< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات الإستصحاب

الخلاصة:

     الكلام في: القرعة وتعارضها مع الاستصحاب.

     ويقع الكلام فيها في أربعة أمور: الأمر الأوّل: في أدلّة القرعة. الأمر الثاني: هل هي أمارة أو أصل عملي. الأمر الثالث: في مقدار دلالة دليلها وموارد جريانها. الأمر الرابع: في بيان نسبتها مع الاستصحاب.

     الكلام في: الأمر الثالث في القرعة.

     أما تتمة الكلام في الأمر الثالث، والأمر والرابع في القرعة، فيأتيان في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

 

الأمر الثالث: في مقدار دلالة أخبار القرعة.والظاهر من تتبع روايات القرعة وموارد جريانها:هي أنه لا تجري في الشبهات الحكمية قطعاً سواء البدوية منها أو المقرونة بالعلم الإجمالي: لأن الشبهة الحكمية إذا لم يكن في موردها أمارة، فإن كانت لها حالة سابقة وقد لاحظها الشارع، فالمرجع فيها هو الاستصحاب، وان لم يكن لها حالة سابقة أو كان ولم يلاحظها الشارع، فإن كان الشك في التكليف فالمرجع هو البراءة، وان كان الشك في المكلف به، فالمرجع هو قاعدة الاحتياط. وأمّا التخيير في موارد دوران الأمر بين المحذورين، فهو راجع في الحقيقة إلى البراءة لأن التخيير هو البراءة عن الوجوب والحرمة. كما أنها لا تجري في الشبهات الموضوعية البدوية بالاتفاق: لأن الشبهة فيها انما تكون في انطباق عنوان ما هو موضوع الحكم، كالخمر ونحوها على الموضوع الخارجي، والمرجع فيها أصالة الحل أو أصالة الطهارة.ولعل السرّ في ذلك: هو أن المستفاد من الروايات الواردة في الباب أن موردها اشتباه الموضوع الخارجي بين شيئين أو الاشياء، فإنه وان لم يوجد في الروايات ما اشتهر في الألسنة من أن «القرعة لكل أمر مشتبه»، إلّا أن المتحصل من مجموعها أن موردها الشبهة الموضوعية المقرونة بالعلم الإجمالي الذي لا يمكن فيه الاحتياط.نعم، قد جرت القرعة في بعض الموارد مع إمكان الاحتياط: وذلك للنص الخاص كما في رواية محمد بن عيسى عن الرجل (عليه السّلام): « أنّه سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة ؟ قال إن عرفها ذبحها ، وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً ، حتّى يقع السهم بها ، فتذبح ، وتحرق ، وقد نجت سائرها.[1] ».وهي ضعيفة بجهالة محمد بن عيسى، إذ لم يعلم أنه ابن عبيد اليقطيني الثقة، وان كان المظنون ذلك إلّا أن الظن لا يغني عن الحق شيئاً، فإن هذه الرواية دلّت على أن القطيع يجعل نصفين ثم يقرع بينهما، فما جاءت به القرعة يجعل نصفين أيضاً، ثم يقرع بينهما، وهكذا إلى أن يتعيّن الموطوء فيجتنب عنه وينجو الباقي. ولولا النص الخاص الوارد في ذلك، لكان مقتضى القاعدة هو الاجتناب عن الجميع، كما لو وقعت نجاسة مثلاً، في إناء فيه زيت أو سمن أو خل واشتبه في عدّة أواني منها، فإنه يجب عليه الاجتناب عن الجميع، ولا فرق بين هذه الصورة وبين مثال الشاة الموطوءة إلّا النص.كما أنه في بعض الموارد: وان كان مقتضى القاعدة فيها هو القرعة إلّا أنه يعمل فيها بقاعدة «العدل والإنصاف» وذلك في موردين للنص الخاص:المورد الأول: ما ورد في موثق السكوني عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام): «في رجل استودع رجلاً دينارين فاستودعه آخر ديناراً فضاع دينار منها. قال: يعطى صاحب الدينارين ديناراً ويقسّم الآخر بينهما نصفين»[2] .وكذا ما كان من هذا القبيل من الدراهم ممّا اقتضت التثليث.المورد الثاني: فيما لو تداعى شخصان دابة أو بعيراً، وأقام كل منهما بيّنة على مدعاه، ولم تكن العين في يد أحدهما، بل كانت في يد ثالث، أو كانت أيديهما معاً. وقد وردت بذلك، روايات كثيرة:منها: موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السّلام): «ان رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في دابة في أيديهما وأقام كل واحد منهما البيّنة أنها نتجت عنده فأحلفهما عليّ (عليه السّلام) فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقّاما البينة، فقال: أحلفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعاً جعلتهما بينهما نصفين. قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعاً البيّنة، قال: اقض بها للحالف الذي هي في بيده»[3] .والرواية معتبرة فإن الخشاب – أي حسن بن موسى الخشاب- ممدوح مدحاً معتدّاً به. كما أن غياث بن كلوب ثقة. وقد اقتضت قاعدة «العدل والإنصاف» التنصيف في هذا المورد، وفي غير هذين الموردين، فيرجع إلى القرعة.

أما تتمة الكلام في الأمر الثالث، والأمر والرابع في القرعة، فيأتيان في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo