما بين أيلة وصنعاء"[5]

 

ختام: وفيه أمور:

الأول: قال السيد الوالد (قده): مقتضى الاطلاق عدم الفرق فيما مرّ من التلقين وغيره من المندوبات والمكروهات بين المكلّف وغيره، لانه تلقين عقائد حسنه ينتفع منها الميت مطلقاً، وان كان مقتضى بعض التعليلات من أنّه يدفع به سؤال منكر ونكير، الاختصاص بالمكلف، لكن يمكن حمله على الحكمة لا العلة الحقيقية، كما في وضع الجريدتين حيث إنهما توضعان على الصغير والكبير.

الثاني: لو مات شخص مجهول الحال، فإن كان في بلد الإسلام يحكم عليه به وتجري عليه أحكامه، للقاعدة المعروفة في الفقه -تغليب الإسلام- الا مع وجود أمارة معتبرة على الخلاف فيجب اتباعها لا محالة، هذا في مجهول الحال بالنسبة الى الإسلام، واما مجهول الحال بين المؤمن والمنافق فقد تقدم حكمه.

الثالث: مقتضى الاطلاقات جواز المشي بين القبور مع النعّل والخف ونحوهما، خصوصاً بعد اطلاق قوله صلى الله عليه واله "يسمع قرع نعالكم" ولكن مقتضى الخضوع والتأدب خلع النعل لا سيما مع خلع علي عليه السلام نعله في التشييع، هذا كله ما يتعلق بجسد الانسان بعد مفارقة الروح عنه.

واما النفس والروح الإنساني سواء قبل تعلقه بالجسد أم بعد مفارقته عنه، فهو من آيات الله سبحانه وتعالى الذي لم يمكن الانسان الوصول الى حقيقته مع كل الجهود الذي بذله في هذا السبيل حتى وصل الامر الى سؤال الرسول الأعظم عنه، فنزل قوله تعالى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا﴾[6]

وقال السيد الوالد (قده) في هذا الموضوع: واما النفس والروح الإنساني، فقد تحيّرت فيهما العقول واعترفت بالعجز عن الوصول الى كنه معرفتهما الاعلام الفحول، ولم يزل العلماء من متكلميهم وحكيمهم الإلهي وفيلسوفهم الطبيعي من قديمهم وحديثهم، وهم يبذلون في كشف هذا اللغز، ولا يزدادون الا تحيراً واعترافاً منهم بالعجز والقصور.

وقد جمع علي بن يونس العاملي (رحمه الله) جملة من أقوالهم في كتاب أسماه (الباب المفتوح الى ما قيل في النفس والروح) وغالبها عليل، بل على خلاف جملة منها الدليل، ولعل أقربها الى الصواب ما ذكره الحكيم السبزواري (رحمه الله) وإنّها بحت وجود ظلّ حق عندي وذا فوق التجرد انطلق

وقال السيد الوالد (رحمه الله): وهو المطابق لنتيجة أبحاث الحكماء المحققين ورياضات العرفاء الشامخين بعد طول الجهد في البحث والتحقيق ورياضاتهم، ولولا الخروج عن مباحث الفقه لتعرضت لكلماتهم مع ما فيها من النقص والابرام، ومع ذلك لم يظهر الواقع المستور، وكيف ينكشف شيء أراد الله اخفاءه، كما تدل الآية المزبورة.

وقال الصادق عليه السلام حين سُأل عن الروح، فقال عليه السلام: "هي من قدرته من الملكوت"[7] ، وقال ايضاً "هي كالكلل محيطة بالبدن"[8] .

ولا يخفى ان الروح أصل الانسان وحقيقته، ولابد ان يكون اهتمام الانسان باستكماله، لأنه الذي يوصله الى الكمال المنشود ويدرك الحياة الأبدية، وقد اهتمت الأديان الإلهية لا سيما الدين الإسلامي والشريعة المقدسة المحمدية صلى الله عليه واله بتكميل الروح، أشدّ من كل شيء، ولم يكن تشريع العبادات والمجاهدات والرياضات انما هي لتكميل الروح، وعلم الفقه والعمل به من أهم الطرق للوصول الى الهدف المنشود، نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل بها.


[4] راجع الوسائل، باب12، أبواب الدفن، وراجع المستدرك، باب12، أبواب الدفن.
[7] تفسير العياشي.
[8] الاحتجاج، ج1، ص111، ط الحجرية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo