< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

38/02/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مناقشة أدلة البرائة

ورواه الشيخ في أماليه عن الصادق (ع) مسندا، هكذا: (الأشياء مطلقة ما لم يرد عليك أمر أو نهي)[1] ، ولكن الرواية ضعيفة بجهالة عدّة من الأشخاص. قال الشيخ الانصاري – بعد ذكره المرسلة- :و(دلالته على المطلوب أوضح من الكل وظاهره عدم وجوب الاحتياط، لان الظاهر إرادة ورود النهي في الشيء من حيث هو لا من حيث كونه مجهول الحكم، فإن تمّ ما سيأتي من أدلة الاحتياط دلالة وسندا وجب ملاحظة التعارض بينها وبين هذه الرواية ...الخ)[2] ولكن صاحب الكفاية والشيخ النائيني وجماعة كثيرة من الأصوليين قالوا: (إن هذه الرواية لا يصلح الاستدلال بها على المطلب فضلا عن أن تكون أظهر ما في الباب).

أقول: تارة يكون الورود بمعنى الصدور أي صدور الحكم من المولى سبحانه وتعالى المقابل للسكوت، وأخرى يكون بمعنى الوصول أي وصول الحكم إلى المكلف المساوق لعلمه به، فإذا كان الورود بالمعنى الأوّل أي الصدور فلا يصح الاستدلال بالرواية على البرائة لأن معنى الحديث هكذا: (كل شيء مطلق أي مباح واقعا ما لم يبيّن الله حكمه) أي كل شيء مباح واقعا ما دام مسكوتا عنه من قبل المولى.

وعليه فالحديث يكون أجنبيا عن البرائة ويكون من أدلة ما اشتهر على الألسن. ونسبه الشيخ الصدوق إلى دين الإمامية من أن الأصل في الأشياء هو الإباحة إلى أن يرد فيه النهي لا الحظر كما ذهب إليه جماعة، حيث قالوا: إن الأصل في الأشياء هو الحظر حتى يرد من الشارع ما يدل على الإباحة وقد استدلوا بأن كل شيء من الممكنات ملك لله سبحانه وتعالى، ولا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه. ونحن قد ذكرنا في أوائل المقصد السابع في الأصول العملية أن البحث عن مسألة الحظر والإباحة ناظر إلى حكم الأشياء قبل ورود البيان، بمعنى أن البحث عن مسألة الحظر والإباحة انما هو بلحاظ ما يستقل به العقل مع قطع النظر عن ورود البيان من الشارع في حكم الأشياء والبحث عن البرائة والإشتغال انما يكون بعد لحاظ ما ورد من الشارع في حكم الأشياء.

وبالجملة فإذا كان الورود في الحديث بمعنى الصدور فيكون من أدلة القول بالإباحة المقابل للحظر ويكون خارجا عن محل البحث وهو البرائة، وان كان الورود بمعنى الوصول فيصح الاستدلال على البرائة- مع قطع النظر عن ضعف السند-لأنه يدل على ان كل شيء لم يعلم حرمته فهو مباح أي مباح ظاهرا مقابل الإباحة الواقعية. وقد ذكرنا سابقا ان الإباحة الظاهرية موضوعها الشيء المشتبه حكمه أي موضوعها الشك في الحكم الواقعي.

والخلاصة ان معنى الحديث بناء على كون الورود بمعنى الوصول هو أن كل شيء مشتبه الحكم مباح ظاهرا ما لم يصل إلى المكلف نهي عن ذلك الشيء بخصوصه، وبذلك يتمّ الاستدلال به على البرائة وهو وان كان مختصا بالشبهة التحريمية إلاّ أنه لا إشكال بالاستدلال به من هذه الجهة فإن عمدة الخلاف بين الأصوليين والأخبارييّن انما هي في الشبهة التحريمية، وأمّا الشبهة الوجوبية فوافق الاخباريون الأصوليين في عدم وجوب الاحتياط فيها إلاّ القليل منهم كالمحدث الاسترابادي فإنه المنفرد من بين الاخباريين بوجوب الاحتياط فيها. ثم أنه مع قطع النظر عن ذلك فإنه يمكن الاستدلال بهذا الحديث على البرائة في الشبهة الوجوبية من باب عدم القول بالفصل.

إذا عرفت ذلك فهل الورود في الحديث بمعنى الصدور أو بمعنى الوصول وقبل بيان ذلك نقول أن الوجه في عدم استدلال صاحب الكفاية بهذا الحديث على البرائة هو أنه يحتمل ان يكون المراد من الورود هو الصدور أي كل شيء مباح واقعا حتى يصدر فيه نهي من المولى وان لم يصل إلينا، ومع هذا الاحتمال لا يصح الاستدلال لأن الكلام في الإباحة الظاهرية وفي كون الورود بمعنى الوصول. وعليه فبما لم يحرز هذا العنوان فلا يصح التمسّك بهذا الحديث لأنه من قبيل التمسك بالعام بالشبهة المصداقية ومن المعلوم أننا نحتمل الورود بمعنى الصدور في كل شبهة حكمية.

والخلاصة أنه لا بدّ من العلم من كون الورود بمعنى الوصول حتى يصح التمسك بالحديث وبما أننا نحتمل أن يكون الورود بمعنى الصدور فلم يحرز العنوان، وأما وجه عدم استدلال الميرزا النائيني بهذه الحديث فقد استظهر أن الورود في الحديث الشريف بمعنى الصدور فيكون ارشادا لما حكم به العقل من ان الأصل في الأشياء هو الإباحة أي كل شيء مباحا واقعا ما لم يصدر فيه نهي من المولى ويكون أجنبيا حينئذ عن محل الكلام.

وأما آقا ضياء الدين العراقي فقد ذكر ان احتمال كون المراد من الورود هو مجرّد ورود النهي واقعا لا وصوله إلى المكلف فغير بعيد عن ظاهر الرواية، ثم قال: (بعد ذلك وأما توهم بعد الاحتمال المزبور في نفسه لأوله إلى توضيح الواضح لكون مفاده حينئذ ان ما لم يرد فيه نهي لا نهي فيه ومثله ممّا يبعد جدّا عن مساق الرواية الظاهرة في مقام التوسعة على العباد، فيتعيّن الاحتمال الاوّل ويتم معه الاستدلال بها على المطلوب، فمدفوع بمنع أوله إلى توضيح الواضح فإن مفادها حينئذ انما هو نفي الحرمة الفعلية في الشيء قبل ورود النهي عنه، ولو مع وجدانه لمقتضيات الحرمة من المفاسد ومن المعلوم ان بيان هذه الجهة لا يكون من قبيل بيان البديهيات والثمرة المترتبة عليه انما هو نفي ما يدعيه القائل بالملازمة. ويترتب عليه عدم جواز الاتيان بالشيء الذي أدرك العقل حسنه بداعي الامر به شرعا وعدم جواز ترك ما أدرك العقل قبحه عن داعي النهى الشرعي لكونه من التشريع المحرم)[3] .

وفيه ما لا يخفى وقبل الرد عليه، نقول: انه لا ريب في توقف حكم العقل بحسن شيء أو قبحه على إحراز علّته التامة من المقتضى والشرط وعدم المانع فبدون إحراز هذه الأمور الثلاثة لا يحكم العقل بشيء من الحسن والقبح ومع إحرازها لا يعقل عدم حكمه به لاستحالة تخلّف المعلول عن علّته التامة.

إذا عرفت ذلك فنقول للمحقق العراقي ما مرادك من عدم جواز الاتيان بالشيء الذي أدرك العقل حسنه بداعي الأمر به ومن عدم جواز ترك ما أدرك العقل قبحه بداعي النهي الشرعي، ان كان كلامك يرجع إلى منع الصغرى أي قصور العقل عن ادراك المقتضيات والشرائط والموانع بنحو السلب الكلي فهو ممنوع أشدّ المنع لاستقلاله بحسن العدل والإحسان وقبح الظلم والعدوان.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo