< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

وقد تقدم أن إثبات هذه الدلالة يتوقف على إثبات كون الشرط علة تامة ومنحصرة للجزاء، وتقدم أيضا أن التمامية ثابتة بالإطلاق الواوي؛ إذ لو لم يكن الشرط علة تامة للجزاء، بأن كان الشرط جزء علة له، لذكر المولى بقية أجزائها؛ إذ الفرض أنه في مقام بيان تمام مراده. كما تقدم أن الانحصار ثابت بالإطلاق الأوي؛ إذ لو لم يكن الشرط علة منحصرة للجزاء، بأن كان ثمة علل تامة أخرى له، لذكرها المولى؛ إذ الفرض أنه في مقام بيان تمام مراده.
أما إشكال صاحب الكفاية بعدم جريان الإطلاق لانخرام المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة، وهي كون المتكلم في مقام البيان، فقد دفعناه بالاستناد إلى الأصل العقلائي الذي يستند إليه العقلاء في حال الشك في كون المتكلم في مقام البيان، وهو ما تبانوا عليه من أنه حال الشك يحمل كلامه على أنه في مقام البيان، وإلا لم يبق حجر على حجر.
ثانيا: إن التنظير بالوجوب التعييني في محله؛ فإن الإطلاق الأوي في صيغة الأمر؛ كما في أمر المولى بالتكفير عن الإفطار العمدي في شهر رمضان: (صم)، يثبت أنه يتعين على المفطر التكفير بالصوم دون غيره؛ إذ لو كان غير الصوم مجزيا، والفرض أن المولى في مقام البيان، لذكره المولى، فعدم ذكره كاشف بالإطلاق الأوي على تعيّنه، لأن التخيير يحتاج إلى مؤنة زائدة، وهو العطف ﺑ(أو)؛ كأن يقول: (صم أو أطعم أو أعتق)، والإطلاق لا يفي به. وكذا الحال في القضية الشرطية؛ فإن المولى علَّق وجوب الإكرام على المجيء، فلو كان ثمة علة أخرى، والفرض أنه في مقام البيان، لذكرها المولى، فعدم ذكره لأية علة أخرى كاشف بالإطلاق الأوي على انحصار العلية بالمجيء.
هذا تمام الكلام فيما يتعلق بإطلاق الشرط، وهو واف في إثبات مفهوم القضية الشرطية.وهناك إطلاق آخر يمكن الاستناد إليه أيضا، وهو إطلاق الجزاء؛ فإن وجوب الإكرام مقيد بالمجيء وحده، ومطلق من الجهات الأخرى غير المجيء، فثبت بالإطلاق الواوي والأوي أن المجيء علة تامة ومنحصرة للحكم؛ إذ لو كان ثمة جزء علة متتم للمجيء، أو كان ثمة علة أخرى تامة له، لذكرها المولى؛ إذ الفرض أنه في مقام البيان.
وبعبارة أخرى: لما قيِّد الجزاء بذلك الشرط بخصوصه، ولم يقيد بشيء آخر، لا على نحو الاشتراك، بأن جُعل شيء آخر مجامعا لذلك الشرط قيدا للجزاء، ولا على نحو الاستقلال، بأن جعل شيء آخر موجبا لترتب الجزاء عليه، ولو عند انفراده وعدم مجامعته لما جعل في القضية شرطا، علمنا أن الشرط حينئذ علة منحصرة له، ومقتضى ذلك هو دوران الجزاء مدار ما جعل شرطا في القضية؛ بحيث ينتفي عند انتفائه. وعليه، فمقدمات الحكمة مما تجري من ناحية الجزاء من حيث عدم تقييده بغير ما جعل في القضية من الشرط، والله العالم.
وعليه، لو سلمنا مع صاحب الكفاية أن إطلاق الشرط لا يثبت المفهوم للقضية الشرطية؛ ذلك أن دلالته على الانحصار وعدمه على حد سواء، فإطلاق الجزاء حاضر لإثبات ذلك.
يبقى أن نشير إلى ما أشكله السيد الخوئي على أستاذه الميرزا النائيني، ناسبا له أنه استند في إثبات المفهوم للقضية الشرطية إلى إطلاق الشرط، مع أن الظاهر في فوائده أنه استند إلى إطلاق الجزاء.
ومهما يكن من شيء، فقد أشكل السيد الخوئي بأنه لو كان إطلاق الشرط كافيا في إثبات مفهوم القضية الشرطية، للزم أن يكون لكل قضية مقيدة بقيد مفهوم؛ فلو قال الشارع: (أكرم العالم العادل)، فالقيد لا يخلو من أن يكون مطلقا في الكلام، ولم يذكر المتكلم عدلا له؛ كالمثال المزبور، أو ذكر عدلا له؛ كقولنا: (أكرم العالم العادل أو الهاشمي)، فالقضية على الأول تدل على أن الحكم الثابت للعالم مقيد بقيد واحد، وهو العدالة، وعلى الثاني تدل على أنه مقيد بأحد القيدين، وهما العدالة والهاشمية.وبما أن التقييد بأحدهما على البدل يحتاج إلى بيان زائد في الكلام؛ كالعطف ﺑ(أو) أو نحوه، كان مقتضى الإطلاق القيد وعدم ذكر عدل له انحصاره به؛ أي بما هو مذكور في القضية، وإلا لكان على المولى البيان. ومن الطبيعي أنه لا فرق في ذلك بين كون القضية شرطية أو وصفية أو ما شاكلها.
والجواب:إن هذه المقايسة بين القضية الشرطية والوصفية في غير محله؛ لضرورة أن الشرط قيد للحكم لا لموضوعه، ومن هنا دل انتفاء الشرط على انتفاء الحكم بالمفهوم؛ إذ المقيد عدم بعدم قيده، أما في القضية الوصفية فالقيد، وهو الوصف، راجع إلى موضوع الحكم، وهو العالم، فهو مرتبط به لا بالحكم ليدل انتفاؤه على انتفائه، فتأمل.
فالخلاصة: إن للقضية الشرطية مفهوما، إلا أن قامت قرينة على الخلاف، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo