< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/12/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الإستدلال على البراءة

إن قلت كيف يمكن التمسّك بالإطلاق مع وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب، حيث إن القدر المتيقن منه بقرينة السياق إنما هو خصوص المال. وهو مانع من الأخذ بإطلاق الموصول.

قلت قد ذكرنا في مبحث المطلق والمقيد أن القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يضّر بالإطلاق، خلافا لصاحب الكفاية فراجع ما ذكرناه، فإنه مهم.

إن قلت أيضا إن غاية ما يستفاد من الآية الشريفة إنما هو نفي الكلفة والمشقة من قبل التكاليف المجهولة غير الواصلة إلى المكلف لا نفي الكلفة مطلقا ولو من قبل جعل إيجاب الإحتياط فمفاد الآية الشريفة مساوق لكبرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وهذا لا يضرّ بالإخباري القائل بالإحتياط، إذ هو إنما يدعى إثبات الكلفة والمشقة على المكلف من جهة جعل إيجاب الإحتياط الواصل إلى المكلف بدعوى دلالة الأخبار على وجوب الإحتياط عند الشك.

قلت إن المستفاد من الآية الشريفة هو نفي الكلفة والمشقة سواء كانت الكلفة والمشقة من قبل التكاليف المجهولة غير الواصلة أو من قبل جعل إيجاب الإحتياط والله العالم.

ومن جملة الآيات التي استدل بها للقول بالبرائة قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرما على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دما مسفوحا او لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به)[1] . وجه الإستدلال بها أن اليهود والمشركين حيث حرّموا على أنفسهم طائفة من الأنعام كالبحيرة والسائبة والحام وغيرها، فنزلت الآية الشريفة لتلقين النبي (ص) طريق الردّ عليهم وأنه مع عدم وجود هذه المذكورات في جملة المحرمات يكون تحريمها تشريعا وإفتراءا على الله تعالى، فدلت الآية الشريفة على الترخيص في ارتكاب كل ما لم يعلم حرمته، فإن عدم وجدانه (ص) وان كان دليلا قطعيا على عدم وجوده فيما أوحي إليه إلا أن في العدول عن عدم الوجود إلى هذا العنوان دلالة على كفاية ذلك في الترخيص في الإرتكاب ويلزمه عدم وجوب الإحتياط عند الشك لكونه لازم ترخيصه في ارتكاب المشكوك.

ومن هنا استدل بها الإمام الصادق (ع) على حليّة ما لم تثبت حرمته، ففي صحيحة محمد بن مسلم قال (سألت أبا عبد الله (ع) عن الجرّي والمارماهي والزّمّير وما ليس له قشر حرام هو. فقال يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الأنعام: (قل لا أجد فيما أوحي إليّ ...) قال فقرأتها حتى فرغت منها. فقال إنما الحرام ما حرّم الله ورسوله في كتابه ولكن قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها).[2] وقد استند الشهيد الثاني إلى هذه الصحيحة وغيرها من الروايات على حلية ما ليس له فلس من السمك.

أقول أوّلا ان استناد الشهيد الثاني إلى هذه الصحيحة في حليّة ما ليس له فلس من السمك في غير محله لأن هذه الصحيحة محمولة على التقية لوجود أكثر من ثلاثة وعشرين رواية دالة على اعتبار الفلس في حلية السمك، وقد وردت هذه الروايات بألسنة مختلفة منها النهي عن الجرّي وهو نوع من السمك لا فلس له.

ومنها ما دلّ على اعتبار الفلس، ومنها ما دلّ على النهي عن بيع الجرّي والمارماهي، وان أمير المؤمنين (ع) كان يضرب بالدّرة من رآه يبيع ذلك، ومنها ما دلّ على ان تحريم الجرّي من الإيمان، ومنها ما دلّ ان تحريم الجريّ وكل سمك لا يكون له فلس هو محض الإيمان، وغير ذلك من العناوين الكثيرة.

وثانيا ان عدوله تعالى عن التعبير بعدم الوجود إلى عدم الوجدان وان كان لا يخلو عن إشعار بالمطلب إلا أنه لم يصل إلى حدّ الظهور، ومن هنا قال الشيخ الأعظم (ره): (لكن الإنصاف ان غاية الأمر أن يكون في العدول عن التعبير عن عدم الوجود إلى عدم الوجدان إشارة إلى المطلب وأمّا الدلالة فلا)[3] .انتهى

ولكن تأمل المحقق الخراساني في حاشيته في هذا الإشعار حيث ذكر بأنه من المحتمل كون النكتة في التعبير بذلك هو تلقين النبي(ص) أن يجادلهم بالتي هي أحسن لما في التعبير بعدم الوجدان من مراعاة الآدب ما ليس في التعبير بعدم الوجود.

ولكن الإنصاف ان هذا الإحتمال لا يمنع من الإشعار المذكور، والذي يهون الخطب ان الإشعار ليس بحجّة وإنما الحجّية للظهور وهي ظاهرة بأن عدم وجدانه (ص) دليل على الإباحة الواقعية، وهذا اجنبي عما نحن فيه من إثبات الإباحة الظاهرية لما جهل حكمه الواقعي والله العالم.

ثم أنه قد استدل للبرائة بآيات أخر إلا أن الإنصاف لا دلالة لها على ذلك، ومن هنا كان الأجدر عدم التعرض لها.

قوله: (وأما السنة فبروايات منها: حديث الرفع، حيث عدّ (ما لايعلمون) من التسعة المرفوعة فيه، فالالزام المجهول ممّا لا يعلمون فهو مرفوع فعلا وان كان ثابتا واقعا فلا مؤاخذة عليه قطعا ...الخ).[4]

المعروف بين الأعلام قديما وحديثا ان عمدة الأخبار التي استدل بها على البرائة هو حديث الرفع، فقد روى الشيخ الصدوق في التوحيد والخصال عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن سهل بن عبد الله عن حريز عن أبي عبد الله (ع) انه قال: قال رسول الله (ص): (رفع عن أمتي تسعة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطرّوا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة)[5] وفي التوحيد حمّاد بن عيسى بدل سهل بن اليسع بن عبد الله الأشعري. ورواه في الكافي عن الحسين بن محمد عن محمد بن أحمد النهدي رفعه عن أبي عبد الله (ع).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo