< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بـحـث الـتــقــيــة.

ذكرنا من جملة الشبهات انهم قالوا ان التقية هي وقوف منع لمسيرة الحق والوصول الى الحكم فهذه الشبهة صدرت حتى من الامامية فانهم يقولون ان التقية انتكاسة للحق وعدم وصول اهل الحق الى مرادهم ومرامهم.

ولكن ذكرنا الجواب عن ذلك ان التقية ليس كذلك بل التقية استدامة للحق والتقية عز لأهل الحق وحفظ اهل الحق وحفظ لتراث اهل الحق ، الا انه لما كان الظلم شديد على اهل الحق وكان الاضطهاد قوي عليهم فقد لا يرى اهل الحق شيئا صحيحا في المقام ، فان السؤال يرجع في الحقيقة الى انه لماذا دائما اهل الباطل هم الغالبون واهل العدل والحق هم المغلوبون؟

مع ان الناموس الطبيعي التشريعي ينادي بأعلى صوته وفصيح لسانه ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾[1] ، فما هو السر في ذلك؟

الا ان الجواب عن هذا انما اذا اردنا ان نذكر الجواب المعروف ان الدنيا فانية بالنسبة الى الدار الاخرى فإنها لا تسمى حياة ابدا فان الدار الاخرة لهي الحيوان فان الحيوان صيغة مبالغة فكل معنى للحياة هي هناك ، فهذه الدنيا الفانية مهما طال امدها فهي قصيرة فهي ليست بشيء مقابل الدار الاخرة فلذا قالوا ان هذه الدنيا تكون للظالمين والكن العقبى للمؤمنين واهل الحق الا انه لا يوافق ذوق اهل هذا العصر فيقولون ان الدنيا مخلوقة لله تبارك وتعلى كما ان الاخرة مخلوقة له فلماذا تعطى الدنيا لأهل الفسق والفجور ولا يكون لأهل الخير حظ فيها.

والجواب الفلسفي في هذا يرجع الى شيء واحد وهو ان هذه الدنيا انما اهل الحق فيها مقيدون بقيود العقل وقيود الشرع لا يتعدون منهج الشرع ابدا اذا ربما يكون عند اهل الباطل مباحة لهم ويعملونها ولكن هذا الامر لا يعملونه اهل الحق والدليل على ذلك قول امامنا امير المؤمنين (عليه السلام) ((قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لاَ حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ))[2] .

وهذا هو السر الحقيقي في ذلك ولا يمكن الوصول الى الحكم في دار الدنيا فاذا امكننا عمل الحيل فحينئذ لا فرق بيننا وبين اهل الشر وصرنا مثلهم واما اذا تركنا هذه الحيل وقيدناها بحدود الشرع وقيود العقل فان هذه الحيل ينتهزها غيرهم.

وهناك سر اخر يتقبله اهل الذوق من العرفانيين ان هذه الدنيا مهما طالت وكان فيها ما فيها الا انها بالنسبة الى الدهر والسرمد والاحقاب الازلية والابدية ليست شيئا ابدا فهي كلمح البصر بالنسبة اليها.

حدث محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه ((قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه) في جماعة فيهم علي بن عيسى القصري, فقام إليه رجل فقال له: إني أريد أن أسألك عن شيء. فقال: سل عما بدا لك. فقال الرجل: اخبرنا عن الحسين بن علي (عليه السلام) أهو ولي الله؟ قال: نعم. قال: اخبرني عن قاتله لعنه الله هو عدو الله؟ قال: نعم. قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه على وليه؟ فقال له أبو القاسم (رحمه الله): افهم عني ما أقول لك اعلم أن الله عز وجل لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام، ولكنه عز وجل يبعث إليهم رسلا من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم، لو بعث رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الاسواق قالوا لهم: انتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله، فنعلم انكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الانذار والاعذار فغرق من طغى وتمرد، ومنهم من اُلقي في النار فكانت عليه بردا وسلاما، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى من ضرعها لبنا. ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون. وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون، ومنهم من أبرأ الأكمه والابرص واحيى الموتى بإذن الله وانباهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك، فلما آتوا بمثل ذلك وعجز الخلق عن أمرهم وعن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عز وجل ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه القدرة والمعجزات في حالة غالبين، وفي أُخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين، وفي حال مقهورين، ولو جعلهم الله عز وجل في جميع أحوالهم غالبين قاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحنة والإختبار، ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم؛ ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد أن لهم (عليهم السلام) إلها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدونه ويطيعون رسله، وتكون حجة الله ثابتة على من تجاوز، اتحد فيهم وادعى لهم الربوبية، أوعاند وخالف وعصى وجحد ما أتت به الرسل والانبياء: ﴿ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة﴾.

قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح قدس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي: أترى ذكر ما ذكر يوم امس من عند نفسه فابتدأني فقال: يا محمد بن إبراهيم لئن اخّر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق احب إليّ من أن أقول في دين الله برأيي أو من عند نفسي، بل ذلك على الأصل ومسموع من الحجة (صلوات الله وسلامه عليه)[3] .

فهذا سر استيلاء اهل الباطل على السلطة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo