< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

38/02/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مناقشة أدلة البرائة

ونحوها من المستقلات العقلية الواقعة في سلسلة علل الأحكام، وان كان كلامك راجعا إلى منع الكبرى أي عدم حجّية مدركات العقل أصلا. فهو ممنوع أيضا وقد ذكرنا سابقا وجه المنع فلا حاجة للإعادة، وعليه فلا اشكال في الحكم بالوجوب والحرمة عند ادراك العقل للمصالح والمفاسد الملزمة التامة.

وبالجملة لا وجه لنفي الملازمة بهذه المرسلة والانصاف عدم صحّة الاستدلال بالمرسلة لضعفها سندا ودلالة لاحتمال كون المراد من الورود هو الصدور كما عن صاحب الكفاية، ولا يمكن نفي هذا الاحتمال ومع هذا الاحتمال لا يصح الاستدلال للبرائة كما تقدم توضيحه.

نعم ما رواه الشيخ في الامالي من أن الأشياء مطلقة ما لم يرد عليك أمر أو نهي تام الدلالة، لأن المراد من الورود هو الوصول لوضوح كون المراد من لفظ ما لم يرد عليك أي ما لم يصل إليك، ولكنك عرفت أنه ضعيف سندا بجهالة عدّة من الرواة الواقعين في السند والله العالم.

ومن جملة الروايات التي استدل بها للبرائة صحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (ع) في حديث: (أن رجلا أعجميا دخل المسجد يلبّي وعليه قميصه. فقال لأبي عبد الله (ع): أني كنت رجلا أعمل بيدي واجتمعت لي نفقة فحيث أحج لم أسأل أحدا عن شيء وأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي وان حجّي فاسد وان عليّ بدنة. فقال له: متى لبست قميصك أبعد ما لبيّت أم قبل. قال: قبل أن ألبي. قال: فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه طف بالبيت سبعا وصل ركعتين عند مقام إبراهيم (ع) واسع بين الصفا والمروة وقصّر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج واصنع كما يصنع الناس)[1] .

ثم ان جماعة من الاعلام عبروا عن الرواية بالخبر ممّا يشعر بخلل في السند. وقال الشيخ حسن في المنتقى: (وهذا الحديث بحسب الظاهر اسناده من الصحيح المشهوري وعند التحقيق يرى أنه معلل لأن المعهود من رواية موسى بن القاسم عن أصحاب أبي عبد الله (ع) الذين لم يتأخروا إلى زمن الرضا (ع) أن يكون بالواسطة وعبد الصمد بن بشر منهم. وبالجملة فالشك حاصل في اتصال الطريق لشيوع التوهم في مثله وفقد المساعد على نفيه)[2] .

والانصاف أن هذا التوهم في غير محلّه. وتحقيقه في علم الفقه، ووجه الاستدلال بها هي أنها دالّة على نفي البأس وعدم العقوبة على ارتكاب ما لا يعلم حرمته. وقد يشكل في المقام بأن الاستدلال مبني على كون المراد بالجهالة ما يقابل العلم وهو غير معلوم، إذ من المحتمل أن تكون المراد منها هي السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره عن عاقل، كما في قوله تعالى: ﴿ انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما[3] ، وقد روى الطبرسي في مجمع البيان عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (كل ذنب عمله العبد وان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربّه. فقد حكى الله تعالى قول يوسف لأخوته: ﴿ هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ﴾[4] ، فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله)[5] .

وفيه أولا أن الرواية ضعيفة بالإرسال. وثانيا ان اطلاق الجهالة على السفاهة يحتاج إلى قرينة ففي كل مورد قامت القرينة على ذلك نأخذ بها وإلا فمعنى الجهالة هو ما يقابل العلم. وثالثا انه واضح جدا كون المراد من الجهالة في الصحيحة هو عدم العلم لا السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره عن عاقل. والخلاصة ان الاستدلال بالصحيحة لا غبار عليه من هذه الجهة.

وأورد الشيخ على الاستدلال بالصحيحة بأن الباء في قوله (ع): (بجهالة) ظاهر في السببيّة للارتكاب فيختص بالغافل والجاهل المركب ولا يشمل الجاهل البسيط المحتمل لكون فعله صوابا أو خطأ. ويردّ عليه ان ما ذكره في وجه التخصيص بالجاهل المركب والغافل من ظهور الباء في السببيّة. آت في الجهل البسيط أيضا لكونه هو السبب في الارتكاب بمقتضى حكم عقله بقبح العقاب بلا بيان.

وعليه فحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان هو السبب في الارتكاب فلا اشكال حينئذ. نعم لو كان المراد بالجهالة هو الجهل بمطلق الوظيفة الفعلية لأشكل التمّسك بالصحيحة على المطلوب لورود أدلة الاحتياط عليها بناء على تمامية تلك الأدلة، ثم لا يخفى أن قوله(ع): (أي رجل ركب أمرا بجهالة ...الخ)[6] لا يختص بموردها بل هي قاعدة عامة في معذورية الجاهل الاّ ما أخرجه الدليل والله العالم.

ومن جملة الروايات أيضا المستدل بها على البرائة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم(ع) قال: (سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممّن لا تحل له أبدا. فقال: لا أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعدما تنقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك. فقلت: بأي الجهالتين يعذر بجهالته ان ذلك محرّم عليه أم بجهالته أنها في عدّة. فقال: احدى الجهالتين أهون من الآخر الجهالة بأن الله حرّم ذلك عليه وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها. فقلت: وهو في الأخرى معذور. قال: نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها. فقلت: فإن كان أحدهما متعمدا والآخر بجهل. فقال: الذي تعمّد لا يحل له ان يرجع إلى صاحبه أبدا)[7] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo