< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/07/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الأمر الثامن: في متعلق النهي
قال صاحب الكفاية: "إن متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة، أوجزأها،أوشرطهاالخارجعنها،أووصفها الملازم لها؛ كالجهر والإخفات للقراءة، أو وصفها الغير الملازم؛ كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة عنها. لا ريب في دخول القسم الأول في محل النـزاع".
بعد أن عرفت أنه لا أصل في المسألة الأصولية يعين الفساد أو عدمه مع غياب الدليل الاجتهادي على أحدهما، سواء في العبادات أم المعاملات، وأن الأصل في المسألة الفرعية هو الفساد، سواء في المعاملات أم العبادات، ينتقل البحث في هذا الأمر عن أقسام متعلق النهي لنبين ما هو الداخل منها في محل النـزاع.
أما بالنسبة إلى العبادات، فالنهي عنها على خمسة أقسام:
الأول: أن يكون متعلق النهي ذات العبادة؛ فإما أن يكون النهي عن ذاتها لنفسها؛ كالنهي عن الصلاة أيام الحيض، والنهي عن صوم العيدين، وإما أن يكون النهي عن ذاتها لجزئها أو لشرطها أو لوصفها الملازم لها؛ حيث يكون الجزء والشرط والوصف حينئذ واسطة في ثبوت النهي للعبادة.
الثاني: أن يكون متعلق النهي جزء العبادة؛ كالنهي عن قراءة العزائم في الفريضة، فإن قراءة السورة جزء من الصلاة، وفي ذلك وردت موثقة سماعة قال: "من قرأ (اقرأ باسم ربك ) فإذا ختمها فليسجد - إلى أن قال - ولا تقرأ في الفريضة، اقرأ في التطوع"([1]).
الثالث: أن يكون متعلق النهي شرط العبادة؛ كالنهي عن التوضؤ والغسل بالماء المغصوب؛ فإن الوضوء أو الغسل شرط في صحة الصلاة.
الرابع: أن يكون متعلق النهي وصفا لازما للعبادة أو لجزئها؛ كالنهي عن الجهر بالقراءة في فريضتي الظهرين، فإن الجهر بالقراءة وصف ملازم للقراءة.
الخامس: أن يكون متعلق النهي وصفا مفارقا للعبادة أو لجزئها؛ كالنهي عن الغصبية في أكوان الصلاة، فإن الغصبية وصف لأكوان الصلاة، ولكنه ليس ملازما لها.
أما القسم الأول، وهو النهي عن ذات العبادة لنفسها أو لجزئها أو لشرطها أو لوصفها الملازم، فقد أشرنا أنه داخل في محل النـزاع، وأنه لا إشكال في أن النهي عن هذا القسم يقتضي الفساد مطلقا؛ أي سواء صححنا العبادة بقصد امتثال الأمر، أم صححناها بقصد الملاك؛ إذ بناء على الأول لا أمر بعد ورود النهي ليقصد امتثاله، وبناء على الثاني؛ حتى لو سلمنا ببقاء الملاك بعد سقوط الأمر، إلا أنه ملاك مغلوب بملاك النهي، فلا يمكن أن يكون مؤثرا في الصحة. فضلا عما تقدم من أن نهي الشارع عن شيء يعني أنه مبغوض له ومبعِّد عنه، فلا يعقل أن يكون مصداقا للعبادة التي يشترط فيها خلوص المحبوبية والمقرِّبية.
ومن هنا اتفق الأعلام على أن النهي الحقيقي عن ذات العبادة سواء لنفسها أم لجزئها أم لشرطها أم لوصفها، مع كون هذه الأمور وساطة في الثبوت، يقتضي فسادها.
ثم نشير بأن الحرمة مرة تكون ذاتيه؛ بأن يكون في نفس الفعل المحرم حزازة ومبغوضية، فيكون إتيانه محرما سواء قصد امتثال الأمر أم لا، وأخرى تكون تشريعية؛ بأن لا يكون في نفس الفعل الخارجي حزازة ومبغوضية، بل الحزازة والمبغوضية في الفعل القلبي، وهو إسناد الحكم إلى الشارع؛ كحرمة صلاة الحائض، فإن الحزازة والمبغوضية ليستا في نفس الصلاة الخارجية التي قد تصدر عن الحائض، بل في قصد امتثالها بأمر صادر عن الشارع، ومن هنا لا تكون صلاتها محرمة فيما لو أتت بها بقصد التمرين لا بقصد امتثال الأمر.
ومن المعلوم أن التشريع قبيح عقلا؛ لأن ظلم للمولى وتعد على ساحته المقدسة، فيحكم العقل بقبحه، وبالملازمة العقلية بين حكم العقل وحكم الشرع يحكم الشارع بحرمته. والحكم العقلي هنا واقع في سلسلة العلل الشرعية، وليس حكمه هنا كحكمه بقبح المعصية، فإن حكمه فيها واقع في سلسلة المعلولات، ولذا لا يستتبعه حكم شرعي.
وعليه، فنسأل: إن كانت الحرمة تشريعية، وبالتالي لم تكن مفسدة في الفعل؛ لأن النهي وارد على التشريع، وهو من أفعال القلوب، لا على ذات الفعل، فلو فرضنا بقاء الملاك بعد سقوط الأمر، فما المانع حينئذ من تصحيح العبادة بقصد ملاكها ولا توجد مفسدة غالبة عليه؟
يجيب الميرزا بأنه لما كانت صحة العبادة تتوقف على ثلاثة شروط هي: الحسن الفعلي، والحسن الفاعلي، وأن يضاف الفعل إلى الله، فإن العبادة في صورة حرمتها التشريعية فاسدة وإن كان ملاكها موجودا؛ فصحيح أنه بناء على الحرمة التشريعية لا يكون نفس الفعل قبيحا، إلا أن لزوم التشريع المحرم من فعله يجعل إيجاده قبيحا، فتفسد العبادة بانخرام الشرط الثاني من الشروط التي تتوقف عليها صحتها، وهو الحسن الفاعلي.
وفيه: إننا لم نشترط في صحة العبادة الحسن الفاعلي، ومن هنا لا يكون جواب الميرزا نافعا لنا، وإنما جوابنا:
أولا: لا دليل على بقاء الملاك بعد سقوط الأمر، وبالتالي لا يمكن تصحيح العبادة بقصد ملاك لم نحرز ثبوته.
ثانيا: سلمنا بوجود الملاك، إلا أن ذلك غير كاف في تصحيح العبادة بعد سريان قبح التشريع إلى الفعل نفسه بشهادة العقلاء على ذلك، فيكون الفعل تشريعا عمليا وافتراء على الله، فيكون حينئذ أقبح من التشريع القلبي، وحيث لا يمكن حينئذ أن يكون هذا الفعل القبيح مصداقا للعبادة التي يشترط فيها الحسن الفعلي، فتبطل بلا إشكال.
فالإنصاف: إنه لا فرق بين الحرمة الذاتية والتشريعية بالنسبة إلى القسم الأول من النهي عن العبادة في اقتضاء فسادها.
أما القسم الثاني، وهو النهي عن جزء العبادة، فيقول: "وكذا القسم الثاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة، إلا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها، إلا مع الاقتصار عليه، لا مع الإتيان بغيره مما لا نهي عنه، إلا أن يستلزم محذورا آخر".
أي وكذا يدخل القسم الثاني من النهي، وهو النهي عن جزء العبادة، في محل النـزاع، فإن النهي عن قراءة العزائم في الفريضة يوجب فساد هذا الجزء فيما لو قرأها المصلي. ولكن هل تفسد الصلاة بفساد جزئها؟
فصَّل صاحب الكفاية بين إتيانه وعدم إتيانه بسورة أخرى؛ حيث أبطل الصلاة في الصورة الثانية؛ لعدم انطباق المأتي به مع المأمور به، وصححها في الصورة الأولى ما لم تبطل بعنوان آخر؛ كالزيادة في الصلاة.



[1] وسائل الشيعة، ج6، ص105، أبواب القراءة في الصلاة، ب40، ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo