< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات الإستصحاب 87

الخلاصة:

     الكلام في: أصالة الصّحة.

     يقع الكلام في عدة أمور: الأمر السابع.

     أما الأمر الثامن، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

 

الأمر السابع:

اعلم أن صحّة كل شيء بحسبه: فصحّة الإيجاب عبارة عن كونه واجداً للشرائط المعتبرة فيه من كونه بصيغة الماضي والعربية -بناءً على اعتبارهما- ونحو ذلك، وأمّا تحقق القبول بعده، فهو ليس ممّا يعتبر في صحّة الإيجاب بل الإيجاب ان وقع واجداً لما يعتبر فيه فهو صحيح -تعقّبه القبول أو لم يتعقبه- فإن صحّة الإيجاب عبارة عن أنه وقع على ما ينبغي أن يقع عليه، بحيث لو تعقّبه القبول لكان مؤثراً في النقل والانتقال، وليس معنى صحّة الإيجاب وقوع القبول عقيبه، كما أنه ليس معنى صحّة القبول وقوع الإيجاب قبله.

وقد اتضح ممّا ذكرناه: أن صحّة العقد المركب من الإيجاب والقبول غير صحّة كل من الإيجاب والقبول منفرداً. وعليه: فأصالة الصحّة في الإيجاب لا تثبت وقوع القبول.

ومن هنا: يظهر المنافاة في بعض عبائر الشيخ الأعظم (رحمه الله): حيث يظهر منه في بعضها أن أصالة الصحّة في فعل أحد الطرفين تثبت صحّة الفعل في الطرف الآخر. وفي بعضها الآخر، يظهر منها أن أصالة الصحّة في فعل الموجب لا تثبت فعل القابل. ويرد عليه: ما عرفته من أن صحّة كل شيء بحسبه، وصحّة الجزء عبارة عن كونه قابلاً للجزئية ولا يثبت بأصالة الصحّة في الجزء وجود الجزء الآخر ولا صحته، فصحّة الإيجاب تأهليّة، بمعنى أنه لو انضم إليه القبول لكان العقد المركب منهما مؤثراً فجريان أصالة الصحّة في الإيجاب لا تثبت وجود القبول ولا صحّـته. ويترتب على هذا الكلام: أنه لو شك في صحّة الهبة أو بيع الصرف والسلم من جهة الشك في تحقق القبض فلا يمكن اثبات القبض بجريان أصالة الصحّة في الهبة وفي بيع الصرف والسلم، لأن صحّة العقد ليس إلّا عبارة عن تمامية العقد بما هو عقد من حيث اقتضائه للتأثير، وهذا المعنى متحقق ولو مع اليقين بعدم حصول القبض في المجلس في بيع الصرف والسلم ونحوهما.

وبعبارة أخرى: ان الصحّة في العقد ليست إلّا تأهليّة، معناها كون العقد بحيث لو تعقّبه ما يتوقف عليه الصحّة الفعلية من القبض ونحوه، لكان مؤثراً فعلياً في النقل والانتقال، لا أن الصحّة فيه بمعنى المؤثرية الفعلية، حتى يقال: إن القبض لمّا لم يكن من أجزاء السبب بل من شرائط نفوذه وتأثيره، فالصحة الفعلية فيه حينئذٍ تكون مشكوكة بلحاظ الشك في تحقق ما هو شرط نفوذه وتأثيره، فلا مانع من إجراء أصالة الصحّة الفعلية فيه، والحكم بترتب النقل والانتقال في بيع الصرف والسلم. فإنه يقال: إن القبض وان لم يكن من أجزاء السبب إلّا أنه لا تجري فيه أصالة الصحّة الفعلية مع الشك في تحقق القبض، لأن العقد حين حدوثه مع الشك في تحقق القبض لا تكون الصحّة فيه إلّا تأهليّة لا فعلية.

هذا كلّه بناءً على ما هو المشهور بين الأعلام: من كون القبض في الهبة والصرف والسلم ناقلاً من حين حدوثه لا كاشفاً عن تحقق الملكية والنقل والانتقال من حين العقد بالكشف الحقيقي، كما قيل به في إجازة المالك في عقد الفضولي، وإلا لو كان القبض في الهبة والصرف والسلم من قبيل الشرائط المتأخرة كاشفاً عن تحقق الملكية والنقل والانتقال من حين العقد، لكان للتمسك بأصالة الصحّة الفعلية عند الشك في تحقق القبض في عقد الهبة والصرف والسلم وجه وجيه. ولكن لا يخفى عليك: أن القبض في الهبة وبيع الصرف والسلم ليس من قبيل الشرائط المتأخرة. كما يظهر ذلك بوضوح من مراجعة الأدلّة.

وممّا ذكرنا: يتضح الحال أيضاً في بيع الراهن -أي صاحب العين المرهونة عند استدانته للمال مثلاً، من الدائن الذي هو المرتهن- مع الشك في اذن المرتهن أو مع الشك في تقدم البيع على رجوع المرتهن عن اذنه وتأخره، فإن أصالة الصحّة في بيع الراهن لا تثبت اذن المرتهن أو تقدم البيع على الرجوع بل مقتضى ما ذكرناه سابقاً هو عدم جريان أصالة الصحّة في بيع الراهن في المثال، للشك في صدوره ممّن له الولاية والسلطنة على البيع أي شك في قابلية الفاعل وأهليته. وبالجملة: فلم يحرز قابلية البائع حين بيع الرهن لاحتمال عدم اذن المرتهن أو احتمال كون الرجوع عن الإذن قبل البيع، فلا يكون الراهن مأذوناً من قبل المرتهن، وأيضاً لا يصّح التمسك باستصحاب بقاء الإذن إلى زمان وقوع البيع لأنه معارض باستصحاب عدم وقوع البيع إلى زمان الرجوع، فلا بدّ حينئذٍ من الرجوع إلى أصل آخر، وهو أصالة بقاء ملكية الراهن وعدم الانتقال إلى المشتري فيحكم بفساد البيع حينئذٍ.

وممّا ذكرنا: يتضح لك أيضاً الحال في بيع الوقف، عند الشك في عروض ما يسوّغ معه بيعه، ولو كان البائع هو الوليّ، فإن بيع الوقف لو خليّ وطبعه لمّا كان مبنياً على الفساد، لامتناع طبع الوقف بعنوانه الأولي عن قابلية النقل والانتقال، فاحتجنا حينئذٍ إلى صحّة بيعه إلى طروّ ما يسوّغ معه البيع. ومع الشك في ذلك، فلا تجري أصالة الصحّة لإن الشك راجع إلى قابلية المعقود عليه للنقل والانتقال. وقد ذكرنا سابقاً، انه إذا كان للشرط دخل في قابلية النقل والانتقال، فلا تجري فيه أصالة الصحّة. والله العالم.

 

أما الأمر الثامن، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo